شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(( كلمة سعادة الأستاذ عبد الله محمد حسين، مدير إدارة النشر
في مكتبة الملك فهد الوطنية بالرياض ))
الأستاذ عبد الله محمد حسين: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، إنه لشرف لي أن أشارك في حفل تكريم الأستاذ عبد الكريم من خلال اثنينية سعادة الشيخ عبد المقصود خوجه التي ساهمت وتساهم في تسليط الضوء على العديد من رجال الفكر والأدب في هذا الوطن، سأتناول الجهيمان دوره ومنهجه في جمع الموروث الشعبي: قدم الأستاذ عبد الكريم خمسة مجلدات من الحكايات إلى المكتبة المحلية والعربية وأخيراً للعالمية من خلال ترجمته للروسية، خمسة مجلدات هي بعض بقايا ما أنتجه سكان وسط الجزيرة، وهذا بالتأكيد ليس كل ما أنتجوه عبر تاريخ طويل، لكن هذا وحده كافٍ للبرهنة على أن عرب الجزيرة امتلكوا كغيرهم من الشعوب موروثاً شعبياً لا يقل قدراً عن موروثهم الشعري ويدل أيضاً على أن شعوبنا تميل بطبعها إلى القص بل مغرمة به كما تقول الدكتورة نبيلة إبراهيم.
هناك اهتمام من العرب والمسلمين الأوائل بهذا الفن تؤكده قافلة القصاصين أمثال (تميم بن أوس الدارية) الذي أذن له الخليفة عمر -رضي الله عنه- أن يذكِّر الناس يوم الجمعة فكان أول من قص في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، وأول من قص في الإسلام، عبيد بن شريم الجرهمي صاحب أخبار ملوك اليمن استدعاه معاوية ليقص في مجلسه، إذاً هناك من قصَّ في المسجد مستفيداً من القصص في التذكير والموعظة، وهناك من قصَّ في مجالس الخلفاء للمتعة والمؤانسة، وقد أشار إلى هذا الشيخ السيوطي في كتاب "الإتقان في علوم القرآن" قائلاً: وتلمَّحتْ طائفةٌ ما فيه من قصص القرون السالفة ونقلوا أخبارهم حتى ذكروا بدء الدنيا وأول الأشياء، وسمَّوا ذلك التاريخ والقصص، نختتم هذه الشهادات بما قاله آدم متز صاحب كتاب (الحضارة الإسلامية): أدرك العرب أهمية القصة القصيرة والرواية الطويلة بعد نزول القرآن واحتوائه على عدد من القصص التي كان لها أبلغ الأثر في انتشار الدين الإسلامي، وأشار الدكتور طه حسين في كتابه "الحياة الأدبية في جزيرة العرب" إلى أهمية الأدب الشعبي وهذا الأدب قائلاً: "وإن فسدت لغته حيٌ قويٌ له قيمته الممتازة من حيث أنه مرآة صالحة لحياة منتجيه" مع هذه النظرة تلتقي نظرة أستاذنا المحتفى به حيث نوَّه مؤكداً قيمة هذا الموروث، قائلاً: "أما الأساطير والأمثال فإنها في نظري أدق من التاريخ المكتوب" تلتقي نظرة الأستاذ جهيمان مع ما طرحه ليفي شتراوس الذي يرى أن الموروث هو على الأقل حالة تاريخ دون ملفات ووثائق مكتوبة، هذه الأهمية التاريخية وعاها جيداً الأستاذ عبد الكريم فبادر في جمع موروثنا، وما جمع ودَوَّن ليس أساطير، إنه بتحديد علمي لا يقلل من شأنه حكايات خرافية وشعبية تحمل في طياتها بقايا أسطورية وهذا ما يفرضه انتماء هذا الموروث إلى أزمنة ضعف فيها الأثر الأسطوري، والالتباس في تسمية هذه القصص بالأساطير لم يسلم منه الكثير.
يقول الدكتور أحمد كمال زكي: "إننا نعجز أن نجد فروقاً دقيقة بينها وينبغي التسليم بوجود التلازم بين الأسطورة والحكاية الخرافية" وقد أكد هذا التلازم من قبل فلاديمير بروب الذي يرى أن الأسطورة عندما تفقد قدسيتها تتحول إلى حكاية خرافية، تخللت مجموعة الجهيمان حكايات خرافية، تدور في عالم السحر والمبالغات والمثاليات والخوارق، تجسد أحلام الإنسان البعيدة بأدواته السحرية، وقواها الخفية تحقق نهايتها السعيدة غالباً عبر عدة وظائف حددها "بروب" بإحدى وثلاثين وظيفة، أما الحكاية الشعبية وهي الأكثر حظاً في المجموعة فهي تنبت من الأحداث اليومية تلد في عالم الحسيات وتكسب شكلها البسيط، صاغ عبد الكريم هذه الحكايات بأسلوب يتراوح بين الإيجاز المحكم والتفاصيل، والتفاصيل في الحكاية الشعبية هي الشبكة التي تصطاد حقائق الواقع.
أما الحكاية التي تفقد كثيراً من تفاصيلها فهذا يكون بفعل عامل النسيان أو محاورة اتفاق الحكاية مع البيئة المعاصرة كما يقول العالم بروب، أما اللغة التي اعتمدها الأستاذ عبد الكريم فهي لغة فصيحة سهلة بعيدة عن التكلف، هي اللغة المُثْلى لتقديم مثل هذا الموروث كونها المقروءة من قِبَلِ أوسع قاعدة من الناس، تتخللها تعابير ساخرة، وتهكمية تضفي خفة ورشاقة على أجواء تلك الحكايات، واستعان بلغة مهذبة في الحكايات التي تتعرض إلى مواقف سوقية أو تصور لقاءً عاطفياً، إن الصياغة الجديدة التي أنجزها الأستاذ عبد الكريم لم تفسد المضمون ولا الشكل لذلك الموروث، وهذا الحق الذي منحه عبد الكريم لنفسه هو ما يفعله في الغالب رواة الحكايات، والخيال الذي يتمتع به عبد الكريم أعانه في إثراء ذلك القصص وفي رسم خرائط العوالم التي يتحرك فيها شخوصه، ولم يخذله في إشاعة التشويق في مجرى الأحداث، وهذا أمر على درجة من الأهمية في القصص الشعبي الذي يفترض أن يشد انتباه المتلقي (سأضطر للاختصار).
انتقى عبد الكريم ما ورده من حكايات، ترك ما لم يحمل مضموناً أو لا يحقق متعة أو تسلية على الأقل، وإذا وردت إليه حكايات متماثلة في المضمون والأسلوب أخذ أوفاها وأصلحها سرداً على حدِّ تعبيره، يثقل عبد الكريم كاهل حكاياته بتشابيه ومحسنات، لكن ما أساء إلى هذه الحكايات هو إقحامها ألفاظاً ومصطلحات عصرية لا تتلاءم مع روح الحكاية مثلاً: استخدام المتر، المطهرات، الشمع الأحمر، الخليج العربي، أو أرقاماً فلكية مثل: ثمن لعيبة الصبر مئة وخمسين ألف ريال، وكذلك إسقاطات من هذا العصر مثل: ارتفاع المهور وغلاء المعيشة، مثل هذه الإسقاطات لم ينج منها تراث الشعوب، فالدارسون لملحمة بني هلال صادفوا تداعي قضايا العصر.
ففي الرواية الليبية مثلاً تظهر ملامح المجاهد عمر المختار وقد استبدل السيف والرمح بالمدفع والرشاش، هذا يؤكد أن الأدب الشعبي حدث مستمر يواكب مسيرة البيئة التي ولدته وعاش في أحضانها، وأن الصياغات الجديدة لا تفسد نكهته، ما دام الراوي قد حافظ على فحوى القصة كما يقول أبو سهيل، لا أحد ينكر حق الرواة، ولا أحد من حقه أن يصادر الطاقة الإبداعية لأجيال الرواة المتعاقبة، وليس بالإمكان منع الزيادة والنقصان التي يتعرض لها الموروث أثناء رحلته الطويلة، إذا أردتم دليلاً حياً موثوق به وموثّقاً فإليكم ألف ليلة وليلة التي عبرت حدود الزمان والمكان، حاملة ما أضاف الفرس والعرب وما حملت من ملامح بغداد الرشيد ومصر المماليك.
في خاتمة هذه المداخلة المتواضعة أمام ما قدم الأستاذ عبد الكريم هناك سؤال يطرح نفسه بإلحاح، هل ما زال موروثنا يحتاج إلى همة رجل مثل الجهيمان؟ أو مشروع تتبناه جهة علمية أو هيئة ثقافية لجمع ما تبقى وهو كثير، وهذا الاحتفال الجليل الذي تكرم به الشيخ عبد المقصود محمد سعيد خوجه هو إسهام رائع للإجابة على ذلك السؤال ولكم بالغ الشكر والتقدير.
 
 
طباعة

تعليق

 القراءات :463  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 205 من 209
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ محمد عبد الرزاق القشعمي

الكاتب والمحقق والباحث والصحافي المعروف.