شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(( كلمة المحتفى به دولة الرئيس الدكتور معروف الدواليبي ))
ثم تحدث الضيف الكبير دولة الرئيس الدكتور محمد معروف الدواليبي، فقال:
- بسم الله الرحمن الرحيم.. وبه نستعين، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد.. أفضل المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين؛ وبعد:
 
- لا أدري بأي لسان أبدأ أو أتكلم؟ واسمحوا لي أن أقول: إنني استمعت لهذا الجمع الكريم الطيب، الَّذين كانت كلماتهم فضلاً، إذ جعلوا من المجهول معروفاً؛ واسمحوا لي بالشكوى قبل الشكر؛ فقد طاردني الأخ عبد المقصود في الرياض وفي جدة، وفي كل مكان..، إلى أن قبض عليَّ.. ليدعوني لأكون ضيفكم هذه الليلة، في إحدى ندواته "الاثنينية" فاعتذرت لأني على سفر، ولكنه استعان عليَّ ببعض الأصدقاء، وقررت زيارته في ندوة الأسبوع الماضي بنية الاعتذار، وشدني إلى التسمك بالاعتذار ما قد شهدت من مقدمات التكريم الكريم، لضيف الليلة السابق، وعرفت منها ما سيكون مصيري - أيضاً - إذا قبلت، ولذلك صممت على الاعتذار في نهاية الندوة، غير أني لم أكن أعرف العادة، فقد سبقني وأعلن في نهايتها، وأعلن اسمي لأكون بين أيديكم في هذه الليلة.
 
- وقد صعُب عليَّ أن أقاطعه، وأقدم اعتذاري.. خاصةً أمام هذا الجمهور الكريم الطيب، فسكتُّ.. فكان الحكم عليَّ بالمثول هذه الليلة بين أيدي هذا الجمع الكريم، لأسمع ما سمعت مما قد أخجلني وأثقل ظهري، وذلك ما قد طوقتموني به وما أغدقتموه علي، من نبل العواطف الكريمة؛ وأقول في كل ذلك صراحة: لقد "استسمنوا ذا ورم" وذلك مصداقاً لقول القائل:
 
- "وعين الرضا عن كل سخط كليلة" (1) .
 
- ولا يسعني - والحال كذلك - إلاَّ أن أرفع أعظم آيات الشكر للأخ لكريم، الشيخ عبد المقصود خوجه، ولجميع الَّذين اشتركوا في هذا الترحيب من أصحاب الفضل، بما أفاضوا به عليَّ من كلمات ومن وقائع أنا ما كنت أذكرها، ولكني كما قلت في مطلع الكلمة - جعلوا من المجهول معروفاً، وكيف أستطيع - على ما فعلوا. إذ تكلموا عن مجهول فجعلوه معروفاً - كيف أستطيع، وبأي لغة أشكرهم والله إني أعجز عن تقديم الشكر إليهم، فلست بالخطيب ولا الأديب لأستعين بقدرتي الخطابية.. أو بأدبي على شكرهم، ولكن فليتقبلوا.. وليعتبروا عجزي هو أعظم الشكر إليهم؛ والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
 
(( كلمة موجزة للمحتفي ))
ثم تحدث الأستاذ عبد المقصود خوجه، فقال:
- سيدي الرئيس: نحن في هذه الأمسية نود - كما أسلفت في كلمتي - أن نجول ونصول معك عبر حياتك المليئة بالعبر والمواقف، لنستفيد ونعتبر؛ فلك مواقف سياسية ولك مواقف في الجهاد في الدفاع عن أمتك لا تعد ولا تحصى؛ فطالما اعترفت بإلقاء القبض عليك في هذه الأمسية، لا نود أن نفك إسارك دون أن نستفيد من هذه الدقائق، التي لا تعوض ونحن في رحابك؛ فأرجو أن تتركنا من تواضع العلماء، فلديك الكثير مما نستفيد به، وأعتقد أنك لن تضن به علينا؛ وهذه الكلمات - أو هذا المطلب - هو مطلب جميع الإخوان الحضور.
 
(( عودة المحتفى به للحديث ))
وعاود الدكتور معروف الدواليبي الحديث - بعد أن ألح عليه المحتفي في ذكر بعض مواقفه - فقال:
- لا أدري من أين أبدأ؛ لقد قلت واعترفت في مقدمتي بأنني مجهول، فأصبحت معروفاً في هذه الجلسة؛ وأنا أقتبس من بعض كلمات من تحدث عني، لآخذ وأشرح بعض أسرار ما أشاروا إليه من بعض الأحداث؛ وأنا الآن في جدة، تتزاحم في هذه اللحظة التي لم أكن أفكر فيما سيُطلب مني؟ هل يُطلب مني أن شارك مع السادة الأفاضل، الَّذين تكرموا علىَّ بفضلهم أن أشاركهم في تقديم ترجمتي، وأنا - والله - أستحي منها؛ أم أذكر بعض ما أشار إليه أحد الإخوان من أسرار لا تزال مجهولةً عند المجهول - أيضاً - محفوظة عنده؟ ولا أستطيع أن أُطيل عليكم الجلسة كثيراً، ولكن ألقي كلمات حولها.. بكلمات برقية، وما كان يُطلب مني - دائماً - ونحن نعيش في أجواء عالمية الآن، وكلها حول القضية الفلسطينية؛ فلا بأس من أن أوجز قصتي مع المرحوم الحاج أمين الحسيني.
 
- وصلت قبل إعلان الحرب بأشهر للتخصص، في الدكتوراة، وأنتم تعلمون تطورات الحرب وما انتهت إليها، وتعلمون عن ثورة العراق وزعيمها، رشيد عالي الكيلاني، الَّذي أدت ثورته إلى متابعته من قبل السلطات الإنجليزية، والتي حفلت بأسرار كثيرة لا يمكن في الوقت الحاضر أن نتناول شيئاً منها؛ وقضت إرادة الله بأن تنتهي الحرب.. وأن يقبض على أمين الحسيني يرحمه الله، بعد أن أعد هتلر نفسه - قبل انتحاره - طائرة كبيرة لتنقل الحاج أمين الحسينى من ألمانيا إلى الملك عبد العزيز، وهذه قضية لا يعرفها أحد، ولكن الطائرات ضُربت بشدة بعد إعلان انتحار هتلر، وعجز خلفاؤه المكلفون بذلك عن أن يسيروا إحدى الطائرات البعيدة المدى، فاختاروا طائرة صغيرة لتنقله من ألمانيا إلى فرانكو، عليها أن تجتاز سويسرا التي أمضت ست سنوات محاطة بالحرب، ولم تسمع صفارات الإنذار فيها مدة ست سنوات؛ لكن بعد الهدنة كانت الطائرة الألمانية تطير فوقها، وأخذت صفارات الإنذارات لدول الحلفاء من جميع النواحي فطوردت الطائرة، وأجبرت على النزول، فقُبض عليه وانتهى الأمر بتسليمه إلى أقرب أرض من الدول الحليفة، فكانت فرنسا، فاعتقل والبقية الباقية من أتباعه.
- ولم تكن الطائرة تحمل إلا شخصين فقط من عشرين شخصاً كنا موجودين، فذهب مع من هو في حاجة إليه في ذلك الوقت، وبقينا ثمانية عشر شهراً؛ وعندما سمعنا عن القبض عليه، بقينا في جزع شديد وتقرر علىَّ أن أبدأ بالهرب.. فهربت حتى وصلت إلى باريس فوجدت سفير سوريا، السيد عدنان الأتاسي - رحمه الله - ابن هاشم بك الأتاسي، صبيحة اليوم الَّذي ضربت فيه دمشق والبرلمان، فوصلت إليه.. فشق عليه أن يراني، وقال: المتابعة شديدة.. فعليك أن تنقذ نفسك؛ فقلت: لا، لقد وقع عليَّ الاختيار أن أهرب لأُهرِّب الحاج أمين؛ فقال: يا أخي نحن السفراء العرب كلنا راجعنا، فقالوا: أمره متروك إلى الجيش، ولا يمكن أن يعرف أحد مقره، وأنت مطلوب إلى جانبه؛ وبالفعل اختبأت في مكان ما ذي حصانة - هذا من الأسرار التي لا أستطيع أن أتكلم فيها.
- ثم لم يمضِ عليَّ إلا 15 يوماً حتى عرفت مكان السجن، وأخذت رسالة من الحاج أمين يطلب مني مساعدة مالية، فجئت إلى سفير سوريا وقدمت له الكتاب، فدهش وقال: الشرطة تبحث عنك وأنت تختبئ، ونحن السفراء عجزنا عن معرفة مقر الحاج أمين، وإذ بك أنت تصل إلى السجن؟! لقد كان سجنه يبعد عن العاصمة باريس بمسافة 30 كيلاً، في فيلا ممنوع الوصول إليها في تلك القرية، ويراقب كل من يدخل تلك القرية ويخرج منها، وتمكنت أن تكشف المحل، وكيف تمكنت أن تدخل السجن؟ وكيف تمكنت أن تأتي بالرسالة؟ ويأتي بعد ذلك قصص أخرى يطول شرحها، فالمهم كيف هرب الحاج أمين الحسيني؟ تلك قصة طويلة سأختصرها قدر الإمكان.
- في إحدى الليالي - وفي الساعة الثانية بعد منتصف الليل وفي غفلة من السجانين - دخلت السجن، ولم أكد أدخل الفيلا - ضمن حديقة كبيرة - حتى انتبه السجانون، فقفلوا الباب ورائي.. فأصبحت في السجن؛ ولكني سارعت من جانب آخر فألقيت نفسي من الشباك، وعرفت في تلك اللحظات بمن أتصل، فقمت بما أستطيع من اتصالات.. كان آخرها بالرئيس ديجول، حتى أمكننا الإفراج عنه، ولكن على أن يظل داخل فرنسا.
- واحتاج ديجول إلى قرض كبير من أمريكا، فامتنعت عن تأدية القرض ما لم يُسلم الحاج أمين الحسيني، ورفض الطلب - الَّذي قدم - عن طريق السفير هاري بوليف في ذاك الوقت في واشنطون، فأرسلوا (ليون بلوم) رئيس وزراء سابق - وهو يهودي - ليستعين بيهود أمريكا على القرض، فلما عرفت أنه أرسل لهذه المهمة، قلت للحاج أمين: متى ما رجع (ليون بلوم) فستكون الضحية، وبالفعل أعلن بعد وصول (ليون بلوم) ببضعة أيام أنه تمكن من الحصول على القرض وسيحضر بعد ثلاثة أيام؛ فقلت للحاج أمين: يجب الهرب؛ قال وكيف؟ قلت - إن شاء الله - سنهيئ كل شيء؛ وبالفعل لم يكن هنالك من طائرات ولا قطارات، ولا بواخر يمكن الوصول إليها، غير طائرة أمريكية وأخرى فرنسية، يغادران فرنسا يومياً؛ فاخترت إحدى الطائرتين، ورجحت أن تكون الطائرة الأمريكية، ويشترط في التهريب أن يأخذوا في الطائرة العسكرية شخصاً واحداً مدنياً.. ولا بد له من إذن السفير؛ فكان عليَّ أن أهيئ جميع الأسباب التي يمكن أن ينتقل ويدخل إلى الطائرة، بأشكال وبطرق بعيدة عن معرفة السفير.
- كان الحاج أمين الحسيني - عندما سلموني إياه بعد خروجه من السجن - يسكن في بيت بعيد عن الأنظار، ولكنه محاط بأفراد عرب مسلمين، وكان الطباخ والخادمة اللذان يقومان بخدمته تابعين للمكتب السامي الفرنسي، وكل منهما يجب عليه أن يقدم تقريراً يومياً عنه؛ فتمكنا من التخلص منهما، وأخرجنا الحاج أمين في الوقت المناسب، وامتطى الطائرة الأمريكية، وانقطعت أخباره مدة خمسة عشر يوماً؛ وبعد 15 يوماً رجع الطباخ ورجعت الخادمة.. فلم يجدا الرجل، وقُبض عليَّ بطبيعة الحال، في الموعد الَّذي أتى "بلوم" ليستلم الحاج أمين، بعد أن قدم القرض؛ ففي ذلك النهار، ذهبت بنفسي إلى الجنرال ديجول، وقدمت له كتاب اعتذار، قلت فيه: لقد عرفت أنك ستعتقلني وتسلمني بعد وصول بلوم، فأشكرك على ضيافتك، وأعتذر لأني لا أريد إحراجك، فجئت أنا بنفسي إليك فقُبض عليَّ.
- وهكذا نجد أن القضايا كلها متصلة ببعضها، وهذه القضية وحدها يمكن أن يكتب فيها مجلد، ولا أستطيع أن أطيل فيها أكثر مما قلت؛ وأخذ الحاج أمين طريق البحر، وقد بذل الفرنسيون كل جهدهم ليحملوني على ايضاح طريقة هربه وأين هو؟ فقلت لهم بصراحة: أنا أعرف، ولكن لست موظفاً من الأمن حتى أدلكم عليه؛ لقد عرف الرجل أنكم ستقبضون عليه.. فاتخذ طريقه، فافعلوا ما تشاؤون؛ أما الحاج أمين فقد وصل إلى مصر، وهنالك أعلن بعد خمسة عشر يوماً عن وصوله.
- وقد احتجت أمريكا وإنجلترا على: "ديجول" واتهمته أنه هو الَّذي هربه، ولكن التحقيقات بعد ثلاثة أشهر كشفت أنه سافر بجواز مصطنع باسم معروف الدواليبي، ومعروف الدواليبي مؤشر عليه عند الدوائر الفرنسية بعدم سفره والخروج من فرنسا، وكذلك الحاج أمين لا يجوز له الخروج من فرنسا؛ ولذلك اتُهمت فرنسا بأنها هي التي هربته، فأصبح الجنرال ديجول غير محبوب من قبل الأمريكان، فساعدته في موضوع الكشف عن الطائرة التي أقلت الحاج أمين وبينت له أنها الطائرة الأمريكية.. فجن جنونهم؛ وعندئذ اتهمهم ديجول بتهريب الحاج أمين، وهذا ما ساعد على إقامة صداقة بيني وبين الجنرال ديجول، تمكنا بها من حلِّ عدد من القضايا فيما بعد، ومنها: استقلال سوريا بعد أن ضربت دمشق.
 
- وأكتفي بهذا من الكلمات البرقية التي لا يمكن أن نذهب فيها أكثر، ربما أطلت أكثر من اللازم، فأنتم في حاجة جميعاً لتناول شيء من الطعام.. والوقت متأخر؛ وشكراً لسماعكم، وآسف لهذا الاختصار.
 
(( تعقيب من المحتفي الأستاذ عبد المقصود خوجه ))
ثم عقب الأستاذ عبد المقصود خوجه على كلمة دولة الرئيس معروف الدواليبي، فقال:
- دولة الرئيس: تعم الأمة الإسلامية صحوة إسلامية لها إيجابياتها وسلبياتها، ولقد عُرفتم بمواقفكم الإسلامية في كثير من المؤتمرات.. وعبر حياتكم الطويلة؛ معنا الليلة الكاتب الإسلامي الأستاذ محمد صلاح الدين، أرى أن أترك له إجراء حوار مع دولتكم، فيبدو بهذا الشكل أننا نستطيع أن نؤطر كثيراً من رغبة الإخوان، في أسئلة يودون أن يطرحوها عليكم؛ فسأحيل جميع الأسئلة إليه، وأترك للإخوان أن يكتبوا الأسئلة التي يودون أن يطرحوها على دولتكم، ومن ثم سأحيلها على الزميل الأستاذ محمد صلاح الدين، وأترك له حرية الحوار مع دولتكم؛ وفي الحقيقة: أعود وأكرر: أننا نود أن نستفيد من اللحظات التي نقضيها معكم الاستفادة الكُلِّية، فهناك مُتسع للطعام، وهناك متسع من الوقت؛ وشكراً.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :728  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 60 من 170
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

عبدالعزيز الرفاعي - صور ومواقف

[الجزء الأول: من المهد إلى اللحد: 1996]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج