شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
7- السكينة:
إن سكينة النفس هي ثمرة التوكل على الله والإيمان بقضائه وقدره، وهي مع ذلك تنظيم للحركة القلبية، وتهدئة لها من الروع والفزع.
فقد نأخذ بالأسباب، ونتوكل على الله في أعمالنا، ثم لا نجد النتائج مرهونة بمقدماتها، وتخفى علينا حكمة الله الجليل في هذا الموقف أو ذلك، إذ ذاك يصير الإيمان بقضاء الله وقدره نجاة من الاضطراب الذي يطرق النفس، وصمام أمان يحميها ويقيها فلا تخرج من الاطمئنان إلى الله العليم الخبير فزعة إلى عتمة اليأس أو متاهة التحرف.
وفي ضوء هذا المفهوم فنحن ننظر إلى الفنون عموماً والأدب خصوصاً بنظرة ريبة وحذر شديدين إذا كانت تحمل في طيها نسبة زائدة من الانفعالات المدمرة، والتي تفوق حاجة المقام إليها وتتكلف المبالغة والتهويل، وتتجاوز مقتضاها من المواقف، إن مثل هذه الانفعالات في الأدب مثل سم في طعام لذيذ يأكله جائع.
ولذلك أقوال: إن من مزايا الأدب العظيم أنه أدب مكفوفةٌ الانفعالات والعواطف فيه بضوابط التوازن، مناسبة لمواقفها ولمقدار الحاجة إليها (1) ، كما في البيان النبوي على نحو ما سيجلوه لنا التطبيق.
وقد ذكر "ابن القيم" اثنين وستين ميزة من مميزات الرضى بقضاء الله وقدره منها:
- "أن الرضى يوجب له الطمأنينة وبرد القلب، وسكونه وقراره، والسخط يوجب اضطراب قلبه، وريبته وانزعاجه، وعدم قراره.
- أن الرضى ينزل عليه السكينة التي لا أنفع له منها، ومتى نزلت عليه السكينة استقام، وصلحت أحواله، وصلح باله، والسخط يبعده منها بحسب قلته وكثرته. وإذا ترحلت عنه السكينة ترحل عنه السرور والأمن والدعة والراحة، وطيب العيش. فمن أعظم نعم الله على عبده: تنزيل السكينة عليه. ومن أعظم أسبابها الرضى عنه في جميع الحالات" (2) .
إن هذه السكينة لا تتنافى مع الحركة المطلوبة، التي هي ملمح من ملامح "التوازن" بل هي تضفي على الحركة شيئاً من الاطمئنان والراحة، وهذه السكينة هي التي تتحقق من قوله تعالى: لِكَيْلاَ تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلاَ تَفْرَحُوا بِمَآ ءَاتَاكُمْ وَاللهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (3) .
هذه السكينة بهذا المفهوم ضرورة لاستمرار السير على الصراط المستقيم، وأي خلل فيها يخل "بتوازن" الإنسان ويقصيه عن الصراط المستقيم.
هذه الملامح السابقة كلٌ متواثق التركيب لا انفصام بينها، ولا يوجد بعضها دون بعض.
"فالتوازن" بين المواقف المتجاورة المتميزة، وبين الموقف وطريقة سلوكه، وما يسبقه من ضرورة العلم الشامل، وما يكون من حركة المغالبة بين الشيئين في النفس والتماس الصراط المستقيم، والجد في "التوازن" عليه، وما يصاحب ذلك من التوكل على الله، والإيمان بقدره إلى أن تثمر هذه الحركة كلها سكينة تعمر القلب باليقين، كل متواصل في حركة نفسية متجانسة.
مما سبق يلحظ أن هذا "التوازن" داخل النفس يمنحها سكينة تملؤها الإحساس بالجمال الذي ينعكس بدوره على الرؤية الخارجية للشخص.
فأي أديب يتوخى "التوازن" نفسياً ما أطاق، وأيما أدب -مهما يكن شعراً أو نثراً- يصدر عن هذه الملامح مجتمعة فإنه لا محالة يحمل رؤيا متميزة، ويجدد في النفوس مشاعر الجد والرضى والسكينة، ويزودها بما يملؤها خصباً، ويشبع فيها الجمال الآسر.
وسنجد بعد أن هذه هي مواصفات البيان النبوي، حيث برزت هذه الملامح في أحاديث الرسول (صلى الله عليه وسلم) فكان بيانه يدعو إلى التوازن معنى ويسير وفق منهجه شكلاً.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :596  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 20 من 86
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

ديوان الشامي

[الأعمال الكاملة: 1992]

الأعمال الكاملة للأديب الأستاذ عزيز ضياء

[الجزء الثالث - النثر - مع الحياة ومنها: 2005]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج