شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
((كلمة الأستاذ الدكتور سعد بن عبد العزيز الراشد))
(( حقبة من الزمن في خدمة الآثار ))
(( تجربة جندي لم ينهزم ))
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه الطيبين أفضل الصلاة وأزكى التسليم. قال تعالى: لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ (إبراهيم: 7) وفي الحديث الشريف: من لا يشكر الناس لا يشكر الله عزّ وجلّ ولهذا فلزاماً علي من باب الوفاء والتقدير أن أقدم خالص شكري وامتناني للوالد والأستاذ الأديب الكريم: عبد المقصود محمد سعيد خوجه على هذه اللفتة الجميلة لتكريمي في هذه الليلة أمام هذا الجمع الكريم من الأخوة الأعزاء والأصدقاء الأوفياء والضيوف النبلاء، وفي هذه الدار المباركة العامرة بالعطاء في جدة ((أم الرخاء والشدة)) كما يقول المثل. وشرف ما بعده شرف أن يضاف اسمي إلى قائمة من تم تكريمهم قبلي من العلماء الأجلاء، والأدباء والوجهاء، من داخل المملكة وخارجها. وأسأل الله تعالى أن يثيب صاحب الاثنينية على هذا العمل النبيل وأن يجعل ذلك في موازين حسناته.
إن تكريمي هذه الليلة هو تكريم لزملائي الذين عملت معهم حقبة من الزمن في وكالة الآثار والمتاحف ومنهم من يشاركنا بالحضور في هذه الأمسية. والشكر موصول لكم أيها الأحبة على مجيئكم الليلة وجزاكم الله كل خير.
أيها الأستاذ الأديب.. أيها الأخوة الكرام:
ماذا عساي أن أقول بعد ما سمعته من جميل الكلام وأصدق التعبير عن شخصي الضعيف؟ وما ذكر من إطراء ممن أحسنوا الظن بي وسرَّهم ما بذلت خلال مسيرتي القصيرة في حياتي العلمية والعملية، فهو نابع من نظرة المحب لمن أحب والحمد لله الذي وفقني فيما قدمت، ويسرُّني أن أرى وأسمع ممن تشرفت بهم الاثنينية وطيبوا خاطري بالقول الحسن. وأقول كما قال شاعر النيل:
((شكرت جميل صنعكم بدمعي
ودمع العين مقياس الشعور
لأول مرة قد ذاق جفني
على ما ذاقه دمع السرور))
إن من أصعب الأمور على الإنسان أن يتحدث عن نفسه، وأخشى أن أوصف بالأنانية والغرور. فأي امرئ حقق إنجازاً في خدمته للوطن فليس له فضل لأن هذا واجب عليه والواحد منا إذا ما أسندت إليه المسؤولية فإنه يستمد قوَّته في أدائها من الله سبحانه وتعالى أولاً، ثم يتعاون مع زملائه وأن يكون لديه إيمان بالعمل بروح الفريق والشفافية والانفتاح على الآخرين.
واسمحوا لي أيها الأخوة الكرام أن أركّز حديثي في هذه المناسبة عن حقبة مهمة مرّت في حياتي قضيتها في خدمة تراث بلادنا وحضارتها، عندما شرفني الأستاذ والصديق الدكتور محمد بن أحمد الرشيد لأكون مسؤولاً عن الآثار والمتاحف بعد اختياره وزيراً للمعارف (التربية والتعليم) في عام 1416هـ.
ولأن الآثار والتراث في بلادنا هي حديث الساعة لها ما لها، وعليها ما عليها، فاسمحوا لي أيضاً أن أوضح لكم نقاطاً مهمة جداً عن الآثار أعتقد أنها غائبة عن ذهن بعض من عامة الناس وخاصتهم وهي كالتالي:
1 ـ حرص مؤسس هذا الكيان الكبير، الملك عبد العزيز (رحمه الله)، ألا تمتد يد العبث بآثار البلاد وتراثها، ولم يسمح بخروج قطعة واحدة أو أن تعطى تراخيص للبعثات الأجنبية للتنقيب في أراضي المملكة، ونقل الآثار خارجها، كما حدث في كثير من بلاد العالم. وقال فيما معناه: ((تبقى الآثار في مكانها حتى يأتي من أبناء الوطن القادرين للكشف عنها)).
2 ـ إدراكاً من الدولة بأهمية الآثار فقد صدر قرار مجلس الوزراء رقم 727 في 8/11/1383هـ الموافق 1963م بالموافقة من حيث المبدأ على إيجاد دائرة للآثار ترتبط بوزارة المعارف. وجاءت حيثية القرار أنه: ((لما ورد في ذلك من أهمية بالنسبة للآثار كتراث قومي خالد وكمنهل من مناهل العلم والمعرفة وكصلة بين الماضي والحاضر وكمصدر من مصادر تاريخنا وحضارتنا وكمورد من موارد الاقتصاد الوطني بجانب أنها متطلب من متطلبات ركب الحضارة وعجلة التقدم ومسايرة لبقية دول العالم التي أوجدت في أجهزتها الحكومية دوائر خاصة بالآثار)).
أعتقد أن من يقرأ هذا القرار لا بد أن يقف احتراماً للدولة على توجهها في التفكير بهذا العمق والرؤية الصائبة بعيدة الأفق. علماً أنه لم يكن في البلاد في ذلك الوقت مختصاً واحداً في الآثار أو حتى في التاريخ القديم، لكن القائمين على هذا الأمر كانوا على سعة من المعرفة.
3 ـ صدر المرسوم الملكي الكريم رقم م/26 في 23/6/1392هـ (الموافق 1972) بالموافقة على نظام الآثار وتشكيل المجلس الأعلى للآثار لتحديد ورسم الخطوط العريضة لنشاط إدارة الآثار والإشراف على منجزاتها. ويتكوّن نظام الآثار من سبع وسبعين مادة مقسمة على سبعة فصول تم التعريف فيها بالأعمال التي يضطلع بها المجلس الأعلى للآثار والتعريف بالآثار الثابتة والمنقولة، والاتجار بالآثار وتصديرها والتنقيب عن الآثار والعقوبات التي تطبَّق على من يخالف هذا النظام.
وفي أي حال فقد خصصت وزارة المعارف مقراً لإدارة الآثار في قاعة صغيرة بأحد مباني معهد العاصمة النموذجي في الرياض. وبدأت هذه الإدارة بممارسة نشاطها بدون تنظيم أو نظام إنما تحال إليها المراسلات وما يطرأ من قضايا لتسكن في تلك الإدارة، وتتعامل معها وفق مقتضيات كل حالة. وبتاريخ 2/2/1385هـ صدر قرار وزاري بنقل خدمات الأستاذ عبد الرحمن بن عبد الله إبراهيم من ملاك وزارة العمل والشؤون الاجتماعية إلى ملاك الوزارة ليعمل في دائرة الآثار بوظيفة مساعد إدارة بالمرتبة الخامسة، وتدرَّج عمله الوظيفي حتى المرتبة الثامنة بمسمّى ((باحث تعليمي)). ثم قدم استقالته من العمل الحكومي في 14/8/1396هـ الموافق 1976م، بعد خدمة في إدارة الآثار استمرت 11 عاماً.
غير أن إدارة الآثار بدأت تشهد نقلة نوعية وتنظيمية وتأسيسية مع تعيين الدكتور عبد الله بن حسن عثمان مصري مديراً لإدارة الآثار بتاريخ 14/6/1393هـ الموافق 1973م. الدكتور المصري يتميز بكفاءته الأكاديمية وتأهيله العالي في علم الآثار واحتياجاته، وكفاءته أيضاً في العمل الميداني، واستيعابه الإداري. هذه الصفات مجتمعة أهلته لوضع اللبنات الأولى التي شكلت الأساس الذي سارت عليه إدارة الآثار ووجدت في سبيل تحقيق ذلك تشجيعاً ودعماً ومؤازرة من الشيخ حسن بن عبد الله آل الشيخ وزير المعارف (رحمه الله) ومؤازرة المجلس الأعلى للآثار الذي كان أبرز أعضائه الأستاذ الدكتور عبد الرحمن الطيب الأنصاري والأستاذ الدكتور أحمد الضبيب.
استطاع الدكتور عبد الله المصري بمهنية عالية النهوض بإدارة الآثار، التي انتقلت إلى مقر دائم، مكنها من أداء مهمتها في تسجيل المواقع الأثرية وحمايتها وإنشاء المتاحف. وكان من أولى إنجازاتها إصدار كتاب: مقدمة عن آثار المملكة العربية السعودية، عام 1395هـ وهو أول كتاب مطبوع يصدر باللغة العربية والإنجليزية يعرِّف بآثار المملكة ويشتمل على لقطات مصورة لأبرز الآثار والمعالم التاريخية فيها.
بدأ مشروع المسح الأثري الشامل لكافة لأرجاء المملكة كافة ضمن خطة أقرّها المجلس الأعلى للآثار عام 1396م بمشاركة علماء تم اختيارهم بعناية من عدد من جامعات أوروبا وأمريكا. وبعد ذلك بعام صدر العدد الأول من أطلال: حولية الآثار العربية السعودية عام 1397 ـ 1398م. وقد وضع الأستاذ الدكتور عبد العزيز بن عبد الله الخويطر وزير المعارف ورئيس المجلس الأعلى للآثار في ذلك الوقت كلمة جميلة في الافتتاحية حملت مضامين علمية قوية، ومسؤولية رسمية من الدولة تجاه الآثار. وأجدها مناسبة طيبة للتذكير بما كتبه ذلك الرجل الذي تعرفونه بعلمه وقوة حجته وبراعة قلمه. يقول الخويطر:
((أهمية خدمة الآثار في المملكة أمر تعي أبعاده إدارة الآثار، في وزارة المعارف؛ فهو بالنسبة إليها واجب وطني إنساني تجب خدمته بحسب أولويات وضعتها في حدود ما لديها من إمكانيات مالية وبشرية، وظروف زمنية ومكانية، وهي تدخل إلى الأمر من عدة زوايا، لتعوّض ما فاتها من وقت، وتلحق بما سبقها من ركب، فهي بجانب المسح الأثري، والدراسات الميدانية، واختيار أماكن المتاحف وتصميمها، وبنائها، والعناية بالمنقول والثابت من الآثار: بالصيانة، والترميم والدراسة، وحسن الحفظ، لا تنسى النافذة التي تطل منها إلى العالم، ويطل علينا العالم منها، مجلة تحمل نتائج محاولات علماء الآثار في المملكة العربية السعودية، لكشف خفايا أسرار الحضارات التي عاشت في هذه المنطقة، وتقديمها إلى المتطلعين إليها أولاً فأول)) ا.هـ.
والواقع أن حولية أطلال تعد ولا تزال وستظل إن شاء الله المصدر الأهم في آثار المملكة وحضارتها ويتطلع إليها الباحثون والدارسون والمؤسسات والهيئات العلمية المتخصصة داخل المملكة وخارجها.
وفي 21 المحرَّم 1398هـ (ديسمبر 1977م) افتتح صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبد العزيز أمير منطقة الرياض المتحف الوطني للآثار والتراث الشعبي في مقره القديم بحيّ الشميسي، فكان هذا الحدث الثقافي خطوة رائدة نحو التخطيط لسلسلة من المتاحف المحلية والإقليمية على مستوى الوطن. وقد ولدت فكرة المتحف وتطورت إبان عهد الملك فيصل ونفذت برعاية الملك خالد بن عبد العزيز ومتابعة ولي عهده آنذاك فهد بن عبد العزيز (رحمهم الله جميعاً) وقد أكد سمو الأمير سلمان توجُّه الدولة للعناية بالمتاحف في العبارة التي كتبها سموه بخط يده في سجل المتحف قال فيها:
((إذا كان لي ملاحظة فهي أن هذا المتحف على قصر عمره قد خطا بالآثار والتاريخ خطوات طويلة آمل أن نواصلها بما يحقق الغاية من الهدف المنشود والله الموفق)) وكانت تطلعات سمو الأمير سلمان في مكانها كما سنوضح ذلك لاحقاً.
لقد كانت فترة الأخ الدكتور عبد الله المصري في إدارته لشؤون الآثار مرحلة مهمة جداً لأنها تزامنت مع حركة التنمية الشاملة في بلادنا. وتم خلال هذه المرحلة تنفيذ ستة متاحف محلية أنشئت بالقرب من مواقع أثرية ومعالم تاريخية غاية في الأهمية، وقد تم افتتاحها بالتدريج، وأصبحت هذه المتاحف بالإضافة إلى المتاحف الإقليمية وسيلة لتوصيل المعرفة الثقافية والعلمية عن تاريخ الوطن وآثاره وتراثه للمواطنين والمقيمين والزائرين على حد سواء.
ويجب التنويه بمشاريع التسوير والتوثيق والترميم والتحسين والتجميل لعدد من المواقع الأثرية والمعالم التاريخية ومن أهمها العلا ومدائن صالح التي شرفت بزيارة تاريخية قام بها خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز (رحمه الله) في شهر صفر عام 1406هـ/1985م، يرافقه عدد من أصحاب السمو الملكي الأمراء والمسؤولين في الدولة وفي مقدمتهم صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبد العزيز.
ومما يؤسف له أن التطور المتنامي لقطاع الآثار أخذ ينحسر تدريجاً بسبب انكماش الميزانية ونقص في الوظائف وتوقف نشاط المجلس الأعلى للآثار لعدة سنوات وانتهاءً بالتقاعد المبكر للمسؤول الأول عن الآثار الدكتور عبد الله المصري عام 1414هـ.
ومع تقديري للأخوة الذين أوكلت إليهم فيما بعد إدارة شؤون الآثار داخل دهاليز الوزارة فإن تلك المرحلة كانت كفيلة بتقطيع أوصال جهاز الآثار والانتقاص من دوره في المحافظة على تراث الوطن دون مراعاة لنظام الآثار ومسؤولية الجهاز وتوجُّه الدولة لإبراز تاريخ الوطن وحضارته.
في عام 1416هـ حدث تشكيل وزاري في الدولة وتم تعيين الأستاذ الدكتور محمد بن أحمد الرشيد وزيراً للمعارف. وبعد ثلاثة أشهر من تسلُّم معاليه مسؤولية الوزارة ـ طلب مني مقابلته في مكتبه وكان مستاءً جداً للوضع الذي وصل إليه حال الآثار ووضعها المالي والإداري والبحثي، والدكتور الرشيد يعرف تمام المعرفة أهمية الآثار للثقافة والتربية وله وقفات سابقة مع هذا القطاع خلال عمله الأكاديمي عميداً لكلية التربية في جامعة الملك سعود ثم مديراً عاماً لمكتب التربية لدول الخليج العربي. كما أني كنت أبادله نفس الشعور تجاه هذا القطاع الذي تربطني به روابط عميقة بحكم التخصص من ناحية وعلاقتي بعدد كبير من منسوبي هذا القطاع، كما أني تشرفت بعضوية المجلس الأعلى للآثار قبل ذلك بعامين.
طلب مني الدكتور الرشيد بكل لطف وعطف أن أتولى مهمة إدارة الآثار في المملكة. لم تكن هذه الوظيفة تغريني فقد كنت ولله الحمد في وضع علمي مميز في الجامعة وأعلم مسبقاً أن العمل الإداري سيطغى على أمور علمية عديدة، منها متابعة التنقيبات الأثرية بموقع الربذة الإسلامي وتفعيل اللجان العلمية المختارة للعمل في نشر أبحاث الربذة ومشاريع علمية أخرى كثيرة ترتبط بقسم الآثار والمتاحف الذي تشرفت أن أكون رئيساً له. طلبت من معالي الوزير التريث للتفكير وطال تفكيري فكتب لي رسالة خاصة في 6/6/1416هـ قال فيها:
((أرغب في عونك وأطمع في إسهامك واثق في قدراتك واقترح على أخي الكريم أن تأذن لي بأن أطلب من وزارة التعليم العالي إعارتكم لنا بوظيفتكم أستاذاً)) ويقول: ((وحتى تنجلي الصورة فيما بعد ولأننا في صدد دراسة هيكل الوزارة وستكون أنت مشاركاً في هذا الجانب)). بينت لمعالي الوزير حجم المشكلة ووعدني ببذل كل ما في وسعه لإنجاح مهمتي القادمة.
صدرت موافقة وزارة التعليم العالي على الإعارة بعد أخذ وردّ. وطوال فترة الموافقة على تلبية طلب الوزارة كنت قد بدأت مع الدكتور الرشيد في عدد من القضايا المتصلة بالآثار. باشرت العمل في الوكالة المساعدة للآثار والمتاحف في 6 رمضان 1416هـ. ومن أول يوم ولجت فيه المكتب شعرت أنني ارتكبت جرماً بحق نفسي فالمبنى هزيل وآيل للسقوط والتجهيزات ضعيفة جداً والمختبرات المساندة للعمل الأثري معطلة والروح المعنوية لموظفي الجهاز المركزي في الوكالة والمناطق والمحافظات في حالة يأس. ووجدت أن عدداً كبيراً من الموظفين المؤهلين تأهيلاً عالياً في العمل الأثري قد تم توزيعهم على المكاتب الإدارية في جهاز الوزارة وإدارات التعليم جزاءً لهم وردعاً لأمثالهم. غير أن ما شد عزيمتي في مواجهة هذه المشاكل ذلك الاستقبال الحار الذي وجدته من الزملاء الذين كانوا على رأس العمل في قطاع الآثار والدعم والتشجيع الذي وجدته من عدد كبير من المسؤولين في الدولة ومن الأدباء والمثقفين ورجال الصحافة والإعلام. في تلك اللحظة شعرت بعظم المسؤولية وأن حقبة جديدة سيشهدها قطاع الآثار بالرغم من واقعها.
ويعلم الله أن همي الأول لم يكن التشبث بالوظيفة بقدر ما كان الوفاء بالعهد الذي قطعته على نفسي. وعندما شعرت بالعراقيل الإدارية والنظرة الدونية للآثار وتداول مقولة: ((الحي أبقى من الميت)) بين دهاليز الوزارة، سارعت في وضع هذه المشكلة بكل وضوح أمام الوزير فما كان منه إلا أن أصدر قراره الرشيد في عام 1418هـ بربط الوكالة المساعدة للآثار بمعاليه تيسيراً لأمورها، وأن يعامل المسؤول عنها معاملة وكيل وزارة. ورفع معاليه بعد ذلك طلباً منطقياً للمقام السامي الكريم يطلب فيه بأن تكون وكالة الآثار هيئة مستقلة ذات شخصية اعتبارية وصدرت الموافقة السامية بتشكيل لجنة وزارية عليا لوضع النظام والتنظيم للهيئة. ورفعت الدراسات للجهة المعنية التي انتهت بعد ذلك بصدور الأمر السامي الكريم بضم الآثار للهيئة العليا للسياحة. أراد معالي الوزير تكريمي بتعيني في وظيفة عليا بمسمى مستشار، ورفع بذلك للمقام السامي الكريم، فشكرت معاليه على هذه الثقة ولكني خشيت لاحقاً أن يأتي وزير من بعده له رأي آخر ما لم تكن الوظيفة مرتبطة بالعمل في الآثار. فكتب معاليه مذكرة بذلك لمعالي أمين عام مجلس الوزراء، ويقول فيها:
((رغب الأستاذ الدكتور سعد الراشد أن يبقى على وظيفته الأكاديمية ـ أستاذاً ـ وعليه فإنني آمل إعادة المعاملة الخاصة بتعيينه في المرتبة الخامسة عشرة في وظيفة مستشار)).
كان رأيي الذي له ما يبرره والذي لامني عليه بعض الزملاء، لأن في عدم قبول هذه الوظيفة إضعاف لوكالة الآثار. وفي عام 1420هـ صدر قرار المقام السامي الكريم بتعيني وكيلاً للآثار والمتاحف ولله الحمد والمنة.
وتدور عجلة الزمن ويشهد قطاع الآثار نقلة جديدة بحماس وعزيمة منسوبي القطاع وتشجيع ولاة الأمر. لقد شهدت هذه الحقبة نهضة يدركها الجميع على أرض الواقع وهي استكمال لأعمال كبيرة ورائدة تمت من قبل، فقد عاد النشاط الميداني المتمثل في أعمال المسح والتنقيب والنشر العلمي والمحافظة على الآثار وتنفيذ الدراسات التوثيقية لترميم عدد كبير من المعالم التاريخية والآثارية وتطوير المتاحف القائمة وإنشاء متاحف جديدة وتنفيذ المعارض داخل المملكة وخارجها. وشهدت هذه المرحلة تعزيزاً لمكانة وكالة الآثار والمتاحف وتأكيد دورها في تمثيل المملكة وبقوة في المؤتمرات والندوات العلمية والفعاليات المحلية والإقليمية والقارية والدولية. ولعلّ أكبر انطلاقة شهدتها الآثار والمتاحف في بلادنا هو إنشاء المتحف الوطني للمملكة العربية السعودية ومبنى وكالة الآثار والمتاحف ضمن مشروع مركز الملك عبد العزيز التاريخي، الذي قامت على تخطيطه وتنفيذه الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض وبمتابعة وتوجيه مباشرين من صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبد العزيز أمير منطقة الرياض. كان توجُّه الدولة في مكانه بأن يواكب احتفال الدولة بمرور مائة عام على تأسيسها مع انطلاقة وحدتها الجديدة على يد الملك عبد العزيز (رحمه الله) بأن يكون للاحتفالية أثر يبقى للزمن، يبرز حضارة البلاد وتاريخها وكان لاختيار سمو الأمير سلمان بن عبد العزيز رئيساً للجنة التنفيذية والتحضيرية لهذه المناسبة التاريخية أثر كبير في تنفيذ أكبر مشروع ثقافي وتاريخي، فكان تحويل منطقة المربع إلى مركز كبير للآثار والتاريخ ـ المتحف الوطني ودارة الملك عبد العزيز وعناصر أخرى كثيرة تمت ولله الحمد في وقت قياسي وبمهنية عالية من قبل الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض، وبمشاركة العقول الوطنية من مهندسين وعلماء في التاريخ والحضارة. لقد تحققت تطلعات سمو الأمير سلمان في كلمته التي كتبها في سجل افتتاح المتحف القديم قبل أكثر من عشرين عاماً، فكان افتتاح مركز الملك عبد العزيز التاريخي في صباح يوم الجمعة 5 شوال من سنة 1419هـ. ولا أنسى أول اجتماع تمهيدي لمناقشة إنشاء المتحف الوطني الذي عقد في مقر الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض يوم الاثنين من شهر رمضان 1416هـ/5 فبراير 1996م. وفي يوم الثلاثاء 14 المحرَّم 1418هـ/20 مايو 1997م وضع الأمير سلمان حجر الأساس لمشروع مركز الملك عبد العزيز التاريخي الذي يشكّل المتحف الوطني أكبر عنصر فيه. وضعت وكالة الآثار فريقاً متخصصا بتصرُّف هيئة تطوير الرياض، وفتحنا المخازن وفرزنا القطع الأثرية والتراثية المناسبة للعرض المتحفي والتي توافرت نتيجة لجهود طويلة عبر سنوات من الأعمال الميدانية المضنية من خلال المسوحات والتنقيبات الأثرية. وتعامل فريق الوكالة مع فريق نظير اختارته الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض من العلماء السعوديين في الآثار والتاريخ والحضارة لوضع الخطة العلمية لسيناريو العرض المتحفي. فكانت النتيجة أن ظهر المتحف الوطني على الصورة التي هو عليها اليوم، تحفة هندسية وعمارة وأسلوباً في العرض والمحتوى العلمي والتربوي. إن النهضة التي شهدتها الآثار خلال الحقبة السابقة ما كان لها أن تتم لولا توفيق الله أولاً ثم دعم ومؤازرة قيادة بلادنا. فقد تشرفت مع معالي الوزير الدكتور محمد الرشيد بمقابلة ولاة الأمر وعرضنا أمامهم السلبيات والإيجابيات واستمعنا إلى توجيهاتهم. ففي عام 1417هـ/1997م تشرفت بمقابلة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز (رحمه الله) وخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز (ولي العهد آن ذاك) وولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبد العزيز النائب الثاني ووزير الدفاع والطيران والمفتش العام (آنذاك) وصاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبد العزيز وزير الداخلية. فاستمعت إلى نصائح وتوجيهات لا تقدَّر بأموال الأرض. أتذكر ملياً فيما كنا في مجلس عبد الله بن عبد العزيز حفظه الله ووفقه حين مرر إليّ الدكتور محمد الرشيد ورقة كتب فيها ((هيئ نفسك للحديث لثلاث دقائق عن أبرز الإنجازات في الآثار والمتاحف)).. قبل أن أبدأ حديثي استمعت منه حفظه الله ما خفف عني الهموم وطيَّب خاطري بالثناء والعطف والنصح. وعندما تحدثت شكرني وقال لي أمام جمع كبير: ((حافظوا على الآثار وما جاكم من شيء خبرني)) وتكررت مقابلتي بمعية الوزير لخادم الحرمين الشريفين، وفي كل مرة كنا نعرض على أنظاره الكريمة الجديد من المكتشفات الأثرية، فكنت والوزير نلقى كل تشجيع.
وعندما قابلنا صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبد العزيز أكّد على أهمية الآثار ودورها في العلم والثقافة والسياحة ثم تبرَّع سموه الكريم بمبلغ جزل لإصدار 13 مجلداً عن الآثار بعدد مناطق المملكة. وعندما قابلنا صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبد العزيز وجدناه يؤكد على أهمية الآثار والمعالم التاريخية في عموم بلادنا وضرورة المحافظة عليها. وزارنا سموه الكريم في متحف المصمك وشرفنا برعاية ندوة الآثار حمايتها والمحافظة عليها في الفترة من (15 ـ 18 رجب 1420هـ/24 ـ 27 أكتوبر 1999م).
وافتتح سموه عدداً من المعارض التي أقمناها في تلك المناسبة. خرجت الندوة بتوصيات باركها المقام السامي الكريم وتمنّى سمو الأمير نايف أن يرى تنفيذها على أرض الواقع وكانت كلمة سموه في افتتاح الندوة تحمل في طياتها مفاهيم تؤكد نظرة الدولة للمحافظة على تراث الأمة. قال سموه:
((تعلمون أن الأمم ذات التاريخ العريق لا تفرط بآثارها.. تحتفظ بها وتحافظ عليها.. تعتز بها وتفتخر.. فالآثار شاهد حي على الحضارة والعراقة.. ودليل قاطع على إبداع الأمم وما قدمته للإنسانية من علم ومعارف.. وصيانة التراث)).
وختم كلمته بقوله:
((إننا نتطلع أن تكون هذه الندوة انطلاقة جديدة في العناية بالآثار والتنقيب عنها.. وإنشاء المتاحف المحلية والإقليمية.. والمعارض الثابتة والمتنقلة.. لتكون مصدراً ثقافياً متاحاً للمواطن والزائر)).
وفي أمسية رمضانية جميلة من مساء الأربعاء 8 رمضان 1420هـ/15 ديسمبر 1999م نظم سمو الأمير سلمان برنامج زيارة ممتع للملك عبد الله بن عبد العزيز حين كان ولياً للعهد ومعه عدد كبير من أصحاب السمو الملكي الأمراء والوزراء وكبار المسؤولين في الدولة من مدنيين وعسكريين ورجال أعمال وغيرهم، وقد اطلع حفظه الله على كل جزئية من المتحف ودارة الملك عبد العزيز والعناصر الأخرى في المركز. وقد أثمرت تلك الزيارة المباركة لمزيد من التطوير لهذا المشروع الحضاري الكبير. كما تشرفت الآثار بزيارته حفظه الله لقصر شبرا التاريخي. وكانت زيارة الملك عبد الله الأخيرة لمركز الملك عبد العزيز التاريخي بصحبة فخامة الرئيس شيراك يوم الأحد 5 صفر 1427هـ/5 مارس 2006م توضح بشكل جلي اهتمام الدولة بالتواصل الحضاري مع العالم حيث افتتح معرض ((روائع الفن الإسلامي بمتحف اللوفر)) الذي أشرف على تنفيذه صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان الأمين العام للهيئة العليا للسياحة.
ولن ننسى اللمسات الحانية من سمو ولي العهد الأمير سلطان بن عبد العزيز ودعمه للآثار وقد شرفنا في مناسبات لافتتاح معارض آثارية وتربوية في الرياض وأبها والمدينة المنورة. وتفقد سموه مباني سكة حديد الحجاز بالعنبرية وحرص سموه حفظه الله على ترميم هذا الصرح التاريخي المهم.
إن الحديث عن تشجيع القيادة وأصحاب السمو أمراء المناطق لمسيرة قطاع الآثار يوضح بشكل جلي توجُّه الدولة للمحافظة على تراثها الحضاري وإبرازه عالمياً.
إنه لمن المؤمل أن الآثار ستشهد نهضة قوية تفوق كل التوقعات بعد اكتمال المرحلة الانتقالية لانضمام وكالة الآثار إلى الهيئة العليا للسياحة. ولن تجد الهيئة عناء في توجيه دفة الآثار لوجود كفاءات وطنية على مستوى تحمُّل المسؤولية وبنية تحتية إذا تم توظيفها فستكون إن شاء الله مصدراً علمياً وثقافياً واقتصادياً وسياحياً.
حقاً إن الحقل الذي أينع وأثمر ينسي الفلاح همومه ومعاناته والذي ينجح في الامتحان تعود إليه حيويته ونشاطه بعد جهد وتعب. وإذا كان هناك نجاحات تحققت في قطاع الآثار فإنها لا تخلو من طرائف. منها على سبيل المثال فقط الآتي:
في شوال 1416هـ كانت ميزانية الوزارة قد صدرت وعند تصفحها لم نجد لقطاع الآثار إلا الفتات. كانت ميزانية الأبحاث تحمل على بند الإعانات يصرف منه على الكشافة والمدارس الأهلية والمدارس السعودية في الخارج، أما غير ذلك من متطلبات الآثار فعلى باب الله! وبالنسبة للمشاريع ـ إن وجدت ـ فتنفيذها في علم الغيب.
كانت الوكالة إذا طلبت صيانة أو ترميم مبنى أو تسوير موقع أثري تدخل مع الإدارة المالية في معركة حامية الوطيس. في أول تسلُّمي للعمل قابلت المسؤول الكبير المباشر عن توزيع الميزانية وبعد مناقشة ساخنة، وضع مبلغاً زهيداً جداً لا يتعدى أربعمائة ألف ريال لتنفيذ أعمال ميدانية ومعاينات ومسوحات لمدة عام كامل. وتبين لي أن هناك مبالغ مرحلة ستقتطع من ذلك المبلغ. وعندما وضحت الأمر لذلك المسؤول حاول ترضيتي قائلاً: ((رح اشتغل وإذا خلص المبلغ ارجع لي)) وللتأكيد على ذلك ضرب على صدره خبطة قوية فتزحزح كرسيه من مكانه وكاد يهلك وتسمرت قدماي أمام طاولته مخافة أن يكون قد أصابه ما لا تحمد عقباه وأكون أنا الجاني ولكن الله سلَّم. بعد ذلك بدأت ميزانية الآثار تنمو تدريجاً في إطار الحد الأدنى، وكنت لا أتحرج من تجاوز الصلاحيات حرصاً على أداء العمل.
وعند افتتاح المتحف الوطني في شهر شوال 1419هـ واجهتنا معاناة كبيرة لا تزال عالقة حتى الآن، منها توفير الكوادر البشرية لإدارة المتحف وأمنه. طلبنا من الوزارة تلبية احتياجات المتحف بحسب خطة التشغيل المعتمدة فدخلنا في دهاليز مظلمة وكنا نحاول ألا تبرز المشكلة خارج دهاليز الوزارة حتى لا يجد زوّار المتحف ما قد يعكر مزاجهم. وصلت المعاملة ومعها الخطة التشغيلية للمتحف إلى مستشار كبير له سنوات طويلة في التعليم فسجل عليها الشرح الآتي:
((رأيي هو أن يستفاد مادياً من المتاحف وما فيها لا أن يصرف عليها ببذخ لا ضرورة له. المتاحف في أغلب بقاع الدنيا مصدر دخل قومي أما لدينا فهي مصدر تبذير للثروة. رأي الدكتور سعد جيد جداً ولكن عندما يكون دخل المتاحف يغطي ويزيد على ما طلب صرفه، رأي الدكتور سعد هو رأي حضاري يتخيّل فيه الشعب السعودي وقد انطلق مع أطفاله وشبابه إلى المتاحف في الصباح والمساء يدرس ماضيه ويشحذ حاضره. علماً أنني لا أجهل أو أتجاهل ما قد يقال عن المستقبل وما قد يكون عليه مجتمعنا وأننا يجب أن نغرس فيه صفات حب ماضيه وتعزيز هذا الحب لحاضره ولكن هذا يحتاج إلى أجيال والزمن هو الذي سيحقق ذلك)).
لعلّنا نقارن فقط بين هذا الرأي وتوجيهات قيادة البلاد وكلمة سمو الأمير نايف التي أشرنا إليها سابقاً وهي كافية لتوضيح ذلك التوجه.
هناك عبارة لازمت سمعي منذ زمن وهي: (والله شي)! قالها مسؤول كبير عن مؤسسة علمية كبيرة عندما شاهد حصاد السنين والعمل الدؤوب في الفاو والربذة. وسمعتها بعد ذلك كثيراً وهي للتدليل على الدهشة من حجم المكتشفات الأثرية وغرابتها. لكن ذلك المسؤول وغيره لم يقدر الجهد الذي بذل ولم يلتفت إلى التبعات العلمية المتبقية للتعريف بهذه الآثار من خلال البحوث والدراسات فبدونها يظل الكشف الأثري ناقصاً. وهذا ما حدث لنتائج أعمالنا في حفائر الربذة.. الربذة حِمى لإبل الصدقة وخيل المسلمين المعقود بنواصيها الخير، فكم من فارس ومحارب وعالم وتاجر أوصلته الإبل والخيول من الربذة إلى أقاصي الدنيا. الربذة المدينة والمحطة، موطن أبي ذر الغفاري والصحابة والتابعين، ومر بها وأقام فيها الخلفاء والسلاطين. أثبتت آثارها عراقة الحضارة الإسلامية. ومن سبق له مشاهدة الفيلم الوثائقي عن الربذة وتصفح كتابنا: الربذة صورة للحضارة الإسلامية المبكرة في المملكة العربية السعودية)) سيجد أن طلاب الأمس الذين ظهرت صورهم في الفيلم والكتاب أصبح عدد كبير منهم يحملون مؤهلات أكاديمية عالية نفتخر بهم ونرفع من شأنهم في كل محفل ولكن مع الأسف فقد كُتب على نتائج أبحاث الربذة ألا ترى النور، وكم كان سيكون فخراً للجامعة التي أنتمي إليها وهي تحتفل بمرور خمسين عاماً على تأسيسها أن تبرز تلك الجهود في هذه المناسبة التاريخية، ولكن مع الأسف فإن مقولة ((والله شي)) ستبقى تلازم سمعي فقط بالرغم من أن التفاؤل هو ديدني لكني أجدني أردد قول الشاعر:
((غزلت لهم غزلاً دقيقاً فلم أجد
لغزلي نساجاً فكسرت مغزلي))
لكن إن شاء الله سيبقى مغزلي قوياً ما حييت يقدم لباساً جميلاً لتراث بلادنا وحضارتها.
أيها الأديب الفاضل وأيها الأخوة الكرام أشعر أني أثقلت وأطلت عليكم ولكن هي خواطر آثرت البوح بها أمامكم فاقبلوا عذري وشكري معاً.
حفظ الله بلادنا من كل مكروه وجعلها عزيزة بدينها وأهلها وتراثها وتاريخها والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :585  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 194 من 252
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج