شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(( حوار مع المحتفى به ))
ثم فتح باب الحوار بين المحتفى به والحاضرين وكان أول السائلين الأستاذ حسين نجار الذي قال:
- في الواقع أن الدكتور منّاع رغم أنه عرّج على جزئيات حياته إلا أنه أعطى مهنة المتاعب كل حديثه ووجدانه،.. ولقد عرفت من خلال ما قلته في سيرته الذاتية أنه ترك - أو طلق بالأحرى - مهنة الطب التي لم يكن مشواره إليها سهلاً، وقد أعطاها من عمره زهرة شبابه.
- وسؤالي: لماذا طلق الدكتور عبد الله منّاع هذه المهنة؟
 
يرد الدكتور عبد الله منّاع على السؤال بقوله:
- الحقيقة أن السؤال متوقَّع وقبل البدء في الإجابة على سؤال الأستاذ حسين نجار الإذاعي المخضرم أود أن أقول إن ارتباطي بالكلمة سبق ارتباطي بدراسة الطب والحقيقة لا يستطيع الإنسان أن يجد جواباً محدداً لكلمة لماذا؟ فأنا الآن أتساءل: لماذا كنت أقرأ؟ لماذا كنت أطرب للكلمة؟ لماذا أخذت القلم وكتبت مقالاً لجريدة (البلاد) السعودية في مكة وأنا ناشئ صغير؟.. أنا حتى الآن لا أدري لماذا؟ فقد كان عمري بين الخامسة عشرة سنة والسادسة عشرة سنة عندما أرسلت مقالاً أو ما يسمى بمقال إلى جريدة (البلاد) السعودية، وقد كانت في مكة، وكان الأستاذ عبد الغني قستي عَلَماً من أعلامها، وكان الأستاذ عبد الله عريف رئيس تحريرها، وكان الأستاذ عبد العزيز ساب سكرتير تحريرها، وأرسلت هذا الكلام إلى جريدة (البلاد) السعودية في مكة ولشدة دهشتي فقد نشر هذا الكلام، ونشر بصورة بارزة.. وقد دفعني هذا إلى محاولة أخرى، لكن الحقيقة عندما تفتح الوعي شعرت بأن مجال الطب أضيق بكثير مما كان يضج في صدري وفي نفسي.
- ولأضرب لكم مثلاً عندما ابتعثت إلى الإسكندرية مع بعض زملائي، وكانت الإسكندرية في عام 59، 60 مدينة ساحرة وجميلة ولها مكونات كثيرة جذابة كالمسرح القومي، والسينما، وفرق الفنون الشعبية، والملاهي الجميلة، والبحر، لم أنصرف كما انصرف غيري في التمتع بهذه الوسائل رغم أني كنت شاباً دون العشرين، فما الذي جعلني أترك هذا وأعكف على الورق وعلى القلم لأكتب رسائل لجريدة (الرائد) في جدة؟ إنني أتتساءل الآن لماذا فعلت ذلك؟ وما القيمة؟
- الواقع أن بدايتي مع الكلمة سبقت اتصالي بالطب، فالطب كانت الظروف هي التي قد قادتني إليه ووالدتي قدمت لي حلاً معقولاً أخذت بهذا الحل، وذلك عندما وصلنا لمرحلة الثانوية العلمية "التوجيهي" كان على كل طالب أن يختار القسم العلمي أو القسم الأدبي فاخترت القسم الأدبي، فقال لي الأستاذ مدير المدرسة إذا كنت تود أن تدخل القسم الأدبي فعليك التوجه إلى مكة حيث لا يوجد بجدة قسم أدبي، وكانت مكة بالنسبة لي في سنة 1376هـ بعيدة، وقد يترتب على انتقالي إلى مكة البحث عن مسكن ورفقاء في السكن وما شابه ذلك ففضلت البقاء في جدة، ودخلت القسم العلمي. دخلت القسم العلمي لست راغباً ولكن كان علي أن انجح ولقد نجحت فيه بينما معظم زملائي الذين كانوا يصرّون على دخوله رسبوا.
- بعد أن نجحنا في اختبار الثانوية العامة كانت إدارة البعثات بوزارة المعارف توجه الطلبة إلى بعثات؛ هذا لدراسة الطب، وهذا لدراسة الحقوق، وهذا لدراسة الصيدلة.. الخ. وفوجئت بترشيحي مبتعَثاً إلى مصر في كلية طب الأسنان بالإسكندرية.. ولم أكن في ذلك الوقت أكثر من طالب نجح في الامتحان وإدارة البعثات وجهته إلى جهة معينة، لا أملك الوسيلة ولا القدرة على التغيير.. فتململت من هذا التوجيه. غير أن مستشاريَّ في الأسرة، وكان أهم من في الأسرة هي والدتي وعمي، فعمي حبذ هذا الاتجاه وقال لي: والله هذا شيء طيب تصير طبيباً ماهراً، إنها مهنة تشتغل بها وتكسب من ورائها فقلت له: والله يا عمي ليس لي رغبة في أن أذهب إلى كلية طب الأسنان.. قال لي: هذا لأنك لم تتعرف بعد إلى الكلية، ولكنك ستحبها كثيراً إذا عرفتها.
- من جهة أخرى فقد كان لأمي دور في إقناعي، حيث قالت لي كلاماً لا أدري من أوحى به إليها، وهي امرأة ليست متعلمة ولا تحمل أي مؤهل علمي كل نصيبها من العلم أنها تحفظ شيئاً من كتاب الله، وتعرف بعض الأمور الدينية، وقد تولت جدتي تثقيفها دينياً.
- قالت لي: يا بني إن الكتابة والأدب ليس بالضرورة أن يتعلمها الإنسان في الجامعة، لكن الطب لا يمكن لإنسان إلا أن يتعلمه في الجامعة إذا أراد أن يكون طبيباً.. أنا لا أدري من أين جاءت بهذه العبارة ولكنها كانت كافية لإقناعي.
- وذهبت إلى مصر.. ودخلنا.. وجلسنا في مصر بعض الوقت، ثم انتقلنا إلى الإسكندرية. الحقيقة أن هذا الانتقال كان نقطة تحول بالنسبة لي، وأنا أعتقد أن ذلك الغلام الذي حاول في مقال أو مقالين بعث بهما إلى جريدة (البلاد) السعودية لو أنه لم يذهب إلى مصر لانطوت تلك المرحلة دون أن تترك أثراً، أقول لربما.. لكن الحقيقة أني أجد أن بواعثي قوية وما زال بركاني يغلي، وما زال داخلي يمور، وما زالت رغبتي في القول قائمة رغم مرور ثلاثين سنة من القول والكتابة، وهذا يعني أن الباعث أقوى من أن يموت حتى لو ذهبت لغير مصر، لكن الذهاب إلى مصر أطلعني أو أطل بي على بانوراما كبيرة فمصر في سنة 1957م كانت الحياة بها، حياة زاخرة، حياة مليئة، وقد وجدت في مصر ما لم أجده وما لم أعرفه في جدة: مسارح، وملاهي، ودار أوبرا، ودور سينما، وحفلات، وفنادق، وكثيراً من الصحف والكتب. وهذا يعني أنني وجدت في مصر حياة عريضة أثرتني وجعلتني أستطيع الحصول على رواية أناكارنينا لتولوستوي بقرشين. ومدام بوفاري لجوستاف فلوبير بقرشين أيضاً. إنه شيء مذهل حقاً.. وعندما كتبت فرانسوا ساجان روايتها صباح الخير أيها الحزن اشتريتها بخمسة قروش. لقد كنت أعيش في مصر حالة من الفرح والنهم، فمصر كانت تموج وتمور فبقايا العدوان الثلاثي على مصر مازالت قائمة والأحداث كانت ضخمة. وبلا شك فقد أثرت هذه الرحلة على مسيرة حياتي، بل عمّقت من التصافي بالكلمة وبالفكر وبالأدب وبالصحافة.
- على أني أقول للأستاذ حسين نجار ولكم جميعاً: إنني لست الوحيد الذي وجد أن الطب أضيق مجالاً، رغم أن أمامي أطباء قد يقولون إن الطب أوسع مجالاً ولكني وقد جربت الاثنين أقول إن الكلمة وإن الفكر بالنسبة لي أوسع مجالاً، وقد جاءت لحظات كنت أحس بالاختناق في عيادتي، ولكنني كنت وعلى مدى طويل من السنين أحاول التوفيق بين الطب وبين الأدب، وقد استمرت هذه المحاولة تسع سنوات، ولكن كانت المحاولة تنبئ بالفشل بدليل أن عدداً من الأدباء والصحفيين الذين يجتمعون عندي أكثر من عدد المرضى، وكانت الارتباطات الصحفية والأدبية تتكاثر، لذلك قررت ضرورة الوصول إلى مرحلة الحسم، ولكن ليس كما فعل شكسبير - يعني قَبِل نصف الحياة ورفض نصفها - بل لا بد من أن تتوحد الخطوة فكان قراري بترك الطب ولم يكن ذلك القرار قراراً فردياً، بل كان هناك غواية كبيرة وإغواء كبير من الأدباء ومن القراء..، فهم الذين أغووني على أن أهجر الطب تماماً، وأتفرغ للأدب والكلمة. ولقد سبقني كثيرون، وأظنكم تذكرون الدكتور زكي أبو شادي، والدكتور إبراهيم ناجي، والدكتور مصطفى محمود، والدكتور يوسف إدريس فهؤلاء تركوا الطب للأدب، وهناك بعض الأطباء لم يتركوا الطب للأدب وإنما تركوه للسياسة، ويتضح ذلك في الإخوة السوريين مثل: الدكتور حسني الزعيم ترك الطب للسياسة، والدكتور الأتاسي ترك الطب للسياسة..
- على أي الأحوال، فإن حياتي مع الكلمة كانت أداتي للتعبير عن نفسي، وأنا الحقيقة لم أرد أن أكون أديباً أو أن أكون كاتباً، بل كل ما أردته هو أن أعبر عن نفسي وقد حاولت هذا لكن لا أدري أنجحت أم لا؟ وقد كنت أعبر عن نفسي بكل الطرق؛ عبرت عن نفسي بالمقال، وبالتعليق وبالقصة وبالرواية، وحتى بالأغنية، كتبت أغاني، وحتى التمثيليات كتبت تمثيليات، فأنا كنت أحاول فقط أن أعبر عن نفسي، ما كان هدفي أن أكون أديباً أو كاتباً أو غير ذلك، لكن إذا جاءت وتحققت فلا بأس، غير أني لن أندم إذا لم تأت، والمهم أن الذي كان يشغلني هو أن أعبر عن نفسي. الحقيقة أن الكلمة بالنسبة لي أداة قتال وأداة نضال، وليست حلية أو زخرفاً وقد وجدت أن الكلمة هي أفضل ما أناضل به، وقد فعلت هذا ولا أدري هل نجحت أم لم أنجح؟ بيد أن التجربة ماثلة أمامكم وأنتم شهودها وأنتم حكامها.
- ختاماً أرجو أن أكون قد أوفيت الإجابة بالنسبة لسؤال الأستاذ حسين نجار، وشكراً.
- عريف الحفل:
- شكراً على كل حال للدكتور المنّاع رغم أن الكلمة جعلته يجنّح بالإجابة إلى درجة سعدت فيها بأننا سمعنا بعض ذكريات كانت لم ترد في المقدمة.
 
 
طباعة

تعليق

 القراءات :600  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 9 من 196
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور سعيد عبد الله حارب

الذي رفد المكتبة العربية بستة عشر مؤلفاً في الفكر، والثقافة، والتربية، قادماً خصيصاً للاثنينية من دولة الإمارات العربية المتحدة.