شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
((كلمة الأستاذ الدكتور أحمد بن عمر الزيلعي)) (1)
احتفاء بالحضارة الإسلامية وتكريم لعشَّاقها. ماذا عساي أن أكتب عن الأخ الصديق والزميل الكريم الأستاذ الدكتور سعد بن عبد العزيز الراشد في مناسبة تكريمه في اثنينية الشيخ عبد المقصود خوجه!؟ وهو ذلك الرجل اللامع البارز المعروف محليًّا وعالميًّا بعلمه وأدبه، وحسن خلقه، ولطف معشره، وبتسنّمه لأعلى المناصب الإدارية في حقل تخصصه حين كان وكيلاً لوزارة التربية والتعليم للآثار والمتاحف حتى تقاعده قبل أسابيع معدودة من الآن. وقبل ذلك كان الدكتور سعد معروفاً بين تلامذته وزملائه في جامعة الملك سعود بصفته من المتميزين علمياً، ومن الجادين المخلصين في عمله باحثاً ومنقباً ومؤلفاً، وإدارياً ناجحاً وأكاديمياً ملتزماً، بجانب إخلاصه لوطنه وتفانيه في خدمته، وغيرته على تراثه.
كان المعيد سعد الراشد أول مبتعث سعودي في حقل الآثار إلى المملكة المتحدة البريطانية، وأول حاصل على الدكتوراه في الحقل نفسه من جامعة ليدز ببريطانيا بعد دراسة مضنية وجادة أمضاها في جامعته، وفي جامعة لندن، وبعد دورات مكثفة من التدريب الميداني الشاق أمضى جزءاً منه في إيران والباقي قضاه متنقلاً في مواقع التنقيب عن الآثار في بريطانيا نفسها.
وحين عاد الدكتور سعد إلى وطنه، وانضم إلى عضوية هيئة التدريس في قسم الآثار والمتاحف بجامعة الملك سعود بصفته أول سعودي يحوز هذه الأولوية، انطلق في الفيافي والقفار باحثاً ومنقباً عن الآثار في المملكة العربية السعودية، فكان على يديه وبإشرافه إجراء أول حفرية عن الآثار الإسلامية في مدينة الربذة. تلك الحفرية التي استمرت أثناء وجوده على رأسها في الجامعة حوالى عشرين سنة، وقدّمت نتائج باهرة في مكتشفاتها المادية التي نأمل أن ترى النور في عدة أسفار ضخمة حين يجد الدكتور سعد وزملاؤه المشاركون معه في مشروع الربذة الوقت الكافي، والعزيمة القوية لإخراجها إلى حيِّز الوجود. وأجرى الدكتور سعد مسوحات أثرية شاملة لما حول مكة والمدينة من النقوش، وقدم نتائج مسوحاته في بحوث وكتب قيمة معروفة ومتداولة أوساط الدارسين والباحثين على حدٍ سواء. وكان الدكتور سعد قد نشر قبل ذلك أطروحته للدكتوراه المعنونة: (دَرْب زُبيْدة) في كتاب باللغة الإنجليزية نشرته جامعة الملك سعود في عام 1980م. ووُزِّع توزيعاً جيداً، ولقي رواجاً كبيراً في الداخل والخارج بصفته أهم مرجع عن الآثار الإسلامية في المملكة العربية السعودية. وبفضل من الله سبحانه وتعالى، ثم بفضل هذا الكتاب، وبفضل ما عرف به الدكتور سعد من نشاطات أخرى اكتسب شهرته العربية والعالمية، وأصبح الدكتور سعد واحداً من العلماء القلائل الموثوقين في الآثار الإسلامية. ثم أتيح للدكتور سعد استكمال مسح درب زبيدة في الجانب العراقي، وتحديث مسحه في الجانب السعودي، فظهرت له نتائج جديدة مهمة ضمّنها جميعها في سفر عظيم صدر له باللغة العربية عام 1414هـ بعنوان: (دَرْب زُبيْدة) أيضاً.
ومع ثراء إنتاج الدكتور سعد العلمي، وبروزه في المحافل المحلية والعربية والدولية إن مساهماته الإدارية، ومشاركاته الفاعلة في خدمة جامعته ومجتمعها كانت واضحة وضوح الشمس في كبد السماء؛ فعمل منذ عودته من بعثته حتى انتقاله إلى وزارة التربية والتعليم في عدة لجان على مستوى القسم والكلية والجامعة والمجتمع بما في ذلك تقديم الاستشارات لعدد من الجهات الحكومية والأهلية في الرياض وخارجها، كما عمل وكيلاً لكلية الآداب، ووكيلاً لعمادة شؤون المكتبات، ثم عميداً لها لفترتين متتاليتين، فرئيساً لقسم علوم المكتبات في كلية الآداب، ثم رئيساً لقسم الآثار والمتاحف إلى أن انتقل إلى وزارة التربية والتعليم التي أصبح في وقت قياسي رمزاً من رموزها، وقفز بجهاز الآثار فيها قفزات معروفة تحسب له، ويخلدها له التاريخ، وستذكر له ما دام الوفاء لأهله موجوداً. عُرف الدكتور سعد بأنه ابن الجامعة البار، والعاشق الولهان لها لا يفارقها ولا يغيب عنها لا في شتاء ولا في صيف، فلم يُعهد عنه أنه تمتع بإجازة تفرغ علمي، ولا أظنه تمتع بإجازاته الصيفية كاملة، ولعلّه لم يحصل في حياته على إجازة اضطرارية، بل لقد حبس نفسه في أروقة جامعته، ووهبها للعمل الجاد المخلص، فنال ثقة المسؤولين فيها وإعجابهم، وكسب ثقة زملائه وتلامذته، وعارفيه ومحبيه. وفقه الله، وجزاه عما قدمه لجامعته، ومجتمعها، وتلامذته وزملائه أحسن الجزاء.
وحين يُحتفى بالأستاذ الدكتور سعد بن عبد العزيز الراشد في اثنينية الشيخ عبد المقصود خوجه فإنما يحتفى برمز من رموز الآثار في بلادنا، وباحث جاد لم تلهه وسائل الحياة بحلوها ومرّها عن مواصلة البحث في آثار المملكة وتراثها الحضاري حتى استحق هذا التكريم الذي هو له أهل. كما أن تكريم الدكتور سعد الراشد هو تكريم للمؤرخين والآثاريين الإسلاميين في كل مكان، وتكريم للحضارة الإسلامية التي عُني بها الدكتور سعد أيما عناية، فهنيئاً لكم أبا وائل، وهنيئاً لنا جميعاً نحن محبيك وعارفيك، وهنيئاً لجميع من يعمل في قطاع الآثار بالمملكة العربية السعودية أستاذاً أكاديمياً، أو باحثاً آثارياً أو محتفياً أو مرشداً سياحيًّا، أو مرمِّماً، أو إخصائياً آثاريًّا، أو في أي موقع من المواقع المتصلة بالآثار في وطننا المعطاء.
أما صاحب الدار الشيخ المفضال الوجيه عبد المقصود خوجه الذي ورث الأدب والوجاهة، والكرم، والخلق الفاضل خلفاً عن سلف، فله شكر خاص، وثناء عطر على هذا التكريم الذي يأتي في وقته، والذي لم يخطئ طريقه؛ فسعد ـ كما هو معروف ـ أهل ومحل، وعليهما ينطبق قول الشاعر:
وما أحْسَنَ الشَّيءَ النَّفِيْسَ إذا أَتَى
إلى أهْلِهِ من أهلِهِ في مَحَلِّهِ
 
طباعة

تعليق

 القراءات :538  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 193 من 252
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج