شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
إطلالة على الملامح الشعرية لديوان بكاء الزهر
بقلم: الأديب الشاعر إبراهيم أمين فودة
الشاعر الأستاذ علي أبو العلا واحد من شعراء مكة المكرمة الأصلاء الملتزمين، وهو شاعر متنوع في أغراض شعره وموضوعاته، بيد أنه ملتزم بالشكل العمودي الأصيل لا يفارقه إلى ما يطلق عليه النقاد "الشعر الحر" أو "التفعيلي"، على الرغم من تنوع الأغراض والموضوعات في شعره فإن السمات والملامح الإسلامية المضيئة تبدو واضحة جلية في جلِّ أشعاره.
وشاعرنا من الشعراء المقلِّين في إنتاجهم الشعري، فهو يهدف إلى الكيف الأصيل لا إلى الكم، فلم يصدر له حتى الآن سوى ديوانين: الأول بعنوان "بكاء الزهر" وهو موضوع دراستنا. وقد ظهرت طبعته الأولى عام 1399هـ 1979م - والثاني بعنوان "سطور على اليم" وهو ديوان ضخم ضم فيه الشاعر نحواً من مائتين قصيدة أغلبها سبق نشره في صحف ومجلات المملكة العربية السعودية. وقد صدرت طبعته الأولى عام 1406هـ - 1985م. ونأمل أن تتاح لنا فرصة إعداد دراسة موسعة عنه بإذن الله تعالى.. بعد أن قمنا بإعداد مقال عاجل عن هذا الديوان نشر بجريدة الندوة السعودية في 23 ربيع الأول عام 1413هـ.
أبو العلا شاعر مطبوع لطرحه قوة تأثير يغرف أفكاره من معين إيماني وفطرة مسلمة:
ولأن الشاعر علي أبو العلا من مواليد مكة المكرمة، وعلى ربوعها الطاهرة عاش وترعرع وتعلَّم، وتقلَّد وظائف هامة، فإن لهذه المدينة المقدسة، مولد رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم، ومهبط الوحي، وأرض الكعبة المشرِّفة والمسجد الحرام، وزمزم وعرفات - مكانة سامقة في قلبه ووجدانه ومشاعره. كان من الطبيعي أن يكون لها انعكاس "مضيء" على طرحه الشعري.. وهنا نجد السمات الوجدانية النابضة بالعاطفة متضافرة مع السمت الديني والملامح الإسلامية المضيئة. ولا شك أن التضافر من شأنه - ما دمنا في صدد شاعر مطبوع - أن يكسب الطرح الشعري قوة تأثير، ويُثريه بالصدق الشعوري. وذلك ما نلمحه حين يُناجي الشاعر مدينته الحبيبة "مكة المكرمة":
ويا مكة الخير هذي الحياة
بواديك من أصلها تنبعُ
تفيض على الكون بالمكرمات
ومن نورها مجدنا يلمعُ
أمكة يا قبلة المسلمين
ومنك النبيُّ الذي يشفعُ
أمكة يا من ملأت الوجود
ضياءٌ به اليوم نستمتعُ
أمكة يا ذكريات الخلود
رحاب الكتاب الذي نتبعُ
وفيك العبادةُ مهوى النفوس
وتقوى القلوب وما يُمتعُ
وكل السعادة للطائفين
إذا ما الأكف لهم تُرفعُ
لدى الباب أو في مقام الخليل
وفي الحجر أعينهم تدمعُ
وعلى الرغم من أننا بصدد قصيدة استوقفنا أن جميع القوافي "رغم صعوبة قافية العين" جاءت سلسة. بغير استكراه أو قلقلة. كما جاءت الأبيات مبرأة من الحشو والجفاف اللفظي. والمجال هنا لا يسمح بعرض كل أبيات القصيدة.
لذا نُحيل القارئ الكريم إلى الديوان للوقوف على تلك السمات الفنية الإيجابية.
وشاعرنا يتفاعل دوماً مع الأحداث والمناسبات الإسلامية الهامة، وينظر ببشر وأمل إلى كل تجمُّع ولقاء إسلامي. يستشرف فيه عودة أمجاد الأمة، ووحدة الصف الإسلامي. غير أن شعره في هذا أجمل كثيراً ما يتخطى المناسبة "موضوع التفاعل" من الناحية الفنية ليجيء زاخراً بالصور العاطفية الموحية، وجديد من المعاني المتعددة الأبعاد، مما لا توقف انتهاء المناسبة زمنياً. يقول الشاعر في قصيدة له بعنوان "تحية وفود المنظمات الإسلامية بمكة المكرمة" (الديوان ص 54، 55):
في رحاب الوحي قُل للوافدين
مرحباً أنتم لنا الدّرعُ المكينْ
كيف لا. والحقُّ في إيمانكم
من سنا السُّنة والذكر المبينْ
حلم عشنا على بسمته
حقباً ننشدُ جمع المسلمينْ
ونمني النفس في فرقتنا
أن نرى وحدتنا حق اليقينْ
.. ثم إنه ومن منطلق إيماني يوجِّه بثَّه الشعري الآمل، إلى وفود المسلمين حاثاً على الجهاد في سبيل الله، مذكراً إياهم بأمجاد المسلمين الأوائل وبمناط جهادهم في الحاضر الغائم الذي ضاع.
الجهادُ اليوم بالنفس فمهما
زيفوا الإغراء كنا الواثقين
والجهادُ اليوم بالعلم فمهما
حاولوا التضليل كنا العارفين
والجهادُ اليوم في القدس فهبوا
واصدقوا وامضوا تعودوا ظافرين
جددوا "بدراً"و "أحداً" و "حنيناً"
واذكروا عهد الأباةِ الفاتحينْ
وانصروا الله تكونوا قدوةً
يتبع القوم خطاكم مكبرين
ويهيم شاعرنا المكي بطيبة الطيبة موطن هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم وصحبه الأبرار ومحل مسجده ورحابه الطاهر المنير. فينبجس الألق عن شعوره الديني الصادق لتكتسي به عباراته الشعرية في قصيدة مقطعية بعنوان "في رحاب الرسول (صلى الله عليه وسلم) "الديوان ص10". يقول الشاعر في هذه المناجاة الإيمانية الشفيفة:
نزلنا في رحابك وهي طهرٌ
نمنّي النفس، نرجوك الشفاعة
نغضُّ الصوت. ندعو في خشوع
وكل الذنب تمحوه الضراعة
وتتنوع القافية في كل مقطع، وتتموسق العبارات ويجنح الشاعر إلى "التصريح" في الأبيات، ما يثري موسيقى القصيدة ويُحيلها إلى أنشودة إيمانية عذبة:
سعدنا بالزيارة والمثول
بروضة أكرم الخلق الرسولِ
وحفتنا الملائكة حين طافت
تبشرُ بالسعادة والقبولِ
إذا يئس المريضُ هنا دواهُ
وذو الحاجات يلقى مبتغاهُ
تعالى الله يُعطي من يُصلِّي
على المختار من فضل مناهُ
وتتآزر الصورة الجزئية البسيطة دون افتعال، نابعة من صميم التجربة الإيمانية فيرسم الشاعر صورة شعرية رائعة مؤثرة لمدينة الرسول عليه الصلاة والسلام من خلال عبارات سلسة متدفقة ثرية في موسيقاها وتجانُسِ ألفاظها:
فطيبة طاب من عطر ثراها
وأشرقت الروابي في رباها
هلالُ السعد أشرق في سماها
كفاها أنّ طه في حماها
وحين ننتقل إلى أغراض وموضوعات أخرى يزخر بها الديوان، فإننا نلاحظ أن الملامح الإسلامية تُكسبُ التجربة الشعرية عمقاً، حتى وإن لم يكن الموضوع دينياً أو تعبدياً بحتاً. فالشاعر في قصيدة له بعنوان "لا تضق بالمشيب" "الديوان ص، 6". ينطلق من موقف تأمُّلي حياتي، فهو في حديث مع النفس.. وفي الوقت نفسه - كأسلوب فني حديث مع الغير.. يعود إلى ذكريات الصبا والشباب النضر بعد أن تجاوز هذه المرحلة. فيقول في قصيدة "سينية" رقراقة تتماوج على نغمات "البحر الخفيف" من خلال تعبير وجداني مؤثر وتجانس لفظي موفق:
هل ذكرت الصِّبا وجلسة أنسِ
ورقيق الصبا وزهوة أمسِ
ونضير الشباب في زهوة الحسـ
ـن فريداً يسمو بأكرم غرسِ
وجمال الحديث في حلبة الصـ
ـحب كعذب يشفي الغليل، بكأسِ
كلها الآن يا صديقي خيالٌ
فيه ذكرى وحكمة وتأسِّي
لا تضق بالمشيب فالشيب نور أو هو "التاج" ليس يشرى ببخس
إنها حكمة العاقل الذي لا يحزنه المشيب، ولا يردي بأمله وتطلُّعه للحياة. غير أن المعوَّل عليه هنا أن هذه النظرة الرشيدة، وهذا التأمل الحكيم، الواعي إنما يأتيان منطلقين من منظور إسلامي وفكر إيماني عميق وذلك يتضح بجلاء حين يقول الشاعر:
والسعيدُ.. السعيدُ من عبدَ الله
وأعطى الحقوق من غير بخسِ
وقضى يومه بعيداً عن الحقـ
ـد منيباً لربه حين يُمسي
يسمع اللغو ثم يعرضُ عنه
ويُواسي الذي أصيب ببأسِ
وفي قسم المراثي بالديوان يتجلى أيضاً ذلك المنظور الإسلامي.. فالشاعر وهو يرثي الأديب السعودي الكبير الراحل محمد سرور الصبان - عليه رحمة الله - ويُعدد محامده ومآثره الكريمة كما هو الشأن في موضوعات الرثاء العادية:
كان التسامح والفاءُ سبيلهُ
والبُر في عسر وفي أوجاع
إن جئته تجد الصديق وقد وفي
في مجلسِ الإيناسِ والإمتاعِ
يُعطي المجالس حقها فمؤانسٌ
حلو الحديث مُشنف الأسماعِ
ويُسامر الأدباء في ندواتهم
من كل متصف بعف يراعِ
... فإن فطرته الإيمانية وحسَّهُ الإسلامي يدفعانه إلى اغتراف أفكاره من منبع الإيمان. مُسلِّماً بحكمة المولى عز وجل في الحياة والموت. داعياً للراحل العزيز بخير دعاء:
جل الذي وهب الحياة لخلقهِ
وأمدهم بالرزق والأتباعِ
وهو الذي جعل الفناء مصيرهم
فمضوا بلا مالٍ ولا أشياعِ
لكن من أعطى وأحسن واتقى
فلهُ الخلودُ بجنةٍ وبقاعِ
يا راحلاً حاز المفاخر صيته
ونداهُ في الأمصار والأصقاعِ
نم في حمى الديان إن نواله
هو خيرُ مُدخر وخيرُ متاعِ
وبعد.. فتلك إطلالة سريعة على ديوان شعري عذب أصيل. استهدفنا بها الكشف عن ملامحه الإسلامية المضيئة بخصوصيتها الفنية. آملين أن نكون قد وفقنا فيما استهدفناه. راجين للشاعر الأصيل الأستاذ علي أبو العلا مزيداً من الإبداع الشعري الأصيل المتألق بسمته الإسلامي المضيء.
والله من وراء القصد.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1020  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 9 من 414
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور سعد عبد العزيز مصلوح

أحد علماء الأسلوب الإحصائي اللغوي ، وأحد أعلام الدراسات اللسانية، وأحد أعمدة الترجمة في المنطقة العربية، وأحد الأكاديميين، الذين زاوجوا بين الشعر، والبحث، واللغة، له أكثر من 30 مؤلفا في اللسانيات والترجمة، والنقد الأدبي، واللغة، قادم خصيصا من الكويت الشقيق.