شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(( كلمة الأستاذ الدكتور أحمد عبيد ))
ثم تحدث الأستاذ الدكتور أحمد عبيد - أستاذ الأدب بكلية اللغة العربية بالأزهر وكلية البنات بمكة المكرمة - فقال:
- بسم الله الرحمن الرحيم.. الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله محمد وآله وصحبه؛ وبعد: إنه لشرف عظيم لي أن أقف وأمثُل بين أيديكم، مشاركاً ومباركاً تكريم علم من أعلام الأدب والفكر والثقافة الإسلامية، هو أستاذي.. الأستاذ الدكتور مصطفى محمد الشكعة؛ مدّ اللهُ في عمره، ومتعه بالصحة، وزاده تكريماً وتقديراً، وجعله ممن أحبهم الله.. فألقى محبتهم في قلوب العباد، وأبقاه عطراً للمجالس وموضعاً للثناء الدائم، وأكثر من الخير والنفع على يديه، وأدام أياديه على أبنائه وتلاميذه.. طلاباً وباحثين وقادة جامعيين، ينهلون من فيض علمه ودقيق خبرته وثاقب نظره.
- الأستاذ الثري الكريم الأستاذ عبد المقصود خوجه، أستاذي المبجل، أيها الإخوة الأعزاء: عندما علمت من أستاذي المحتفى به خبر هذه الأمسية المباركة، تواردت على ذهني خواطر عديدة، وتقاطرت على فكري ذكريات عديدة، بعضها يتصل بالأستاذ المحتفي، وبعضها يتصل بالقلم المحتفى به؛ وها أنذا أيها الأحباب أقرأ لكم من وجداني هذه الخواطر كما عايشتها؛ أما الخاطر الَّذي يتصل بالثري المفضال الأستاذ عبد المقصود خوجه، فقد لفتت هذه البادرة الطيبة منه نظري إلى ظاهرة رأيتها ماثلةً في أهل هذه البلاد الطيبة، وكلما تأملت فيها وجدتها ضاربةً بجذورها إلى أعماق التاريخ؛ بل إلى أقدم ما لهذه البلاد من تاريخ معروف وخبر مُدًوَّن.
- فقد تبين لي أن هذا الصنيع أصيل في طبع أهل الحجاز عريق في عوائدهم.. وما أُثِرَ عنهم، فطالما احتضنت هذه البيئة الكريمة أهل العلم والفضل والأدب والنباهة، حتى غدا ذلك معلماً من معالم أهلها وسمةً من سماتهم التي لا تتخلّف؛ ألم يكن أهل الحجاز - أيها الأحبة - معنيين برعاية الشعراء العرب في عصر ما قبل الإسلام؟ ألم تعقد الأسواق حول مكة المكرمة في عكاظ وغيرها ما هو مشهور مذكور؟ ألم تتضافر الأخبار من موقف أهل يثرب من شعر النابغة، عندما دلُّوه بأسلوب مهذب على عيب إيقاعيّ في شعره، عرفه العروضيون بعد ذلك بالإقواء، وقال مقالته المشهورة: وردت يثرب وفي شعري بعض العُهدة وصدرت عنها وأنا أشعر العرب؟ ألم يَعْرض علقمة بن عَبَدَةَ شعره على قريش، فما قبلوه كان مقبولاً وما ردّوه منها كان مردوداً.
- ثم عندما بزغ فجر الإِسلام، احتفت بيئة الحجاز بالعلماء والأدباء والمُفْتَنِّين؛ والشعراء وأخبارهم في ذلك مستفيضة، حتى بعد أن أفَلَ عن إقليمهم النفوذ السياسي بقيت لهم عنايتهم بالفكر والأدب والفن؛ وما ذكريات مجالس السيدة سُكينة بنت الحسين (رضي الله عنها) ومُطَارَحَتُها الذائعة مع الشعراء بغائبةٍ عنكم - أيها الأحبة - وما أخبار عبد الله بن أبي عتيق وجولاته الناقدة حول شعر ابن أبي ربيعة، وغيره.. بخافية عليكم.
- ثم اتصلت - أيها الأعزاء - هذه السمة الخيرة في أهل الحجاز حتى العصر الحديث، فرأينا حفاوة وتكريماً لأعلام الفكر والأدب والبيان من شتى الأصقاع؛ لقد كرَّم أبناء هذه الأرض الطيبة أمير البيان شكيب أرسلان، عندما وفد إلى الحجاز وأقاموا له حفلاً حاشداً بمكة المكرمة؛ وكرَّم أهل الحجاز من أبناء مصر الكنانة كثيرين، أذكر منهم أعلاماً من أمثال محمد حسين هيكل، وإبراهيم المازني، وعباس العقاد، وطه حسين..، عطاء هذه البلاد إذاً عطاءٌ موصول، وحدبها على الأدب والفكر يتنامى ويتعاظم، والطريف - أيها الأحبة - والملفت للنظر، أنها رعايةٌ وعناية لا تحركها جهات رسمية، وإنما تنبع من فضلاء نبلاء، وإنما يعرف الفضل من الناس ذووه.
- فهنيئاً لك أيها المحتفي الكريم مسعاك النبيل، ويا حيا الله هذه الرغبة المذكورة لتكريم الأعلام، وتقدير الرجال، وشحذ الهمم، وتنوير البصائر، وتواصل الأجيال؛ أما العَلَم المحتفى به، فهو رجل بارك الله له في عمره، وأفاء من فضله؛ وأرجو أن لا تكون كلمتي هذه من قبيل المجاملات أو المدح الموجه، وإن كان الرجل جديراً بكل مدح.. وقميناً بكل ثناء، وحاشاه أن يكون ممن يبطرهم الإطراء، أو تلعب برؤوسهم كلمات التقدير والإعجاب، فهو أرفع من ذلك وأسمى؛ ولا أزكيه على الله.. وإنما أرجو أن يكون ما أحدثكم به عنه - حفظه الله - من قبيل التحدث بما أعرفه من نعم الله (عز وجل) عليه مما أغبطه عليه ويغبطه من يُكبر هذه الخلال؛ وأن يكون هذه اللفتات العابرات التنبيه على معالي تلك المعاني، ونفائس هاتيك الأخلاق، ومكونات هذا الصرح العلمي الأخَّاذ.
- هذا رجل أفاض الله عليه من فضله، ومنحه - قبل كل شيء - حسن الخلق، وجَمَّلَهُ بكريم الشيم؛ ورزقه الحلم وسعة الصدر والثقة بالنفس؛ ورزقه - فوق ذلك كله - الغيرة على دينه، والتصدي لما يمس الإسلام أو ينال من مكارم الأخلاق؛ وفتح له المولى - مع ذلك كله - أبواب العلم والمعرفة، فَعَلَّ منها ونَهَلَ، وشرَّق وغَرَّب، وصَوَّبَ وصَعَّد، وأتْهَمَ وأنْجَد؛ قد تربى هذا الرجل العظيم في أفياء الفضيلة، وفي كنف الرعيل الأول من أهل العلم.. الَّذين كان لهم من الإسلام الحنيف سياج منيع، ومن الخلق الريفي الأصيل عاصمٌ لا تتفلت عراه، وكأنه كان المعنىِّ بقول شاعر النيل:
والعلم إن لم تكتنفهُ شمائلٌ
تُعليه كان مطيةَ الإخفاق
لا تحسبنَّ العلم ينفع وحْدَهُ
ما لم يُتوج ربه بخلاقِ
 
- وقد توجت يا أستاذي الكبير أكاليل وأكاليل من كريم الشيم وجميل السجايا، وأنا - أيها الأحباب - لن أسترسل في هذا السرد النظري، وإنما أود أن أحدثكم عما عاينته بنفسي، ورأيت من أخلاق أفضال هذا الرجل رأي العين..
- عرفت الأستاذ الكبير كما عرفه كثير من طلاب العلم في مصر، ولم أكن قد تتلمذت عليه في مرحلة الدراسة الجامعية، ولكن عرفته كما عرفه غيري بحسبانه أستاذاً مرموقاً.. طبقت شهرته الآفاق، وكان وما يزال - حفظه الله - ملء الأسماع والأبصار؛ ولكنني شرفت بمعرفته عن كثب عندما قدر لي أن أسعد بمشاركته في مناقشة أطروحتي للعالمية "الدكتوراة" قبل أكثر من ستة عشر عاماً، وكان المشرف هو أستاذي أحمد الشرباتي (عليه رحمةُ الله) وكان المناقشون - في إبان ذلك العهد - يعنفون بالطلاب كثيراً ويحملون عليهم ويحرجونهم بين أهلهم وذويهم؛ وحدثني الدكتور الشرباتي ذات أمسية وأنا أكلمه عن تشكيل اللجنة، فقال: أدعُ الله لي يا أحمد أن أوفق في الإتيان بالدكتور مصطفى الشكعة عضواً خارجياً، فسترتاح له ولو اختلفت معه، فإنه نعم الأستاذ؛ وأذكر أنني بعد المناقشة سألني الشرباتي (رحمه الله) كيف وجدت الرجل؟ قلت والله يا أستاذي لقد كان أفضل مما توقعت، وأحسن معاملةً مما كنت أتصور؛ وتوثقت صلتي بأستاذي الدكتور مصطفى بعد ذلك وزرته في بيته، وكلما اقتربت منه ازددت له إعجاباً وتقديراً.
- وأحكي لكم - أيها الأحبة - موقفاً آخر عرفت منه معدن الرجل، وأكبرت نُبلَهُ وجرأته في الحق، وغيرته على الإسلام ورموزه في مصر، وهو موقف عايشته بنفسي.
- أذكر أن أستاذي الَّذي نحتفي به الليلة بدأ حديثه في مناقشةِ أطروحتي بعتابٍ شديد وتعنيف ملتهب للمسؤولين بالكلية، لأنهم قبِلوا أن تقدم وتناقش في رحاب جامعة الأزهر رسائل عن شخصيات غير إسلامية، واستنكر أيّده الله ذلك قائلاً ما فحواه: أما وجدتم أحداً غير هؤلاء تتكلمون عنهم وتدرسون أدبهم وشعرهم؟ أفَرَغْتُم من دراسة الشخصيات الإسلامية حتى تشغلوا طلابكم بهؤلاء؟ وأكبرت الرجل وحَمَدْتُ غيرته، وكنت قد حضرت مناقشة من تلك المناقشات، وكانت في القاعة الكبرى بجامعة الأزهر قاعة محمد عبده، وكان يحضر فيها أحد الكرادلة النصارى بِزيّه فكان منظراً مؤسفاً؛ وعندما تذكرت ما قاله الدكتور مصطفى.. ازددت له تقديراً وإعزازاً واحتراماً.
- بقيت - أيها الأحبة - كلمة أود أن أنبّه عليها؛ قبل أن أنهي حديثي الَّذي امتد - بعض الشيء - على الرغم مني.. فمعذرة؛ آمل أيها الإخوة أن نعنى عندما نكرم أمثال هذا الأستاذ الكبير والعلم البارز من أعلام فكرنا وأدبنا، أن نبحث عن القيم الكوامن في تكوين شخصيات أولئك الأعلام، لأن هذا هو الَّذي يفيد الأجيال الخالفة، ويبقى جذوة التقدم ويدفع المسيرة قُدماً إلى الأمام؛ ومن هنا أوجِّه رجاءاً إلى أستاذي المفضال الدكتور مصطفى، أن يتكرم - إن سمح وقته - بإبراز هذه الثوابت الفكرية والأخلاقية، التي اعتمدها في مسيرة حياته العلمية الحافلة دوماً - بإذن الله - بكل معنى طيب وخير مذكور.
- أكرر الشكر والتقدير باسمي، وبالإنابة، عن زملائي من إخوتي وتلاميذ الدكتور المحتفى به، للأستاذ العظيم المحتفي المكرِّم، ولجميع من شارك وحضر من الأساتذة المبجلين، حياكم الله وأسعد مساءكم؛ والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
 
 
طباعة

تعليق

 القراءات :479  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 106 من 170
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاثنينية - إصدار خاص بمناسبة مرور 25 عاماً على تأسيسها

[الجزء السابع - الكشاف الصحفي لحفلات التكريم: 2007]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج