شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
من تاريخ الحركة الفكرية بالمدينة المنورة (1)
قبل حوالي عقدين من الزمن قرأت للأستاذ محمد حسين زيدان قولاً أرى فيه اليوم شاهداً استأنس به لما أنا بصدد الحديث عنه في هذه المقالة... لقد أراد الأستاذ - الزيدان - من ذلك القول - يومها - أن يوضح للناشئة من شداة الأدب دور المرحوم محمد سرور الصبان - رحمه الله - في النهضة الأدبية التي شهدتها أرض الجزيرة العربية فقال ما معناه ((لقد نشأ فينا رجال لم يصنعوا الأدب ولكنهم شجعوه فكانوا بذلك أكثر من صانعيه، من هؤلاء محمد سرور الصبان))...
وفي ذلك التاريخ نفسه وقعت عيناي لأول مرة على شخصية فكرية كان لها دورها المتميز في تشجيع الحركة الأدبية في طيبة الطيبة، ولعلي سمعت بتلك الشخصية قبل ذلك التاريخ، إلا أنه سماع لم يؤيده - يومها - بعد شيء من عالم الواقع الذي يتطلبه العقل ويبحث عن مصداقيته القلب...
وفي حي باب الرحمة الذي كانت تطل دوره المتلاصقة على مسجد المصطفى - صلى الله عليه وسلم - وفي صباح يوم أغر من تلك الأيام التي تشرق شمسها الزاهية على تلك الأرض الطيبة، يزيد من بهاء نورها ذلك الضياء الإيماني الذي ينبعث من أرجاء المسجد السامي حيث يرقد خير مرسل، وأكرم نبي، وأطهر إنسان - عليه صلاة الله وسلامه - في ذلك الحي، ومع إطلالة ذلك الصباح، صافحت عيناي رجلاً مديد القامة، جميل المحيا، حاد النظرات، لقد كان يتحدث إلى الصديق الأستاذ - محمد هاشم رشيد - في مكتبة الشيخ عبد المحسن الكتبي - رحمه الله - يتحدث إليه عن قيمة الكتاب الواحد تشتريه ثم تتبعه بكتاب آخر، ثم تستمر على هذا المنوال فيتكون لك في النهاية من ذلك مكتبة، تيسر إليك الرجوع في أمور البحث والمطالعة لقد كان الرجل - بعبارة أخرى يتحدث عن قيمة الكتاب في حياة الأمة الفكرية، ولعلي يومها تهيبت الرجل فلم أتحدث معه بشيء، ولربما كان مرد ذلك التهيب ما نشأنا عليه من احترام لرجال العلم والفضل، وما وقر في نفوسنا من حب لهم، لقد انصرفت عن الحديث - يومها - مع الرجل وفي النفس تطلع إليه دل عليه ذلك الحديث الذي جاذبت به الأستاذ الرشيد عن الشاعر الأستاذ حسين سرحان، وديوانه الأول - أجنحة بلا ريش -، وقد صدر يومها بمقدمة كتبها الشيخ حمد الجاسر، ولم يكن الديوان - يومها - متوافراً في الأسواق، فظننت أن قرض الشعر ومعالجة شؤونه ربما مكنا للأستاذ - الرشيد - في الحيازة على ديوان كهذا، إلا أن شاعر المدينة لم يكن أحسن حظاً مني في الاطلاع على ذلك العمل الشعري لشاعر اقترن اسمه بشاعر مبدع آخر هو الأستاذ حمزة شحاتة - رحمه الله - فلا يذكر الشعر في بلادنا إلا ويكون لهما فيه نصيب الأسد...
ومضى على ذلك اللقاء سنون عدة قبل أن أجلس إلى هذا الرجل عن كثب يوم أسأل الزميل - الدكتور يوسف أحمد حواله، في أن يرافقني في زيارة فضيلة الشيخ ((جعفر فقيه)) - أمد الله في عمره - حيث يسكن الزميل ((الحوالة)) في الحي الذي يسكنه الشيخ ((الفقيه))، وهو حي من أحياء المدينة القديمة اصطلح الناس على تسميته ((بباب المجيدي)) ولربما رغب البعض عن هذه التسمية اليوم فيدعونه ((بحي البيعة))...
وتتم الزيارة وإذا أنا أجلس إلى رجل يحدثك فينم حديثه عن عمق ودراية وخصوصاً فيما يتعلق بتاريخ المدينة النبوية وآثارها، واسترق النظر إلى المكان المحيط بنا، فإذا هو تحفة فنية من صور الآثار القديمة التي كانت تقوم في أرجاء مختلفة من البلدة الطيبة، وقد عُنِىَ الشيخ ((الفقيه)) - أمد الله في عمره - بهذه الصور عناية تدل على ذوق فني يتوافر لأولئك الذين وهبهم الله رهافة الحس وعمق الوجدان، وطوف بنا - أبو سامي - في أرجاء مكتبته فإذا هي تحفل بالنادر من المؤلفات المخطوطة والمطبوعة، ولعل عنايته هذه بالكتب قادته - يوم أسندت إليه إدارة مكتبة المدينة المنورة العامة - أن يضم إليها ما يقرب من عشرين مكتبة خاصة - وسعى في أن تكون محتوياتها في متناول طلاب العلم الذين يفدون إلى ذلك الصرح العلمي بالقرب من مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فينهلون ما وسعهم من معين العلم والمعرفة...
إن شداة العلم والمعرفة يعلمون أن في صنيع الشيخ الفقيه بضم ذلك التراث إلى المكتبة العامة ما يستحقه هذا الرجل من ثناء وشكر يجب أن يتجسد في عملية تكريم علمي، ولعل نادي المدينة المنورة الثقافي خير من يضطلع بدور كهذا...
لقد أعطى - أبو سامي - الكثير من جهده يوم كان مساعداً للشيخ ((صالح قزاز)) في الإشراف على تنفيذ عمارة وتوسعة الحرم النبوي الشريف الأولى التي تمت في العهد السعودي الزاهر، ثم بما وفقه الله له من تزويد طلاب العلم بما يحتاجون إليه من معلومات تحتاج إلى التوثيق أو مصادر يعز الحصول عليها، فلا أقل اليوم من أن نحتفي بأحد رجال الحركة الفكرية في البلد الطيب، والله ولي التوفيق.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :552  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 479 من 482
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الجمعية النسائية الخيرية الأولى بجدة

أول جمعية سجلت بوزارة الشئون الاجتماعية، ظلت تعمل لأكثر من نصف قرن في العمل الخيري التطوعي،في مجالات رعاية الطفولة والأمومة، والرعاية الصحية، وتأهيل المرأة وغيرها من أوجه الخير.