شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
قوة الارادة في الإنسان
صلاح كل أمة انما يكون بالعلم الصحيح، والعلم الصحيح لاينال الابالسعى والادراك، والسعى يتطلب عملا، والعمل لا يكون الا بالصبر والمجالدة في طرائقه، وهاتان الصفتان انما هما نتيجة الارادة القوية التى تعزم على صاحبها بالمثابرة فيما يعمل وتدفعه إلى اقتحام ما يعرض أمامه دون نوال مبتغاه.
ولقد خلق الإنسان في هذه الحياة ليغامر فيها ويجدّ، والحياة حافلة بأسباب السعادة وهي في متدارك كل أحد، ولكن دون ذلك مراحل أهوال، ومتاعب، وشقاء، لا بد من اجتيازها. وليس للانسان سلاح يقوى عليها به سوى تلك القوة الكامنة في نفسه (الارادة) فاذا أحسن استعمالها، واستفزها بالحركة الدئمة، والعمل المستمر، المثمر، ظهرت نتيجتها وأثرت في كل ما أمامها من صعوبات كما تؤثر قوة الكهرباء في كل ما تمسه واذا أهملها بانتحال العجز والكسل ضعفت وكبر عليها كل أمر وعسر عليها كل عمل، وتغلب عليها كل شئ بسيط.
فالارادة ـ إذن ـ هي النقطة الأساسية في حركات الحياة وأطوارها، وعلى قوتها تبنى كل قوة سواء في الأعمال الفردية أو في أعمال الأمم، وبها تستثمر قوة العلم والفن، ويستطاع تحقيق كل أمل منشود، كما أن من ضعفها واستكانتها إلى الضعة يأتى كل فتور وخمول، وتلاش واضمحلال.
ولعل أقرب مثال يمكن تطبيق هذه النظرية عليه، هو حياتنا الحاضرة. فنحن اذا قارنا شعبنا بغيره من الشعوب الحية المعاصرة نجد تفاوتا عظيما ليس في العقلية والذكاء ولكن في اتجاهات الحياة وتطوراتها، والأسباب في ذلك واضحة والمسألة تفسر نفسها بنفسها.
اننا ككل الأمم لا ينقص مجموعنا عن مجموع غيرنا في الذكاء والتفكير إلى حد بعيد، ولقد تحصلنا من العلم ومن وسائل رغد الحياة على قسط طيب استطاع غيرنا من الأمم حينماكان مثلنا في دور الابتداء ـ أن يستثمر من مثل هذا القسط فائدة محسوسة، تبدلت معه وجهة حياته، وتغير مظهرها من الضعف إلى القوة ومن الخمول إلى النشاط والانبعاث ومن الجمود إلى التقدم وطلاب الغاية السامية كأن هذا القسط من العلم ووسائل السعادة، كان كشعاع منالضياء بسيط أرسل إلى ظلمة تلك الأمة فاستنارت على ضوئه، واستيقظت قليلا وأخذت تبحث (بقوة إرادتها) عما يقوى ذلك الشعاع لتبدل ظلامها كله بنور وضاح أما نحن فكان نصيب ذلك القسط عندنا كنصيب تلك القطعة الصغيرة من (الطباشير) الأبيض يلقى في إناء ضخم مملوء بحبر أسود فاحم فهي ـ بلا ريب ـ لاتلبث أن تضمحل من غير أن تؤثر في الاناء وما فيه بشئ، والأساس الفارق بيننا وبين غيرنا في هذا كله هوقوة الارادة في غيرنا وضعفها لدينا.
ان الأمة ـ كما قالوا ـ هي مجموع الأفراد، والأمم الأخرى الحية تمتلك ثروة من الأفراد علماء وأغنياء، وعمال أقوياء، ولكن ليس سر قوتها وعظمتهافى غنى أفرادها وعلمهم وقوتهم فقط، فان هذه الصفات وحدها لا تعمل لسعادة المجموع. وانما السر في ذلك الجوهر الكريم (الارادة القوية) الذي يضئ كضوء الراديوم، في نفس كل فرد مهم، فأغنياؤهم لا يفهمون من غناهم أنه للاكتناز وأنه مستغل خاص لسعادتهم المحدودة بل يعلمون أن ثروتهم انما هي ثروة الأمة، فيحرصون على أن تكون وسائل جمعها ونمائها، وسائل نافعة للمجموع، ولاتحجم ارادتهم عن التضحية بما يملكون فيما يحسون أن وراءه إصلاحا محققا، وفائدة مادية مرجوة ـ ولو في المستقبل البعيد لأمتهم ولكيانها الاقتصادى، واذا توجهوا إلى أمر مثل هذا، ثابرت عزائمهم عليه حتى يلمسوا ثمرته. وعلماؤهم فهموا من العلم أنه بحث وتنقيب وأن ما اكتسبوه انما هو وسيلة لاجتلاء أسرار الكون وكنوز الطبيعة، فصحت ارادتهم على البحث ولو فيما رآه الناس صعباً مستحيلا، ولم يبالوا ـ ما دام لهم ارادة قوية ـ بما يعترضهم من عقبات تستنزل اليأس والقنوط، ففتح لهم العلم بابه على مصراعيه، وألان بين أيديهم مستصعباته، وكشف لهم عن ألغازه. وعمالهم ـ وهم الطبقة الثالثة فيهم ـ تحفزهم أيضا ارادتهم الصارمة لأن يفكروا فيما يسعد أمتهم من طريق عملهم، باذلال كل شاق، وتسهيل كل عسير. وأمتنا أيضا فيها علماء، وأغنياء، وعمال اقوياء، ولكن الفرق بيننا وبين غيرنا أن علماءنا قنعوا بما عندهم وأَغنياءنا لذواتهم لا يفهمون من الثورة إِلا أنها متاع شخصى خاص، فشغلتهم أنفسهم وأغراضهم الشخصية عن النظر فيما ينفع الأمة، وأغرقتهم خيالاتهم الطائشة في بحر من الأنانية وحب الاستئثار بعيد القرار. وعمالنا الأقوياء (1) لا يفهمون من العمل سوى حرفين فقط هما (حج) فاذا تجاوزت بهم إلى ما عداهما تلاشت ارادتهم، وقعدوا بك في الطريق، وناموا النوم العميق واذاحاولت أن تبعث فيهم روح الاقدام، وتشعل شرارة العمل، وتذكى عزائمهم، وحاولت أن تفهمهم أن للحياة مسالك كثيرة غير هذا (الموسم) الذي استكانوا اليه أعظم منه جدوى وأكثر ادرارا للخير يعمهم ويعم الأمة معهم، وأن ليس بيننا وبينهم الا توجيه ادراتهم القوية اليها والاقبال عليها بعزم ثابت ـ هزوا رؤوسهم هازئين وولوا وجوههم عنك مستقبحين منك هذا الفهم والتفكير.
يقول بعض الفلاسفة: إِن الإنسان لا تجزم إِرادته بأَمر ممكن جزماً تاماً لا تردد فيه الا وينفذ. ولقد صدقوا، ودلائل صدقهم مشهودة في أعمال إراديّ هذا العصر (فاديسون) مثلا لم يكن له أن يصل إلى ما فوق ألف اختراع، وفيها ما كان يعد في درجة المستحيل لولا الارادة القوية التى اتصف بها طوال حياته منذ أن كان عامل تلغراف بسيط في (واشنجتن) حتى مات وهو أكبر وأشهر مخترع في العالم.
ولم يكن (لبيكار) أن يحدث العالم عن أسرار طبقات الجو العليا لولا الارادة القوية التى حملته على الصعود (ببالونه) في الطبقات التى لم يكن الناس يحلمون بأن أحداً يجرؤ على اكتشافها.
ولم نكن لنسمع بأن الإنسان يصبح في مصر ويمسى في مكة على متن طيارة لولا قوة إرادة الأخوين (ريط واورفيل) التى حملتهماعلى أن يعلنا للعالم ـ بطيارتهما الأولى ـ أن جو الارض ميسور فيه السير والمرور بأسهل ما يكون.
ولم نكن لنسمع ـ باندهاش ـ ثروة فورد التى تعد بمئات الملايين من الجنيهات لولا قوة عزمه ومثابرته على سلوك فجاج الحياة المختلفة ومنافعها المتنوعة منذ أن كان عاملا بسيطاً في احد معامل السيارات بأمريكا، إلى هذا اليوم الذي سخرت له فيه كل هذه الأموال الطائلة ينتفع بها وينفع منها أمته، ولم يكن أيضا للعرب في صدر الاسلام أن يستولوا على بلدان الفرس والرومان ويهدموا ملك الأ كاسرة والقياصرة، وهم بدو عزل، لولا تلك القوة الهائلة ـ قوة الارادة ـ التى كانت تنادى في ضمائرهم بأن سيروا، تقدموا، فيسيرون غير هيابين ولا وجلين من شئ، ولا مستصعبين أي أمر عسير.
فالسر إذن ـ في هذا الجوهر الكريم ـ في قوة الارادة.
فالارادة القوية، هي أساس كل شئ ، هي أساس العمل والباعث اليه، والعمل دعامة النهضات وعمادها. والأمة التى لا يتحلى أفرادها بالارادة القوية لهى أمة تمثل الموت يصورة مصغرة، سيقضى عليها الخمول، ويلاشيها اليأس بالتدريج وما أحراها بأن يسقطها الجغرافيون وعلماء التاريخ من عداد سكان الارض.
فليكن بيننا ـ إذن ـ رجال أقوياء في إراداتهم ثابتون في عزائمهم يوجهونها إلى خير الأمة؛ واذا أقبلوا على أمر أَقبلوا بعزم لا تردد فيه، تعقبه الثمرة الناضجة والنتيجة المحسوسة.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :386  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 127 من 181
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الأعمال الكاملة للأديب الأستاذ عزيز ضياء

[الجزء الرابع - النثر - مقالات منوعة في الفكر والمجتمع: 2005]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج