شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(( كلمة المحتفى به الدكتور فهد العرابي الحارثي ))
ثم تحدث الدكتور فهد العرابي الحارثي فقال:
- بسم الله الرحمن الرحيم، كنت أظن أنني خطيب مفوه إلى أن غمرني أصدقائي بهذه الحلل الجميلة من الحب، فأقسم أنني كنت متردداً وأعيش لحظات حرجة، لحظات ظننت فيها وأظن حتى الآن أنني أصبحت عَيِيّاً فلا أستطيع الكلام. هذا الحب الغامر الذي يجعلني أسمي هذه الليلة ليلة الحب وهي والحق أقول أجمل ليالي حياتي. فماذا يبحث الإِنسان في حياته عن شيء أفضل وأجمل وأبهى من الحب؟
- الحب الذي انطلقت شرارته البهيجة من قلب أخي وصديقي الأستاذ عبد المقصود خوجه.. حينما ألح عليَّ منذ العام الماضي على أن يقيم هذه الأمسية، ولكن ظروفاً كانت تحول دون أن تقام هذه الأمسية، حتى تأخرت إلى هذا العام. ولو علمت أنني سأحس بهذا الإِحساس الغامر الذي يكسوني والذي يثلج صدري لكنت استجبت للدعوة بل كنت قلت لصديقي بيني وبينه أريد أن أكتشف الحب، ولقد اكتشفته هذه الليلة ولله الحمد. لا أستطيع في الواقع أن أرد على جميع الإِخوة الذين تحدثوا في هذه الأمسية، فلو فعلت ذلك لأطلت ولأخذت من وقتكم الكثير، ويكفي أنكم قد تكبدتم أو تجشمتم عناء هذا الليل وجئتم للمشاركة.
- الشكر الذي أوجهه ليس فقط لأخي وصديقي الأستاذ عبد المقصود خوجه، ولكن لجميع الإِخوة الذين تحدثوا عني هذه الليلة دون استثناء، ولجميع الحضور الذين جاءوا من أجل هذه الأمسية، لكل هذه الوجوه البهيجة التي أراها والتي أتمنى أن يعينني الله على أن أحتضنها حسياً في قلبي، لكنني سأتعرض لبعض الملاحظات الخفيفة التي قيلت في هذه الأمسية وبشكل سريع.
- الملاحظة الأولى ما قاله أستاذي ووالدي الأستاذ محمد حسين زيدان حول ما كتب في اليمامة في يومٍ ما، وأنا الذي كتبته بيدي عن أخي وأستاذي أيضاً الأستاذ عبد الله جفري، وأوضحت للأخ الأستاذ عبد الله جفري إشكالية ما نشر، ولكنه لم يبلغ أستاذنا الزيدان بما حدث فالغلطة مطبعية صرفة، ولكم أن ترسموا الآن الجفري وترسموا أمامها كلمة الجنوبي فترون أن الشكل يكاد يكون واحداً فالموظف المكلف بصف الحروف كما يحدث في كل الصحف أخطأ في الصف فكتب الجنوبي بدل الجفري، ثم كررها أكثر من مرة والمصحح كان يعتقد أنني أقصدها ولا أعتقد أن في ذلك ما يعيب الأستاذ عبد الله جفري فهو جنوبي وأنا جنوبي، لكن ربما إنها فسرت له في تلك الأيام تفسيراً خاطئاً.
- وحاولت أن أوضح له هذه الفكرة، وأعتقد أنه قد اقتنع بها. لكن الأستاذ الزيدان لحبه لعبد الله جفري، ولحبه لي أراد أن يثير هذه النقطة لأكرر اعتذاري علناً لأخي وحبيبي عبد الله جفري وما دامت هذه ليلة الحب فلا بد أن يسود هذا الحب، وأنا متأكد أن الأستاذ عبد الله كان مقتنعاً من قديم بهذه الفكرة.
- بالنسبة للأستاذ الكريم الأخ محمد عبد الله مليباري أشكره شكراً عميقاً أن جاء من مكة إلى هنا في هذه الأمسية. هذا دليل على أنه كريم في قلبه.. كريم في عواطفه، حتى وإن كان عنيفاً في حواره، حتى وإن كان متحمساً شديد الحماس للرسالة التي يريد أن يؤديها بغض النظر عن الاختلاف أو الاتفاق معه في كثير من الآراء والأفكار التي يقولها.
- الأستاذ محمد عبد الله مليباري مثقف صلب والذي يطلبه منه الشباب هو أن يظل مثقفاً ولكن أقل صلابة، أي أكثر ليناً، كل الكلام الذي قاله الأستاذ محمد عبد الله مليباري لا يعنيني في شيء مطلقاً فأنا متخصص لمعلومية الأستاذ محمد عبد الله في الأدب والنقد القديمين، فرسالة الدكتوراة التي أعددتها كانت في هذا المجال، وأنا أعلم في الجامعة الأدب والنقد القديمين، لكن هذا لا يعني أنني أتنصل من قراءاتي واطلاعي سواء حين كنت في باريس أيام الدراسة أو بعد أن عدت إلى المملكة.
- لا أريد أن أتنصل من كثير من الأشياء التي قرأتها واقتنعت بها، فكلنا تعلمنا مثل ما ذكر الدكتور المعطاني في جامعات أوروبية ولكن هذا لا يعني أننا حين نتعلم في جامعة أوروبية، وأن نأخذ بالمناهج العلمية لتلك الجامعات أو لتلك المدارس، أننا نتنصل من تراثنا، أو مما نعتز به في بيئتنا. وهذا أيضاً المعنى الذي ألمح إليه أخي الأستاذ سعيد السريحي.
- لا أريد الحقيقة أن أدخل في حوار طويل حول هذا الموضوع، لكنني أريد أن أوضح للأستاذ المليباري أنني كنت قد كتبت في هذا المجال أكثر من مرة، وكانت كتاباتي ليست كتابات المتخصص في هذا الميدان بقدر ما كنت أدعو دائماً في مقالاتي إلى حوار هادئ هادف إلى حوار يسود فيه العلم على العاطفة.
- وقد قلت في أكثر من مقالة بأننا حينما نتحاور حول التراث فإن المسلم بطبيعته يجعل الدين في مكان أرقى من أن يكون حوله حوار، لأنه قضية محسومة. وحينما نقول إعادة التراث فإن المثقف المسلم يعني بذلك ما دون الإِسلام، ما دون الدين بمعنى ما يتعلق بالأدب، بالنقد، بالشعر، بكل هذه الأمور.
- هذه أمور بالنسبة للمسلم أمور محسومة وغير قابلة للنقاش ولا للحوار، الذي كنا ندعو إليه حينما نقول إعادة قراءة التراث لا يعني بحال أننا نحاول أن ننفي عن تراثنا قيمه الفريدة ولا يعني أننا نريد أن نتنصل منه. إعادة قراءة التراث تعني لكل مثقف مسلم عربي غيور إعادة اكتشاف كنوز هذا التراث، وليس معناها قلب هذا التراث أو الانقلاب على هذا التراث، أو رفض هذا التراث، وأمة ليس لها تراث هي أمة بلا جذور وغير جديرة بالبقاء.
- وأنا أتساءل دائماً حين يتجرد المسلم من تراثه ماذا يبقى له في هذه الأرض؟ وماذا يبقى له في التاريخ؟ إن الذي يميزه عن غيره من الشعوب والأمم الأخرى هو هذا التراث فكيف له أن يتجرد منه؟ أو أن يقدم أي تنازل حوله؟ لكننا بالمناهج التي تعلمناها سواء في القديم القديم أيام انفتاح الدولة الإِسلامية على الثقافات المجاورة من بدايات العهد الأموي، وانتشار الفتح الإِسلامي حين امتد من الهند شرقاً حتى جبال البرانس غرباً في قلب أوروبا، كان هناك تلاقح بين الثقافة العربية وغيرها من الثقافات الأخرى.
 
- كان هناك تمازج بين الكثير مما هو موجود لدى الأمم الأخرى من علوم ومعارف استطاع أن يفيد منها العرب في تأسيس علومهم التي تطورت حتى بلغتنا اليوم ابتداءاً من النحو والصرف وعلوم التفسير، حتى تفسير القرآن ومروراً بكثير من العلوم والمعارف الأخرى المتعلقة بالتاريخ، والجغرافيا، والأدب، والنقد. حتى هذا اليوم، الاستعارة الحضارية أو الاستعارة الثقافية أساس من أسس الحضارة، شرط أن لا تتنافى مع القيم التي يؤمن بها الشخص ولا أعتقد أن أمة تستطيع أن تعيش بمعزل عما يدور حولها في العالم. أعتقد أن هذه الفكرة كانت واضحة في كثير من الأشياء التي كتبتها، وأعتقد أيضاً أن الأستاذ محمد عبد الله مليباري يحمل بين جنبيه قلباً كبيراً، لكنه أراد في هذه الليلة أن يستفز هذه الأمسية، أن يزيد درجة حرارتها قليلاً، وقد وفِّق فيما أعتقد إلى حد كبير.
 
- فكثير من الجالسين هنا كانوا يتطلعون إلى تعليقه خصوصاً حينما قدم من الباب الأستاذ سعيد السريحي، وهم يعرفون أن كلاهما من المثقفين العنيدين، كل منهم يريد أن يثبت على جادته، وكل منهما في رأيي على صواب. لكن أعود فأكرر دعوة الأستاذ الدكتور أحمد هاشم عميد كلية أصول الدين بأن يسود الحب بين المثقفين، وأن يسود الحب بين العرب والمسلمين جميعاً مهما اختلفت الآراء، ومهما تباينت. أريد أن أذكر أيضاً بالشكر سعادة الأستاذ عبد الله الحصين.. الذي كان مديراً للتعليم حينما كنت طالباً بدار التوحيد وقد كانت من أنشط المدارس في المملكة العربية السعودية من حيث أنشطتها الثقافية، والفكرية، وقد أُنشئت هذه المدرسة وهي الوحيدة في المملكة لتكوين جيل من المتعمقين في علوم الدين، وفي علوم اللغة العربية.
- ولهذا كان أكثر خرّيجيها أو كان أكثر طلابها من النشطين، وكانت متميزة بنشاطها الثقافي ومسامراتها الأدبية. وكنت كأي طالب آخر في هذه المدرسة أمارس بعض النشاط الذي أطراه مشكوراً الأستاذ عبد الله الحصين، وكانت تقام كل عام أمسية ختامية في نهاية العام الدراسي.
- وكنت في تلك الأيام أحاول أن أكتب بعض المسرحيات للمدرسة، وأحاول أن أمثل دور البطولة في تلك المسرحيات وأحاول أن أستبد بإخراج تلك المسرحيات. وفي إحدى تلك الحفلات والتي أقيمت على شرف الأستاذ عبد الله الحصين، لعله أعجب بالمسرحية وبالأداء التمثيلي.. فمنحني جائزة لا زلت أتذكرها حتى الآن جائزة كريمة، وهي أنه أرسلني إلى الظهران على حساب إدارة التعليم كي أرى منابع البترول هناك، وكانت تلك الرحلة اليوم تشبه رحلة إلى أقاصي الأرض، لأن وسائل الموصلات كانت صعبة وكنت إبّان تلك الفترة أتطلع إلى أن أقوم بمثل هذه الزيارة لجزء عزيز غالي عليَّ من بلدي.
- أشكر كل الإِخوان الذين تحدثوا عني هذه الليلة، وأرجو أن أكون عند حسن ظنهم، وأرجو أن أكون على مستوى الكلمات التي قالوها، وليتأكدوا جميعاً بأنني هذه الليلة أشعر بأن الطريق أمامي أصبحت أكثر وعورة، لأنني شعرت بأن هناك كثيرين يحبونني وهذه المسؤولية ضخمة، لأنني أريد أن أحافظ على هذا الكنز العظيم، الحب في ليلة الحب، وشكراً.
 
 
طباعة

تعليق

 القراءات :501  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 101 من 230
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور معراج نواب مرزا

المؤرخ والجغرافي والباحث التراثي المعروف.