شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(( الحوار بين المحتفى به والحضور ))
بعد أن انتهى الدكتور حسين مؤنس من كلمته أعلن الأستاذ عبد الفتاح أبو مدين فتح باب الحوار بين المحتفى به والحاضرين، وكان أول السائلين الأستاذ مصطفى عطار حيث طرح سؤالين تضمنتهما كلمته التالية:
- بسم الله الرحمن الرحيم. حمداً لله وشكراً له سبحانه أن قام من سبقني من المتحدثين بالترحيب بهذا العالِم الموسوعي أستاذنا الدكتور حسين مؤنس الذي بدا معروفاً معرفة جيدة لكل طلاب العلم سواء أساتذة في الجامعة أم قرّاء أم تلامذة في المراحل التعليمية المختلفة.
- وسؤالي للعالم الموسوعي الجليل هو: حينما بدأت يا سعادة الدكتور حسين تحضير رسالة الدكتوراة أردت أن تكتب عن مصر فاقترح عليك المشرف ألا تكتب عن بلادك لأنك تحبها، فأريد أن أعرف هل أنت متفق مع المؤرخ أستاذك المشرف على أن لا تكتب عن مصر لئلا تؤثر عليك عاطفتُك وأنت تكتب عنها؟
- وهناك سؤال آخر أجمله فيما يلي:
- أثناء عمادتك لكلية الآداب بجامعة الكويت احتاجت الكلية إلى أستاذ لملء وظيفة شاغرة، وعرض عليكم أستاذٌ وكان من ضمن أوراقه أنه أشرف على خمسين رسالة ماجستير ودكتوراة، فقمت بشطب طلبه، وقلت: أستاذ يقبل في حياته العلمية القصيرة أو الطويلة أن يشرف على هذا الكم من رسائل الدكتوراة والماجستير، هذا لا يصلح لأن يكون مشرفاً أو يكون أميناً على التدريس الجامعي، فما مدى صحة هذه الواقعة؟. هذان سؤالان أحب أن أسمع من أستاذنا الجليل الإجابة عليهما.
 
ويجيب الدكتور حسين مؤنس على سؤالَي الأستاذ مصطفى عطار بقوله:
- فيما يتعلق بأستاذي واسمه "سوفي جر" قال لي: لا تكتب عن تاريخ مصر لأنك تحبها إلى درجة أنك لن تكون منصفاً أبداً وكان على حق وأراد حظي السعيد أن أتعرف على أستاذ فرنسي اسمه "جاك بروديل" وكان متخصصاً في تاريخ الأندلس لا إسبانيا، فقال لي أستاذي اذهب إلى بروديل واسأله إن كان يقبل أن تكون تلميذاً له، فذهبت وقبل وكان ذلك من أسعد أيام حياتي، في تلك الفترة بالذات كانت عندهم في باريس في السوربون مكتبات الأساتذة الذين يهدون كتبهم إلى الجامعة أو يبيعونها، وهناك شارع داخل السوربون كله مكتبات متخصصة، فقالوا لي: أتحب أن تكون أميناً لمكتبة المستشرقين؟ وأمين ليس وظيفة وإنما هو عمل بأتعاب تعطى لك فعشت من ذلك الحين مع الأساتذة في تلك المكتبة، تعلمت منهم ودلّلتهم إلى درجة أن الواحد منهم تعود أن يتصل بي بالتليفون ويقول: ابحث لي في صبح الأعشى ج كذا صفحة كذا عن العبارة الفلانية فأنقلها له حرفياً وآخذها إلى بيته أحياناً بعد منتصف الليل بحيث أصبحت مهماً جداً عند أولئك الناس. ومن ذلك الحين وأنا أشعر بالسعادة في تاريخ العلم، والله لو دريت أن العلم يرتفع بالإنسان إلى درجة أن يجلس يوماً من الأيام بين سادة مثلكم لشعرت بأن ما تعلمته مهما بلغ لا يمكن أن يكون شيئاً له قيمة، بارك الله فيكم وأسعدكم.
- أما إجابة السؤال الثاني فالواقعة صحيحة، وأذكر أن الأستاذ وهو موجود الآن وهو من كبار الأساتذة قال إن هذه الرسالة رقم 85 من الرسائل التي أشرف عليها فقلت له يا سيدي يكفي الإنسان عشرة تلاميذ فقط ولا يمكن أن تكون أستاذاً جليلاً إذا كنت قد أشرفت في حياتك على 85 رسالة، وفعلاً رفضنا ذلك لأنني عندما آخذ طالباً ولا يمكن أن يكون عندي أكثر من ثلاثة طلاب في وقت واحد، فأنا أعطيه يوماً في الأسبوع يأتي إلى بيتي ويقرأ لي ما كتب وأصحح له وأراجعه، وغداً إن شاء الله ستأتي طالبة سعودية إلى الفندق لكي تستشيرني في موضوع من مواضيع الدكتوراه الخاصة بها، وشكراً.
ثم سأل الدكتور يوسف الثقفي قائلاً:
- بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على سيد المرسلين محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
- السؤال الذي أحب أن أطرحه هو أن الدولة العثمانية خلال القرن العاشر الهجري حاولت جاهدة الوصول إلى المراكز التي أسسها الإسبانيون المسيحيون في الشمال الإفريقي، خاصة في وهران، واستطاعت أن تحصل على تأييد من رجال القبائل في الجزائر خاصة، وكان القواد المسلمون مثل "خير الدين بربروس" وابنه حسن من الرجال المخلصين المجاهدين في سبيل مقاومة المسيحية في الشمال الإفريقي. لكن بعض المؤرخين ذكروا بأن المقاومة المسيحية تضافرت جهودها المشتركة من البابوية ومن البرتغال والإسبان، ضد المسلمين والمقاومة الإسلامية في الشمال الإفريقي.
- والحقيقة أن السعديين في المغرب كانوا عقبة ساهمت في عدم تقدم العثمانيين إلى الأندلس ومحاولة استردادها، فالكثير من المؤرخين عللوا عدم وصول العثمانيين إلى الشمال الأفريقي بالتكتل المسيحي أكثر من المقاومة الداخلية في المغرب، فما رأي سعادة الأستاذ الدكتور في هذه النقطة؟ والسلام عليكم.
 
ويرد الدكتور حسين مؤنس قائلاً:
- أخي العزيز، عندما يتحدث الناس عن الدولة العثمانية، وقد تعودنا دائماً أن نحمل عليها وأن نقول: إن الأتراك العثمانيين كانوا مستبدين. أقول لهم: إنه لو لم يكن للأتراك إلا فضل حماية المغرب كله من استيلاء النصارى عليه وكانوا بالفعل قد احتلوا الجزائر وطرابلس ودخلوا في تلك البلاد، فما الذي ردهم عن الاستيلاء على المغرب إلا الأتراك العثمانيون، فهم حقيقةً الذين حافظوا على المغرب مسلماً. وإذا كنا نرى المغرب جوهرة جميلة اليوم يفتخر بها الإسلام، فإن الفضل في ذلك يرجع إلى الأتراك العثمانيين، الفضل الثاني للأتراك العثمانيين أنهم انتصروا على الإيرانيين في موقعة "شمال إيران" التي استعدنا بها العراق إلى عالم العروبة، بعد أن كاد أن يدخل في الدولة الإيرانية، هذان الفضلان يُكتبان إلى جانب غزواتهم وفتوحهم في أوروبا، وكنا نتمنى ألاّ يصلوا إلى "بودابست" وأن يكتفوا بالبلقان، ولو أنهم اكتفوا به لأصبح البلقان اليوم فعلاً بلداً إسلامياً، ولما رأينا ظاهرة غريبة مثل بلغاريا التي تضطهد المسلمين الذين يعيشون فيها وهم بقية العصر التركي.
- أما السعديون فسيادتكم تعرفون أن تاريخ المغرب عرف دولتين من دول الأشراف أي سلالة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم السعديون أولاً ثم العلويون الفلاليون الذين يحكمون إلى يومنا هذا، ومنهم جلالة الملك الحسن الثاني، ولكن السعديين لم يحاربوا الأتراك إلا لكي يستقلوا بأنفسهم وببلادهم، وبالفعل عندما نرى ملوك السعديين، وكيف استطاعوا أن ينشؤوا الوطن المغربي نشعر حقاً أنهم كانوا يدافعون عن أنفسهم ضد اعتداء السلطان العثماني على المغرب، ولولا ذلك لما كان لدينا ذلك المغرب العربي الذي نفخر به جميعاً اليوم، فهو المغرب الأقصى الذي يحكمه الأشراف الفلاليون الذين جاؤوا بعد السعديين، وشكراً.
 
ويتحدث بعد ذلك الدكتور حسين نصار قائلاً:
- بسم الله الرحمن الرحيم، هل يسمح لي رئيس هذه الجلسة بأن أقول كلمة قصيرة عن الدكتور حسين مؤنس باعتباري تلميذاً مباشراً له؟
- أعتقد أن كل من تكلموا لم يحضروا محاضرات الدكتور حسين مؤنس، وقد درَّس لي التاريخ الإسلامي سنتين، وكانت محاضراته من المحاضرات الشيّقة التي يحرص طلبته على حضورها.
- والدكتور حسين مؤنس جمع في نفسه جوانب متعددة، ووصل إلى ما وصل إليه بكفاحه الخاص، والدكتور حسين مؤنس من أول المؤرخين مؤرخي التاريخ الإسلامي الذين حولوا التاريخ من تاريخ سياسي يرصد الأحداث وأعمال الملوك إلى تاريخ حضاري بأوسع ما تكون الحضارة، وتكلم عن العلوم العربية حتى الجغرافيا، وتكلم عن الأدب العربي حتى الشعر، وهو الفن الخاص في الأدب العربي، ثم تكلم عن التاريخ بمؤلَّفاته الكثيرة، فالدكتور حسين مؤنس هو الكاتب الذي نتمنى أن يوجد أمثاله كثيرون.
- وأخيراً ليس عندي سؤال بل هي أمنية، لقد انتهى التاريخ العربي الإسلامي في الأندلس بما انتهى إليه أو بانتهاء الدولة الإسلامية في الأندلس. ولكن الوجود العربي لم ينته، وأقصد بالوجود العربي لا وجود العرب والمسلمين فقط بل أقصد وجود الحضارة العربية، ولا أقصد الحضارة العربية التي وجدت على الرغم من المسيحيين الأسبان بل الحضارة التي وجدت بمساعدة من الأسبان ومن غير الأسبان. فقد انتقل كثير من العلماء المسلمين إلى جنوب فرنسا وإلى جنوب إيطاليا وبقَوا في إسبانيا وفتحوا الجامعات ودرسوا في الجامعات الأوروبية، وأمنيتي أن يُؤَرخ لهؤلاء المسلمين الذين عاشوا واستطاعوا أن ينقلوا الحضارة العربية ويكونوا أسساً للحضارة الأوروبية الحديثة، وشكراً.
 
ويعلق الدكتور حسين مؤنس على كلمة الدكتور حسين نصار بقوله:
- أخي وتلميذي حسين نصار، بيننا من العلاقات ما بين الأخ وأخيه، ونحن شريكان في الجهاد في سبيل العلم في مصر، ولكني أقول لك إن ما تتمناه الآن من التأريخ لأولئك العلماء أنا إن شاء الله سأعمل على تحقيقه لا سيما، وقد أراد الله سبحانه وتعالى أن يُنقذ بصري من الزوال على يد خادم الحرمين الشريفين الذي أراد حظي الحسن أن إنساناً يقول له: إن فلاناً على وشك أن يفقد بصره فقال: فليأت لتعمل له العملية هنا، وفعلاً أتيت بفضل ذلك الملك العظيم، وأجريت العملية وأرجو أن أكتب تاريخ الفكر الأندلسي، وأحقق لك يا أخي العزيز تلك الأمنية التي قلتها الآن من التأريخ لعلماء أوروبا، سواء في فرنسا أو إيطاليا، الذين نشؤوا على يد العرب.
- وأنتهز هذه الفرصة لكي أحيي شاعرنا الجليل الأستاذ عمر أبا ريشة وهو لا يدري مقدار إعجابي به، وأذكره بأنه زار الكويت عندما كنت أستاذاً ورئيساً لقسم التاريخ بجامعة الكويت وألقى محاضرة هناك وأنا أستمع إليه الآن وهو يلقي تلك المحاضرة، وأقول لا أدري لماذا لم يخلقني الله شاعراً كهذا العبقري، فذلك أحسن من أن يكون الإنسان عالماً، لأن الشعراء هم الذين يفتح الله عليهم وقد يباح لهم ما لا يباح لنا، فأي عالم منا يلقى بنتاً ويتحدث معها لا يذكر ذلك، ولكن بالنسبة له إنها فخر له ولتلك البنت، ولا أدري ماذا حدث بينه وبينها بعد ذلك.
 
ثم يتقدم الدكتور محمود زيني عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى فيطرح سؤاله التالي قائلاً:
- بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم سيدنا ونبينا محمد بن عبد الله.
- وبعد، أحمد الله كثيراً أن جعلني في هذه الليلة في ركب المحتفين بهذا الأستاذ العظيم الذي يعتبر من مفاخر علماء المسلمين في عصرنا الحاضر.
- لا أريد أن أتحدث كثيراً عن أستاذي الأستاذ الدكتور حسين مؤنس ولكني أقول أنني تعلمت منه الشيء الكثير، وليس لدي سؤال ولكن ما أحبه وأتمناه كما تمنى أستاذنا الدكتور حسين نصار على أستاذنا الدكتور حسين أن يعيد النظر في ترجمته لأولئك الذين تربعوا على عرش الثقافة في أوروبا وأرادوا أن يحدثونا عن تاريخ الإسلام في الأندلس، فوضعوا السم في الدسم، من أمثال "بوزويرث" الذي قال عن الدولة العثمانية إنها أكبر عدو لنا. فكم غُزِي أبناؤنا في عقر دارهم من مثل هذه الأفكار. أمنيتي على الله أن تتحقق هذه الأمنية على يد أستاذي جزاه الله خيراً، وأن يجعل هذا في رصيد حسناته، وأن يجزيه خير الجزاء، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
 
ويرد سعادة الدكتور حسين مؤنس قائلاً:
- أخي وتلميذي، أؤكد لك أن ما تقوله بالنسبة لـ "بوزويرث" أنت على حق به، هذا رجل عالم يَدْرُس العلم على الطريقة الأوروبية وقد اشتركت معه لا في العمل معاً، وإنما هو نشر ترجمة إنجليزية جميلة فعلاً لكتاب "النزاع والتخاصم، فيما بين بني أمية وبني هاشم" وأنا قمت بنشر النص العربي لذلك الكتاب الذي يعتبر من أجمل كُتب "المقريزي"، وأنا أنكرت على "بوزويرث" ذلك الكلام الذي قاله عن الأتراك العثمانيين وأنه يكرههم، وأذكر أنه دعاني لكي ألقي محاضرة في جامعة مانشستر وناقشته فيما قاله، فشعر بالخجل عما قاله عن الأتراك، لأنه من العار أن عالماً يقول إن الأتراك أعداؤنا، مع أن الأوروبيين هم الذين أعلنوا الحرب على الأتراك، ولا يمكن أن نأخذ كلام بوزويرث عن الأتراك العثمانيين مأخذ الجد.
 
ثم يقرأ الأستاذ عبد الفتاح أبو مدين سؤالاً بعث به السيد محمد علي دولة يقول فيه:
- ما مدى صحة المقولة التي تصف تاريخنا الإسلامي بأنه تاريخ حكام وسياسيين فقط؟
 
ويجيب سعادة المحتفى به الدكتور حسين مؤنس على هذا السؤال بقوله:
- إن هذا الموضوع يشغل ذهني الآن، فنحن - المسلمين - لنا تاريخان: تاريخ سياسي وهو الذي يمثله الحكام، ومنهم الأتراك العثمانيون، ومنهم المماليك ومنهم الفاطميون وآخرون أسوأ من الفاطميين. وهناك تاريخ آخر وهو تاريخ الأمة الإسلامية وهو تاريخ جميل جداً، لأن الأمة الإسلامية دائماً واحدة، لم يتحارب بلد إسلامي مع بلد آخر، ولا يمكن أن تقع حرب بين المصريين والسوريين أو بين العراقيين والسوريين، ولكن الحكام تحاربوا، وأنا أقول: إن لدينا تاريخين: للعالم الإسلامي تاريخ سياسي وهو شيء ننكره أحياناً، وتاريخ حضاري وهو تاريخ أمة الإسلام. وأنا أقول لك إنك عندما تقرأ لرحّالة مثل ابن بطوطة الذي خرج من بلدِه في القرن السابع الهجري لكي يطوف بعالم الإسلام ويطمئن المسلمين على مصيرهم بعد نجاتهم من أكبر خطرَين تعرّضوا لهما، وهما الخطر الصليبي والخطر المغولي، ثم كتب كتابه المشهور عن رحلة ابن بطوطة، وأكد للمسلمين أن الإسلام على خير، والعجيب أن ذلك الرجل قام بهذه الرحلة ولم ينفق من عنده شيئاً، فقد خرج بدنانير قليلة لكي يزور الحجاز، فطاف بالعالم الإسلامي كله ودخل الهند، وكان له شيء جميل وغريب فيها، بل ذهب إلى الصين، أي أن الأمة الإسلامية أنفقت على رحلته لكي يطمئنها على مصيرها، وهذه فيما أعتقد إجابة عن سؤالك يا أخي العزيز.
 
ثم يعطي الأستاذ عبد الفتاح أبو مدين حق طرح السؤال الأخير للأستاذ عبد الحميد الدرهلي فقال:
- السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، سؤالي أوجهه إلى سيدي فضيلة الشيخ الحبيب بلخوجة وأرجو أن يتقاسم الجواب معه سعادة الدكتور حسين مؤنس: ذكرتم فضيلتكم أن هناك خمساً وأربعين رحلة للمغاربة، ربما سها عنكم أن هناك رحلة هامة جداً هي رحلة صلاح الدين الأيوبي مع المغاربة إلى فلسطين لإنقاذها من الصليبيين، وقد ترك المغاربة بفلسطين أعداداً كبيرة من العائلات المغاربة يحتلون الآن مراكز حساسة في العالم العربي. هناك كذلك في القدس بوابة المغاربة وفي يافا وفي غزة وفي عكا، سؤالي: هل سيتكرر هذا الحادث لتكون هناك رحلة جديدة لإنقاذ فلسطين كما أنقذها المغاربة برعاية صلاح الدين الأيوبي، وشكراً.
 
يرد فضيلة الشيخ الدكتور الحبيب بلخوجة على سؤال الأستاذ الدرهلي قائلاً:
- بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. أنا أشكر لأخي الكريم هذه الأسئلة التي تمناها عليَّ أو تمنّاها لي، أريد أن أكون صلاح الدين وأين أنا منه؟! هناك فوارق كبيرة جداً من حيث المنشأ ومن حيث ما عمرَ به حياته رحمه الله، وما أعمر به حياتي. وما اتجهَ إليه عن قصد وبحسب ظروف وأحوال، وما أنا فيه.
- هذا أولاً، وأما قضية ما تفضلتم به من الإشارة إلى هذه الناحية فأنا أشكركم عليها وإن كانت ليست مقصودة لي عندما ذكرت الرحلات، الذي أردت أنا شخصياً هو أن أركز على أن قلوب أهل المغرب تهفو دائماً إلى أهل المشرق وإلى بلاد المشرق، ومن ثَم فإن كل الناس في بلاد المغرب من علماء وغير علماء، من أدباء وغير أدباء، يتحركون بشتى العوامل إلى زيارة بلاد المشرق.
- وعندما ذكرت هذا العدد من الكتب أو من الرحلات كنت أقصد هذه الرحلات الجغرافية والرحلات التاريخية، والرحلات العلمية، والذي وضعته نصب عيني هو هذه الرحلات العلمية لأنه - كما قلت - تلقى العالم المغربي كله الحضارة الإسلامية والفكر الإسلامي ومقومات العزة الإسلامية المتمثلة فيما تركه لنا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم حين قال: "تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبداً: كتاب الله وسنة نبيه". فهذه الأشياء هي التي دفعت بالمسلمين في المغرب، وفي تونس، والجزائر وطرابلس إلى أن يتحركوا جميعاً للجلوس إلى العلماء في بلاد المشرق.
- وقد منّ الله عليّ بتحقيق رحلة من هذه الرحلات وهي رحلة ابن رُشَيْد السبتي ورحلته تسمى "ملء العيبة فيما جُمع في طول الغيبة في الوجهة الوجيهة إلى الحرمين الشريفين مكة وطَيبة" وقد جلس في كل بلد نزل به إلى علماء، وكان يروي عنهم السنة النبوية ويقارن بين الأسانيد المشرقية والأسانيد المغربية، ويقوم بنقد هذه الأسانيد ويذكر وهو في ذلك العصر الذي لم توجد فيه الكهرباء ولم يوجد فيه الحبر كالذي نحمله نحن معنا الآن، ولم تكن الطرق مسفلتة، ولا كانت هناك العربات ولا الطائرات، أنه يمشي عرض البلاد وطولها وينتقل من بلد إلى بلد، ويجلس إلى العلماء ثم يكتب مسوّدة على أوراق جمعها عند رجوعه إلى بلده "سبتة" فإذا هو يُخرج للناس سبع مجلدات ينقل فيها أهم المصادر والكتب التي كانت في عصره من حفظه، ونحن لا نملك من هذه الكتب شيئاً إلا ما منَّ الله به علينا مما نشر بمناسبة أو أخرى بالبلاد العربية الإسلامية على طولها وعرضها.
- فأنا أردت بذكري للخمس والأربعين رحلة أن أشير إلى تعلق المسلمين بهذه الديار، وإلى تعلقهم بالعِلم الإسلامي، وإلى قصدهم لأمهات المساجد التي توجد في المشرق، مثل جامعة القاهرة الأساسية وهي "الأزهر الشريف"، وكذلك المسجد الحاكم في ذلك الوقت، ثم بلاد الشام وما كان فيها من مساجد وخاصة بالخليل وبالقدس الشريف، ثم بعد ذلك في البلاد العربية الإسلامية هنا في مكة أو المدينة، وجلوساً إلى الأئمة والعلماء في أزقة مكة وأزقة المدينة، وفي المسجدَين الشريفين يأخذ عن أئمتهم. وعن العلماء الذين يأتون في موسم الحج، فإذا بالرجل الذي لم يقض أكثر من أربعين يوماً في هذه الرحلة الحجازية يأتي بما لم يأت به أحد من التعريف برجالها والرواية عن علمائها والأخذ بأسانيدهم، والتعريف بأحوالهم، مما لم تذكره المصادر الأخرى.
- فكم بارك الله لهم في أعمارهم، وكم منَّ عليهم بهذه القدرة الفائقة، وكم آتاهم من فضله، نرجو أن يمنّ الله علينا بشيء من ذلك حتى نحقق هذه الأماني الغِلاب الصعاب التي يتمناها علينا إخواننا ولكن كما قلت في حديثي الأول: إنما هي العزائم يلتقي بعضها ببعض، وينبغي أن نتعاون على تحقيق هذه الغايات الشريفة، وشكراً.
 
 
طباعة

تعليق

 القراءات :542  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 119 من 196
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج