شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(( كلمة المحتفى به الأستاذ عبد الله منَّاع ))
بدأ المحتفى به كلمته قائلاً:
- أساتذتي سادتي الأفاضل، أصدقائي وإخواني، أسعد الله مساءكم جميعاً. جاهدت بكل حظي من اللباقة في أن أفلت من محاولة شدي لإدخالي ديوان الكبار - ديوان الاثنينية - لأكون ضيفها ذات مساء، ولكن يبدو أن حظوظي من اللباقة لم تكن كبيرة بالقدر الذي يجعلني أتغلب بها على براعة صاحب الاثنينية في إسقاطها، ومن ثَم تطويقي واقتيادي لأقتعد هذا المقعد الذي جلس إليه أو عليه أشياخ كبار وأساتذة فضلاء، كان بعضهم رواداً دون شك في حياتنا الثقافية والفكرية والصحفية.
- ومن المؤكد أنه ليس صحيحاً الأخذ بقياس الخطأ، فأحاسب أولئك الذين قبلوا وأقبلوا على هذا المقعد وهم يعلمون أو لا يعلمون أنهم ليسوا جديرين به، فالخطأ لا يبرر نفسه وهو بالتالي غير قادر على تبرير خطيئة العقلاء فيما بعد. لقد كان يقيني بأن هذا المقعد والذي أخذ منذ بدئه ملمحاً احتفالياً واحتفائياً بشخصية مَن يقتعده قد أصبح وقفاً على أولئك الكبار فكراً وأدباً وعطاءاً، ممن اكتملت تجربتهم، أوشك عطاؤهم أن يبلغ نهايته.. أمد الله في أعمارهم.. لتحين لحظة تلقيهم لكلمات التقدير والشكر والعرفان بهم والوفاء لهم.. ولأن يقيناً موازياً كان يملؤني بأن تجربتي لم تكتمل بعد، ولأن إحساساً عميقاً فوّاراً يغمرني أنه مازال في الزمن بقية، فقد كنت أرفض محاولة الإغواء التي كان يحيكها حولي صاحب الاثنينية الصديق العزيز الكريم الأستاذ عبد المقصود خوجه، فكنت أقفز فوق تلك الفخاخ التي كان ينصبها الواحد بعد الأخر لاصطيادي لهذا المقعد في ديوان الكبار.
- ولقد حاولت في مرحلة مع بعض الخُلَّص من الأصدقاء تغيير الطبيعة الاحتفالية والاحتفائية للاثنينية والتي أخذت تترسخ منذ بدئها في محاولة لتوسعة قمتها لتشمل غير جيل الرواد من المبدعين والبارزين حقاً في شتى حقول المعارف الإنسانية وليس الأدب والفكر وحدهما. وبدأنا محاولتنا أولاً بتغيير التعبير الذي درج في الإعلام عن الاثنينية من أنها تكرم فلاناً هذا الأسبوع واستبداله بالقول بأن ضيف الاثنينية هذا الأسبوع هو فلان.. ولا أستطيع أن أجزم ويجزم الآخرون معي بأننا نجحنا في ذلك كما لا أستطيع أن أعلن ويعلنوا معي عن فشلهم في ذلك، ولكن - وعلى عادة الأستاذ عبد المقصود خوجه في عدم الأخذ بالكل أو ترك الكل - فقد اتسع مقعد الاثنينية الأول على كل حال لغير الأشياخ من جيل الرواد، فاستضاف الكهول من أمثالي وبعض الشباب ممن هم دوني سناً، فألان ذلك قبضة رفضي ليعاجل الأستاذ عبد المقصود لحظة اللين تلك فيعلن عن استضافتي لأول اثنينية يعقدها في منزله الجديد العامر بإذن الله.
- ومع هذا المبرّر لوجودي في هذا المقعد فإنني ما أزال أتأمل نفسي، وقد أحسست أن هذه الليلة أو هذه الاثنينية كأنها تختلف عن كل تلك الليالي التي سبقت.. فالمكان أرحب والأضواء أكثر والجو يزيد من قلق الإنسان ولا يريحه.. قلت مع هذا المبرر لوجودي في هذا المقعد فإنني ما أزال أتأمل نفسي ومَن حولي وأتساءل: كيف حدث هذا؟! ثم ماذا علي أن أفعل، أو ماذا علي أن أقول، وكل عيون رواد الاثنينية الأفاضل تحاصرني وتضرب حريتي، وكل آذانها ترهف لي السمع وتصيخ مع كل ما يسببه لي ذلك من قلق، فليس تواضعاً إذا قلت بأني من أشد اللائمين لجيلي وأول الرافعين في وجهه علامات الاستنكار لما فعل، والاستخفاف بما قدم، وهو في نظري جيل خَذَل منتظريه فلم يقدم ما كان مرجوّاً منه، أو متوقَّعاً منه.
- على أني لا بد وأن أعترف في هذا السياق الصريح وأرجو أن لا يغضب لذلك أشياخنا وأساتذتنا الأفاضل بأن جيلي عندما فتح عينيه على دنيا الأدب والفكر والصحافة فتحها على أسماء كبيرة، ولكن بدون أعمال كبيرة في حجمهم أو حتى صغيرة ذات قيمة، إذا استثنينا العدد المحدود جداً والمعروف من الأعمال ذات القيمة لجيل الرواد.. نعم وجد جيلنا نفسه أمام فراغ كبير، أسماء كبيرة، وأعمال غائبة؛ وعلى سبيل المثال: أكان يعقل أن يفتح جيلنا عينيه فلا يجد ديواناً لأهم وأكبر الشعراء.. الأستاذ المرحوم حمزة شحاته؟! أو للشاعر حسين سرحان؟! ومع ذلك لم نكن نبتاً شيطانياً مقطوع الصلة بالماضي، ولكن كل ما حدث أننا اتجهنا ثقافياً لمراكز الثقافة ونقاطها المضيئة في ذلك الوقت: لمصر وأدبائها وأعلامها، ثم لبيروت ومواهبها وأدباء مَهجرها، ولأوروبا أيضاً وللأعمال الكلاسيكية الكبرى المتفق عليها لـ ديكنز، تولستوي، دوستوفسكي، ثم تشارلز، ثم لسارتر ومورافيا وغيرهم.. وهكذا تشكلت بُنية جيلنا الثقافية معتمدة على ينابيع الثقافة العربية ومراكزها في القاهرة وبيروت وبغداد إلى حدٍ ما أساساً.. وعلى الترجمات التي كانت بيروت نشِطة فيها. إنني لا ألقي مسئوليتنا على جيل الرواد، ولكن نسترجع بعض الحقائق التي واجهت جيلنا الذي خذل منتظريه.. فإذا وجد جيلنا بعد هذا قضاة ملحميّين ممن يؤمنون بأن تقويم النتيجة ليس مرتبطاً بالإنجازات ذاتها ولكن في القدرة على تجسيد الحلم فقد نجد من يرحمنا أمام الآخرين ومن يقف بجانبنا أمام أنفسنا.
- ولذلك فإنني أتساءل أمامكم وعلى المستوى الشخصي: ماذا قدمت طوال رحلة المتعة والجفاف، والخوف والبهجة مع الكلمة، والتي أوشكت أن تتم ثلاثين عاماً، وطوال رحلة المجاهدة والمغامرة والتحفز والكآبة مع الصحافة.
- في الرحلة الأولى لم أكن راضياً لأن ما كنت أرجوه كان دائماً مما كان يتحقق، نعم كتبت كثيراً، كتبت القصة القصيرة والرواية والتمثيلية والأغنية أيضاً، إلى جانب مئات المقالات واليوميات والتعليقات، إلى جانب عدد من المحاضرات العامة في الفن والأدب والفكر والصحافة، ولكنني كنت على الدوام في سباق مع نفسي وسخط عليها. وفي الرحلة الثانية لم أكن سعيداً، لأن السعادة في الصحافة آنية وزئبقية، فالصحفي يطارد وهماً ومجداً لا يبلغه لأنه مجد آني سريع العطب لا يبقى لأكثر من دقائق في عقل وقلب القارئ، وعلى الصحفي أن يفتش عن هذه الدقائق الزئبقية الغاربة في عقل وقلب القارئ. لقد أسهمت في تحرير العديد من الصحف وحاولت مع الآخرين في دفعها للتطور الحقيقي، ثم أسست مجلة (اقرأ) من خلال مؤسسة البلاد للصحافة وبتكليف منها، وعملت فيها جنباً إلى جنب مع مجموعة من الشباب ومجموعة من الإخوة المصريين الأشقاء والسودانين واليمنيين أيضاً.. وبعد سنوات طويلة من كفاح مستمر أخذتْ (اقرأ) طريقها الصعودي إلى أعلى..
- خمسة كتب ورواية لم تطبع، وسبع محاضرات عامة وثلاث مقدمات، ومئات المقالات السياسية والاجتماعية هي حصاد الرحلتين مع الكلمة ومع الصحافة على امتـداد خمسة وعشرين عاماً - أو يزيد - ومـع ذلك فإن شعوراً ينتابني وينتاب جيلي بأننا كنا مقصرين وأننا خذلنا منتظرينا، وأن علينا أن نعتذر، لأننا لم نوفّ لوطننا الذي أحببناه ولم نكن على قدر الآمال المنوطة بنا، ومع أنه مازال في الزمن بقية فإني سوف لا أفاجأ إذا جاء جيل شاب بعد عشر سنوات أو خمس عشرة سنة وقال مثل ما قلت في مقدمة هذه الكلمة بأنه وجد أسماء ولم يجد أعمالاً.
- أساتذتي، سادتي، إخواني وزملائي، لكأني تحدثت بإسهاب عن الجوانب المعتمة من رحلتي مع الكلمة، ورحلتي مع الصحافة والإنصاف يستوجبني الحديث عن الجانب الآخر من الرحلتين، ولا بد في بداية هذا الجزء من الحديث أن أنصف جيل الرواد والشيوخ الذي قلت عنه إنه كان أسماء باهرة وأعمالاً غائبة، فعندما تواصلت معه وتلاقيت معه، أو تواصلنا وتلاقينا وتقاربنا رأيت أنه ظلم نفسه، وأن الظروف لم تواته ليبدع الفكرَ والأدب الذي يرضى عنه ونرضى عنه.
- أما الرحلة مع الكلمة فلم تكن شقاء كلها، بل كانت عذوبة ومتعة لا تنقطع إلا لتتصل، فالكلمة هي من أجمل ما عرف الإنسان، بها نعبّر عما في أنفسنا وبها نتعبّد، وبها نحب ونحزن وبها نغني ونتغنى، ولذلك فالرحلة مع الكلمة قراءة وكتابة واستماعاً هي متعة واستمتاع رغم كل المعاناة فيها ومعها.. يحضرني مثال على جمال الكلمة في صورة شعرية.. تقول رابعة العدوية:
أحبك حبين، حب الهوى
وحباً لأنك أهل لذاك
فأما الذي هو حب الهوى
فشغلي بذكرك عمن سواك
وأما الذي أنت أهل له
فكشفك لي الحجب حتى أراك
 
- ويقول العقاد، وهو ربما كان متداولاً كمفكر وككاتب أكثر منه شاعراً، لكن لفت نظري من الشعر الذي قرأته له - هذه المقطوعة القصيرة، فيقول فيها:
ما ضرَّكِ يا شمس لو لم تشرقي
ما ضرَّك يا روض لو لم تعبـقِ
ما ضرَّك يا قلب لو لم تخفق
سيّان في هذا
الوجود الأحمـق
من كان موجوداً
ومن لم يوجد
 
- ولا يضير الكلمة، أو لا يضير الأدب اختلاف وجهات النظر حولها، فأديب كالرافعي يقول: إن هناك تلازماً بين الفكر والفقر.. وفي قصة راس يقولون وهم يسردون تاريخ حياة رجل كان متوازناً ومتزناً وعاش طوال حياته سعيداً راضياً إلى أن أدركته حرفة الأدب فمات فقيراً. وسألت فتاة أحد الأدباء وكانت مقبلة على الزواج من شاب أديب أن ينصحها هل تُقِدم على هذا الزواج وترتبط بهذا الشاب، أم لا؟ فأجاب الأديب وقد علم أن هذا الشاب يريد أن يعيش بقلمه ومن قلمه قائلاً: إن عصر الأديب الذي يأكل من قلمه قد انتهى، وإن مثل هذا الأديب ينتهي عادة بأن يغمد قلمه في قلبه ويموت الإِثنان: القلم وصاحبه. إن هذا لا يضير حقيقة القلم والأدب، تظل الكلمة ويظل الأدب.
- في اعتقادي أن الحياة بلا أدب وبلا كلمة تفقد جزءاً حيوياً منها وتجعل الحياة على صعوبتها هي أكثر جفافاً وأكثر تعاسة، لكن الكلمة والأدب والشعر والموسيقى، كل هذه عوامل مساعدة مكّنت وتمكن الإنسان من أن يتقدم.. حياة بلا كلمة، حياة جافة، وحياة بلا فكر حياة قاحلة، وحياة بلا أدب حياة تفتقد إلى أهم ركائزها. وكما قلت لا يضير الأدب أن تكون هناك دائماً أفكار حوله سلبية، أو ليست إيجابية.
 
- بالنسبة للصحافة، الحقيقة أن الصحافة كانت الآراء حولها متضاربة ولكن الصحافة تبقى دائماً.. هناك اتفاق يقولون إن الصحافة هي مرآة الأمة، أو المرآة التي تعكس واقع الأمة وهذا كلام إلى حد ما صحيح، ولكن على صحته هناك من يرى آراء في الصحافة لا تتفق مع هذا، فمثلاً رجل كالأستاذ محمد حسين زيدان، كان يقول إن الصحافة ما هي إلا مجموعة من الأكاذيب والأباطيل والأضاليل، وإن صحيفة ما لو سمّت نفسها باسم (أكاذيب) لكانت هذه الكلمة هي أصدق كلمة فيها، لكن هذا القول ليس صحيحاً وإذا كان الأستاذ الزيدان قد قال هذا الرأي لسبب أو لآخر فهو لا يمثل حقيقة.
 
- تقول بعض القصص إن نائب الرئيس الأمريكي أجنيو كان نائباً لنيكسون قبل أن يدخل البيت الأبيض ذهب في زيارة للرئيس جونسون يسأله النصيحة باعتباره مغادراً البيت الأبيض، ونيكسون وأجينو مقبلَين عليه، فقال له جونسون بما معناه: إن في الولايات المتحدة صحيفة اسمها (واشنطون بوست)، وصحيفة اسمها (نيويورك تايمز)، ومجلة اسمها (نيوزويك)، ومجلة اسمها (التايم) وشبكة تليفزيون اسمها (ABC)، وأصحاب هذه الصحف يعتقدون أنهم يشكلون سياسات الولايات المتحدة الأمريكية.. أنا من رأيي ألاّ تعارضهم.
 
- وجهات النظر حول الصحافة عديدة وكثيرة حقيقةً، لكن الصحافة هي الجزء الرئيس من الحياة، وركيزة أساسية فيها، والتعريفات التي تحدثت عن الصحافة كثيرة، لكن من وجهة نظري أن أفضل تعريف لها هو الذي قاله أحد عمداء الصحافة الإنجليزية، وجهام ستيد حيث يقول: إن الصحافة ليست حرفة كسائر الحرف بل هي أكثر من مهنة، وهي ليست صناعة بل طبيعة من طبائع الموهبة، وهي شيء بين الفن والعبادة، والصحفيون خدم عموميون غير رسميين هدفهم الأول العمل على رقي المجتمع.
 
- الحقيقة أنا لا أريد أن أطيل وخاصة بعد ما وضعت هذه المحاذير كلها في مقدمة أول اثنينية. لقد كنت أنوي أن أتقدم بطلب إلى الأستاذ عبد المقصود خوجه بأن يُعفي المتحدث الرئيس من الحديث تخفيفاً للوقت وحفاظاً عليه، فقد لاحظت في الأعوام الماضية أن الشخص الجالس في هذا المكان يلقى من المدائح ومن الإكبار ومن التبجيل ما تتوه معه شخصيته لدرجة أنه يعتقد أن المتحدثين يتحدثون عن شخص غيره. لذلك رجوت الأستاذ عبد المقصود أن يخفف عني هذا، وأن يكون المتحدثون واقعيين فيما يقولون، وأنا لا أستحق كثيراً من المدح ولا قليلاً منه.. فكل الذي فعلته، أنني حاولت.. حاولت كاتباً وحاولت صحفياً على مدى الخمس والعشرين سنة أو الثلاثين سنة ولم اكن راضياً في نهايتها، حتى تلك الكتب التي نشرتها وعددها خمسة كتب ليست كثيرة ولكنها كانت فعلاً تمثل لحظة المصالحة مع نفسي، والحقيقة أنني رجل أعيش في خصام مستمر مع نفسي، فلست راضياً عنها، وأنا أشعر دائماً أن في داخلي جمهرة من الناس وكلها تهتف ضدي غير أنني لست مطاعاً بين هؤلاء، ولست منبوذاً منهم، فالعلاقة بيني وبين نفسي علاقة شائكة ومتعِبة، ولقد صدق من قال في بداية هذه الأمسية عني: أنني مُتعِب ومُتعَب، فلقد أتعبت نفسي، وأتعبت داخلي ولكني أعترف لهذا الجمع الكريم بأن اللحظة التي كنت أشعر فيها بالسعادة هي تلك اللحظة التي أنتهي منها من كتابة شيءٍ يعجبني فهي الومضة الصغيرة بعد كل التعب، غير أن هذه الومضة الصغيرة أو اللحظة الصغيرة سرعان ما تذوب، ويعود اللوم ويعود التقريع وتعود الحرب النفسية المستمرة بيني وبين نفسي.
 
- لقد حاولت مع صحيفة (الرائد) - وأستاذنا عبد الفتاح أبو مدين موجود بيننا شهيد على ذلك - أن أقدم صحيفة جميلة ومقروءة، وتخدم الناس ويقبل عليها القراء وأعتقد أن (الرائد) كان لها شيء من المكانة، لكنها لم تكن تلك المكانة الكبيرة، وحاولت أيضاً في جريدة (المدينة) - عندما بدأ الأستاذ محمد علي حافظ إصدارها في جريدة يومية أيضاً - أن تكون صحيفة يومية مقروءة، وكذلك حاولت أيضاً مع صديقي الحميم الأستاذ محمد الشدي في مجلة (اليمامة) أن نجعل منها مجلة يقبل القراء عليها، كما حاولت مع الأستاذ عبد الله جفري في (عكاظ) عندما كان مديراً للتحرير في فترة ماضية.. أن أسهم بقدر المستطاع في أن افعل شيئاً أو أن أقدم شيئاً.. وعندما بدأنا في (اقرأ) استمرت المحاولة ولكني لا أستطيع أن أقول إن تلك المحاولات كانت ناجحة وموفقة.. لكن على أي الأحوال فقد كانت محاولات رائدها الصدق والأمانة والحرص على خدمة هذا الوطن.
 
- الصحافة في الحقيقة -كما قالوا بلا جدال-: هي مهنة المتاعب وقبل أن استمع إلى كلمة الأستاذ عبد المقصود في أنني رجل أتعب نفسه وأتعب الآخرين كان يعجبني تعليق للأستاذ سليم على غلاف في مجلة (الحوادث) يحمل صورة للموسيقار الأستاذ عبد الوهاب، وكان التعليق يحمل ثلاث كلمات هي "أهل قمة متعبون" لكنه لم يشكل الكلمة الأخيرة بحيث يمكن للقارئ أن يقرأها "مُتعَبُون أو مُتعِبُون" ولكنه كان منصفاً في ذلك.. نعم.. أهل قمة مُتعَبون، وأهل قمة مُتعِبون. وأنا لست من أهل القمة.. لكن أعجبني ذلك التعبير واليوم ألبسني الأستاذ عبد المقصود هذا الثوب.. وأنا لست من أهل القمة، لكني من أهل التعب، أتعبت نفسي، وأتعبت من حولي.
 
- وكنت صباح هذا اليوم مع الزميل الأستاذ عمر يحيى فسألني: ماذا سأفعل الليلة؟ قلت له: والله الحقيقة إني قلق وخائف ولا أدري ماذا عليّ أن أقول؟ وماذا عليّ أن أفعل؟ لكن لندع الأمور لظروفها.. أنا كتبت شيئاً متواضعاً ليكون فاتحة حتى ينطلق لساني في القول، وخلال حديثي معه ذكّرني بالتعب وقال لي أنت كنت متعِبنا بسلسلة الاجتماعات، فلا نخلص من اجتماع إلا لندخل اجتماعاً آخر، ولا نخرج من اجتماع إلا لنلتقي على اجتماعٍ ثالث وهكذا.. ولقد اكتشفت مؤخراً أن الزملاء في (اقرأ) عندما كنا نعمل معاً كانوا يسعدون كثيراً جداً إذا لم أباشر عملي يوماً ما.. فإذا جئت تهامسوا وقالوا: الآن سيدعونا للاجتماع، وبالفعل أهاتفهم وأطلب منهم الاجتماع، وأوضحت للأخ عمر أن هذه الاجتماعات الكثيرة التي كانت لا تسعدكم أو التي كانت تتعبكم هي التي كانت تشكل (اقرأ). الصحيفة.. أيّاً كانت لا بد أن تلتقي أسرة التحرير بها مرتين في اليوم.. مرة في الصباح ومرة بعد الظهر لتقرير موضوع المانشيت، وفي المجلة الأسبوعية في العادة يكون هناك اجتماع أسبوعي أو اجتماعان أسبوعياً.. لكن الحقيقة أن (اقرأ) في أيامي كانت تعقد في الأسبوع ستة أو سبعة اجتماعات. كانت تشكل روح (اقرأ).
 
- الحديث عن الصحافة حديث طويل، وسأتوقف عند هذه اللحظة واترك الكلمة للذين يريدون أن يعقّبوا أو يضيقوا أو يتحدثوا شاكراً للأستاذ الزيدان هذه اللفتة الكريمة والعظيمة، والتي أشعر أنها أكبر مني بكثير، ولكنه أبى إلا أن يكون كما عرفته دائماً كبيراً وعظيماً.. الأستاذ الزيدان، أنتم تقرؤون له ولكنكم لم تجالسوه كما أجالسه.. الأستاذ الزيدان متحدث أكثر إمتاعاً منه كاتباً، وهو يعرف عني هذه الحقيقة وقد أخبرته بها.. والأستاذ الزيدان في أحاديثه العامة طليق دائماً ومعبِّر ومجنِّح، ولكنه في أحاديثه الخاصة عميق دائماً، ولقد كان حظي مع عمق الأستاذ الزيدان في أحاديثه الخاصة كبيراً، ولست مأذوناً بأن أقول لا بعض ولا كل الذي سمعته منه، لكنني أريد أن أحييه وأشكر له هذه اللفتة الكريمة، وهذا التقدير الكبير منه، وأرجو أن أكون ذلك التلميذ الذي لم يخيب أساتذته على الأقل.. شاكراً للأستاذ عبد المقصود هذا الاحتفاء وهذا الاحتفال بشخصي ومقدراً لكم جميعاً حضوركم لأن حضوركم في الحقيقة تكريم أعتز به وأقدره شخصياً، ولا أجد من الكلمات ما أقيم به هذا الحضور الكريم.. ولا أجد ما أرد به على هذه الخطوات التي قطعتموها من أجل أن تشاركوا في أمسية ضيفها هو الذي يتحدث إليكم.. حقيقة أنا عاجز عن إيفائكم حقكم من الشكر والتقدير، ولكنها لمسة عميقة، وهي لمسة صدق منكم وهي لمسة وفاء لها في نفسي أكبر تقدير.. شكراً لكم جميعاً والسلام عليكم.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :573  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 8 من 196
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الجمعية النسائية الخيرية الأولى بجدة

أول جمعية سجلت بوزارة الشئون الاجتماعية، ظلت تعمل لأكثر من نصف قرن في العمل الخيري التطوعي،في مجالات رعاية الطفولة والأمومة، والرعاية الصحية، وتأهيل المرأة وغيرها من أوجه الخير.