شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(( كلمة المحتفى به الدكتور حسين مؤنس ))
ثم أعطيت الكلمة للمحتفى به سعادة الدكتور حسين مؤنس حيث قال:
- بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على رسول الله الرحمة المهداة.
- أما بعد، أيها السادة إنني أشعر بالخجل والصغر حين أتحدث بعد أحاديث السادة العلماء والسادة الشعراء ويعود إلى ذهني قول "الأشعري"، إن العلم هو الشيء الوحيد الذي تكبُر فيه سناً، وكلما كبرت سناً صغرت علماً. وهذه حقيقة نعرفها نحن، فكلما تقدم بنا العمر كلما شعرنا أننا أصغر وأصغر، لأن العلم بحر واسع لا يدري اتساعه إلا الذي يهبه حياته.
- وأحب أن أقول لكم أنني مصري المولد، ولكنني عربي الروح، فأنا كتبت تاريخ المغرب. وأحبُّ أن أقول للدكتور الحبيب بلخوجة: إنني عندما وصلت في تاريخ المغرب إلى القرن الرابع الهجري وانتقلت إلى الخامس الهجري دخلت في فترة من تاريخ المغرب اضطررت أن أسميها عصر العواصف وهو عنوان ليس تاريخياً، ولكن في ذلك العصر بالذات وبعد زوال الدولة الفاطمية وانتقالها إلى مصر تجد المغرب دخل دوراً تاريخياً كله عواصف، فهناك بنو هلال الذين دخلوا المغرب، وهناك رحلات المغاربة أنفسهم من داخل المغرب ومن وسطه إلى المغرب الأقصى، وهناك العواصف التي قام بها "النورمان" على شواطىء المغرب واحتلالهم للمهدية، فهو عصر غريب جداً لا ينتهي إلا بظهور المرابطين الذين نفخر بهم جميعاً إلى يومنا هذا، ولكن بالنسبة للتاريخ نجد أن المرابطين وضعوا حداً لعصر العواصف، واليوم أذكر لأستاذي الدكتور الحبيب أني رأيت مطبوعاً الجزء الأول من تاريخ المغرب الذي كتبته وهو من ثلاثة أجزاء لتاريخ المغرب من قبيل الفتح الإسلامي إلى الغزو الفرنسي للجزائر، والكتاب ضخم جداً، ولكنني سعدت به لأنني من السعداء الذين يجدون سعادتهم في الكتاب وفي القراءة.
- ومرة أخرى أشير إلى قول الأشعري "لو درى الناس ما في العلم من فضل ما ترك أحدهم الكتابة يوماً من الأيام".
- وبعد، أيها السادة: لقد قضيت في الأندلس اثني عشر عاماً وزيادة، وأن ذلك البلد في نظري لم يضِع، فأجمل ما في الإسلام من حقائق أننا لا نعرف الموت، فالإنسان منا ينتقل من الحياة الدنيا إلى الحياة الدائمة، فنحن ليس عندنا موت في الإسلام وكذلك أقول إن الأندلس لم يمت وإنما هو حي في نفوس الناس، ولم يكن دخولنا الأندلس مجرد غزو، وإنما هي حضارة العرب الذين دخلوا ذلك الأندلس ومعهم المغاربة الذين تحولوا إلى عرب، وكانوا أشد عروبة من كثير من العرب، وكلكم تعرفون طارق بن زياد الذي كان مغربياً وجده دخل الإسلام، ولكنه هو الذي فتح الأندلس باسم العرب والإسلام، وأحب أن أقول إن العرب هم الشعب الوحيد الذي انتصر وفتح وحقق قول الله سبحانه وتعالى: إذا جاء نصر الله والفتح.. أولاً يجيء النصر ثم الفتح. النصر عسكري والفتح حضاري.
- ونحن اليوم في التاريخ لا نعرف ماضياً ولا حاضراً ولا مستقبلاً إنما نحن نقول إن التاريخ هو الزمان، فأنا في الفترة الأخيرة من حياتي، وبعد أن سعدت بتاريخ المغرب وتاريخ الأندلس اكتشفت شيئاً جديداً جداً وهو "الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن فيصل آل سعود"، والذي يعتبر دون شك من أعاظم تاريخ المسلمين في العصر الحديث، وقد استوقف نظري وشعرت بالخجل عندما حضَرت مؤتمر الملك عبد العزيز في الرياض 1985م وأحسست يومها أنني لا أعرف عن هذا الرجل ما ينبغي أن أعرف، لأنهم في بلادنا يخدعوننا ويقولون لنا: إن أعاظم من قاموا بالحركة العلمية أو حركة النهضة الحديثة هم محمد علي في مصر وبعض السوريين مثل ناصيف اليازجي أو بطرس البستاني في لبنان أو في بلاد الشام كما كانت تسمى إذ ذاك، ولكني قلت: سبحان الله، والملك عبد العزيز الرجل الذي بدأ ملكاً وهو في سن التاسعة عشرة وفتح الرياض أو استعاد الرياض فتح ملوك، ومن يوم دخل الرياض تصرَّف تصرُّف ملك.
- وأنتم ترون أننا في عصر خادم الحرمين نعيش مع ملك ابن ملك، لأنني أعتقد أن الله سبحانه وتعالى عندما أذِن بكشف البترول في جزيرة العرب إنما أراد أن يقول لعبد العزيز: أنت أعطيت وأنا أعطيك، وكلٌّ منا يرى الآن أن السعودية بدولتها الجديدة إنما تجدد تاريخ الإسلام، وهم يقودون العالم الإسلامي في يومنا هذا، وإن شاء الله يتحقق حلمي البعيد وهو أن يتم نوع من الاتحاد على أية صورة بين جزيرة العرب التي أوجدها تاريخياً الملك عبد العزيز، فقد كانت قبل ذلك قبائل وحكاماً في نواحٍ مختلفين، فجاء هو وأنشأ المملكة العربية السعودية فأكمل صورة الدولة الإسلامية لأنه من العجيب أن كل شعب من شعوب الإِسلام له دولة إلا شعب العرب وهو أبو الشعوب كلها فجاء عبد العزيز وأنشأ الدولة السعودية التي أكملت صورة التاريخ الإسلامي، وبدأتْ في تاريخ العرب أجمعين عصراً جديداً هو الغاية في الجمال.
- وكما أقول لكم إن التاريخ لا يعرفُ ماضياً ولا حاضراً ولا مستقبلاً، لأننا اليوم نكتب تاريخنا المستقبلي بما نسميه بالتخطيط. فنحن عندما نخطط لتاريخ السعودية مثلاً من اليوم إلى سنة 2000 فإننا نؤرخ للمستقبل، وهذا هو التاريخ الحقيقي، وأنا حقيقة أشعر اليوم بأنني من أسعد خلق الله عندما أجلس بين علماء وشعراء كهؤلاء الذين تكلموا والذين ذكَّروني وأنا أستمع لهم مقولة قالها "الأشعري": العلم هو الشيء الوحيد الذي تكبُر فيه سناً، وكلما كبرت سناً صغرت علماً.
- ولا أريد أن أطيل أكثر من ذلك فأنا أرى أن ما تعرفونه أكبر بكثير مما أعرفه لذلك سأقف عند هذا الحد لكي تبدأ المناقشة وسأكون سعيداً إذا حظيت بالمشاركة فيها لكي نثبت للناس جميعاً أن العلم هو الشيء الأكبر الذي كلما أعطيته أعطاك أكثر، والذي تشعر وأنت تدرسه أنك لا تكبر سناً وإنما أنت تصغر يوماً بعد يوم، كما هو حالي وشعوري في هذه الليلة المباركة، وألف شكر.
 
 
طباعة

تعليق

 القراءات :473  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 118 من 196
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الأعمال الكاملة للأديب الأستاذ عزيز ضياء

[الجزء الثالث - النثر - مع الحياة ومنها: 2005]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج