شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
العوام
من يندس بين طبقة العوام غراراً يلق متعة ويلق انشراحا ويلق درسا حافلا بالعبر فياضا بالعظات حريا بالانكباب عليه وتحليله والخروج منه بفائدة تجمع إلى اللهو البرئ لذة المعرفة والاكتشاف.
ان العامى يرسل نفسه على سجيتها إرسالا فطريا لا تعمّل فيه ولا اصطناع ويكاشف محدثه بدخيلته مكاشفة لا يضغطها خبث التهذيب ولا يكفها ذكاء العلم ودهاؤه.
يتنسم الإنسان مع العامة في جو ان يكن فيه جهل وفيه غباوة وغلظة فان فيه سذاجة حلوة وفيه صراحة نبيلة وفيه فوق ذلك انعاش وتطريب ونفع.
خرجت البارحة من مقر عملى وقد آدنى التعب الجسمانى والارهاق الفكرى فأخذت سمتى إلى الدار علنى أجد فيها الارتياح والنشاط من ذلك العمل المضني المتواصل الذي أَذبل زهرة عمري فيه بين أوراق كئيبة صامتة فبصرت أمامها بجماعة يجذب المار اليها روحها الخفيف وحديثها العذب المستساغ وجدلها الفكه الذي يحمى وطيسه حينا ويفتر حينا آخر على أسباب مضحكة تافهة يمجها المتعلم ويستسخفها العاقل، ولكن هاته الجماعة البسيطة المدارك تأْبي إِلا أَن ترى هذه الأسباب عنصراً خصباً لا يجدب، ومنبعا ثرا لا ينضب لجدل حار ومناقشة رشيقة وخصومة مستملحة وضحكات تتفرقع في الهواء، وينعكس مفعولها إلى صدورهم وأعصابهم فيغذيها بمادة منعشة مبهجة ذات قوة وامتاع.
اعتقد أن للرجوع إلى الطبيعة والترامي في أحضانها ونبذ تقاليد المدنية وقيودها فوائد للبشرية لا تقدر، فاذا كانت المدنية تصقل الفكر وتنمى الذكاء فانها تلقى على الروح حجابا صفيقا بغيضا يزيد في مكر الإنسان وخبثه وحيطته، الا أنه يظلم آفاق النفس ويحجر الضمير، ويخلق من الحمل الوديع الساذج ثعلبانا ذكيا غداراً.
لقد نرى المتعلم أصوب تقديراً وأكثر حصافة وأنقى تفكيراً ولكن غير المتعلم في الغالب أنقى سريرة وأشرف نفسا. وأولى للانسان أن يكون جاهلا شريفا من أن يكون متعلما خداعا:
* * *
 
طباعة

تعليق

 القراءات :390  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 173 من 181
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

ديوان الشامي

[الأعمال الكاملة: 1992]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج