شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
النشيد السادس
أبطال النشيد:
1 ـ زاهي بعد الحريق، داية لخديجة ومربية لعلي.
2 ـ أحمد: زوج خديجة وصاحب السفينة التي يعمل فيها نعمان زوج زاهي .
3 ـ خديجة: زوجة أحمد وأم علي.
4 ـ علي: طفل خديجة.
1
مرتْ تشقُّ الحيَّ طيفًا سادرًا عبر الظلامْ
لا بيتَ يؤويها، ولا زوجٌ يعيدُ لها السلام
والليلُ يسترُ عريها بظلامه ويبرقعُ
لم يترك اللهبُ المريعث بثوبها ما يرقع
وفتاتها تغفو على أكتافها مثلَ اليمامهْ
تندى البراءةُ في ملامحها وتفترُّ ابتسامه
حتى إذا خارت قواها عند بابِ الجامعِ
أهوتْ كما يهوي شهابٌ في الفضاءِ الواسع
ومضت سويعاتٌ ولاحَ الفجرُ خلفَ المشرقِ
وترددت في صدرها دقاتُ قلبٍ مرهق
وتوافد المتبتلونَ على المصلى خاشعين
خلصت نفوسُهم لخالقهم وفاضت باليقين
فتدرعتْ بالبابِ تسترُ عريها وشقاءها
وتصونُ ما أبقى الزمانُ: عفافَها وحياءها
وترددت في الجامعِ الهمساتُ واجترحت ظنون
بالباب أنثى ليس يعلمُ ما بها، أو مَن تكون
وأراد (أحمد) ـ وهوَ فيهم ذو عفافٍ واحترام
قطعَ الظنونِ فراح يسألها بلطفٍ واحتشامْ
فروت له مأساتها والدمعُ يفصحُ بالمزيد
وكأنما تروي له مأساة قديسٍ شهيد
فتحسسَ المأساةَ أفجع ما تُرى أو تسمع
ومضى يُعزيها ويمسحُ قلبَها ويشجع
ورمى عليها ـ وهي مطرقة حياءً ـ بردَه
وحنا يضم فتاتها والدمع يلسعُ خدَّه
ومشى بها ـ والأم تتبعه ـ لمنزله المشيدْ
وكأنَّما نفضت ترابَ القبرِ عن عمرٍ جديد
2
وحنت (خديجة) تحتوي (زاهي) بضمٍ واعتناق
هاتيكَ بدرٌ في التمام وذي تغشاها المحاق
ومضتْ تحل لسانها بحديثها العذبِ الرقيق
وتجففُ الجفن القريحَ وتغسلُ الجرحَ العميق
حتى غفت آلامُها إغفاءةَ المتخدر
وتطلعت آمالها في وثبةِ المتحررِ
فتحسست أنََّ الحياة تمورُ في أعراقها
والنورُ يكحلُ عينَها ويرفُّ في أعماقها
ومشت بها إحدى الوصائف في ممرٍ ضيق
حتى إذا انتهتا إلى بيتٍ صغيرٍ ملحق
قالت لها بتلطفٍ يُهديك سيدُنا سلامه
ويقولُ هذا البيت بيتُك فانزليه بالكرامه
وأفاض (أحمد) في أياديه فلم تشعرْ بغربه
وتلمست صدقَ العواطفِ والأبوةَ والمحبه
3
وتوالت الأيام في صورٍ منسقةٍ رتيبه
كانت تلونُها منى (زاهي) بألوانٍ ذهيبه
ومضت تعيشُ حياةَ أسرتها الجديدةِ راضيهْ
والمرءُ تنسيه مآسِيَه الحياةُ الهانيه
صارتْ لطفلِ (خديجةٍ) ظئرًا، وحاضنة ،وأمَّا
تقضي اللياليْ وهيَ تُوسعه مناغاةً ولثما
وتبيتُ تُغرق في الدعابِ فيستلذ دعابها
وتضمه وكأنما كانتْ تضمُّ شبابَها
حتى إذا ما نامَ أغفتْ والفؤادُ مسهد
فإذا بكى انتبهتْ تربِّتْ خدَّه وتهدهد
فهوى (عليٍّ) كانَ يملأ قلبَها وحياتَها
حتى لقدْ هضمت بتوزيع الحنان فتاتها
4
وتحولت (زاهي) لربة بيتها المحبوبِ دايْه (1)
تُعنى بزينتها، وتنظيمِ الملابسِ، والرعايه
في الصبح تمشط شعرَها، وتعود تضفره ذوائبْ
وتُعطِّر الوجناتِ والشعر المرجل والترائب
وإذا المساء أطلَّ أوقدت الثريا، والمجامر
وثنت عقودَ (الرازقيَّ) على الوسائدِ والستائر
وإذا رأتْ مولاتها أن تستحمَّ وتستجمَّا
حملت ملابسهَا وسارت جنبها (للعين) قدما (2)
تروي لها ما في المدينةِ من حكاياتٍ جديده
(طيَّاب) قد وهبت أساورها لدايتها سعيده
و (نعيمة) قد طُلقت ومضتْ لوالدها (مهنا)
و(عَباد) زُفَّت وهي لم تبلغْ من الإدراك سِنَّا
و (سنان) عادَ إلى البلادِ وفي بضائعه نفائسْ
وقلائدٌ ذهبيةٌ مما تعشَّقها العرائس
(ومشامرٌ) صفرٌ وخضرٌ مثلَ أجنحةِ الطيورْ (3)
وبخورُ عودٍ فاخرٍ ومنوعاتٍ من عطور
حتى إذا طوتا الطريقَ كتوأميْ ريمٍ غريرْ
تحنو الظلال عليهما ويهزُّ سمعهما الخرير
وغناء فلاح يهش الطير من فوق الشجرْ (4)
ورفيف أنسامٍ تمر معطراتٍ بالزهَر
بدت العيونُ كأنها فِلَقُ المحار تألَّقُ
والماء لؤلؤة مذوبة السنا تترقرق
تطفو الصبايا فوقه مثل الكواكب في السماءْ
وتغوصُ فيهِ كاللآلي في إطارٍ من ضياء
وتروح (زاهي) تنزعُ الأثوابَ عن مولاتها
وكأنما تجلو بها (فينوس) في هالاتها
وتجهِّزُ الصابونَ والمشطَ المرصَّعَ (بالقماش) (5)
والعطرَ والمرآة والفوطَ الملونة الحواشي
وتظلُّ تغسلها وتمشط شعرها وتدلكُ
و (خديجة) ترمي الصبايا بالنكاتِ وتعلك
حتى إذا مالت إلى الشرق الظلال الحانيهْ
خلت العيونُ من الغواني والصبايا اللاهيه
***
 
طباعة

تعليق

 القراءات :178  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 238 من 271
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور سعد عبد العزيز مصلوح

أحد علماء الأسلوب الإحصائي اللغوي ، وأحد أعلام الدراسات اللسانية، وأحد أعمدة الترجمة في المنطقة العربية، وأحد الأكاديميين، الذين زاوجوا بين الشعر، والبحث، واللغة، له أكثر من 30 مؤلفا في اللسانيات والترجمة، والنقد الأدبي، واللغة، قادم خصيصا من الكويت الشقيق.