شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(( تعقيب الأستاذ عزيز ضياء ))
عقب بعد ذلك الأستاذ عزيز ضياء على كلمة الأستاذ عبد الله بن إدريس، فقال:
- الواقع: أني كنت أظن أني أعرف الأستاذ عبد الله بن إدريس معرفة جيدة، لأني صاحبت فكره فيما كتب، وبالأخص في: "شعراء نجد المعاصرون" ثم في هذا الديوان: "في زورقي" وظننت أني بهذا استوعبت حياة الرجل، أو عرفت عنه وعنها الشيء الكثير، وليس من عادتي فيما أكتب في نقد الشعر - أو التعليق عليه - أن أتعرض للشخصية ذاتها بأي كلام - أو بكلمة - يمكن أن تمس إحساسه.
- ولقد سمعت الليلة الشيء الكثير، الَّذي زادني تعريفاً بالأستاذ الكبير، وأقنعني بأني كنت ظالماً فيما كتبت من نقد في كتاب عن ديوانه: "في زورقي".. أعترف أني كنت متحاملاً، ولكن دون جرح ودون مساس بالشخصية على الإطلاق، ولعل مما يطيب لي الآن، أن أقرأ على الأستاذ شيئاً مما كتبته في مقالات نُشرت، وربما قرأها على الأرجح؛ على سبيل المثال قلت: وزورق الأستاذ ابن إدريس يجمع أكثر من خمسين قصيدة - أعني الديوان - ملأت ما يزيد على ثلاثمائة وأربعين صحيفة من الكتاب أو الديوان، أو ما سماه الأستاذ ابن إدريس ورقة.
- وفي مقال الإثنين الماضي، اصطحبت القراء في رحلة عاجلة، وقفت خلالها عند هذه القصائد، التي يُصنفها الأستاذ باسم القوميات الإسلامية، ولكنها لم تكن وقفة التأمل والتفطن إلى مكامن الإبداع؛ كانت لا تزيد عن مجرد سرد للمواضيع التي عالجها الأستاذ بهذه القصائد، وكل منها يفتح الباب على مصراعيه أمام الانفعال الَّذي يُفجر عملية الإبداع.. في وجدان الشاعر المُمس، إذ ليس أوسع ولا أرحب من أمتي - على سبيل المثال - مجالاً للإبداع؛ فإذا لم ينس الأستاذ ابن إدريس - ومعه قراء قصيدة "أمتي"- أن مفهوم الأمة عنده يشمل جميع الشعوب الإسلامية، فإن لنا أن نتوقع دفعاً فواراً من المعاني، يتجلى فيها الإبداع ويحلق بها الشاعر في الآفاق، تتلاحق في التاريخ بكل ما حفل به من مواكب المجد، إلى جانب ما اعتوره من غياب الشمس وانتشار السحب والضباب؛ ثم موضوع الأمة يعد واحداً من المواضيع الغنية بالنماذج، التي خلفها عدد كبير من الشعراء منذ كان "سامي الباردوي" وبعده "أحمد شوقي" و "حافظ إبراهيم" إلى آخر السلسلة الطويلة من أعلام الشعر العربي في هذا القرن العشرين.
- ووفرة النماذج تتيح بالطبع وفرة بالمعاني والصور وزوايا التأمل، إلى جانب التناول، وليس ذلك لإتاحة التأثر والانطباع، والانطلاق على نفس المنهج، وإنما في محاولة التفوق في إنتاج الجديد، الَّذي يلامس أوتار المشاعر في هذا الجيل، الَّذي قد لا نذهب بعيداً إذا قلنا: إنه أكثر الأجيال حاجة إلى الكلمة الشاعرة، تجد مُستقرها في وجدانه عن الأمة والوطن والتاريخ؛ وأترك للقراء أن يعكفوا على قراءة قصيدة: "أمتي" للأستاذ عبد الله بن إدريس، ليروا معي أن المعاني فيها من ذلك النوع المكروه، فلم يبق فيه نبض الحيوية المتدفقة، برغم المشاعر وتوهج الانفعال؛ ويستوقفني في هذه القصيدة - وهي الأولى في الديوان - قلق القوافي وغربتها، بحيث تبدو وكأنها ملصقة، لتكون قافية رغم غُربتها وبعدها عن المعنى.
- يقول الأستاذ في البيت الثالث من القصيدة:
شاخ الزمان وما تزال فتية
والدهر يحسدها على قسماتها
- ما أشد حركة السقوط من المستوى الشاهق في قوله: شاخ الزمان وما تزال فتية..، إلى هاوية الدهر، الَّذي يحسدها ليس على شيء سوى قسماتها؛ يريد الأستاذ.. ربما أن يستغرق التشبيه حين قال: فتية، بأن يجعل لها قسمات يحسدها عليها الزمان الَّذي شاخ؛ والأستاذ لا يخالفني - فيما أعتقد - أنه لا يتفق والأمة أن تكون لها قسمات كتلك التي نعرفها للوجه الجميل، ولا تختلف القافية الملزوقة في البيت الرابع عن القافية في البيت الثالث، ويطول الكلام عن هذا الموضوع، ووقفت عند هذه القصيدة طويلاً، ولعلي قد أغضبت الأستاذ، ولكني أكرر الآن أن ابن إدريس هو الكاتب والأستاذ المهذب، الرقيق الَّذي يستقبل ما قلته وما يقوله غيري من النقد، بروح الود والحب والصفاء؛ وارتفاقي لزورق الأستاذ عبد الله بن إدريس، طال في عدد من المقالات عندي، منها صور لمن يريد أن يقرأها ويستوعبها، في وقت أكثر سعة من هذا الوقت.
- أكرر، أني سعيد بهذا اللقاء وبهذه الذكريات، التي أفضى بها الأستاذ.. وهي مواقف، ولا يعجبني في الكاتب والشاعر إلاَّ أن يكون صاحب مواقف، فهو صاحب مواقف؛ وما أكثر ما نسمع من الشعر الَّذي ليس فيه مواقف، ليس فيه الإحساس، ليس فيه التجاوب مع مطالب الأمة ومع حياتها ومع ما ينقصها؛ ولا أريد أن أنطلق هنا، ما الَّذي ينقصها؟ وأترك لكم أن تفكروا بذلك، وأنا واثق أن فكر كل منكم يعرف ماذا ينقصها؟ والسلام عليكم ورحمة الله.
 
 
طباعة

تعليق

 القراءات :599  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 11 من 170
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور سعيد عبد الله حارب

الذي رفد المكتبة العربية بستة عشر مؤلفاً في الفكر، والثقافة، والتربية، قادماً خصيصاً للاثنينية من دولة الإمارات العربية المتحدة.