شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
فروق الأجيال والمعاناة!
القضية - في صورتها النهائية - ليست في ترتيب القيم الاجتماعية، ولكن في بنائها:
متضامنة، متكاملة، كبناء الكائن الحي الذي ينمو في جميع جوانبه في وقت واحد، حتى لا يكون له رأس رجل وأعضاء جني!
والتوفيق بين الثقافة والسياسة: يتحقق عن طريق بناء الفرد، لأنه هو العنصر الواعي، الموجه للطاقات الاجتماعية!!
مالك بن نبي/ الجزائر
• ما هي قضية العالم اليوم؟!
في زحام الأسئلة المتراكضة والمتراكمة... لابد أن يشخص الإنسان المعاصر نحو عالمه الضاج، ويطرح أهم سؤال ينتخبه من بين آلاف الأسئلة المرهقة:
ـ ما هي قضية العالم اليوم؟!
هل تتكثف "القضية" في تسلسل الحروب... المتناثر بعضها، والمحدود في الحرب الأهلية، وفي الحرب العنصرية... أو المتقد بعضها الآخر تحت براكين أشد هلعاً، ولم تندلع بعد؟!!
هل تنشرخ "القضية" بأسباب تفاقم المشكلات الناجمة عن التقدم الصناعي المهول؟!
هل تنكفئ "القضية": مهزومة بمآسي الجوع في أجزاء من العالم، وبمآسي اللاجئين والمشردين من أرضهم، وبمآسي "البدائية" التي ورثها الجهل لمناطق معزولة عن حضارة وعلوم العالم؟!
هل تتمزق "قضية الإنسان" المطحون اليوم... ما بين الأمراض المستعصية، في مقابل ترف الاكتشافات الحديثة، والمدنية، وتطور العلم، وبناء المجتمعات الجديدة التي تعمل وتعيش بالزر، وتنتقل بالزر، ويتعلق مصيرها على ضغط زر... وأيضاً تعبر عن عواطفها بتأثير كل تلك "الزراير"
• إن بعض القضايا يوصف على أنه: "جزئي"، أو مؤقت، أو يخضع للعلاج والتقدم. وبعض هذه القضايا: ضروري وحتمي... نظراً لتشابك المصالح بين الدول، وطموح بعض الشعوب، ومخلفات بعض الأخطاء القديمة التي توارثتها الأجيال بعفوية تارة... وبتعود تارة أخرى!
ونجد أن الهيئات، والمؤسسات الدولية الكبيرة: مازالت - حتى اليوم - ترزح تحت ثقل القضايا التي اختلطت بإحساس الهموم والآلام... حتى "الهيئة" التي تبدو مميزة وناجحة إلى حد ما في تحقيق نوع ما من النجاح، وهي هيئة "اليونسكو": قد أصابتها لعنة الأطماع الاستعمارية، وتسلط القوى الكبرى التي لا تريد أن تقدم شيئاً لهذه الهيئة حتى لا تساعد العالم الثالث، والدول التي تحتاج إلى مزيد من العون لإرساء الرخاء، والتنمية، والتقدم.
وكانت "اليونسكو" تحاول أن تشبر العالم شبراً شبراً، لتقضي على الأمية... ومازالت "الأمية" هي جزء من الحزن الإنساني، وهي داء تتعطل بسببه الاكتشافات الحديثة والنهضات والتطورات الاجتماعية في العالم.
وبعد "الأمية"... تبرز أدواء أخرى، من أهمها:
• فقدان الثقة، والأمراض، والفقر، وضعف اليقين، والخوف، وأطماع القوة!!
والعالم - في معاناة ذلك كله - يمارس ألواناً من الوعود التي تتفسخ، فتتحول إلى أكاذيب.
وتتصادم أشياء ثمينة في أحشاء هذا العالم... ومنها:
• أن يرتطم التقدم العلمي بتخطيط الاستعمار.
• ويرتطم التقدم الفكري... بالعجز المادي.
• ويرتطم التصاعد الصناعي... بمطالب التكثف السكاني، وبالطموح الفردي نحو تحسين المستوى المعيشي.
• ويرتطم الشباب... بمشكلات متلاحقة، من أبرزها: التسيب في التربية، وإرث الأجيال، وتفسخ المجتمع أو انحلاله، وإهمال الأطفال!
ولا بد أن تكون هناك تنازلات، من أجل تحسين المستوى المعيشي... ولا بد أن تتوالد صراعات مختلفة وصدامية، بسبب القلق الناجم عن أسئلة كثيرة يطرحها الجيل الجديد، وتأتي مع بداياتها منذ نشأتهم الطفولية، وتتبلور وتسخن في دخولهم مرحلة النضج والفهم!
وغالباً ما تكون تلك الأسئلة غير مقنعة للجيل القديم... وحينئذٍ تبهت معالم إنجازات حضارية عديدة، لأن في داخل العالم مختلف التناقضات، بدءاً من مرحلة الطفولة، وغياب الحفاوة بالأطفال وبالطفولة!
وفي هذا العالم: نجد من بلغ إدراكاً عالياً، ولكنه تعالى على المتسائلين!!
وهناك الذي مازال ينمو ويصادم، ويطلب، فيفلسف الفرص، والمكاسب، والدور، والاهتمام به من عدمه!
وهناك الذي ما زال يعاني من ظلام الجهل، ومن قسوة الفاقة، ومن فظاظة وظلم الذين استقووا بمادياتهم، وبتقدمهم، وبسلاحهم أيضاً!
وبذلك كله... يسقط العالم في فتق يسيل، وينزف!
• ولعل أهم قضية في عالم اليوم... تتضح في شيء اسمه: "عدم الرضا"!
وذلك يعني: الرفض لأشياء كثيرة قائمة... إما لأنها تلاقي دعماً من البعض فقط... وإما لأنها تعتبر "حقيقة" لا تقبل الحوار من البعض الآخر، ولابد من مسايرتها، وتقلبها، واحتمالها، واغتنام ما تعطيه.... مهما كان!
ولهذه القضية فروع... اتضحت، واتخذت طابع الارتجال، والتسرع، والسفه، والسفسطة، والغوغائية.
والشباب يرغب في أن يعبر تعبيراً ذاتياً مستقلاً، بأي أسلوب، ومهما كانت الصورة، وتكالبت كل جوانب القضايا المتناثرة في العالم، القديم منها والمستجد، فكان عدم الرضا أو الرفض!
واستغل هذا الاحتجاج بتصرفات تدل على السخف في تقييمها، ولكنها تعني:
• أن خلطاً مرهقاً يصدع المجتمعات في العالم.. على اختلاف عاداتها، وتقاليدها، وموروثاتها، واكتشافاتها... وحتى مدنيتها!
• ظهرت "صرعات" عديدة في أوساط شباب العالم... تلاحقت بعده مسميات، وتحدثت أو دعت إلى ألوان من المطالب، والاحتجاجات.
• تسللت "بقع"... أوجدها: القلق، وضعف اليقين، وفقدان الثقة، والحيرة، وتفكك الأسرة والضياع... وضاعت المطالب الصميمة للإنسان الناجح، والفاعل، والمدرك/ تلك التي تلح عليها مرحلة الانتقال من جيل إلى جيل!!
وعجزت الجامعات - بعد ذلك - أن تضبط العقل في منطقة الوسط... مثلما عجزت - أيضاً - أن تضع للشباب تعريفاً يفرق بين: الرفض والعبث، وبين المطلب والاستخفاف بقيمة الزمن، أو قيمة "العمل"!
وكان بعض الذين تحصلوا على "الدكتوراه" حينذاك في أوروبا وأمريكا: يندسون في صفوف "الهيبيز" من أجل "تسخينهم!"، ويحرضونهم على رفع أصواتهم.. لمجرد الرفض، والمشاكسة!
وكانت النتيجة... كالتالي:
• إما أن نجد شباباً منحرفاً، أو متلهياً، أو ضائعاً... جرفته المخدرات التي يتاجر بها الأقوياء، والمستعمرون، والمافيا، وقتلة الشعوب... أو جرفه العنف، وفقدان الثقة، والحقد والكراهية!
• وإما أن نجد شباباً: متوتراً، مرتعشاً، وخائفاً... ويستغرق في التزمت الشديد، والمغالاة، ونبذ المجتمع، وتوظيف "الالتجاء" إلى الدين لعنف آخر، أو لإسقاطات غريبة... إلى درجة التعصب الأعمى!
حتى غزانا ذلك التوتر والتزمت والغلو في مجتمعاتنا المسلمة... ونحن نراهن على شبابنا بقوة العقيدة، وبسماحة النفس التي هذبها الدين، وبتماسك الأسرة التي يكتنفها الآن خطر الاجتياح للصرعات، وللتغيير، وللتطور الغربي!
فإذا كنا نشدد على ضرورة قوة الأمن... فلكي نحمي الشباب من تسلل المخدرات، والصرعات إليه... وأعداء الدين والوطن لا يتركوننا ننعم بصفاء العقيدة، بل إن محاولاتهم متلاحقة بالغزو الفكري، وبالترغيب في الانحراف بمختلف الطرق، والآن... بنشر "الإرهاب" الذي يستهدف التنمية والتطوير!!
إن الأمة التي يضعف فيها "الأمن": لا بد أن تفقد رجالها.
• • •
• وهكذا... أصبح العالم يعيش في "ورطة" خطيرة... بل إن الحصيلة العلمية، وكل الإنجازات الحضارية، وكل مكاسب التقدم والمدنية: تعاني من هذه "الورطة"، التي اسمها في عالم اليوم: فروق الأجيال!!
وعن هذه المشكلة، أو "القضية" الخطيرة... نتوقف أمام مؤشرات، وأخبار، وإحصائيات، وتحليلات، ونتأملها، ونناقشها:
• أولاً: توقفت أمام إحصائية أعدتها "لجنة" تدرس واقع وأحوال الأطفال في أمريكا... وقد جاء فيها:
ـ إن حوالي مليون طفل... يولدون كل عام بطريقة غير شرعية، من سيدات أمهات غير متزوجات!
خطيرة - إذن - هذه الإحصائية، بل وكريهة أيضاً(!!) وخطورتها: أنها تشير إلى "واقع" شعب يعيش الرخاء والترف، ويصدر التكنولوجيا، ويبرع في الاختراعات والابتكارات، ويصعد إلى الفضاء، ويتحكم في مصائر شعوب عديدة في العالم، ويسيطر على الاقتصاد، ويوجه الفكر، ويتفوق بالعلوم وبالحضارة وبالمدنية.
ومثل هذه الصفات لشعب متقدم في التقنية، وفي العلوم، وفي سيادة العالم... كيف يمكن أن تتلاءم كل قدراته هذه مع انكساراته التي تجلبها له: أمراضه الاجتماعية، وتشوهاته السلوكية، وتصدعاته الأسرية؟!
لا يمكن أن يكون هناك شعب قوي، وسيد، ومتفوق... إذا كانت الأسرة فيه مقوضة، وإذا كان السلوك في "إنسانة" متهدماً، وإذا كانت أمهات أبنائه: مومسات، أو منحرفات... أو - على الأقل - زوجات غير شرعيات!!
بماذا سيعترف المجتمع الأمريكي إذن؟!!
إذا لم تكن في رأس بطاقته التي تدل على قيمته، وفعل تواجده: كلمة "أم"!!
الأم: هي التي تنجب للبلد، وتمنح "الأرض" ابناً شرعياً، يخلو من العقدة الرهيبة، ويفخر بأم وأب، ويعتز بهوية يدخل بها إلى تاريخ أمته... بدون الشعور بالنقص، أو بالازدراء، أو بالعدم!
وهذه المشكلة... ليست هي خزي المجتمع الأمريكي وحده... بل خزي المجتمع في الغرب كله... وهي خزي المجتمعات التي اهتمت بالحضارة المادية والآلية، وأهملت حضارة الروح في الإنسان!
إن حضارة العقل في فيضان تفوقها: قد تتحول إلى انحراف، أو إلى جنون، أو إلى تمزق... يسري إلى تماسك الروح، ويخلخلها.
أما حضارة الروح... فهي التي تبقي: القدرة التي تتحكم في السلوك، وفي شطحات الماديات والخيال، وفي قيمة الوشائج الإنسانية التي تحافظ على إبقاء المجتمع في وحدة، وفي روابط قوية!
وكراهية هذه الإحصائية... لا بد أن تتبع من هذه النسب المفجعة عن واقع أبناء الأجيال... عن الأطفال الذين يولدون فيما يسمى بالمجتمعات الحضارية، بينما تدل الإحصائية على أطفال يعيشون في فقر أمريكي، فقد زادوا بنسبة 70 % بين السود بالذات!!
• "هناك 12.5 مليون طفل يعيشون مع أحد الأبوين، نتيجة لنسبة الطلاق، والولادة غير الشرعية، وتوجد في أمريكا خمسة ملايين عائلة... رب أسرة فيها هي السيدة/ الأم، ولا يوجد لها أب"!!
إذن... فلنحذر هذا المجتمع الذي يتهدم بسرعة، ويريد أن يصدر تهدماته إلى عقيدتنا، وإلى حضارة أرواحنا وقيمنا!!
وحتى لو كان ذلك التصدير بواسطة السلاح، والعدوان، والاحتلال الصهيوني/ الصليبي، والاجتياح، وبث الفرق الدينية، والطائفية... فإنه لن يقدر، إذا ما تمسكت هذه الأمة بوحدتها، وبعقيدتها!
• ثانياً: أضع هنا مضمون فقرة نشرتها من سنوات صحيفة "هيرالد تريبيون"، وتضمنت: الاستنطاق العلمي الذي يؤكد قائلاً:
ـ (ستكون هناك فروق أجيال بصفة مستديمة... فالشباب يريدون مكاناً، والكبار يريدون وقتاً)!!
وهذه العبارة... تلخص بدقة: احتياجات أو رفض الشباب... وتشير إلى احتداد الكبار وعجزهم عن تطويع الشباب أو ترشيدهم.
ولابد أن يجد كل إنسان فرصته ليعمل، ويجد مكانه المناسب ليبدع في عمله وينتج!
فالفروق: هي تصاعد طبيعي في ميزان استمرار الحياة، وفي ميزان تطوير المجتمعات... لتهدئة هذا الرفض، ولحشد الشباب في صفوف العمل والإنتاج!
• • •
• وقبل سنوات أيضاً: أجرت إحدى المجلات الألمانية استفتاء في صفوف الشباب الرافض، والثائر، والمنحرف!!
وتحدثت مع شرائح من "الهيبيز"... وكان الاستفتاء يرتكز على سؤال واحد، هو:
• ماذا تريدون؟!!
واتفقوا جميعاً - مع اختلاف التعبير والتفصيل - على ضرورة توفير العمل للشباب... كل واحد في مجال إجادته وتخصصه، لئلا يضيع.
• وقال أحدهم: (أخذت أبحث عن عمل طيلة شهور، سدوا الأبواب في وجهي، وعندي شهادة جامعية... وحتى لا أموت من الجوع، ومن الفراغ، انخرطت في صفوف هؤلاء، ووجدت عندهم: الأكل والمواصلات المجانية، والكلمة الحرة... بأن أقول ما أريد، وأرفض سماع ما لا أريد)!!
ولعلنا نتذكر مؤتمراً عربياً... حضره ثلاثة آلاف عالم، كانوا يمثلون (43) دولة في مدينة "كييف" في السبعينات... وكانوا يتناقشون في علم "الجيرونترولوجيا" الذي يدرس إطالة عمر الإنسان، وقال العلماء يومها:
ـ إن العالم يعاني من الشيخوخة... أو أن الشيخوخة هي مرض اليوم، ولكن الإنسان يمتلك أكسير الشباب عن طريق المجتمع الذي يعيش فيه، والذي يجب أن يهيئ له الظروف التي الضرورية لحماية مستقبل "الشيخ" وهو مازال شاباً لم يفقد جسمه حيويته!
إن المجتمع الذي يوفر العمل لأفراده، ويوفر الرخاء، ويجعل أساليب الحضارة والتقدم في متناوله... هو مجتمع لن يهرم!
وأعود - بعد هذا - إلى استلهام ركيزتين، تشيران إلى:
• أولاً: "إن السبيل الوحيد هو التكفل بأن لا يعالج الشباب نفاد الصبر الذي لا داعي له... بالغباء وبالانحراف"!
• ثانياً: "إن الإسلام... هو قوة استقرار، تشد طبقات المجتمع... بعضها إلى بعض.
والإسلام طريق حياة.
"والإسلام عملي وليس هو فقط: ديني تأملي"!
إن الإسلام قد ناقش هذه المشكلة، وأعطى بتشريعاته مفاهيم الداء والدواء... وهي تشريعات: (تحدد حقوق الفرد، وتحدد عدم إساءة هذه الحقوق للمجتمع)!!
ولابد أن يعطي الجيل الجديد أهمية حقوق المجتمع... من حقوق الفرد.
إن المطالب الذاتية: لا يمكن أن تخضع حقوق المجتمع لكل رغباتها، ولكن الفرد جزء من المجتمع، أو الذي يتشكل منه المجتمع... فإذا شدت طبقاته استطاع أن يحقق الازدهار والتقدم، وإذا تخلخلت تلك الطبقات: تناولته موجات من الزيغ، ومن الحيرة، ومن فقدان الثقة.
وأهم ما نحرص عليه في ظروفنا اليوم: أن نضع مزيداً من الثقة، ومزيداً من اليقين!!
 
طباعة

تعليق

 القراءات :952  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 482 من 545
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج