شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الحالة الفكرية في الحجاز خلال القرن الثاني عشر الهجري (1) (1)
عمر بن عبد السلام الداغستاني: (2)
قال بعض الباحثين إن من مآثر هذا الشاعر هو عنايته بترجمة معاصريه من أعيان المدينة المنورة في كتابه المعروف ((تحفة الدهر ونفحة الزهر من أعيان المدينة من أهل العصر)) (3) والذي يعد مصدراً جيداً لمعرفة حلقة من التاريخ الأدبي القريب للمدينة، إلا أن ثمة مأثرة أخرى هي أكثر أهمية مما ذكره له بعض الباحثين من مآثر؛ فقد قاد هذا الشاعر معارضة صريحة ضد بعض الأشراف من حكام تلك الفترة التي تجيء بين أواخر القرن الثاني عشر وأوائل الثالث عشر الهجري، والتي تفاقمت فيها مشاكل الحجاز السياسية.
وإذا كان السيد البيتي، من قبل، يجاهر بانتقاداته لسلاطين آل عثمان - فإنه أعطى راية المعارضة، من بعده (4) ، لشاعرنا الذي نجد له مطولة يبلغ عدد أبياتها 69 بيتاً؛ يتناول فيها بعض الفتن التي تخللت حكم الشريف سرور بن مساعد، في الحجاز، وهي الفترة الواقعة بين 1186هـ و1202هـ (5) .
يبتدىء الشاعر قصيدته بنهج يشذ فيه عن شعراء عصره؛ حيث ينتقد انصرافهم عن المشاركة في تلك الأحداث الجسام، وكلفهم بأنماط الغزل المتكلف الذي يعني برصف الكلمات، ويتعمد إيراد أكبر قدر من أنواع البديع.
يقول:
يا من تولع بالتشبيب والغزل
وقد صبا في مليح الغنج والكحل
باقي الجمال الذي قد حاز مبسمه
عقدا من الدر أو خمراً من العسل
كم ذا التصابي إلى نحو الحسان وكم
تكون صبّاً وأنت عنهم لم تحل
تميل للغيد لا تنفك عن كلف
بأهيف الغد ذاك الراجح الكفل
تهوى الرشاق الأولى باللحظ قد فتنوا
تفدي بروحك أهل الأعين النحل
دع التغزل فيهم كم تغازلهم
وعن مغاني الهوى واللهو فارتحل
وأذكر لمن قتلوا في طيبة بطرا
ونح عليهم بدمع منك منهمل (6)
لقد استطاع الداغستاني بما هيىء له من ثقافة وما أكسبته تجارب التنقل بين بعض البلاد العربية والإسلامية - كما يورد ذلك عنه مترجمو حياته - استطاع أن يضرب سهماً نافذاً في ذلك الحاجز الذي تهيبت الأجيال، من قبله، من الدنو منه.
يقول شاعرنا في نقد جريء يواجه به الشريف سرور، الذي كان يقف خلف مجريات فتن سنة 1194هـ وما قبلها:
أما سمعت بما قد صار في بلدة المختار طه المرجّى سيد الرسل:
من محدثات أمور أحدثت فتنا
والناس في شغل منها وفي شغل
جاء الشريف سرور ذو الشرور بها
في جحفل سايل قد سد للسبل
فارتاعت الناس مما رؤوا فزعا
وأسلموا الأمر للرحمن فهو ولي
قالوا عسى تحصل الأفراح منه لنا
ويحصل الأمر فينا غير مغتفل
فأمن الناس تسكيناً لخاطرهم
من المخاوف من مكر ومن حيل
وأظهر العدل والإحسان مقتصداً
كأنه قاصد للخير في القمل
فلم ير عنا سوى مسك الروس وقد
غدا لقلعتنا بالغدر في أمل
ويكشف عن الفظائع التي ارتكبها مناصرو الشريف سرور:
شنوا على القلعة الغراء غارتها
بنهب أسبابها الباقي من الأول
وأخرجوا أهلها منها بظلمهم
بسوء حال وهتك معه متصل
كم قتلوا من صناديد مكرمة
كم قتلوا من شجاع باسل بطل
كم هتكوا عرض ربات الخدور وقد
خرجن من فعلة الأوغاد والسفل
هلكى حفايا عرايا في مكابدة
من بعد ما كن في الأثواب و الحلل
أصبن في المال والأهلين مع ولد
وفي النفوس وهذا حكمه في الأزل
رجالهن خذوا أسرى كأنهم
عبيد ملك السود كالجعل
مقدار خمسين في الأغلال قد أخذوا
وأهلهم في عويل غير منفصل
فيا لذلك من يوم قد انفطرت
به القلوب لهذا الأمر والخلل
ترى الأنام حيارى من فعايلهم
عقولهم مثل عقل الشارب الثمل (7)
ونتجاوز عن الجزء الذي يتعرض فيه الشاعر لنهاية المعركة لصالح المتطوعين من أهل المدينة لنتمم إطار الصورة التي رغب شاعرنا، بدون تكلف، أن يرسمها للشريف سرور ورجاله المرتزقة المتعطشين للدماء الطامعين في نهب الخيرات من حوزة هذا المجتمع الذي أنهكت جسده الحروب، وروعت أمنه الفتن، على مدى قرن كامل.
يقول الشاعر مصوراً ذلك المسلك الإنساني الذي أبرزه أولئك المتطوعون، عندما تم لهم النصر على أعدائهم، في تلك الحرب، ثم موقف الشريف من هزيمة هذه الشرذمة، ومحاولته اليائسة الأخيرة، وكيف قضى عليها:
فأخرجوهم بلا ضر ولا نكد
مع الأمان وأجلوهم بلا جدل
فحين استمع ذي الأخبار سيدهم
إنغاظ حتى امتلأ بالهم والعلل
فأرسل الجردة التعساء لا ظفرت
لأهل طيبة في جمع من الهمل
فقابلوهم رجال الحرب في دشم
في معرك من صياح الحرب في زحل
كم أنزلوا فارساً بالعزم من فرس
كم قتلوا منهم يا صاح من رجل
كروا عليهم ففروا حينما علموا
من أن قربهم يدني على الأجل
وذاك في عام ألف من بعد مائة
من قبل أربع مع تسعين إن تسل
بذاك عن طيبة قد زال ملكهم
فهل سمعت بملك غير منتقل (8)
 
طباعة

تعليق

 القراءات :680  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 482 من 482
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور محمد خير البقاعي

رفد المكتبة العربية بخمسة عشر مؤلفاً في النقد والفكر والترجمة.