شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
((كلمة سعادة الأستاذ السيد عبد الله الجفري))
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته: وبعد.. ما الذي أبقاه هذا العالم المفكر المكي لي لأضيفه، وما الذي أبقاه لي الشيخ عبد المقصود لأقوله.
في البدء أسجل أن وجيه الكلمة راعي الاثنينية الشيخ عبد المقصود خوجه، قد أفضل عليَّ بمنحي هذه الفرصة الأكثر رغداً لروحي للحديث عن ((مكة المكرمة)) أمي التي أرضعتني الخير والأمان والإيمان.. مسقط رأسي الحضن الذي زمَّل طفولتي بالدفء.. فجاءني هذا الشرف مضاعفاً ومُكرَّساً أنا الهاشمي، وإن أراد أن يفاجئني به الشيخ عبد المقصود، فلا بد أنه أراد أيضاً أن يضمخ كلماتي بعطر مكة المكرمة.
وفي بدء البدء أرحب برفيق مشوار العمر معالي الدكتور محمد عبده يماني، منذ الدراسة، وإلى (المقاشعة) الأدبية التي قامت بيني وبينه ونحن زملاء نكتب في صفحة ((دنيا الطلبة)) فكتب قصة انتقدتها له فردَّ على انتقادي بكلمات مرزبية: لم تفرِّق بيننا بل زادتنا تشبثاً بصداقة ومحبة دامت كل هذا العمر.
والدكتور محمد عبده يماني في تحوُّله الجميل من كتابة الرواية والقصة إلى العناية بالتاريخ الإسلامي وبالتراث.. إنما اختط لنفسه هذا السبيل المضيء الذي كان من أهم تأثير انتمائه العميق لمكة المكرمة مسقط رأسه أيضاً، ومهوى أفئدتنا جميعاً.
ويكفي الدكتور محمد عبده يماني سلسلة الكتب التي أصدرها عن الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم وأهل بيته وأصحابه، وعن مكة المكرمة.
وأعتز أنني كنت واحداً من ذلك الجيل الذي استرغد في جلال وخشوع المسجد الحرام، مذاكراً لدروسي بصحبة زملائي، ومؤدياً للصلاة.. فالمسجد الحرام هو أول مدرسة في الإسلام أضاء العلم من جنباته وأروقته وحصاويه.
إن ((مكة المكرمة)) شكَّلت لي حضن الأم فترعرعتُ تحت سمائها، وفوق ترابها الطاهر، وتشكلت إنسانيتي، ومعرفتي، وعلمي، ووجداني من ذلك النور الذي يشع من جنباتها أبداً، حتى كأن روح الإنسان تُحلِّق.
هناك في قاعة الشفاء، التابعة لمحلة ((الشامية)) كان الميلاد والنشأة، وعندما هيأني العمر لبدء الدراسة في المدرسة (الرحمانية) في المسعى، وزميليّ محمد سعيد طيب، ومحمد إسماعيل جوهرجي، كنت وهما وكثير من زملائنا نستقبل الكعبة بعد عصر كل يوم نصلّي، ونتذاكر دروسنا جماعات، في روحانية الحرم.
ويكبر بنا العمر.. وتأخذنا الحياة بما تضطرنا إليه من: بِعاد واقتراب، ومن وصال والتهاء بمشاغل الدنيا.. ونترك السكن في ((مكة المكرمة)) لنحلَّ في مدينة جدة، ولكن ((مكة المكرمة)) لا تتركنا، تبقى ساكنة في صدورنا، معمرة نفوسنا، متجذرة في أعماقنا، فإذا كان الكثير من أبناء ((مكة المكرمة)) قد هجرها ـ كمدينة ـ سعياً وراء الرزق، والطموح، والفرص الأوسع بكل أسف فإن ((مكة المكرمة)) أكبر من الهجر، ملتحمة بمشاعرنا.
وكم دعونا النهمين إلى مضاعفة أموالهم، أن يحافظوا على تراث المعمار في مكة المكرمة، وأن لا ينساقوا وراء صرعات البناء الحديث الذي نحسبه أيضاً لا ينسجم مع طبيعة طقس مكة المكرمة وجبالها.. فهدِّمت نماذج معمارية أكثر دلالة على جماليات البناء القديم في مكة المكرمة، مثلما هدم الكثير من الآثار الإسلامية التي سيحاسبنا التاريخ على التفريط فيها.
وكم ألمحنا للموسرين من أهل مكة المكرمة أن يبادروا باستثمار بعض أموالهم في مشاريع تنموية، ذلك أن ((مكة المكرمة)) هي وجدان كل مسلم، يفديها بالدم، والمال، والروح. وستبقى ((مكة المكرمة)) وقد شرفها الله بحرمه وكعبته هي مهوى الأفئدة، وهي المدينة التي احتوت ألوان الثقافات وصهرتها، وكل من هاجر إلى مكة المكرمة صهرته حتى في لغته ولهجته.
وعندما نتحدث عن مكة المكرمة، فليست هي أصواتنا التي تتكلم، ولا هي أقلامنا التي تكتب.. بل هو حديث الروح، وكلمات تضيء نفوسنا المحتاجة اليوم إلى نور مكة المكرمة لتزيل الكثير من العتمة في زواياها.
وتتحدث كتب التاريخ عن البلد الأمين مكة، بكة، أم القرى، الوادي، معاد، البلدة، البلد، من الأسماء التي تزيد على مائة اسم، ذُكر بعضها في القرآن الكريم، وكما قال الشاعر:
وما كثرة الأسماء إلا لفضلها
حباها به الرحمن من أجل كعبة
ودائماً البداية هي مكة المكرمة، التي ركض إليها العلماء طامعين في جوارها وحضنها، كما قال النووي: إن المجاورة بمكة المكرمة مستحبة إلا لمن يغلب عليه الوقوع في المحذور!
وبكل أسف وخجل فقد هجرها الكثير من أهلها ـ وأنا واحد منهم ـ ليس لأن المحذور قد غلب عليَّ والحمد لله، ولكنه البحث عن الرزق، والزحام، ومن سيكون مثل: الشافعي في حبه ومجاورته لمكة المكرمة؟
أما شمائل أهل مكة المكرمة فنجدها في كتب التاريخ بتعريف العلماء الذين اشتغلوا بالحديث، فجاءت هذه الكلمات في فضل مكة المكرمة وشمائل أهلها.
ذكروا أن رواية أهل الحرمين مقدمة على غيرها، وأن سكانها في ثواب دائم للحديث المرفوع، وقد سمّاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أهل الله) في وصيته لسيدنا عتاب رضي الله عنه، واختارهم الله لجواره وميَّزهم فضلاً منه بأنواع خاصة من الرحمات كالطواف والنظر إلى البيت والقرب منه، وغدت مقبرتها مفضلة لحديث نِعْم المقبرة هذه حتى إن سبعين ألفاً من المدفونين فيها يدخلون الجنة بغير حساب يشفع كل واحد منهم في سبعين ألفاً، وجوههم كالقمر البدر.
أما خصائص مكة المكرمة وتميزها عن سائر الدول والمدن فقد ذكرت كتب التاريخ: (أنها: مهبط الوحي، ومركز نزول القرآن، وابتداء ظهور الإسلام، ليس فيها إلا دين واحد هو الإسلام.. إنه يمنع دخول الكافر ودفنه فيها، ويحرم حمل السلاح فيها إلا لضرورة، ويحرم صيدها على جميع الناس، وتضاعف الحسنات فيها وبالأخص الصلوات في المسجد الحرام، وأن أهل مكة يتجهون إلى الكعبة من جميع الجهات الأربع بخلاف بلدان العالم).
أما الآثار الموجودة في مكة فمن أهمها: البيت الذي ولد فيه صلى الله عليه وسلم بسوق الليل، وهو مكان توارث تعريفه الخلف عمن سلف، وهو في وقتنا الحاضر قد ووري تحت مكتبة سمِّيت بمكتبة مكة المكرمة، ونرجو أن لا تطالها التوسعة فتذهب كما ذهب غيرها من تراثنا الذي نعتز به.. وبيت السيدة خديجة رضي الله عنها، وهو محل زواجها بالحبيب صلى الله عليه وسلم وفيه ولد جميع أولاده الطاهرين وهو أفضل المواقع بمكة بعد المسجد الحرام لسكنى الرسول صلى الله عليه وسلم فيه وكثرة نزول الوحي عليه.
بها أول جبل أرساه الله على الأرض وهو جبل أبي قبيس، وقد شهد هذا الجبل أول معجزة كونية بانشقاق القمر نصفين، وهي إحدى معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم.
شهدت مكة المكرمة بناء أول دار لصناعة الورق، وكان ذلك في عام 84هـ، وفي ضوء صناعة الورق نشطت صناعة الوراقين والباحثين الذين كانوا يقومون بنسخ الكتب والمخطوطات وبيعها.
كان باب السلام مجمع المكتبات والوراقين الذين كانوا يقومون بنسخ الكتب الدينية والأدبية لعرضها للبيع.
وفي مكة المكرمة قامت أول مكتبة عامة في القرن الأول الهجري حيث بنى أحد أبنائها وهو (عبد الحكم الجُمَحي) منزلاً كبيراً ضمنه مجموعة كبيرة من الكتب المخطوطة والمطبوعة في التفسير والحديث والفقه واللغة والتاريخ وسائر العلوم الإنسانية.. كما وضع عدة مشاجب في مدخل المكتبة ليتولى الداخل تعليق عباءته عليها، خوفاً من لفِّ بعضها في العباءة، ثم يقوم بالجلوس على الأرائك المعدَّة للقراءة، وكانت المكتبة مفتوحة طوال النهار وحتى وقت الغروب ما عدا يوم الجمعة.
شهدت مكة المكرمة أول مدرسة نظامية وهي (المدرسة الصولتية) ثم المدرسة الفخرية، ثم افتتاح فرع مدرسة الفلاح الأهلية بها، وفي أول العهد السعودي افتتحت بها أول مدرسة ابتدائية حكومية وهي المدرسة العزيزية، ثم الرحمانية ثم الفيصلية.
شهدت مكة المكرمة افتتاح أول مدرسة عالية وهي مدرسة تحضير البعثات والمعهد العلمي لتخريج الطلبة وابتعاثهم إلى الخارج.
شهدت افتتاح أول كلية في المملكة، وهي كلية الشريعة لتخريج القضاة والمربين ورجال الدين.
أنشئت أول صحيفة وهي (القبلة) ثم صوت الحجاز التي حوِّلت إلى صحيفة ((البلاد السعودية))، وفي مكة المكرمة أقامت الدولة السعودية أول مديرية عامة للمعارف للإشراف على المدارس الحكومية التي بدأت تتكاثر.
ودائماً البداية هي مكة المكرمة، هذا الوادي ـ غير ذي زرع ـ سكنه إبراهيم أبو الأنبياء، وأودع أهله فيه، لتتفجر بئر ((زمزم)) عن ماء مبارك، ويسود الخير والاطمئنان في مدينة الله المكرمة، وبيته الذي يحميه من الفجار ومثيري الفتن الذين يحاولون انتهاك حرمة البلد الطاهر.
هذه المدينة الخاصة المخصوصة بالأمن والأمان، وباطمئنان النفوس: يحاول دهماء من مثيري الفتن الاعتداء على أمنها وأمانها، والعبث باطمئنان نفوس أهلها.. فمن يصدق اليوم وهو يُفجع بأخبار استهداف هذه المدينة التي كرَّمها الله عزَّ وجلَّ بقبلته وكعبته.. فيحاول المفسدون في الأرض أن يعيثوا إرهاباً مستطيراً بكميات هائلة من المتفجرات وأسلحة التدمير والقتل والترويع للآمنين؟!
حقاً.. من هم هؤلاء الذين استعبدت عقولهم وأهواؤهم من الأشرار لبذر الفتنة في المجتمع المسلم، ولإلصاق سبة الإرهاب بالمسلمين على امتداد العالم.. مستهدفين وطنهم، ومسقطين حرمة وكرامة أغلى بقعة في عالم المسلمين مكة المكرمة، القبلة، الطواف والسعي، الحج، الصلاة؟!
وفي أصداء طرحنا لهذا السؤال.. تتوالد أسئلة أخرى متلاحقة، نحسَبُ أنها أكثر بعداً في ضرورة تركيز الرؤية على ما يسمّيه علماء الاجتماع والنفس وتبدل الحقب (التغيير) الذي يستهدف: التغيير الاجتماعي، تربوياً وسلوكياً، والتغيير الفكري، تعليماً وبيئة مستهدفة من أعداء الإسلام، والتغيير النفسي الذي يؤثر كثيراً في حاجة الإنسان إلى توفير أسباب رزقه بعد الله بالعمل وبمكافأته على ثمرة جهوده وإبداعه، والتساوي في الفرص!!
ومن هذه الأسئلة التي تكاد تتراكم بفعل تلاحقها: هل دخل التاريخ الإسلامي المعاصر ـ ونحن في حزمته ـ مرحلة الخيانة الذاتية ضد الوطن واستقلاله، وأمنه وأمان إنسانه، وحريته؟!
أم أن التاريخ الإسلامي الذي تتم كتابته اليوم وصكه ينعطف على مرحلة سبقت في شواهد تاريخ قديم، تأذى من (خيانة) كانت ممثلة في: أبي رغال، والأسخريوطي؟!
المساحات أمام هذا الإنسان رحبة الآن، إنها وجود لا يتجزأ.. تلتئم فيه الرحمة بالإيمان، والخير بالمحبة، والفعل بالصدق، والإحساس بعافية الروح والنفس، وبنصاعة العقل ورجاحة الفكر!
يتجاوز بغضاء الآخرين، ويتخلص من عتمة الكهف في داخل النفس.. فيمتلك قدرة عبور الحقد، والكآبة، والوصول إلى فهم الحياة والأحياء.. وإلى المحبة دوماً!
إنني أعجز يا سادتي عن الكتابة التي تضيء كلماتي بقدسية ((أم القرى)) فهي المدينة التي تنغل قيمتها في شراييني، بجانب مكانتها العظيمة في الإجلال.
إن ((مكة المكرمة)) لن تكون مجرد مدينة، يمكن أن يتحدث المعجب بها عن حضارتها، أو جاذبيتها، أو عمقها التاريخي.. بل هي أم المدن، وأم الأديان وأم البشر.
وننطلق في حديثنا عن ((مكة المكرمة)) من تاريخها الحديث.. ذلك أن تاريخها القديم قد احتفت به كتب كثيرة، فهو التاريخ الذي أهدى إلى البشرية دين الرحمة، والعدل، والمحبة.. انبثاقاً من المدينة الأكثر قدسية وجلالاً.
إننا نحتفل بمكة المكرمة عاصمة للثقافة الإسلامية.. نعم، لكننا نتساءل: ماذا حلّ (بالثقافة الإسلامية) وغزاها من فكر إرهاب، ومن تداعي وخمول ومن تنازل عن أهم قضايا المسلمين؟!
تحدثوا ذات يوم عن ما أسموها (الصحوة الإسلامية).. فما الذي أثمرته وطرحته تلك الصحوة من فكر انعكس على قضايا المسلمين الأساسية والمصيرية؟!
هنا ـ في مكة المكرمة ـ تحتفل المملكة العربية السعودية والمسلمون كافة بإعلان عاصمة المسلمين مكة المكرمة، عاصمةً للثقافة الإسلامية لعام 2005م، ولكن مكة المكرمة ستبقى هي مكة منذ شع منها للحقيقة فجر، وانتشر من بطاحها نور الإسلام، أشرف ثقافة وأنور فكر.. وهي: عاصمة للثقافة، الاحتفال بها كلما قرأ مسلم القرآن الكريم، وكلما ولى وجهه شطر قبلتها، كعبتها، وكلما أخلص النية والوعي لخدمة الإسلام.
وفي تاريخها الحديث: شهد مسجدها الحرام حلقات الدرس التي أقامها علماء أجلاء تتلمذ على فكرهم الديني المئات من طلاب العلم، ومنهم: الشيخ يحيى أمان، وهو شيخ العلماء، وكانوا يلقبونه بـ ((أبي حنيفة النعمان)) لغزارة علمه وتفقهه في المذهب الحنفي، وقد وُلِيَ القضاء في مكة، والشيخ حسن مشاط وهو عالم فقيه متبحر في المذهب الشافعي، والشيخ محمد أمين كتبي وهو عالم في المذهب الشافعي وإمام بليغ في اللغة والبيان، والسيد علوي عباس المالكي المتحدث اللبق، والشيخ محمد نور سيف، والشيخ عمر حمدان، والشيخ محمد العربي التباني، والشيخ عبد الحق والد الشيخ أبي تراب الظاهري رحمهم الله، وقد كان الشيخ عبد الحق يحفظ صحيح البخاري كله، والشيخ محمد السناري الذي كان يتحدث دائماً في الشؤون الاجتماعية بلغة العصر، وبيده بسطونه، ومنها تحذيره للشباب من استعمال السمن النباتي الذي بدأ يظهر آنذاك في الأسواق، لأنه مضر بالركب.. وكان مقبول الحديث يلتف حولَه الكثير من الشباب.
وقد افتقدنا اليوم تواجد علماء مكة المكرمة ودروسهم داخل المسجد الحرام، وقد كان كل واحد منهم يمثل جامعة كاملة في مختلف العلوم.. كما أن الأجيال التي تلت جيلنا، لم تجد معلمين يرشدونهم إلى المسجد الحرام ويتابعون مذاكرتهم وتحصيلهم العلمي.
فلماذا اختفى علماء مكة المكرمة بحلقات دروسهم من داخل المسجد الحرام؟ سؤال نعيد طرحه في كل مناسبة، دون أن نجد من يرد عليه بالحقيقة!!
ولم يكن الشعر الأصيل غائباً عن ثقافة المجتمع المكي.. فقد كان هناك شعراء أثروا ساحة الشعر بالقصائد التي هزت المشاعر وتغنت بقيمة مكة المكرمة وأمومتها لكل أقطار ومدن الوطن الإسلامي.. واشتهرت قصائد مطوّلة للشعراء الكبار، محمد حسن فقي، حسين عرب، حسين سرحان، حسن عبد الله القرشي، طاهر زمخشري، عبد العزيز الرفاعي، عبد الغني قستي، محمد عبد القادر فقيه.. وقد تبادل الشاعران الرفاعي وفقيه هذه المحاورة الشعرية عن مكة المكرمة التي عنونها الرفاعي: (إن الهوى بهواء مكة يأسرُ) وقال فيها:
إن القليل بأرض مكة نعمة
ما بعدها، فدريتَ أنت، وما دروا
قلبي يطوف.. فلا يزال مولعاً
إن الهوى بهواء مكة يأسر!
ورد عليه محمد عبد القادر فقيه:
كيف الرجوع لأرض مكة بعدما
شبت حمائم بالرياض وأنسر؟
أما شاعر الملاحم الكبير عبد الله بلخير، رحمه الله، فأبدع في إحدى ملاحمه حين قال:
الحجاز الذي تغنت به الدُّنـ
يا.. وفاضت شجىً وماجت حنينا
(قبلة المسلمين) بين زوايا الـ
ـكون.. والمؤمنين.. والقانتينا
والذي أُنزلت ببطحائه (الآ
يات) تُتلى على الورى أجمعينا
تشرئب الذرى على جنبات الأرض
شوقاً إلى سماهُ دفينا
يملأ النورُ من مجراتها الود
يانَ، والسهلَ، والربى، والحَزُونا
فإذا كل تلعة من تلاع الأرض
قد أطبقت عليه جفونا
ولصديقنا الشاعر الأصيل محمد إسماعيل جوهرجي قصيدته الرائعة (مكة) التي ألقاها عليكم:
إليك يا مكتي والشوق يلهبني
بين الجوانح جياشاً من النظم
أهدي السلام لأرض بات مسكنها
بالأمن بالحب بالخيرات بالنعم
من ذا يلومُ محباً جاء ينشدها
ومن يلومُ مشعاً بالهوى العَرِم
يستنطق البوح في أعماقه ولهاً
ويرسم الشعر ألواناً على الأدم
يستمسك الباب والأستار في أمل
أن يقبل اللَّه توب اللائذ الهرِم
وبعد.. فوق هذا الثرى المعطر بالتسامح، وبالمحبة، وبالألفة.. تتهاوى ضغائن الحاقدين على وحدة هذه الجموع من أولئك المتربصين بوحدة المسلمين، بل وبالإسلام، وأولئك الشواذ الذين ينتعشون بنوايا العبث والتخريب، ليرتد كيدهم إلى نحورهم دائماً.. إكراماً لهؤلاء الشعث، الغُبْر الذين يقصدون البلد الحرام حجاً وعمرة.
ويجيء المسلم دائماً إلى أرض طهور، وهو يتخفف من أحمال نفسه، ومن أوزار نزغه، وغربة روحه.. فيحس بهذا الوجود الرائع الذي يبصره عبر شريط رفيع من ضوء الشمس، حين ينظر إلى ظل العالم، ويسمعه مختلطاً بنفحات التلبية.
إنه الإنسان، هذا الكم الهائل من المعاناة والقلق.. من الحب والخوف، من الاحتماء والتبعثر.. من القسوة والرحمة!
ويبقى (إنسان) مكة المكرمة، المنعَّم بسكنى هذه البطاح التي أودع الله في جبال الحجاز سراً دفيناً، يحتمي بأمان وأمن كعبة الله، فأمر الله عز وجل لا بد أن يصان، و (كعبة الله فيك نقطة الأولى لما شاء كونه أن يكونا).
هذه مكة المكرمة التي شربت فارتوت بماء زمزم (بعد جفاف السنين).
وهذا التاريخ الناصع في مسيرة المسلمين انطلاقاً من مكة المكرمة التي صدعت بالرسالة يدل على أن مكة المكرمة قادت الشعوب نحو النهوض، فكسرت طغيان فارس، وعنجهية الروم، وظلم البيزنطيين، ووأدت كل فتن الأرض من المقوقس في مصر، إلى فساد الأحباش.. وكان بعث (الهاشمي) صلى الله عليه وسلم: (يحمل الحق دينا).
وتبقى مكة المكرمة: مدينة السلام، وسُوَرَ القرآن، ومنارة الهدى، وقبلة المتعبدين الخاشعين.. يحفها المجد دون سائر المدن وهي أُمهن، وتنتظم صفوف الرُّكَّع الساجدينا فيها!!
وآسف إن أطلت عليكم، شكراً.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :619  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 37 من 252
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج