شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(( فتح باب الحوار ))
افتتح الدكتور غازي زين عوض الله الحوار بسؤال قال فيه:
- كيف يستطيع الأديب أن يوفق بين الحرية والالتزام ليكون مبدعاً في ظل نظرية الأدب؟
 
ورد الدكتور مصطفى الشكعة على السؤال بقوله:
- نعم يستطيع التوفيق، وأنا أعرف القصد من السؤال، وأعرف أن أصحاب الفكر مضيق عليهم في كثيرٍ من بلادنا العربية وبلادنا الإسلامية، ولكن صاحب القلم صاحب دعوة، ويستطيع بقلمه أن يقدم ما يريد من خلال الحيلة الفكرية، وهذا شيء مسبوق لجأ إليه كثير من الشعراء ولجأ إليه كثير من العلماء، فإذا ضُيِّق عليه فليرحل: ألم تكن أرض الله واسعةً فتهاجروا فيها يرحل وقد رحل كثيرٌ من جيلنا ثم عاد حين استقرت الأمور؛ لا أريد أن أقول إنني واحد من هؤلاء، لكن الرحلةُ حدثت والرحلة تحدث، وصاحب القلم وصاحب الفكر سوف يجد صيده في كل مكان يذهب إليه؛ نحن نُبَشِّر بين الناس بطلب الحرية والحرية لا تعني التدمير، لأن هناك من يطلب الحرية التدميرية؛ من الناس من يقول أعطني الحرية؛ أنت مُدَمِّر كيف أعطيك الحرية لتدمر عقلي وعقيدتي وعقل أبنائي؟ لكن إذا التزم الإنسان بالقول الحصيف الحكيم، فإنه يستطيع أن ينفذ إلى أعماق الناس، فإذا انسدت الأمور أمامه فليرحل وليترك الأرض، وليهاجر ولو هجرةً مؤقتة، ثم يعود بعد ذلك إلى دياره.
 
ثم وجه الأستاذ يوسف العارف السؤال التالي:
- آمل أن يستمع الحضور إلى الدور الَّذي شاركتم فيه أثناء حركة عبد الله بن الوزير في اليمن؟
 
وأجاب المحتفى به على السؤال بقوله:
- هذا كان أيام الشباب أول العشرينات من العمر، وخلال السنوات الأربع التي اشتغلت فيها مُعلماً؛ والحقيقة أني اشتغلت معلماً هروباً من الجامعة، بل هروباً من وظيفة باحث، لأن الجامعة كانت لا تُعَيّن معيدين بمجرد التخرج، وإنما يعين في البداية باحثاً، والباحث يُعطى راتباً قدره خمس جنيهات في الشهر، والوظيفة في الوزارة بخمسة عشر جنيهاً، أي ثلاثة أمثال مرتب الباحث؛ وللحياة مطالبها، فبعضنا استجاب لمطالب الحياة ويعرف أنه سيعود إلى الجامعة في يوم ما، فانخرطت كمعلم في وزارة التربية والتعليم.
- فإحدى السنتين اللتين عملت فيهما في الخارج، كانت إحداهما في لبنان، وكنت شاباً صغيراً ولم أسترح للجو الَّذي عشت فيه، لأني اشتغلت في قرية فيها مدرسة كبيرة، المدرسة ذات لون مذهبي مُعين، فلم ترحب بي ولم تهتم بي، بل لم تهتم بسكني حتى أسكنوني سكناً غير لائق فمرضت، فاستأجرت سكناً بنصف راتبي وعدت إلى مصر، وطلبت عدم العودة إلى هذه المدرسة؛ فقالوا لي: تذهب إلى اليمن؟ فقلت هذه فرصة، لأن اليمن كانت وقتها مُغلقة، كل من في اليمن من غير اليمنيين، لم يزد عددهم على خمسة عشر أو عشرين، ففرصة أن أرى اليمن؛ فقبلت أن أعمل في اليمن.. في صنعاء، وبالفعل كنت معلماً - أو مدرساً - في كلية المعلمين؛ وكنت أعرف الإمام يحيى معرفة عن قرب، ثم حدث أن قُتِل الإمام يحيى، كان ابن الوزير بيني وبينه صلة، الَّذي صار إماماً بعد، فالرجل استدعاني إلى مكتبه لمّا صار إماماً واستدعى زملائي المصريين وقال فينا كلمة، وكُلِّفت بأن أرد عليه؛ فقلت كلمة فيها شيء من التحية؛ الرجل سُرّ، فأصدر قراراً بتعييني مديراً للإذاعة، ثم أضيف إليها الدعاية، ثم أضيف إليها وظيفة أمين أو سكرتير عام لمجلس الوزراء، ثم وظيفة مدير مكتب الإمام؛ فإذا بي وأنا في العشرينات من عمري وجدت نفسي أحكم اليمن، كل شيء يضاف.
- ثم بعد ذلك حدثت ظروف.. لا أحب أن أذكرها الآن، هي مذكورة في كتاب كتبته بعنوان: مغامرات مصري في مجاهل اليمن؛ وسقط حكم ابن الوزير، وبكل تأكيد كان خيراً من سلفه وخيراً من خَلَفِهِ؛ لمّا سقط ابن الوزير كان من الطبيعي أن أواجه الصعوبات التي يواجهها من كان في مثل وظائفي، فأودعت السجن بعض الوقت، ثم أُطلقَ سراحي وهربت عبر البحر الأحمر في زورق يحمل بُناً، - أظن حمولته كانت عشرة أطنان.. أو شيئاً من هذا القبيل - إلى أن وصلت للشاطئ الإفريقي ومنه عُدت إلى مصر؛ فأنا خرجت فاراً في الحقيقة.
 
ثم وجه الأستاذ عجلان الشهري للمحتفى به سؤالاً يقول فيه:
- ما موقفكم من أدب الحداثة، وهل يخدم كمنهج أدبيٍ عالمي أدبنا العربي؟
 
وأجاب الدكتور مصطفى الشكعة قائلاً:
- سأرد على هذا السؤال بقولٍ قاله الإمام ابن رشد؛ الإمام الوليد بن رشد الَّذي وُصِفَ بكونه فيلسوفاً، أنا أصفه بالإمامة، وأنه واحدٌ من أعظم فقهاء المسلمين ومن كبار المؤمنين؛ يقول: (نحن نَطلع على إنتاج الآخرين، فما اتفق معنا ولم يصطدم مع عقيدتنا أخذناه وشكرناهم، وما كان منه مصطدماً مع عقيدتنا تركناه وشكرناهم).
- وأظن الإِجابة واضحة وإن كانت مختصرة.
 
ثم وجه سؤال من الأستاذ الطيب فضل عقلان نصه:
- ما هي أهم الفوارق بين جيل الأمس وجيل اليوم من الطلبة في التحصيل العلمي، وما هي أهم الأسباب التي أدت إلى ذلك؟
 
فرد الضيف على سؤال السائل بقوله:
- جيل الأمس كان يتمتع بميزات لم تتوفر لجيل اليوم، الشيء الأول: أن المعلم كان كفئاً، وكان قادراً على العطاء؛ هذه الأيام المعلم ليس بكفء، وفاقد الشيء لا يعطيه؛ الشيء الثاني: أن جيلنا عُلِّم الخلق والدين في البيت، وفي المدرسة، وفي المسجد، وعند الجيران..؛ الجيل الحديث لم تُتح له هذه المسألة، لأن الأبوين يعملان ولا يَرَيَان الأبناء، ولأن المدارس مكتظة اكتظاظاً شديداً بالطلاب في فصل واحد، ولأن البرامج - لا أريد أن أستعمل كلمة هابطة، لأنها كلمة قاسية، ولكني أقول كلمة أخف منها، وهي - أن البرامج فاسدة، وأن الطالب يُحَمَّل - لا أقول الطالب بل الطفل - يُحمَّل أكثر مما يستطيع أن يحمل، على أيامنا لم نكن كذلك، فلا بد من إعداد المعلم إعداداً سليماً بحيث يكون قادراً على العطاء، لا بد من تهذيب المنهج وتقديمه بحيث يتناسب مع قدرة استيعاب الطفل أو التلميذ، ثم بعد ذلك ينبغي أن يكون المعلم قدوةً كما كان المعلم في أيامنا قدوة، ثم ينبغي أن يلقى الولد عنايةً من والديه وهما يفتقدانه في هذه الأيام؛ طبعاً هناك أسباب أخرى كثيرة، لكن هذه في نظري هي أهم الأسباب.
 
ووجه الأستاذ أمين عبد السلام الوصابي السؤال التالي قائلاً:
- أشار الدكتور عبد الحكيم حسان - من خلال حديثه - عن رحلتكم الدراسية والعملية، ومما قاله في سياق حديثه: بأنه كانت هناك معارضة بينك وبين الدكتور طه حسين عندما كنت طالباً جامعياً؛ نود لو نُلقي المزيد من الضوء على نوعية هذه المعارضة، وهل كانت هذه المعارضة بارزة على مستوى الصحافة، أو كانت محصورة في أروقة الجامعة؟
 
فرد المحتفى به على السؤال بقوله:
- الأستاذ الدكتور طه حسين هو أستاذي، لكنه ليس شيخي، الأساتذةُ كثيرون والشيخ واحد، أنا شيخي هو الأستاذ الدكتور عبد الوهاب عزام (رحمه الله) الَّذي كان سفيراً لمصر في هذه البلاد، والَّذي أنشأ أول جامعة في هذه البلاد.. جامعة الملك سعود؛ هذا شيخي، لكن هناك أساتذة كثيرين لي.. وهم أعلام، منهم: طه حسين، ومنهم: أحمد أمين، ومنهم: أمين الخولي، مصطفى السقا، إبراهيم مصطفى، وعبد الحميد العبادي، وشفيق غربال..؛ كل هذه الأسماء الكبرى درست عليها.
 
- الدكتور طه حسين، من حسن حظ دفعتي أنه دَرَّس لنا أربع سنوات متوالية، وكان عادةً يلقي محاضراته في الأدب الأموي على سنة ثالثة، والأدب العباسي على طلاب السنة الرابعة؛ في دفعتي بالصدفة رأى أن يبدأ مع طلاب السنة الأولى الصغار، والسنة الثانية، ويظل هكذا.. ويترك السنة الثالثة والرابعة لغيره من الأساتذة؛ ثم لمّا انتهت السنة الثانية رأى أن يُكمل معنا. فأكمل السنة الثالثة والسنة الرابعة، فكانت دفعتي الدفعة الوحيدة التي درَّس لها طه حسين أربع سنوات، لكننا رُبينا في بيوتنا تربية لا تسمح لنا بألا نعترض على ما يصطدم مع عواطفنا الدينية؛ دفعتي لحسن الحظ كان أكثرها أولاد مشايخ، آباؤنا من علماء الأزهر؛ ففي السنة الأولى - وأعمارنا دون العشرين - الدكتور طه حسين يدرس لنا الأدب الحديث والنقد الحديث، فممن تناولهم بالدراسة والنقد الأستاذ مصطفى صادق الرافعي وقسا عليه قسوةً شديدة، فوجدنا أنفسنا جميعاً في حالة من عدم الرضا والامتعاض، الرجل لا يرانا؛ لأن الرجل - كما هو معروف - مكفوف وعكازه الَّذي كان يرى به الأستاذ خليل شحاته كان يوصله إلى كرسي المنصة، ثم يغادر المكان، ثم يعود قُبيل نهاية الدرس بدقائق، لكي يَصحبَهُ مرةً ثانية إلى مكتبه؛ فلم يجد من يترجم له عما في وجوهنا وانتهى الدرس، وقال كلاماً قاسياً في حق مصطفى الرافعي، فلما انصرف الأستاذ تشاورنا ما هو الرأي؟ وقلت: إننا كلنا أولاد مشايخ، مصطفى صادق الرافعي هو صاحب القلم المسلم.. القلم الإسلامي، ولذلك من بواكير أعمالي كتاب عن مصطفى صادق الرافعي، اسمه: مصطفى صادق الرافعي كاتباً عربياً ومفكراً إسلامياً؛ ذلك كان من أثر تلك المشادَّة التي سوف أَقُصُّها.
 
- اتفقنا أن نذهب جميعاً بقَضِّنا وقضيضنا، وكان عددنا كبيراً جداً بالنسبة لتلك الأيام فقد كنا ستة عشر طالباً، وكانت الدفعة التي كانت قبلنا تسعة طلاب، والتي بعدنا كانت أحد عشر طالباً، فدخلنا على الدكتور طه حسين في غرفته - وكانت غرفة صغيرة - أحس بكثرتنا، قال ماذا تريدون؛ قلت: إنهم إخواني طلبوا مني أن أتحدث بلسانهم؛ ثم تابعت حديثي وقلت: إننا مستاؤون مما سمعنا في الدرس الماضي، لأننا عُلِّمنا في بيوتنا أن مصطفى صادق الرافعي هو أديب إسلامي، وهو كاتب المسلمين، وهو المدافع عن القيم العربية والإسلامية، ولذلك فعار علينا أن نأتي إلى الجامعة ونسمع بآذاننا أن يُشتم، وقلت: إننا أردنا أن نعبر عن عدم الرضا؛ قال لي: ما اسمك؟ وجملة ما اسمك تحمل معنى التهديد؛ قلت: سأقول لك عن اسمي، لكن اسمي ليس مهماً؛ لأنني لسان لكل إخواني، فقد طلبوا مني أن أُلقي على مسامعك - وهم موجودون جميعاً - هذا الكلام؛ أما اسمي فهو: مصطفى محمد الشكعة.
 
- الدكتور طه حسين كان رجلاً شديد الذكاء، وكان يستطيع أن يخرج من أي مأزق يجد نفسه واقعاً فيه، ولا شك أن هذا كان مأزقاً؛ فقال يبدو أنكم استعجلتم الأمر، أو يبدو أنني بدأت من حيث كان ينبغي أن أنتهي؛ لو أنكم صبرتم للأسبوع القادم لسمعتم الوجه الآخر عن مصطفى صادق الرافعي، ولذلك موعدنا في الأسبوع القادم؛ إنما هو كان انتهى فعلاً من الحديث عن مصطفى صادق الرافعي؛ كان هذا في الحقيقة أول - أنا لا أقول صدام بيني وبينه - إنما هو اعتبره صداماً بيني وبينه، لأنني أنا الَّذي تكلمت.
 
- المسألة الثانية هي: أننا أنشأنا جمعية الطلبة العرب من كل الطلاب العرب من كل البلدان العربية، وجعلنا راعيها أستاذنا عبد الوهاب عزام (رحمه الله) وأقمنا حفلاً كبيراً داخل الجامعة، ودعونا إليه جميع الأساتذة، وطبعاً من ضمنهم طه حسين؛ فتكلم المتكلمون، وطُلب إلى الدكتور طه حسين أن يتكلم، فقال: أنا فرعوني وأنتم فراعنة، ولسنا من العروبة في شيء؛ نعم قالها.. فبأدب شديد رد عليه الأستاذ الدكتور عبد الوهاب عزام، وبحماقةٍ شديدة رددت عليه أنا، وأنا كنت طالباً.. كانت هذه الثانية.
 
- الثالثة كان يظهر حماقة مني أيضاً لأنه يتكلم عن السرقات الشعرية، قلت له: أيسرق الشعراء الكبار المعاصرون ونحن في أول طريق الشعر؛ فأبدى امتعاضاً، لأنه لم يسبق لطالب قبلي أن يقف هذا الموقف؛ فقال لي إخواني: إن طه حسين سوف يدمر لك مستقبلك، فهربت من القسم وحولت إلى قسم التاريخ، وأصبحت طالباً في قسم التاريخ في السنة الثانية؛ بعد شهر قال لي رئيس القسم - وهو يتمم الأسماء يقول مصطفى محمد الشكعة قلت له موجود - قال أحب أن أراك في آخر المحاضرة؛ قلت له: إن شاء الله؛ فلما ذهبت إليه في غرفته قال لي: الدكتور طه حسين يطلبك؛ قلت له: لماذا؟ قال: لست أدري؛ قلت له أنا لا أريد أن أراه؛ قال مثل هذا الكلام لا يُقال عن طه حسين؛ قلت له أنت رئيس القسم تحميني؛ قال لا أحد يستطيع أن يحميك من طه حسين؛ فذهبت إليه في غرفته وقلت له: أنا مصطفى الشكعة؛ قال نعم أعرفك، مَنْ الَّذي أذِنَ لك أن تَتْرُكَ قسمك إلى قسمٍ آخر؟ قلت له سعادتكم؛ قال ما أذِئْت؛ قلت أنا كتبت طلباً ووقعتم عليه؛ قال ما أذنت عد إلى صَفِّك؛ فعدت إلى صفي وأكملت الدراسة لكي يُجلسني الله (سبحانه وتعالى) مكانه رئيساً للقسم، ثم عميداً للكلية.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :445  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 109 من 170
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الأعمال الكاملة للأديب الأستاذ عزيز ضياء

[الجزء الرابع - النثر - مقالات منوعة في الفكر والمجتمع: 2005]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج