شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(( فتح باب الحوار ))
وبدأ الأستاذ محمد صلاح الدين الحوار مع المحتفى به، فقال:
- بسم الله الرحمن الرحيم.. هناك أسئلة وصلتنا من الإخوة الحضور، يرغبون الإجابة عليها وسنوالي طرحها بالتوالي..
- فهذان سؤالان في سؤال واحد، موجهان من الأستاذ عبد الكريم مرزا، وهما: ما هي توقعات معاليكم لمستقبل الجمهوريات الإسلامية في روسيا، وهي: أوزبكستان - أذربيجان - كازغستان - قيرغستان - كومنستان - طاجكستان، وقد طالب معظمها الانفصال عن روسيا، وهل في اتحاد تلك الدول بأي شكل من الأشكال، وبعضها غني بمواردها المعدنية والزراعية؟ إمكانية تشكل دولة إسلامية موحدة؟ وهل تعتقدون في حال اتحادها أن تمد الدولة الأوروبية والأمريكية الغنية لهم يد المساعدة المادية، وتزودهم بالتقنية المتطورة، كما تفعل تلك الدول مع روسيا حالياً؟
وأجاب د. معروف الدواليبي، فقال:
- لا نستطيع أن نرجم الغيب، ولكننا واثقون - بإذن الله - فعندنا الوثيقة التي لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها؛ قال الله (سبحانه وتعالى): هو الَّذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيداً لننتبه إلى لفظ: وكفى بالله شهيداً.. الإسلام مستقبله - كما كتبت عنه امرأة يطلق عليها كبيرة الباحثين في إنجلترا - فقالت: في القرن الواحد والعشرين - بل في مطلعه - سوف يُقضى على جميع الأيدلوجيات الشيوعية والإلحادية والدينية، إلاَّ الفكرة الإسلامية؛ وقد نشر هذا الحديث وأشير إليه في كتاب كنيدي.. أستاذ التاريخ في جامعة بيل، الَّذي أعلنه، وقال قبل أن ينهار الاتحاد السوفيتي في كتابه الَّذي أعلنه: "انهيار إمبراطوريتين" ويعني بهما انهيار السوفيت وانهيار الولايات المتحدة الأمريكية؛ ولم يلبث هذا الكتاب أن يمضي عليه ثلاث سنوات حتى انهارت الدولة السوفييتية؛ ونحن نضرع إلى الله (سبحانه وتعالى) الَّذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله - أن يتحقق؛ كيف؟
- من كان يظن أن الشيوعية التي سيطرت على العالم مدة سبعين سنة، وعظمتها تبتدئ من بحر البلطيق على فرع من فروع البحر الأطلسي، وتنتهي في شرق الأرض.. في آسيا على البحر الهادي، فإذا بها تنتهي بدون حرب ولا قتال، وكانوا خائفين من تجمعها، والآن أصبح أنصار جورباتشوف الَّذين ساعدوه - أيضاً - يتخوفون من تفرقها؟ في الاتحاد السوفييتي الدول الإسلامية كلها تطلب الآن الاستقلال، وربما يتحقق ما قالته البحاثة الأمريكية، إنه سيكون في مطالع القرن الحادي والعشرين الفكر الإسلامي وحده السائد في العالم، والفكر الإسلامي - تجاه النظام العالمي الدولي - هو الوحيد اليوم، الَّذي يقرر معنا هذه الحقائق المذهلة، التي ستأتي للعالم كلما اشتدت مصائبها.. تفكر بتغيير أوضاعها.
- ففي الحرب العالمية الأولى - وهي الحرب التي دامت بضع سنوات وقاسى فيها العالم - نشأ ما سُمِّي بالنظام الجديد، وهو: "عصبة الأمم" ولكنه نظام جديد قائم على أن يتقاسموا الأغنام فيما بين الدولتين الكبريين.. فرنسا وإنكلترا، أما أمريكا فانسحبت.. لأنها كانت ضد الاشتراك في الغنيمة؛ ثم كانت الحرب العالمية الثانية نتيجة هذه الحماقات التي ارتكبت في نهاية الحرب، تقاسم المنتصران - فرنسا وإنجلترا - ما بقي من الدولة العثمانية، فحدثت الحرب العالمية الثانية، فنشأ نظام جديد هو: "هيئة الأمم المتحدة" عوضاً عن: "عصبة الأمم" وجاؤوا بنظام جديد قالوا عنه عالميَّاً، وكيف يكون عالميّاً.. وهناك في نظامه ما يعطي حق النقض لخمس دول من بين 150 دولة؟ لذلك فهو ليس عالمياً، ولم يكن إنسانياً؛ ولكن اليوم بعد أن انهار جدار برلين وانهار الاتحاد السوفييتي، وأثناء ذلك وقعت أزمة الخليج، اجتمعت الدول الأوروبية - بعد أن توحدت أوروبا في جناحها الشرقي الَّذي كان تحت سيطرة الاتحاد السوفييتي - فأطلقت حريتها، وتوحدت أوروبا.
- اجتمعوا في شهر نوفمبر من السنة الماضية سنة 1990م في مؤتمر باريس، وقرروا - من أجل الأمن الأوروبي - اعتبار الشرق الأوسط جزءاً منه، وانضمت إلى حماية هذا الشرق الأوسط ضمن قواعد الأمن الأوروبي، وقالوا نلتزم بالحرية والديمقراطية والشرعية الدولية، وعلى أساس أن الشرق الأوسط هو جزء من الأمن الأوروبي، لأنه يحتوى على شريان الحياة: البترول؛ ولذلك: فالشرق الأوسط أصبح جزءاً من الأمن الأوروبي الَّذي جاء ملتزماً بالديمقراطية، بالحرية، بالشرعية الدولية.
- وهكذا نجد أن الأحداث الكبيرة تولد ما يخدم الآمال التي كانت بعيدة، كما أن انهيار الاتحاد السوفييتي كان خيالاً فانقلب حقيقة؛ وجاء بيان الحلفاء في شهر نوفمبر سنة تسعمائة وتسعين في باريس، تحت اسم الأمن الأوروبي، واعتبار الشرق الأوسط من ضمنه؛ وقالوا إنهم عملاً ببيان باريس والشرق الأوسط، يلتزمون بالحرية، والديمقراطية، والشرعية الدولية؛ وقد طبقوا هذا المبدأ على أزمة الخليج.. وتحررت الكويت؛ كان من الواجب بعد تطبيقه على أزمة الخليج أن يُطبق على إسرائيل، ولكن الموازين التي كنا نعرفها انقلبت بين عشية وضحاها.
- أما الإجابة على السؤال عن مستقبل المسلمين، فنقول: إن المسلمين، - الآن - تحرروا، وأصبح مسموحاً لهم أن يعلنوا حريتهم، وأنا شخصياً عندما ذهبت في 87، 1988م بدعوة من السوفييت من أجل القضية الأفغانية، وقال شيفرنادزة: نحن نريد أن نقيم دولة إسلامية، ونريد أن نعطيكم الدول الإسلامية الأخرى، لتنضم إلى منظمة المؤتمر العالم الإسلامي؛ فدهشت من هذا التحرر لدى السوفييت أنفسهم، ولذلك وجدنا - الآن - يقرون إقامة اتحاد ما بين الدول المستقلة من جميع دول الاتحاد؛ ومن حسن الحظ أن بعض الدول الإسلامية تريد أن تستقل استقلالاً كاملاً، غير أن بعضها قررت أن تبقى ضمن الاتحاد.. ولكنها مستقلة؛ ونشرت البرقيات - منذ أسبوع - أن الدول الإسلامية كلها طلبت أن تحضر بصفة مراقب مؤتمر منظمة الأمم الإسلامية في داكار، وسمح لها.
- وهكذا نجد أن هنالك تطوراً كبيراً، يسمح للإسلام بأن يكون هو وحده الَّذي يمكن أن تنبعث عنه الفكرة العالمية، لأن الإسلام - منذ جاء قبل أربعة عشر قرناً - إنما جاء إثر حروب ما بين العملاقين - في ذلك الوقت - فارس والروم؛ وأشار إلى ذلك القرآن الكريم: غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون وكان ذلك نتيجة مذبحة ومحرقة يهودية في اليمن، ويشير إليها القرآن في سورة البروج... عندما حرَّق يهود اليمن ثلاثين ألفاً من النَّصارَى فاشتركت روما في الدفاع عنهم، فاستعملت حليفتها الحبشة.. فاحتلت اليمن؛ والعرب استنجدوا بفارس أصبحت من أجل هذه المحرقة؟ اشتركت فارس عملاق الشرق مع الغرب، وكان آخرها ما أشار إليه القرآن الكريم: ألم غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون.
- غُلبت الروم أمام الفرس، وجاء الإسلام بالنظام الجديد، وصادف أن الرسول صلى الله عليه وسلم وضع دستور المدينة، فدستور المدينة وضع هذا النظام الجديد، الَّذي لا يمكن لأمة من الأمم أن تلتحق به، فقال: المسلمون من قريش: وهم المهاجرون، والمسلمون من أهل يثرب وهم الأنصار، ومن تبع أهل يثرب وقاتل قتالهم، وعددهم تسع قبائل من اليهود، أمة واحدة دون الناس، ولليهود دينهم ولنا ديننا، ولهم المناصرة؛ وعليهم المناصرة، ولكن لماذا قال لهم تمثِّل المناصرة عليهم المناصرة؟ لأن اليهود الَّذين كانوا بفلسطين عندما صارت المحرقة في نجران، أُريد قتلهم.. فهرب القسم الكبير منهم، الَّذين استطاعوا النجاة.. فجاؤوا إلى المدينة، فكانوا يتخوفون ما بين عشية وضحاها أن يُهاجم الرومان اليهود في المدينة، وجاء الرسول (عليه الصلاة والسلام) في عقب الهجرة، ولذلك قال: لليهود دينهم ولنا ديننا، ولهم المناصرة وعليهم المناصرة؛ وأيضاً على كل من يخرج على هذه الصحيفة، وأن من يخرج على هذه الصحيفة، لا يصيب إلاَّ نفسه أو ما في معناه.
- فهذا الميثاق نجد أن الرسول صلى الله عليه وسلم حمى اليهود أولاً في المدينة من الرومان، ولما فتحت اليمن حمى النصارى من اليهود، كما حمى اليهود؛ فهذا هو النظام العالمي للتعايش السلمي، ما بين مختلف الأعراق والأجناس والأديان، المبني على رسالة القرآن ودستور الإسلام؛ أما النظام العالمي الجديد - الَّذي ابتدأت نواته في شهر نوفمبر من السنة الماضية - من أجل الأمن الأوروبي والشرق الأوسط فقط، بينما الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف يقول: "الخلق كلهم عيال الله، وأحبهم إليه أنفعهم لعياله"، هذه القواعد الدستورية التي جمعت ما بين مختلف الأديان والأعراق والأجناس، على الفضيلة وعلى الحق على العدل، تقاوم المجرم؛ فاليهود الَّذين ناصرهم لما خانوه، اضطر أن ينتقم منهم؛ والمسيحية حماها من أن تقع في محرقة ثانية.
- ولذلك فالإسلام هو النظام الوحيد الَّذي استطاع أن يجمع ما بين مختلف الأعراق والأديان، على الحقيقة والعدل.. وهو ما يدعو إليه الآن النظام الجديد، ولكن لا سبيل له إلاَّ عن طريق الإسلام، ونحن أملنا كبير ونثني على الفكرة؛ أما ما هو مستقبل الإسلام؟ فلا أدري، ولكن الدلائل كلها تشير إلى أن الإسلام يستطيع - بمبادئه - أن يقود هذا النظام الجديد على المبادئ التي سنَّها رسول الله صلى الله عليه وسلم وجمع ما بين الأبيض والأسود، وما بين المسلم والمسيحي واليهودي، ولكل دينه؛ على أنَّ كل من خرج وارتكب جريمة فلا يعاقب إلاَّ نفسه، كما فعله مع اليهود الَّذين أعطاهم الحماية، ولكنهم ما رعوها.. وخانوا، فضربهم وكانت النتيجة عليهم.
- فمثل هذا النظام هو وحده الَّذي يستطيع أن يحقق النظام العالمي، وعلى الإسلام - في دعاته - أن يقودوا النظام الجديد وفق الأسس الكبرى، التي وضعها رسول الله صلى الله عليه وسلم أولاً في دستور المدينة، ومواده مستنبطة كلها من القرآن الكريم؛ فنحن لا نكره الناس على الدين: لا إكراه في الدين بل أمرنا بالبر بمن يخالفنا بالدين، قال تعالى: لا ينهاكم الله عن الَّذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم هذا شيء جديد في تاريخ العالم وتاريخ الأديان؛ المسيح (عليه الصلاة والسلام) لما استنجدت به امرأة كنعانية - كما جاء في إنجيل برنابا - وعرفت أنه يحيي الموتى وابنها مريض، فلحقت به، لتستنجد به؛ فقال: "إنما أرسلت لخراف بني إسرائيل الضالة، وإننا لا نعطي خبز الأولاد للكلاب".
 
- وجاء الإسلام ليقول: لا إكراه في الدين وعليك أن تبر بمن ليس من دينك ما لم يقاتلك؛ وكان اليهود أشد الناس عداوة.. وخانوا الرسول، وهذه هي المبادئ التي يسعى إليها العالم، ولكن عبثاً أن يصلوا إليها بدون أن يتقدم الإسلام؛ لذلك أنا مؤمن بأن المستقبل للإسلام وحده سيكون على مختلف الأصقاع، والأراضي، والأمم، والشعوب؛ وإنما علينا أن نُهيئ الدعاة للتعريف بحقائق الإسلام الاجتماعية الحيوية، لأن الله (سبحانه وتعالى) أطلق على الإسلام أنه الدعوة إلى الحياة؛ وما أحب هذه الآية: يا أيها الَّذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم.
 
- فإذن الدعوة للإسلام هي دعوة للحياة، والرسول صلى الله عليه وسلم أمضى مدة 13 سنة في الدعوة لم يقل خلالها هذا حلال وهذا حرام، وإنما كان يدعو إلى التعاطف عملاً بالقرآن الكريم، ابتدأ الإسلام بالجمع ما بين الأغنياء والفقراء، فاقتنع الفقير على أن الإسلام هو سند، وأما التشريع في الحلال والحرام.. إنما جاء بعد ذلك؛ فالناحية الاجتماعية التي تهم غير المسلم، والتي لا يدعو إليها إلاَّ الإسلام في التعايش مع مختلف الأديان، ما لم يقاتلونا في الدين، هي التي ستكون لها القيادة في هذا النظام الجديد؛ وشكراً لكم، وآسف للإطالة في الموضوع.
 
- ثم قدم ثلاثة من كرام الحاضرين ثلاثة أسئلة تدور جميعها حول الحوار العلمي والفقهي بين المسيحية والإسلام، الَّذي تم في عام 73 - 74م في الرياض، وباريس، والفاتيكان، ومجلس الكنائس العالمي؛ فالأخ الأستاذ حسين العسكري سأل عن كيفية البداية وعن الخاتمة؟ ولماذا لم يُعلن عن أية نتائج أما الأخ الدكتور سهيل حسن قاضي، فسأل قائلاً: ألا ترون ضرورة تجديد هذا الحوار؟ والأخ الأستاذ غياث عبد الباقي، فكان نص سؤاله هو: هل حقق هذا الحوار للإسلام أية خدمة؟
وأجاب دولة الدكتور الدواليبي عن الأسئلة قائلاً:
- هذا الحوار هو فخر من مفاخر المملكة، وقاده سماحة أحد أعضاء مجلس كبار العلماء، وهو الشيخ محمد الحركان (رحمه الله) وصحبه معالي الأستاذ محمد بن جبير وزير العدل بالنيابة، وكان رئيس المحكمة العليا، والأستاذ راشد بن خنين وكيل وزارة العدل حينذاك؛ وكل العالم كان يتخوف من سفر هذا الوفد، وقد قام الوفد بندوات ابتدأت في باريس بندوتين، بناءاً على طلب وزارة العدل، واحدة للتعريف بالإسلام، والثانية لتثبيت حقوق المرأة في الإسلام؛ ثم جاء بعد ذلك ندوة ثالثة في جنيف، حول تطلع الإنسان إلى السلام؛ أما الرابعة.. فكانت في الفاتيكان؛ وتمت الندوة الخامسة في المجلس الأوروبي؛ وقد سُجلت كل هذه المحاضرات والمناقشات وطبعت بمختلف اللغات باللغة العربية والفرنسية والإنجليزية وكان ذلك في عهد الملك فيصل (يرحمه الله) فالَّذي جنيناه من هذا النقاش.. أنهم طرحوا أمامنا جميع الإشكالات التي تورد علينا حول الإسلام من تعدد الزوجات، والحجاب، والإرث؛ ولم ترث المرأة نصف ما يرثه الرجل؟.. وكالأخت بالنسبة لأخيها، إلى آخر ما هنالك من مشكلات.. وكان العلماء يجيبون على جميع هذه الأسئلة بحقائق الإسلام، التي سجلت فهماً كبيراً لحقيقة الإسلام.
 
- ولكن حدث بعد ذلك اغتيال الملك فيصل - ولا أريد أن أذهب أبعد من ذلك - والبابا بولس السادس، والكردينال فليودولي... لم يلبثا أن فارقا الحياة، وقد أعلنا في خطبة ألقياها في حفلة وداعنا، فقالا: لقد قررنا في هذه الليلة وقف التبشير الكاثوليكي في العالم الإسلامي، وهنا ألفت النظر إلى أن هذا التصريح قررنا أن نوقف التبشير الكاثوليكي في العالم الإسلامي، ونحن ننتظر منكم أن تحملوا إلينا البشارة؛ فقال فضيلة الشيخ راشد بن خنين، هل يعني ذلك أنكم تنتظرون منا أن نحمل إليكم بشارة الإنجيل؛ فقالوا: نعم.. وكل هذا كان مسجلاً على شريط محفوظ لدى وزارة الإعلام، وعلى ضوء ذلك فإن الحوار قد جاء بنتائج إيجابية كبرى.
 
- أما سؤال الدكتور سهيل قاضي حول ضرورة - أو إمكانية - تجديد هذا الحوار الآن؟
 
- فقد قال د. الدواليبي: لقد أصدر المجلس الأوروبي قراراً منذ شهر وأذاعته إحدى وكالات الأنباء جاء فيه: قرر المجلس الأوروبي ضرورة تعميق المعنى بالإسلام والتعاون معه، وقد نُشر هذا، ولكن لم ينتبه إليه أحد في الصحف؛ لقد ظن البعض أن المملكة بعيدة عن أن تجتمع مع المسيحي واليهودي، أو تجري حواراً معهم؛ غير أن علماء المملكة اجتمعوا بهم للحوار وكانوا مبرزين، وكانت النتيجة: أن يقرر المجلس الأوروبي في الشهر الماضي: ضرورة تعميق المعرفة بالإسلام، والتعاون مع الإسلام والمسلمين، ولذلك فالحوار مفتوح؛ ولكن النجاح الَّذي حققه وفد المملكة العربية السعودية، والخطة التي وُضعت، يجب أن تُوضع بين أيدي الدعاة، ليكون له ما كان من آثار. والتي ما زالت حتى الآن تتوالى؛ فهذا القرار هو نتيجة الاجتماع الَّذي جرى في المجلس الأوروبي.
 
ثم قُدمتْ أربعة أسئلة، هي في الحقيقة متداخلة ومتكاملة..
- فالأخ الطيب فضل عقلان، سأل عن الأسس العلمية والعملية التي على الدول الإسلامية أن تتسلح بها، لتمكين الصحوة الإسلامية من الثبات والانطلاق بقوة؟
- والأخ الأستاذ عبد الحميد الدرهلي، يسأل عما إذا كانت الأزمة العسيرة - التي تمر بها الأمـة - هي في صميمها ناتجة عن غيبة الرأي والحوار، باعتبارهما سبل الوصول إلى الرأي السديد؟
- أما السؤال الثالث فمقدمه الأستاذ محمد بشير فاضل، وفيه يسأل نصائح المحتفى به للأمة، وهي تجتاز هذه الظروف الحرجة.
- أما سؤال الأستاذ الدكتور حامد الرفاعي، فيدور حول رؤية دولة الرئيس حول مفاهيم النظام العالمي الجديد؟
 
وأجاب دولة الرئيس الدواليبي قائلاً:
- أعتقد أن قسماً كبيراً من هذه الأسئلة قد وردت الإجابة عليه ضمن الكلمة العامة، فيما يتعلق بالنظام العالمي، وأنه لا يمكن أن يتحقق إلاَّ بقيادة نظام الإسلام، الَّذي دلل عليه ميثاق أو صحيفة المدينة، أو دستور المدينة.. الدستور الإسلامي والقواعد التي وضعها القرآن، للتعايش السلمي بين الأعراق والأديان والأركان؛ فكل الأديان - قبل الإسلام - كانت قومية تتناحر، ولذلك جاء في القرآن: ولقد آتينا موسى الكتاب وجعلناه هدى لبني إسرائيل ، لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجاً أما القرآن فقال: شهر رمضان الَّذي أنزل فيه القرآن هدى للناس فالفارق بَيِّن، فالشرائع كانت قومية ثم جاء الإسلام، فكانت شريعته ونظامه للعالم أجمع.
 
- لذلك أكرر أن المستقبل هو للنظام الإسلامي، وهذه الجولة التي قام بها علماء المملكة قبل 15 سنة، والتي سألتم عنها قد أعطت أفضل المفاهيم والإعجاب بالإسلام في تلك الجولة، وهذا دليل على أن الصحوة الإسلامية آخذة نهجها السليم؛ لكن يجب أن تهتم أكثر فأكثر بقضايا الحياة، وأن نتكلم بلغة الحياة التي يعيشها الناس، عن الآلام التي يريدون التخلص منها وبالآمال التي يريدون تحقيقها؛ فالإسلام إنما جاء ليُعين العالم على التخلص من آلامهم والعمل على تحقيق أحلامهم، وقال الله (سبحانه وتعالى) في ذلك: من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياةً طيبة إذن جعل المقياس هو العمل الصالح، والعمل الصالح ليس على المستوى القومي، وإنما على مستوى ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الخلق كلهم عِيال الله، وأحبهم إليه أنفعهم لعياله".
 
- ولذلك، أرجو أن تعتبر هذه الملاحظات السريعة - مع ضيق الوقت - فيها إجابة على جميع هذه النقاط.
 
- وكان مسك ختام الأمسية، سؤالاً من الأستاذ الأخ رفقي الطيب، يطلب فيه من المحتفى به أن يذكر طرفاً من ذكرياته مع الملك الشهيد فيصل بن عبد العزيز (رحمه الله)؟
 
فقال الدكتور الدواليبي:
- لقد ألقيت في ذكرى الملك فيصل في مؤسسة الملك فيصل منذ مدة محاضرة أو كلمة، أشدت فيها ببراعة الملك فيصل، عندما استطاع - في نصف ساعة - أن يغير عقلية: "ديجول" فأنا أعرف: "ديجول" كان محاطاً بكبار جهابذة اليهود العالميين، وكان أشد الناس نُصرة لإسرائيل، وإسرائيل عندما ضربت البلاد العربية - صيف 1967م - إنما ضربتها بالسلاح الفرنسي، ولكن: "ديجول" عندما استزار الملك فيصل قبيل الحرب بخمسة أيام.. سنة سبع وستين بعد تسعمائة وألف، والعالم يتحدث عن حرب متوقعة بين العرب وإسرائيل، فأصر: "ديجول" على الاجتماع بفيصل، فلبى الملك فيصل الدعوة وتم الاجتماع على غداء لا أكثر ولا أقل، فقد وصل باريس بالطائرة وغادرها بنفس الطائرة بسرعة، فقال له "ديجول": يا جلالة الملك: إن إسرائيل أصبحت أمراً واقعاً، فهل لازلتم تصرون على تحقيق أمنية عبد الناصر، بأن يلقى اليهود في البحر، هذا أمر لن يقره أحد؟ فقال فيصل (رحمه الله): غريب أنك يا فخامة الرئيس أنت نفسك رفضت الأمر الواقع عندما احتل هتلر باريس، وشعبك يرفض الأمر الواقع وعندما احتلت ألمانيا: "الإلزاس واللورين" التي عاصمتها "سالسبورج" يعلن شعبك رفضه الأمر الواقع ويعلنون الحرب؛ فلماذا ترفض الأمر الواقع، وتطلب منا أن نقبل بالأمر الواقع، وهكذا أفحمه بقاعدة يتمسك بها ديجول، وهي أن الاحتلال إذا أصبح أمراً واقعاً.. فقد أصبح مشروعاً؛ فدُهش عندئذٍ من هذا الجواب المسكت، وأخذ يتنازل عن تعاليه في الكلام، كما أخذ يجمع بين يديه.. ويقول للملك فيصل: لكن يا جلالة الملك: إن جدَّ إسرائيل الأعلى وُلد هناك والأرض أرضهم؛ فقال: الملك فيصل (رحمه الله): غريب يا فخامة الرئيس عندكم 150 سفيراً، من المحتمل جداً أن يلد بعض أبنائهم على الأرض الفرنسية؛ لو جاء أحد هؤلاء الأبناء بعد مدة ينافس أحد أبناء سفرائكم المولودين خارج فرنسا على الرئاسة، مدعماً منافسته بحق الولادة فلمن تعطيها؟ فضرب الجرس وكان سمو الأمير سلطان مع السيد بومبيدو رئيس الوزراء في الانتظار، وكان "فيصل" مع "ديجول" وحدهما فلما ضرب الجرس، قال ديجول: أوقفوا السلاح وأوقف السلاح منذ تلك اللحظة؛ وضربت مصر وسوريا بالأسلحة الفرنسية، ومن تلك اللحظة استطاع فيصل (رحمه الله) في نصف ساعة أن يغير عقلية إحدى الدول الخمس الكبرى.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :552  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 61 من 170
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور محمد خير البقاعي

رفد المكتبة العربية بخمسة عشر مؤلفاً في النقد والفكر والترجمة.