شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
((كلمة سعادة الدكتور زهير كتبي))
باسم الجبار المتكبر، باسم رب مكة والكعبة..
السلام عليكم وعلى من ضمه مشهدكم الجميل، والتحية الكريمة لكم، ولا زلتم تتمتعون بالعز والبقاء والكرامة المفضية بكم إلى شرف الدنيا والآخرة المتصلة بالدوام في جوار الحي القيوم، والصلاة والسلام على سيدي وحبيبي محمد صلى الله عليه وسلم من قال له جلت قدرته وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (القلم: 4) والذي حطم وهشم، (هبل أداة إبليس اللعين)، أما قبل:
الحمد لله الذي جعل اللسان وسيلة من وسائل المدح والثناء والتعبير عن مكنونات العقل (قبل أن أبدأ كلمتي أود أن أثني على كلمة معالي الدكتور عبد الوهاب أبو سليمان على جهد وخطوة الأستاذ عبد المقصود خوجه على تكريم معالي الشيخ عبد الملك الحقيقة كل مرة أسمع أنه كُرِّم في مصر، وكُرِّم في الكويت، والآن مملكة البحرين تجري إجراءاتها لتكريمه، أتألم أن في بلادنا معالي الشيخ عبد الملك الذي هو أشهر من علم لم يُكرّم، فالحقيقة الذي يستحق التقدير الآن الأستاذ عبد المقصود على هذه البادرة الجميلة).
إني لا أريد أن أتحرج في المدح أو الثناء، وأود أن أؤكد من بداية حديثي عن معالي الشيخ الأستاذ الدكتور/عبد الملك بن عبد الله بن دهيش قاضياً، مفكراً، مثقفاً، مؤرخاً، متنوراً إنني سوف أُثني على بن دهيش من غير تحفظ أو احتياط أو خوف، وأعني الخوف المختلف والمتفق معي.
ابن دهيش إنسان ودود مبتسم لطيف، أستاذ في فن المثل العليا، قريب جداً إلى السماحة الإنسانية، لم تصرفه عن الحق والعلم العقبات، لقد مضى في طريق الدعوة إلى العلم والإيمان وأبدع في ذلك.
هذا الرجل وجد القبول والمحبة عند الناس، بشكل لافت للنظر فهو مثقف ومتنوّر ومفكر ومؤرخ وباحث ومحقق، له وزن في هذا التاريخ العربي السعودي، فله ثقافة موسوعية، اهتم بالتاريخ والفكر والثقافة، وهو فقيه قادر على الاستنباط عند اللزوم، ويؤمن بفقه الواقع وفقه المقاصد.
إن هدف الاثنينية هو تسجيل لقيمة العلم والمعرفة متمثلاً في شخص معالي الدكتور عبد الملك بن دهيش فهو رمز نظيف من رموز بلادنا الثقافية والفكرية، هنا لا أزعم في هذه الكلمة أنني استطعت تغطية كل ما يجب تغطيته من حياة وعطاء وإنتاج وإنجاز بن دهيش، تحكي قصة بن دهيش في المحاكم أنه عمل على إقامة إصلاح ذات البين في القضايا التي طرحت أمامه، والحكم بالحق الذي يُرضي الله، بل اشتهر شهرة كبيرة في مختلف الأوساط المكية، أنه يعمل على إصلاح ذات البين في معظم القضايا التي تحال إليه، بل إن ولاة الأمر ـ حفظهم الله ـ في بلادنا كانوا في كثير من الحالات يحيلون إليه بعض القضايا لحلِّها بالود والتفاهم بين الأطراف المتنازعة بهدف إصلاح ذات البين، فهو يملك قدرة عجيبة وتأثيراً بالغاً على الناس في مكة.
عبد الملك بن دهيش استطاع أن يكون قدوة حسنة في كل عمل أو وظيفة، ووجد التقدير والاحترام من كل الذين عملوا تحت قيادته ابتداء من المحكمة الشرعية الكبرى في مكة، ثم رئاسة الحرمين الشريفين ثم الرئاسة العامة لتعليم البنات، وحتى في حياته الخاصة.
وأهل الثقافة والفكر في وطني يعرفون أن بن دهيش ضمن المثقفين السعوديين الذين خدموا الحركة الفكرية والثقافية بكل إخلاص وجدارة وعمق وصدق، وهذا ما يجعلني أؤكد أن عطاء بن دهيش في مجالات مختلفة يصعب أن يحصره ويحيط به كاتب أو باحث واحد.
ابن دهيش وطني قدوة، هذا القاضي الذي اشتهر في المجتمع المكي أنه يُحسن الاستماع ويكثر منه، وعُرف بقلَّة كلامه في مجلس القضاء، رغم كثرة القضايا والمشاكل التي عرفها واستمع لها، فهي لم تفسد لديه حاسة السمع بل سمع من كثرة الكلام ما لم يُقَل، ولكنه يجيد فن الكلام في المكان والزمان المناسبين.
وهذا القاضي وهذا الوزير وهذا المثقف صاحب نبرة صوت منخفض تجسد تواضعه، وتواضعه يذكرنا بتواضع الكبار العارفين، وتواضع أصحاب الأخلاق الرفيعة.
لا أدَّعي هنا وفي هذه الأمسية أنني وصفت حقيقة بن دهيش كاملة شاملة، ولكن ربما ذكرت أشياء وأشياء لا يعرفها أحد، بحكم الصداقة والاطلاع الدائم والمستمر على حياته العامة والخاصة.
لا بد أن يذكر التاريخ السعودي أن عبد الملك بن دهيش أحسن وتحمل كل مقدار من المسؤولية الوطنية والفكرية والدينية والثقافية التي أُسندت إليه وفي كل المراحل والمواقع المختلفة، فقد كان وفياً للعهد الذي كُلف به من ولي الأمر، فقد حفظ استقلاله الإداري رغم كل التحديات التي واجهها، من تيارات مختلفة، فحافظ على استقلاله الثقافي والديني وحافظ أيضاً قبل هذا وذاك على استقلال ضميره اليقظ والحر.
إن عبد الملك بن دهيش جدير بالثناء والاحترام والتقدير والمديح، فهو رجل محترم ويحمل كل صفات ومقومات الاحترام، احترم فكره وثقافته واحترم الآخر واحترم موقعه الديني والسياسي والإداري، وحرص عليه بالوطنية والجدارة والاقتدار والكفاءة، وعفة اللسان، والارتقاء بالصدق في القول والفعل والقرار، فهو إذن رجل محترم والثقة والاحترام والتقدير لا تُعطى إلا للمحترمين من رجال التاريخ.
استطاع بن دهيش أن يجمع الكثير من الخصال والصفات الحميدة والنبيلة، فهو شخصية استثنائية، في الإبداع الفكري والثقافي. إنه هامة ثقافية واجتماعية وإدارية عالية، له هيبة وإجلال، فهو قيمة كبيرة تستحق التوثيق، لقد أفلح هذا الكبير بأن جعل الكتب المحققة لها قيمتها ووزنها الفكري والثقافي، عمل ذلك دون مهاترات ولا ادعاءات، وبدون انفعالات فلذلك كَسبتْ كل الكتب التي حققها قيمة ورصانة واكتسب احتراماً، وخصوصاً تلك الكتب التي اهتمت وتناولت الشأن المكي، لقد جعل عبد الملك بن عبد الله بن دهيش مدينة مكة المكرمة المرتكز الأساس، في كل أو معظم إنتاجه وجهده العلمي والثقافي، بل إنه أبدع كل الإبداع في هذا الجانب المكي، وقام بأعمال فكرية وثقافية عن مكة المكرمة لم يسبقه إليها أحد قبله. وهذا ما أدخله الحركة التاريخية في العالم الإسلامي، ومن أبوابها النظيفة والعالية، ولذلك نال تكريم واحترام الكثير من المؤسسات والهيئات الثقافية والعلمية والإقليمية والعالمية، فمُنِحَ الأوسمة وشهادات التقدير والوفاء.
هذا الطراز من الرجال المتميزين لا بد أن يُكرّم، خصوصاً أنه قدّم مكة المكرمة على غيرها، بهذا الجهد العلمي عن الشأن المكي أكد أن القيم الرصينة الصالحة والناضجة لها رجالها، عرف بن دهيش أن صيانة الكتب التي تتحدث عن مكة المكرمة تحتاج إلى حسابات وإلى مراجعات دقيقة وحساسة، فعمل على ذلك، بل عمل ذلك بمهارة فائقة وجدارة متقدمة، وهذا ما يؤكده تحقيقه لكتاب ((إفادة الأنام بأخبار البلد الحرام)) لمحمد بن عبد الله الغازي الذي سيصدر قريباً ـ إن شاء الله ـ.
أودّ أن أشير هنا إلى أن دار عبد الملك بن دهيش لا تهدأ من كثرة المرتادين والزائرين لها، إما طلاب علم وبحث علمي، وإما أصحاب حوائج، وإما مسؤولين، وإما أصدقاء، أو أقرباء.
إن الحديث عن هذا الكبير يتجاوز حده، ويتجاوز حدود وطنه، لكي نكتشف تفاصيل ووقائع أكثر فلا بد من الكتابة في الحقائق فقط، وتجاوز أي شيء آخر، أو مناقشة مسائل جدلية أو خلافية في تشكيل وتكوين وملامح هذه الشخصية ذات التنوع الثقافي.
إن الشخصية الفكرية والثقافية عند بن دهيش تقتضيها عوامل الزمن، ومتطلبات وأخلاق وقواعد التاريخ، هذه الشخصية التي تجانست فكرياً وثقافياً واجتماعياً وسياسياً، أدت إلى نشوء (أنموذج مميز) في تاريخ بلادنا.
لقد طغى سلطان الثقافة والفكر على بن دهيش من ناحية، وطغت سلطة الدين وعلماء الدين من ناحية أخرى، ورغم هذا لم يدخل بن دهيش في أي نوع من الصراعات الخلافية التي نعرفها، والتي عادة ما تظهر بين هاتين المؤسستين، وأعني المؤسسة الدينية والمؤسسة الثقافية، ورغم أن تكوين بن دهيش الديني والثقافي جعله يؤمن بالمناقشة والحوار، والمساءلة، والشك، للوصول إلى الحقيقة، خصوصاً أنه من دعاة الإيمان (بالواقعي)، لمعالجة الملابسات التي تبرز معها وبكل صورها.
إن ابن دهيش بعُدَ كلياً عن كل أساليب وآليات النفاق الفكري والثقافي والديني، لتحقيق مكاسب أو توظيف فكره وثقافته لتحقيق المنافع الضيقة، فاحترم نفسه، واحترم فكره وثقافته، فلم أقرأ له أي فتوى لتبرير أي موقف أو تغيير لحقائق دينية، فلذلك فهو لم يصب كغيره (بالإعياء الديني أو الثقافي)، كما أنه لم يجعل ثقافته وفكره وإنتاجه المختلف في أي صورة من صور التباهي الفكري أو الثقافي، فعُرف بأنه صاحب الموقف الواحد، والوجه الواحد، والقلم الواحد، والمبدأ الواحد.
لقد تفهَّم بن دهيش طبيعة التغيرات المعاصرة التي طرأت ودخلت على المجتمع السعودي، ولكنه لم يعمل على تزييف الوعي في المتلقي لإنتاجه، وأدرك هذا الكبير أن الجدل العقيم ربما يكون هو الصوت الأعلى ولكن عرف أن الجهل هو صانع هذا الجدل أو الصوت، فابتعد كلياً عن مثل هذا الجدل، حتى لا يشارك في انتهاك ثوابت الدين، والأمة والوطن..
لقد أمده كل موقع ومنصب وظيفي إداري وقضائي وسياسي بمجموعة كبيرة من الخبرات الناضجة وكشفت له تلك التجارب المتنوعة الكثير من المستور والحكايا والخبايا فتكوّنت لديه بُنية نظامية، في فهم مجريات الحياة في الدولة.
أكرر شكري وتقديري لأخي الأستاذ عبد المقصود خوجه على هذه المبادرة التي تمنيت أن تكون من عام 1400هـ وفي نظري ـ كذا أزعم ـ أن عبد المقصود خوجه أفضل من غيره وأكثر وفاء من كل المؤسسات الحكومية والخاصة في تكريم رجال وطنه، ولا يكرّم الرجال إلا الرجال الكبار.
وكنت أتمنى أن أحضر إلى هنا ومعي نسخاً من كتابي القادم عن ابن دهيش ولكن ظروفاً حالت دون ذلك، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الشيخ عبد المقصود خوجه: لي تعقيب صغير في الحقيقة تكريم الاثنينية للرجالات لا يأتي بترتيب قيمتهم وما يتسنموه من مواقع ذات أهمية، وإنما تأتي بشكل تلقائي، ففضيلة معالي الأستاذ الدكتور عبد الملك بن دهيش شخصية لها أحقية في التكريم منذ زمن طويل، ولكن مع الأسف كما أسلفت حاولت ومن يجلس على هذا الكرسي لا أجلسه أنا إنما هو يُكرِّم نفسه فيُكرَّم، فهذا كرسيه الذي اقتعده لنفسه وقد حاولت كثيراً ومع الأسف لم أُوفق، والليلة سبحانه وتعالى أكرمنا بأن نلتقي به وإلا في الحقيقة كما أفضل الدكتور زهير وجه من الوجوه القريبة والتي كان يجب أن تُكرَّم منذ فترة طويلة، ولكن الحق عليه وليس علي. وشكراً.
عريف الحفل: الكلمة الآن لسعادة الأستاذ محمود بن حسن زيني.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :907  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 10 من 252
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج