شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
عريس ((الغفلة))!
* هل تقول لأمها: لا.. لا؟!
ذات مساء.. خيل إليها أنها كانت تصرخ في وجه أمها.. لأول مرة يعلو صوتها على صوت أمها!
ذهلت ((أم عهد)) من تصرف ابنتها. كانت تحدِّق فيها بدهشة، وهي تردد:
ـ يا خسارة يا ((عهد)).. ترفعين صوتك في وجهي، أنا أمك؟!
بكت ((عهد)) في تلك الليلة بحرقة، وألقت بجسمها النحيل في حضن أمها تجهش، وهي تصرخ:
ـ لا أريد.. أرجوكم دعوني أدرس في الجامعة.
ـ قالت أمها: ومن الذي سيمنعك من الدراسة؟.. سنشترط أن تكملي تعليمك الجامعي.
ـ ردت عهد: كلام.. سيوافقكم ونحن على البر، وبعد ذلك.. سيرفض، سيقفل عليَّ باب الشقة، تماماً مثل خادمة تطبخ له، وتكنس، وتغسل ملابسه.
ـ قالت أمها: ومن قال لك.. من أدخل هذه الأفكار في رأسك الصغير يا ابنتي؟!
غير صحيح ما تتوقعينه.. ومع ذلك، سنكتب هذا الشرط في عقد الزواج.
ـ قالت عهد: ومن الذي التزم بالشروط المكتوبة في أكثر قصص الزواج؟
ـ ردت أمها: يا ابنتي تفاءلي.. دعي حظك يخدمك!
ـ قالت عهد: كيف أتفاءل.. وحكايات البنات كثيرة. قريباتنا. صديقاتنا. أرجوك يا أمي.. لنؤجل هذا الموضوع!
* * *
مضى عام على هذا الحوار الذي تسترجعه ((عهد)) هذه اللحظة.. كأن أهلها كانوا ينتظرون نجاحها وانتقالها من المرحلة الثانوية إلى الجامعة.
وهذا المساء.. دخلت عليها أمها قلقة. شعرت من ملامح وجهها أنها ستقول لها كلاماً، لكنها لا تعرف من أين تبدأ..
ـ قالت لأمها: في وجهك كلام يا ماما.. قولي.
ـ والله محتارة.. كيف ابتدي، ولكن... من الأفضل الدخول في الموضوع. أبوك- الله يسامحه- رمى هذه المهمة علي، وقال: الأم أقرب إلى البنت من الأب، ونحن ستات نعرف بعض، ونقدر نقنع بعض.
ـ تقنعيني بإيه يا أمي؟!
ـ شوفي.. خليكي هادئة واسمعيني علشان نتفاهم. البارح.. جاء لك عريس.
ـ أوه.. تاني؟ هذا سادس عريس. يا ناس.. أتركوني أدرس وأكمل الجامعة.
ـ يا بنتي.. نرجع نعيد كل ما قلناه قبل سنة؟ لازم تتزوجي.. كل البنات يتزوجوا. وهذه سنة الحياة.
ـ عارفة.. لكن الزواج ما هو لعبة كلمات متقاطعة، وحظ. لا.. الزواج مسؤولية، وبيت، وأبناء، وعشرة طيبة، وتكافؤ، وتفاهم.
ـ الله.. الله. تلقي محاضرة على أمك في الزواج؟!
ـ صحيح.. لكن زمنكم يختلف. طبيعة الحياة وظروفها اختلفت.. حتى الناس تغيّروا. الرجل اختلف عن الرجل من جيل بابا، والمرأة اختلفت عن المرأة من جيلك.
ـ إذا كان كل بنت تخاف من الزواج مثل خوفك.. ما كان أحد تزوج!
ـ لا يا ماما.. ظروف الحياة فرضت أشياء كثيرة.. غيَّرت حتى نفوس الناس ومفاهيمهم، وحتى أعصابهم.. هذا ما هو خوف يا ماما.. هذا حرص، وتفكير، ورؤية بعيدة للمستقبل. البنت تتطلع إلى الزواج بدافع الاستقرار، وبناء بيت، وإنجاب أطفال يعيشوا بعيداً عن التهديد بالانفصال، والشقاق.
ـ كلام جميل.. والرجل بنفس التفكير: يتطلع- على رأيك- إلى الاستقرار، وتكوين الأسرة.
ـ اسمحي لي أختلف معك يا أمي.. بعض الرجال، ممكن يفكر أن يجعل الزواج تجربة، وتجربتين، وثلاث، بمعنى أنه في هذه التجارب يختار، وينقِّي، ولا مانع عنده أن يتزوج واحدة، واثنتين، وثلاث.. حتى يجد من ترضى به، وبعاداته، وبطريقته في الحياة.
ـ بالله عليك.. هل هذا كلام أو تمحيك؟! هناك رجال كثير تزوَّجوا وأسعدوا زوجاتهم.
ـ صحيح.. لا أنكر، وفي مجتمعنا رجال كثيرون من الملتزمين والممتازين، لذلك.. لا بد للبنت أن تختار بدون استعجال، وبدون أن تفرح لمجرد أن العريس طرق بابها.
ـ لكن هذا الشاب من أسرة طيبة، وعريقة، وجامعي، ومتعلم.
ـ ما اختلفنا.. لكن أنا سأتزوجه هو، لا أسرته وعراقته. ما هي أخلاقه. صفاته. أفكاره. نفسيته. يمكن يعاني من حالة نفسية، ولا دخل لأهله في مرضه.. يمكن......
ـ قاطعتها أمها: كفاية.. إنت بتقفلي كل الأبواب حتى نعجز أمامك، لكن.. ليه؟!
ـ لا بد أن نتريَّث، ونختار.. وما نندم بعد ذلك.
ـ طيب.. قابليه، ويقابلك، كلميه ويكلمك. وبعدين قرري.
ـ أشوفه مرة.. وبعدين؟ بمعنى أنني أشوف السطح، الغلاف، القشور.. لكن ما هي أعماقه؟!
ـ يا ابنتي.. الزواج حظ، وربنا يجعل حظك على قدر نيتك.
ـ لأ يا ماما.. أختلف معكم. الزواج فهم، وتفاهم، وانسجام، وتقارب فكري.
ـ نعم يا أختي؟!.. نحن ما عندنا بنات تتصاحب، وبعدين تتزوج!
ـ ما قصدت هذا الذي خطر على بالك.. أقصد أننا لا بد نعرف عنه كل شيء، وقبل رؤيته لي، ورؤيتي له.
ـ ما هو نحن راح نسأل عنه.
ـ السؤال لا يكفي في خلال أيام.
ـ خلاص.. نطول فترة الخطوبة..
ـ وبعد ذلك.. يقول الناس: ما هو سبب فسخ الخطوبة؟!
ـ حيرتيني يا ابنتي.
ـ يا ماما.. قلت لك من حيث المبدأ، أنا أرفض الزواج الآن. لازم أكمل تعليمي.
ـ لكن والدك رافض. لا بد تتزوجي. أنت زودتيها، خلاص.. استعدي. الليلة سيحضر الولد مع والده، ويشوفك وتشوفيه، وكل ما عندك تقوليه بعدين.
ـ يعني.. المهم تعرضوني على الناس، وتقلّبوني!
ـ تفكير خطأ.. إنت أيضاً ستقابليه، وتقولي رأيك.
ـ ولو قلت رأي بعكس ما تتوقعوا.. هل تسمعوا كلامي؟!
ـ نحن لا نضغط عليك.. هذه حياتك، وأنت حرة.
ـ يا سلام عليك يا ماما.. كلامك حلو، فاسمعوا كلامي من الأول وبدون تعب.
ـ اسمعي يا عهد.. صارحيني، أنت في حياتك شخص آخر؟!
ـ ياه.. هذا السؤال المعتاد، والمكرر حتى في الأفلام العربية الهابطة. شخص تاني.. يعني إيه؟ أنا دائماً في البيت، والجامعة.. والتليفون ما اعتبره وسيلة صحيحة ونظيفة لهذه الأمور.
ـ يعني.. لا فائدة معك؟!
ـ لا فائدة يا ماما.
ـ لكن أنت راح تقابلي الولد الليلة، وتسمعي كلام والدك.. وهذا قرار وخلاص!
* * *
اعتزلت ((عهد)) في غرفتها.. تبكي، وتفكِّر في هذا القسر الذي يفعله معها والدها.
فكرت طويلاً حتى شعرت بالإعياء. إنها لا تصدق ما يحدث، لأنها تعرف مفاهيم والدها المتطورة، وهي البنت الوحيدة لوالديها.. يدلِّلانها، ويتمنيان رضاها.
ـ تساءلت: لماذا هذا الإصرار؟!
لم تجد إجابة شافية. فكرت أن تحادث صديقتها الحميمة إليها. أخذت الهاتف، وحكت لها ما حدث بالتفصيل، وهي تبكي.
ـ قالت لها صديقتها: راح تخسري إيه؟ نفِّذي طلبهم.. قابليه، واتكلمي معه. يمكن تكون له صفات تجذبك.. يمكن يكون ((عريس الغفلة)) اللي بتحلمي به!
ـ قالت لصديقتها: لكن.. تعرفي مبدئي، لا زواج قبل التخرج من الجامعة. وأقفلت الهاتف.. وقد شرد بها تفكيرها بعيداً.
* * *
 
طباعة

تعليق

 القراءات :990  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 104 من 545
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور معراج نواب مرزا

المؤرخ والجغرافي والباحث التراثي المعروف.