شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
مثقفون عرب يتخاذلون وغربيون يشمخون (1)
يكثر الحديث في الآونة الأخيرة عن دور المثقف العربي في صياغة مستقبل الأمة واستشراف الآفاق التي يمكن لها بلوغها حضارياً وفكرياً، كما يأخذ الحديث منحى آخر وهو ضرورة العمل على فتح باب الحوار الوطني. أما الشق الأول من القضية المطروحة فهو يضع أسئلة عدة يحسن على المثقف العربي الإجابة عنها، ومنها هل هذا المثقف عنده من الحرية ما يجعله يطرح رأيه ويقول كلمته دون أن يتلفت يمنة ويسرة، وهل عنده من الشجاعة المقترنة بالصدق ما يجعله يبتعد قدر الإمكان عن أهوائه الشخصية وينحاز للمصلحة الوطنية التي تغلب العام على الخاص. وبعبارة أخرى فإن الشللية التي عرفها الوسط الثقافي العربي أضرت بمصلحة الأمة وأفقدت الأمة تلك الثقة التي كانت توليها لمثقفين كبار، من أمثال: العقاد، والرافعي، وطه حسين، وشكيب أرسلان، وأحمد أمين، وعبد الرحمن الكواكبي، والطاهر بن عاشور، وأبو الحسن الندوي، ومحمود شاكر، وعبد الله كنون، وعلال الفاسي ومصطفى الزرقا، ومحمد عواد، ومالك بن نبي، وحمزة شحاتة، وحسن آل الشيخ، وعلي الطنطاوي، وعمر الفاروق، ومحمد كرد علي، وأحمد عبد الغفور عطار، وأحمد جمال، وعبد العزيز الرفاعي، وحمد الجاسر، وميخائيل نعيمة، وأمين مدني وغيرهم.
لقد استطاع هذا الجيل أن يحافظ على أصالته ولا يسعى لنزع هويته، بل يعمل على تثبيتها، وكان - أيضاً - ملماً بما يجري حوله من تيارات فكرية واستطاع الإفادة منها. وخلف هؤلاء تراثاً يمكن التعويل عليه والاعتماد على مكوناته، مع أنه الجيل الذي لم يجد الطريق ممهداً أمامه بل عمل بنفسه على تمهيد هذا الطريق في ظروف كانت غاية في القسوة والصعوبة، فلقد كانوا يقرأون على مصابيح الزيت، ويتنقلون بين حلقات العلم صباحاً وليلاً، ويموتون في أحضان الكتاب في ظلمة الليل أو عند غلس الفجر.
ومثقف اليوم يحاول أن يعيد ثقة الأمة فيه، ولكن هل يستطيع بلوغ هذا الهدف أو الوصول إلى هذه الأمنية، وكيف لمثقف مثل العفيف الأخضر أن يقنع الأمة بآرائه وهو يتحدث بلسان حكومة شارون الإرهابية على صفحات جريدة الحياة الدولية، ويَنْعى البراعم الإسرائيلية ولا يهمه ولا يعنيه أن يقتل الإسرائيليون الأطفال الرضع من الفلسطينيين بدم بارد، مثل جمال الدرة وإيمان حجو. كيف لمثل هذا الدَّعي - غير العفيف - أن ينام ملء جفونه وهو يستهزئ بنبي الإسلام ويدعوه ((محمد)) ويتحدث عن شارون وبيريز داعياً إياهما بالسيدين المناضلين، وكيف يمكن لأمة رددت على مدى سنوات قصائد من أمثال: سجل أنا عربي، أو عابرون في كلام عابر، ثم يسعى بكل ما أوتي - صاحب هذه القصائد العصماء، ونعني به ((محمود درويش)) - لمنع الحكومات العربية من عقد مؤتمر يفضح الحركة الصهيونية وبعقول غربية متجردة لم تبال بالتهديدات الإسرائيلية والغربية. كيف يمكن للشاعر القومي أن يبرر استلامه هو والعفيف وأدونيس وسميح القاسم شهادات براءة وشكر من السفير الإسرائيلي في فرنسا حيث يقيم بعضهم منذ سنوات؟ وكيف يدعي ((درويش)) عداء الغرب لأنه - أي الغرب - سلّم وطنه السليب ((فلسطين)) للعصابات الإرهابية من أمثال ((الهاغاناة)) و((شيترن)) ولشذاذ الآفاق، ثم يستلم جائزة بمبلغ 000,350 دولار من مؤسسة فكرية أمريكية كمكافأة له على دفاعه عن الحركة الصهيونية والانحياز إليها على أنها حركة تحررية، بينما يحارب الفيلسوف الفرنسي ((روجيه جارودي)) لأنه فضح الأساطير والأوهام اليهودية المتحكمة تحكماً بالغاً، وذلك في كتبه العلمية والموثقة، والتي بدأ في إصدارها منذ بداية الثمانينيات الميلادية، حيث أصدر كتابه المعروف ((وضعية إسرائيل)) (the case of ISRAEL) عن دار (S.P.A.G)، وذلك في عام 1983م.
ثم أصدر كتابه الآخر ((الأساطير المؤسِّسة للسياسة الإسرائيلية))، وصدرت ترجمة عربية له وبتقديم من الكاتب المعروف محمد حسنين هيكل، ثم أخيراً عام 1419هـ/1999م كتابه الذي حاكم فيه صهيونية إسرائيل ونازيتها وعنصريتها والموسوم ((محاكمة الصهيونية العالمية)).
لم يكن جارودي الوحيد بين المفكرين الغربيين والمدافعين عن الحق العربي والعاملين على كشف زيف الصهيونية، فهناك المؤرخ الإنجليزي المعروف ((دافيد إيرفنج)) الذي تعرض للدعاوى اليهودية عن المحرقة النازية. وأنقل هنا للمثقفين العرب الذين يدافعون عن الحركة الصهيونية كحرمة تحررية ويدعون للتطبيع بمختلف - أشكاله - مع الكيان العنصري الإسرائيلي، شهادة الصّحافي المعروف الأستاذ هيكل وهو محسوب على التوجه الليبرالي في الفكر المعاصر.
يصف الأستاذ هيكل ما حدث للمؤرخ ((إيرفنج)) في بلد يحلو لبعض المثقفين العرب الادعاء بأنه أعرق الديمقراطيات ((ثم أتيح لي أن أرى بنفسي - وليس مجرد القراءة - ما حدث فيما بعد للمؤرخ البريطاني المدقق ((دافيد إيرفنج))، وشاءت الظروف أن أشهد واقعة ضربه ضرباً مبرحاً بينما هو يتناول الإفطار في مطعم ((ريكشو)) في شارع ((سوت أودلي)) على بعد أمتار من مقر السفارة المصرية في لندن، ولم يكن السبب أن ((دافيد إيرفنج)) كتب عن المحرقة النازية، وإنما كان السبب أنه راح يبحث ويتقصى ثم شاع في أوساط كثيرة أنه أوشك على ملامسة الحقيقة)). ويضيف الأستاذ هيكل مصوراً تلك المأساة التي تعرض لها ((إيرفنج)) أمام بني قومه الذين لم يكن بمقدورهم الدفاع عنه لأن المعتدين من اليهود ويحق لهم خرق النظام، والاعتداء على حقوق الإنسان التي كفلتها له جميع الشرائع السماوية والقوانين الدولية:
فاليهودي في نظر بعض المسيحيين المتطرفين على حق حتى وإن شرّد الآخرين وقتلهم أو جعلهم يحفرون قبورهم بأنفسهم وهم أحياء، ثم يوجه إلى صدورهم ذلك السلاح الغربي الفتاك - كما هي الحال في شأن الشعب الفلسطيني الأعزل.
هذه يا بني قومنا - مقاطع من القصة التي رواها الأستاذ هيكل - وثارت عاصفة الغضب ضد ((إيرفنج)) ووصلت إلى درجة التحرش به، وجره إلى الشارع والاعتداء عليه، ثم التحريض ضده إلى درجة الحصار، كل ذلك وهو لم يكتب - بعد - ما توصل إليه في كتابه، لكنه كان يكفي لعقابه أنه وصل إلى أقرب نقطة من الحقيقة، أي من المصدر الذي يفوق غيره من المصادر في دقة وصحة ما لديه - ((أنظر الطبعة))... (الطبعة العربية لكتاب جارودي ((الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية))، تقديم محمد حسنين هيكل، ط3، 1420هـ - 1999م، ص9).
أما الكاتب اليهودي الأصل ((مكسيم رودنسون)) Maxime Rodinsan، فإنه ألّف كتاباً وسم فيه إسرائيل بأنها دولة استعمارية - استيطانية. ويذكر الكاتب Buch Peter في مقدمة كتاب ((رودنسون)) (Israel A Colnial (Settler State حقيقة تاريخية - طالما أنكرتها الحكومات البريطانية المتعاقبة - وهي أن بريطانيا هي التي كانت وراء هجرة اليهود وإقناعهم بنشوء كيان لهم على الأراضي العربية في فلسطين، ولم تكتف بريطانيا بدفع اليهود دفعاً لاحتلال فلسطين، ولكنها دعمتهم بكل السبل والوسائل حتى يتسنى لها التدخل في الشرق الأوسط متى أرادت، وهي الغاية التي تحققت الآن وبعد أحداث 11 سبتمبر، فلقد أدت بريطانيا الدور الأكبر مع شركائها في إضعاف الشأن العربي وإذلال الشعب الفلسطيني.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :649  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 456 من 482
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور عبد الكريم محمود الخطيب

له أكثر من ثلاثين مؤلفاً، في التاريخ والأدب والقصة.