شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
سطر...بدفء "كف"!
(1)
● أعلنت المضيفة عن إطفاء إشارة ربط الحزام.
ضغط على زر كرسيه ليدفع بظهره إلى الوراء. أسند رأسه على وسادة صغيرة. ألقى بساقيه إلى الأمام، متخذاً وضع النوم...
حتى تمر ساعات الرحلة الطويلة دون أن يشعر بها، ويريح عينيه وجسمه من سهر الليلة الماضية.
ـ قال لصديقه بجانبه: ألا تنام قليلاً؟!
ـ بل أريد أن أقرأ...فرصة أن نعوض وقت الأرض بوقت ما بين السماء والأرض.
ابتسم وهو يغمض عينيه، ثم همس لصديقه:
ـ لكن... أيقظني عند إحضار المضيفة للطعام، فأنا جائع!
ـ سأله صديقه: جائع للطعام؟! لكن المضيفة لم تمهله وقتاً طويلاً ليستغرق في النوم. كان قد أغفى.... فإذا به يشعر بيد ناعمة تربت على كتفه. حدق في وجهها وهي تسأله:
ـ هل تريد أن تأكل، أم تنام؟!
ـ أجابها ساخراً: لقد أيقظتني.. فلا بد أن آكل!
التفت إلى صديقه بجانبه، وكان مستغرقاً في قراءة كتاب معه. سأله: ألم تشاهد المضيفة.. ابتسامتها صافية جداً كنبع ماء.
ـ أيها العجوز الأصلع.. انهد يا شيخ، إنها فتاة عادية جداً.
ـ أبداً... ابتسامتها تفيض بألوان من المعاني، كأنها قوس قزح.
ـ إنها تمنح هذه الابتسامة للجميع... هذا هو الاشتراط الرئيسي في عملها.
ـ ابتسامتها دخلت قلبي..
ـ بل دع هذه الابتسامة تتزحلق من فوق صلعتك...هذا أفضل لك!
(2)
حملت المضيفة إليه طبق الأكل.. وهو يعاود التحديق في نفس تلك الابتسامة التي خيل لصديقه أن كل مضيفة تلبسها وقت الشغل لئلا يغضب منها الركاب!
ـ سألها: أنت عربية... ها؟!
ـ قالت: أظن ذلك، فلا بد أن تعرف من لغتي معك.
ـ قال: لكن شعرك أصفر، ولست سمراء، وعينيك ملوَّنتان!
ـ قالت أمي يونانية، وأبي عربي.
ـ قال: ومتزوجة... ربما قريباً، فليس عندك أطفال فيما أعتقد.
تطلعت إليه باهتمام، افترشت ابتسامتها وجهها كله. سألته:
ـ وكيف عرفت؟!
ـ أجابها: فراسة!
ـ قال صديقه للمضيفة: إحذري منه... إنه متعدد المواهب، ويقرأ الكف أيضاً!
ـ قالت بفرح: صحيح... هل تقرألي كفي؟!
ـ قال: إذا أردت.
ـ قالت: سأعود إليك بعد أن أنهي عملي. استعد!
وخيل إليه من انطلاقتها كأنها تركض... لتخلص من عملها بسرعة وتعود إليه.
نظر إلى صديقه مغتاظاً، وقد رآه يداري ضحكة ستفلت منه.
قال له:
ـ اضحك يا سيدي. خلاص.. أوقعتني وجلست تتفرج. أنا أقرأ الكف، وكيف سأقرأه لها بعد قليل... ماذا أعرف عنها لأقوله لها؟!
ـ تستاهل... حاولت أن تحدثها وتلاطفها، هاهي بعد قليل ستضع يدها في يدك.. يا بختك ياعم!
ـ لا بأس... سأنادي على مضيفة أخرى، وأسألها عن زميلتها، فأستفيد!
ـ هل تتغابى؟ ستقول لها زميلتها إنك أخذت معلومات عنها.
ـ صحيح.. فماذا أفعل؟!
ترك الأكل أمامه، ونام!!
(3)
مرة أخرى.. شعر باليد الناعمة تهز كتفه، توقظه هذه المرة بلطف أكثر.
شرع جفنيه، وأحس كأنه يغرق في اتساع عينيها. استوى في مقعده باهتمام، وقال لها:
ـ أهلاً... هل جئت؟!
ـ قالت: لقد أغريتني. أنجزت عملي بسرعة، وجئتك.
أمسك بيدها. وسدها راحة يده الضخمة، فبدت يدها مثل عصفور يرتجف من البرد. اضطرب قليلاً، كأن يده تحضن يد أنثى لأول مرة. قال لها وهو يمرر إصبعه على خطوط كفها:
ـ لديك مشكلة تؤرقك!
ـ قالت: كل إنسان لا يخلو من مشكلة.
ـ قال: ولكن مشكلتك ترتبط بقرار في حياتك.
ـ قالت صحيح... ها... وماذا سيحدث؟
ـ قال: كيف تعيشين مع زوجك؟
ـ قالت: إنني أحبه جداً... مازلنا عرساناً، لم نكمل العام بعد!
ـ قال: واضح، واضح. لكنه يريد طفلاً، وأنت لا تريدين الآن!
ـ قالت: يبدو أن الخطوط "تلخبطت" عليك. بالعكس يا أستاذ. هو لا يريد الآن، وأنا أريد.
ـ سألها: عجيب... أنت تعملين في الطيران. كل يوم مسافرة، فالطبيعي أن ترفضي أنت!
ـ قالت: هذه هي المشكلة، أنا تعبت من السفر والرحلات، وأريد طفلاً لأستقر في بيتي، وأهتم بزوجي.
ـ قال: وما هي أسباب اعتراضه هو؟!
ـ قالت: الظروف كما يقول... فلابد أن نبني أنفسنا أولاً، ونكسب أكثر، ونجمع مالاً، ونؤمن سكناً، حتى نقدر على تربية الطفل، أو الأطفال!
ـ سألها ولكن.. لابد أن يكون هناك سبب آخر؟!
ـ قالت: هذه هي المشكلة. يقلقني رفضه.
ـ قال: آه... فهمت. هل تستعملين مانعاً للحمل؟
ـ قالت: أبداً يا أستاذ.
ـ قال: إذن دعيه يذهب إلى الطبيب، وأنت معه أيضاً، ليرتاح كل منكما. فلا بد أنه متردد.
ـ قالت: ها أنت تؤيدني، وتفكر بنفس ما يشغلني. وما ظننته.
ـ قال: تقصدين أنه يعلم بعجزه عن الإنجاب، ويطلب ذلك منك؟!
ـ قالت: وإلا... لماذا يمانع، خاصة وإن مورده لا بأس به، مع موردي نعيش في بحبوحة.
جاءت زميلتها تطلبها باستعجال. استأذنت منه، وستعود إليه بعد قليل.
قال له صديقه:حرام عليك ..زرعت الشكوك في نفسها !
ـ قال: لم أكن أعلم أن الحديث سيتطور ليصبح مشكلة حقيقية. كنت أمزح.
(4)
عادت إليه مسرعة. ناولته كفها من جديد، وهي تقول:
ـ ها.. وماذا بعد؟!
ـ قال: زوجك يحبك جداً.
ـ قالت: أعرف... على الأقل الآن، لأننا - كما قلت لك - مازلنا في سنة أولى زواج وحب.
ـ قال: لكن أهله لا يرتاحون إليك!
ـ قالت: آه... هذه نقطة ضعف حبنا وحياتنا، فهو لا يريد إغضابهم، ويجاملهم دائماً على حساب حقوقي، أخاف أن تضعف هذه النقطة حبنا؟!
ـ قال: إنهم يضغطون عليه باحتجاجهم على طبيعة عملك، وسفرك الدائم!
ـ قالت: صحيح والله، ولكن هذه مهنتي من قبل أن أتزوجه، وقد رضي بها.
ـ يخاف عليك كثيراً...
ـ قالت: بل يشك في من كثرة حبه لي.
قال: معذور.. فأنت جميلة جداً ويخاف عليك.
ـ قالت: صدقني إنني أعاني من حيرة كبيرة، فأنا أريد الطفل ليهدأ أبوه، وأستقر أنا.
وقفت مضيفة أخرى تبتسم، وتتابع الحوار. قالت له:
ـ أريد أن تقرأ لي كفي أيضاً!
ـ قال له صديقه: مهنة جديدة... افتح لها مكتباً!
(5)
توقفت الطائرة، ونفر الركاب من فوق مقاعدهم يتسابقون نحو الباب كالعادة!
حمل حقيبة يده. رآها تقف عند باب الخروج... تبتسم بنفس تلك الابتسامة.
ـ قالت له: شكراً... أتمنى أن نراك في رحلة أخرى.
ـ قال لها: أتمنى أن أراك فوق الأرض.
قالت: المشكلة الأخرى التي لم أقلها لك: أنك لا تستطيع أن تطير، وأنا لا يمكن أن أقع!!
 
طباعة

تعليق

 القراءات :770  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 50 من 545
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

أحاسيس اللظى

[الجزء الأول: خميس الكويت الدامي: 1990]

الاثنينية - إصدار خاص بمناسبة مرور 25 عاماً على تأسيسها

[الجزء العاشر - شهادات الضيوف والمحبين: 2007]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج