الاثنينية ::المكتبة

مكتبة الاثنينية

> > > > كلمة الأستاذ محمد حسين زيدان.

(( كلمة الأديب الكبير الأستاذ محمد حسين زيدان ))

ثم تحدث الأستاذ محمد حسين زيدان فقال:

- بسم الله الرحمن الرحيم. والحمد لله، أكمل الدين، وأتم النعمة، والصلاة والسلام على خاتم الرسل نبي الرحمة، سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. لا أقول "ثرثارة في كل ناد يخطب" ⁽¹⁾ هذه الليلة فأنا مكلف بعاطفتي أكثر من هذا التكليف الذي يكلفني به هذا الحفل لأن عاطفتي نحو أستاذي الدكتور بلا دكتوراة أبي عبد الرحمن بن عقيل، هو أصغر مني سناً بأكثر من ثلاثين عاماً، ولكن أنا تتلمذت عليه كثيراً، فهو ذو ثقافة واسعة، ولكن ليست الثقافة المهرجلة كما يقولون وإنما هي ثقافة دقيقة جداً، لأن التمسك بمذهبه الظاهري وكأنه قد اتبع ابن حزم في الدقة الرقيقة، فيما يحفظ، وفيما يعرف، وفيما يعرض.

- عرفته شاباً وما أزال الآن أراه في ذلك الشباب لأني الآن حين أراه أتصوره أنه قد شاخ بينما هو لما يصل بعد إلى أن كان كهلاً. ولكن هكذا هو يتبع ولا يبتدع. إذا حقق أتاك بكل ما هو واضح وبكل ما يشرح لك الصدر من هذا التدقيق وهذا التحقيق. ظاهري ما معنى ظاهري؟.. بعض الذين يتنكرون لصاحب المحلَّى الإِمام ابن حزم يظنون أن الظاهرية تحللاً، لا، هي حلية لأنها بالثبات على النص الواضح والفقه المتضح، ليس فيها شيء من التحلل ولو كانت الظاهرية تحللاً لما رأيت أبا عبد الرحمن وأبا تراب بهذه اللحى الطويلة، بهذا الوقار الكريم. قد لا يعرف الكثيرون ابن حزم: ابن حزم إنسان حي شاعر، ولو كان ناثراً، فقيه، إمام. وهو على حدة لسانه ما كان يتعرض للأئمة أصحاب المذهب الصحيح، وإنما هو يعارض المتمذهبين الذين يعترضون عليه. هذا ولقد بليت بأحد الأساتذة الكبار يشتم الإِمام ابن حزم انتصاراً لما يذهب إليه، فكتبت في الجريدة يوماً ما أعترض عليه، وأقول له: إن سب العلماء سيِّئ لأن لحم العلماء مرّ فما لنا والخلاف بين هذا وذاك. ولكن أثبت الزمان بأبي تراب وبأبي عبد الرحمن بن عقيل أنهم أهل الثبات والإِثبات، فكانوا بيننا رمزاً للأستاذية رمزاً لتعليمها، وأنا أدين لأبي تراب بشيء كثير من المعرفة، وأدين لأبي عبد الرحمن بن عقيل بشيء من المعرفة، لأني وإن لم أكن ظاهري المذهب. فلست بالظُهرة الذي يتمذهب على الأئمة وعلى الأشياخ. كل عالم محترم ومن فضائل أبي عبد الرحمن أن جاء بإخوانه وأنصاره من أهل الرياض من هؤلاء العلماء إلى هنا لا ليشاركونا في تكريم أبي عبد الرحمن وإنما هم بمجيئهم قد كرمونا. لم يكرموا عبد المقصود، ولم يكرموا ابن عقيل وإنما كرمونا جميعاً فما أحسن الألفة التي يتم بها توحيد هذا الكيان الكبير. فالأرض إذا توحدت، والدولة إذا توحدت فما أحسن أن تكون المشاعر واحدة والمنطلق واحداً والمصير واحداً.

إن تتهمي فتهامة وطني

أو تنجدي يكن الهوى نجد

- وما لي أكاد أن أنسى أبناء كاظمة، ما هي كاظمة؟ الكويت اسم جديد وإلاَّ فهي كاظمة. قال عمر بن الخطاب لعتبة بن غزوان ⁽²⁾ أحد السابقين الأولين الذي أكل ورق السدر والنوى مع رسول الله في شعب بني هاشم حليف سعد بن أبي وقاص، قال له أبو حفص عمر بن الخطاب عبقري هذه الأمة: يا عتبة بصر البصرة على الأدنى من حدود العرب، والأدنى من حدود العرب كاظمة، فالكويت هي كاظمة. لماذا قال عمر: بصر البصرة من حدود العرب؟ لأن الجغرفة في عهد الجاهلية وفي صدر الإِسلام كانت تخرج العراق والشام من الجغرفة لجزيرة العرب، لأن الشام كانت تحت حكم الرومان، والعراق تحت حكم الفرس.

- فحصروا جغرفة الجزيرة العربية بكاظمة من الشمال، وببادية الشام بالجوف، ودومة الجندل إلى العقبة، فكانت جزيرة العرب من كاظمة إلى خليج عدن ومن البحر الأحمر إلى البحر الأزرق على الخليج. أنا أرحب بأبناء كاظمة، أبناء الكويت إخوة خصوصاً، ونحن الآن نتنسم الوفاق في مجلس التعاون، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

[1]

هذا عجز بيت من الشعر، صدره:

"وزن الكلام إذا نطقتَ ولا تكن"

ثرثارة في كل ناد يخطب

والبيت لصالح بن عبد القدوس من قصيدة مطلعها:

صرمت حبالك بعد وصلك زينب

والدهر فيه تصرُّمٌ وتقلُّبُ

[2]

عتبة بن غزوان: صحابي قديم الإِسلام، هاجَر إلى الحبشة وهو باني البصرة حين ولاَّه الفاروق عمر بن الخطاب "الأبلة" أو أرض الهند.