شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
فقط...تعوّدها!
الآن.. سأقول شيئاً، ولكن.. أرجوك لا تغضب مني!
أذكر أنك ألمحت يوماً إلى هذا الشيء ونحن نتحاكى، ولكنك لم تركز عليه حوارك.
هل تذكر حوارنا، بعد أن ((احتفلنا)) بمرور شهر على عودة كل منا إلى الآخر، أو-كما أقول لك- على معرفتي لك؟!
كنت تبدي مخاوفك، وأنت تغلفها في عبارات ساخرة.. فقد تحدثت عن مزاجيتي، وعن محاولة خلاصي من هذه القيود التي تريد أن تضعني داخلها بأمر الحب.
يومها... قلت لي بحزن راعني فيك:
ـ إني أخاف عليّ.. في داخلك!
ـ سألتك بدهشة: تخاف من التي تحبها، وقد أحبتك؟!
ـ أجبتني: أخاف من شيء قد يصعّد مزاجيتك.. شيء قد يتكون في تواتر الأيام وتعاقبها بهذا الرتم المعتاد!
كنت تتكلم عن التعوّد!
وفي تلك اللحظة التي أفصحت فيها عن مخاوفك- تصور!- لم أكن أحس بما قلته عن التعوّد.. بالعكس، كنت أفتقدك وأشتاقك، وأريد أن أراك فوراً.
أكثر من ذلك- أعترف لك- أيها المجنون: كنت أشعر بحب متدفق لك يفوق كل الأيام التي مضت.. بل ويفوق اللحظات التي رأيتك فيها بعد البعاد الطويل!
تذكرت الآن تلك اللحظة التي رأيتك فيها لأول مرة بعد الفراق.. كنت أحرص أن أراك لأكتشف ما الذي تغير فيك- فقط- هل كبرت.. هل ابيض شعرك.. هل مازلت خجولاً وشيطاناً في نفس الوقت.. هل تحكي بشكل جيد، أو أنك تضطرب؟!!
أسئلة كثيرة.. وفضول أكثر، مني عنك.
وحينما طالعني وجهك حاولت أن أحدق إليه وقتاً أطول.. فوجدتك أنت الذي تحدق إلى وجهي أكثر وتجعلني اضطرب.
حاولت أن أعرف أخبارك، وماذا فعلت في كل ذلك الوقت الذي أسميته هشاً ونحن في تلك القطيعة.. فإذا أنت تفتح مغاليق نفسي، وتدفعني أن أحكي لك، وأقص عليك، وأبوح، وأبثك كل شجوني!
لكن اسمع- ها- لا تظن أنك ببراعتك استطعت أن تجعلني أحكي.. أنا التي. أردت ذلك.. شعرت أنك تريحني، أو أن كلامي معك ولك يغسلني من غبار كل الزمن الذي مضى وركضت فيه، وتغربت، وتقافزت، وانطلقت، وعانيت.
فكيف يخطر على بالك الآن أنني بدأت أسأم منك، أو تعودت عليك؟!
عندما أشعر بذلك حقيقة.. صدقني لن أتردد أن أصارحك، فأقول لك: أنا خلاص زهقت منك!
استرجع عبارتك الضاحكة، ونحن نسعد بلحظة عفوية معاً.. فقد قلت:
ـ لقد عدنا، والعود أنت وأنا.. الآن أصبح ((العَوْد)) ليس كما جاء في المثل، وإنما نبتكر صيغة أخرى، العود يتكون من حرف اسمك الأول، وحرف اسمي الأول!
على فكرة.. أنت بجد مجنون، وهذا رأيي فيك!
ولكنه جنون أحبه.. حتى وأنت تعلق على كلامي لك، فتقول:
ـ أرجوك.. إذا زهقت مني، إبعثي لي ((برقية)) عاجلة.. لأنني حينذاك سأموت بخبر الرسائل التي يؤخرها البريد!
ـ أجبتك وأنا أقهقه: حيل الله أقوى.. حتى ((البرقية)) ستكون بطيئة إذا ما قيست بسرعة زهقي، لو أنني زهقت منك.. لكن، لماذا تتوقع حدوث ذلك مني؟!
ـ قلت لي: أنا لا أتوقع.. أعرف عمق حبك إذا أحببت، لكني أخاف- كما قلت لك- من مزاجيتك، وأخاف أكثر من تضخم شعور التعود في أعماقك!
إسمع يا راحتي!!
حين أكون وحدي.. أفكر فيك.. أقول لنفسي باحتجاج غير غاضب ولكنه مندهش:
ـ أنت أصبحت تستعبد حرية مشاعري، وتأسر وقتي.. وأنا لم أتعود على هذه القيود، حتى لو كانت من حرير، أو من خفق ونبض!
فكيف تفكر بهذه الطريقة.. ولماذا.. وما الذي بدر مني؟!
سألتك.. وأنت تفاجئني بإحساسك الجديد هذا:
ـ قل لي.. هل من الممكن أن يقتل التعوُّد حباً كبيراً؟!
ـ أجبتني بحزن أيضاً: ربما.. فأنت صاحبة مزاج، وقد صارحتني بذلك!
ـ المزاج قد يطغى في لحظة.. في تصرف عابر.. في حالة نفسية، لكنه لن يقوى على تبديل المشاعر بهذه السهولة.. خاصة عندما ترسخ هذه المشاعر وتكبر، وتصبح حياة أحياها معك.
مازلت تجادلني.. كأنك تصر على إثبات شيء لم يولد في نفسي.
ـ قلت لي: لكنك قد تسقطين في الملل، وذلك يؤدي بك إلى الإحساس بتعودك علي.. بما يعني: الملل، واستمرار الحياة على وتيرة واحدة!
ضحكت بعد الدهشة.. أو لا بد لي أن أضحك، لأنك كثير الظنون!
دهشتي كانت لأنك تثق في نفسك.. وهذا الخوف لا ينسجم مع ثقة الإنسان بنفسه، فكيف إذا كانت الثقة حباً حقيقياً؟!
واحترت... كيف أرد عليك، أو أدحض أوهامك؟!
هناك كلمة واحدة.. حبيبة إلي، أنت ترددها كلما سقط الصمت بين صوتينا، ونحن نتحاور لتواصل الكلام بها، أو لتجعلها مدخلاً آخر لحديث يطول!
يأتيني صوتك قائلاً:
ـ أقول؟!..
ـ ودائماً أجيبك بعفوية: نعم!
ـ فترد هامساً: أحبك!
فهل يولد ((التعود(( بهذه الفواصل التي تفعلها معي مثل لمسة الكهرباء، فترعشني؟!
لا أدري... كيف استقر في ذهنك هذا الخاطر؟!
هل كنت تريدني أن أصفعك- مثلاً- لتفيق؟!
أم تريدني أردد في سمعك باستمرار كلمات الحب.. لتتأكد أنني مجنونة بك، أو منشغلة بالتفكير فيك؟!
ـ هل أنت مراهق يا حبيبي؟!
ـ وهل أنت كمبيوتر يا حبيبتي؟!
تسألني... وأنت تعلم أنني لست غابة شتائية.. فكثيراً ما وصفتني بالنخلة!
هل مطلوب مني- في كل وقت ولحظة- أن أنسج لك كلمات حب صوتك، لأثبت لك أن حبي لم يسقط في برودة التعود؟!
ومن أين جاءك هذا الإحساس؟!
سألتك بعد صمت.. فماذا بك تجيب بصوت يفيض شجناً:
ـ أقول لك: عندما التقينا من جديد، كنت ألحظ اللهفة منك علي، كنت أنت التي تسألين عني وتتابعينني.. أحس أن صوتك كان يفيض فرحاً، وشوقاً، ودفئاً، وحيوية.. حتى عملي، لم أكن أجد الوقت الذي أؤديه فيه، لأن صوتك لا يغيب عن سمعي، وسؤالك عني متواصل.. كنت لا تحادثين أحداً غيري، والآن.. تنتظرين صوتاً آخر غير صوتي، أو على الأقل تمنحينه نفس الوقت، ونفس الاهتمام!
ـ ((ها... وهالحين، إيش صار))؟!
ـ يخيل إليّ أنك قد مللت مني، أو أن سماحك لنفسك بأن تقبلي علي، كان مجرد...
قاطعتك وكأنني شعرت بالتوتر. لا.. بل متوترة من حين بدأت كلامك عن التعود.. وقلت لك:
ـ ((كان إيه؟.. تقصد أنه مجرد تسلية))؟!
ـ لا... لقد تجاورنا مؤقتية التسلية، ولكن.. قد يكون مجرد فورة عاطفية، ما لبثت أن هدأت، وقد يكون انتهاء لرغبة اكتشافك لمعرفة ما الذي تغير في، فقط!
ـ ((ها.. ها، أقول يا حبيبي، يا أهبل))..
ـ نعم.. يا حياة الأهبل!
ـ أسألك: ((أنت آخذ موقف مني اليوم.. وليه))؟!
ـ موقفي منك دائماً. وإلى الأبد.. هو أنني أحبك.
ـ ((كلامك يلخبطني.. أكيد أنك جايب هذا الكلام من تصرف عملته معك البارحة، أو قبل أمس، أكيد قلت لك كلام سخيف ما عدت أذكره الآن، لكني أرجوك.. لا تستغل ضعفي معك، لا تمثل علي. أخبرني.. أنا قلت شيء البارحة؟ أحياناً أنا أقول كلام وما أقصده، ويكون بسبب اشتياقي لك، أو ندائي عليك.. لما ما ألاقيك معي، وأنا ودي بك))!
أنت لا تحبني، وإلاَّ... ما سمحت لظنونك وهواجسك أنها تتهمني بهذه الفظاعة!
أنا أريد منك الحب فقط... أن تحبني وحدي!
لا يهم أن تعتبرها أنانية.. أنت قلت: إن الحب أناني.
لا تأخذ كلامي حينما أكون متضايقة على أنه ((تصريحات)) أو ((وثائق عاطفية)) من فضلك.
* * *
جلست أفكر في مخاوفك التي صارحتني بها.. كان الوقت حوالي الثالثة بعد منتصف الليل. أزحت ستارة النافذة.. رأيت الشجرة المواجهة دائماً لنافذتي، كانت أغصانها تتمايل، والنسمة تداعبها خفيفة.. وكأنني أرى هذه الشجرة لأول مرة وهي في حديقة بيتي!
أعجبت بالشجرة لحظتها.. لأن الدنيا كلها كانت تعجبني حينذاك!
لقد هدأت من التوتر، وفكرت في مخاوفك.. لماذا تخاف؟!
ـ أجبت نفسي: لأنك تحبني بالفعل.. ولكن، كيف أقنعك بحبي لك؟!
ـ سألت نفسي أيضاً: هل صحيح ما لاحظته أنت، أم تراك شديد الحساسية إلى درجة أنك تظن بي كل هذه الظنون؟!
ـ أوه... لماذا أفكر؟!
بل خطر لي أن أدعك ((تُروِّج)) في داخلك هذه الظنون لتفكر بي أكثر.. لتُحبّني فوق طاقتك!
ولكن... خطر لي- في نتيجة عكسية- لو أنك صدقت أنني حسب تعبيرك قد سقطت في التعود على حبك وعليك، وبالتالي.. مللت منك، ألا تيأس، أو تنسحب من حياتي كرد فعل؟!
صارحتك من قبل. وقلت لك: عندما أسأم منك ستكتشف ذلك من تصرفاتي، وليس من استرخائي.. فأنا لم أكن أشكو من الملل، بل من التعب!
ربما تعبت منك.. حبك وركضي معك سببا لي تعباً، ولذلك.. أحاول أن أهرب منك، ومن نفسي التي احتوتك، واحتفظت بك في أعماقها.. أحاول أن أتناساك فأنشغل بأشياء سخيفة، أو بمسؤولياتي العديدة،، أو بصديقاتي، أو حتى بالنوم.. حتى أرتاح منك قليلاً!
كنت أقول لك: الحب غير موجود. ما يحدث بين الناس هو علاقة، أو رغبة، أو إعجاب.. ما يلبث ذلك كله أن ينتهي بالأخذ، أو بالامتلاء، أو بالملل. صحيح.. قلت لك!
لكني معك.. صرت أشعر كلما التقينا أننا نمنح أصدق ما نحسه، وأن تطلعي إليك فيه بحث عن الحب الأنبل الذي يبقيك معي، ويبقيني معك إلى انتهاء الحياة!
لا أنسى أنك قلت لي:
ـ أنتِ الوحيدة التي زرعت غرسة الحب في تربة نفسي.
أنا مللت منك... لكنه الملل من الظنون.
أنا تعودت عليك.. إلى درجة أنني لا أطيق أن يبعد كل منا عن الآخر.
عندما أسأم منك، فتأكد أنني- لحظتها- سأعلن نسياني لك، وأنصب خيام راحتي بعيداً عن رياحك وأعاصيرك، وحتى بعيداً عن أمطارك!! خلاص... ((تراك مصَّختها))، ولكن... أنا أحبك!
* * *
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1119  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 136 من 545
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

عبدالعزيز الرفاعي - صور ومواقف

[الجزء الأول: من المهد إلى اللحد: 1996]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج