شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
مجلس المندوبين والنفوذ اليهودي في بريطانيا (1)
لم يكن السياسي البريطاني المخضرم الذي ينتمي إلى جذور يهودية، النائب جيرالد كوفمان (Gerald Kufman), هو أول من شن هجوماً حاداً على مجلس مندوبي يهود بريطانيا ((The Board of The Deputies of British Jews)), فلقد سبقه إلى ذلك رئيس بلدية لندن السابق، والنائب العمالي المنتمي إلى يسار الحزب كين ليفنقستون (Ken Livingston)، حدث ذلك في منتصف عام 1985، عندما تحدث كين بجرأة بالغة ذاكراً أن هذا المجلس اليهودي أصبح في قبضة أولئك الذين يعتنقون آراء يمينية متطرفة، بل إن الواقع يشير إلى أن المجلس تدار شؤونه من قبل النفر الذين يمثلون عصابة ((حيروت)) (Herut)، أو الذين يماثلونهم في الآراء المتطرفة.
وقد كان لتصريحات ليفنقستون صدى كبير وذلك في الوقت الذي كان فيه حزب العمال البريطاني قد تخلص من الهيمنة الصهيونية التي دامت على مدى نصف قرن من الزمن، وذلك بعد صعود الزعيم مايكل فووت (Michael Foot) لرئاسة الحزب في عام 1980، وإن عرف عن فووت في بداية حياته مناصرته للحركة الصهيونية ودفاعه المستميت في مجلس العموم عن أولئك الذين قاموا بتفجير فندق الملك ((داود)) في القدس في محاولة للضغط على دولة الانتداب البريطانية لتسليم فلسطين للعصابات الإرهابية الهاغاناة، وشتيرن. وقد أدت تلك التصريحات حينذاك إلى استقالة العضو العمالي اليهودي جيري روس (Gerry Ross)، وكان روس عضواً بارزاً في المجموعة العمالية التي تدير شؤون بلدية لندن (Greater London Council)، إضافة إلى عمله الذي استقال منه في شؤون الحزب وهو مساعد رئيس الهيئة النيابية المكلفة بتطبيق الأنظمة الحزبية أو ما يعرف بمصطلح ((Chief-Whip))، وكانت الاستقالة ضرباً من ضروب الاستراتيجية اليهودية التي تعمل على إخافة المجتمع الغربي وإثارة الرعب فيه بالتلويح بالماضي النازي المتمثل في المحرقة النازية ((Holocaust)).. كانت هذه المقدمة ضرورية لمعرفة بواعث المقالة التي كتبها كوفمان في مجلة ((نيوستيسمان)) الأسبوعية العمالية.
((New Statsman, 10 April 1998))، والتي حملت عنوان ((روبن كوك والمندوبون Re. Cook and the Deputies))، ولقد بدأ كوفمان مقالته بالحديث عن رحلة والديه من بولندا إلى بريطانيا وأن والده انتمى إلى الحركة العمالية البريطانية، كما كان عضواً في منظمة ((Poale-Zion)) أي (حزب العمال اليهودي)، والمندمج في الحزب العمالي البريطاني منذ ما يقرب من ثمانين عاماً، ولقد تبع كوفمان خطوات والده في الانضمام إلى كل من الحركتين العماليتين البريطانية واليهودية، إضافة إلى كونه عضواً في نادي أصدقاء إسرائيل بحزب العمال. ويذكر كوفمان صراحة بأنه دائم الزيارة لإسرائيل منذ عام 1961، وأنه ألّف كتاباً عنها بمناسبة مرور خمسة وعشرين عاماً على تأسيسها وهو (تعمير أرض الميعاد) ((To Build the Promised Land))، ويشير سيريل تاونسند إلى أن الكتاب يمثل الوجه الأفضل للصهيونية فهو أي كوفمان من الذين يدركون الفرق بين إسرائيل كما هي، وكما يمكن أن تكون.
((كوفمان)) صهيوني ملتزم وكان يعمل في مكتب هارولد ويلسون، أكثر الزعماء البريطانيين ولاءً للصهيونية، ولهذا فإنه خلال حرب الأيام الستة (1967) - كما يذكر في مقالته الآنفة الذكر - كان يذهب يومياً في مهمة سرية بين الحكومة العمالية الحاكمة آنذاك في 10 دوانج استريت والسفير الإسرائيلي أهارون ريميز Aharon Remez، وهذه الحقيقة التي كشف عنها كوفمان - برغبته - توضح مدى الدور السيئ والقبيح الذي لعبه حزب العمال في دعم الحركة الصهيونية منذ قيام إسرائيل حتى وقتنا الحاضر حيث لا يقل رئيس الوزراء البريطاني الحالي، توني بلير، ولاءً لإسرائيل عن سلفه ويلسون حتى إن تعارض هذا الولاء مع مصلحة بريطانيا كشعب وحكومة مع الشعوب العربية والإسلامية التي يجب أن تطالب حكومة بلير الحالية بالاعتذار، والتعويض الشامل للشعب الفلسطيني جراء معاناته الإنسانية منذ نصف قرن من الزمن. ولكن نظرة كوفمان إلى الصراع العربي - الإسرائيلي تبدلت منذ صعود حكومة الليكود بزعامة مناحيم بيجن إلى الحكم في إسرائيل في عام 1977، فقد أصبح من أشد المنتقدين لها كما عبّر عن ذلك. وعندما أصبح كوفمان وزير خارجية الظل، أثناء وجود حزبه في المعارضة عام 1987، وثّق علاقته مع جميع المؤسسات والسفارات العربية في لندن، وزار كثيراً من البلاد العربية ولم ينس أن يتعهد الأقليات اليهودية ويزور معابدها وخصوصاً كنيس الغربية اليهودي في جزيرة ((جربه)) بتونس، واتخذ خطوة جريئة بفتح قناة واضحة مع منظمة التحرير الفلسطينية - آنذاك - في تونس، وقابل الرئيس ياسر عرفات في الحقبة التي كانت حكومة تاتشر المحافظة تحظر ذلك على نوابها.
ويبدو أن مخاطبته لجماعة أصدقاء إسرائيل في أحد مؤتمرات الحزب أثناء توليه حقيبة الخارجية في حكومة الظل، بأنه، أي كوفمان، في منصبه هذا لا يمثل المجتمع اليهودي في بريطانيا ولكنه يمثل المملكة المتحدة، هذا الخطاب الذي اقترن بسلوكه لدفع عملية السلام، إضافة إلى المقالة التي كتبها في صحيفة الديلي ميل بعنوان As a Jew, I deplore the actions of this Israeli government ((Daily-Mail, 27 September 1996)).
((إنني كيهودي استنكر سياسة هذه الحكومة الإسرائيلية))، حمّل فيها نتنياهو كل ما تشهده عملية السلام من تعثر، بل أضاف إلى ذلك، بأن الخسائر التي حصلت في الأرواح في هذه المدة تتحملها حكومة الليكود اليمينية المتشددة وحدها.
يبدو أن هذا جعل مجلس مندوبي يهود بريطانيا يتخذ موقفاً عدائياً من كوفمان، على الرغم من أنه يهودي. لذلك فقد كشفت مقالته في مجلة ((نيوستيسمان)) أن المجلس الذي تشكل قبل 238 سنة، منقطع الصلة بغالبية أفراد الجالية اليهودية في بريطانيا والبالغ عددهم 300 ألف شخص.
ويحمل كوفمان السياسيين البريطانيين منذ مارجريت تاتشر إلى توني بلير وكوك، مسؤولية اعتبار هذا المجلس هو الممثل الوحيد لكل يهود بريطانيا، ويصف هذا السلوك البريطاني بأنه وهم وأن القائمين على شؤون المجلس هم من الجهلة بشؤون السياسة، ويرى أن هذا المجلس مكوّن من المنصاعين لإسرائيل الذين يرون أن أية حكومة إسرائيلية حتى لو كانت واضحة الحقارة مثل حكومة نتنياهو هي دوماً على حق، وكل من لا يخنع لأية حكومة إسرائيلية يعزل نفسه - تماماً - عن الرأي العام اليهودي.
ويختم كوفمان مقالته الجريئة بقوله: ((إن سلوك مجلس مندوبي اليهود تجاه وزير الخارجية البريطانية بعد زيارته لمستوطنة جبل أبو غنيم في الأراضي المحتلة، وما ترتب عليها من سحب الدعوة التي كان وجهها مجلس الممثلين لوزير الخارجية لحضور حفل عشاء سنوي لجمع التبرعات، هذا السلوك المهيمن من المجلس إزاء الوزير روبن كوك برهن لكوفمان شيئاً هاماً وهو ((أن مجلس الممثلين أكثر تبجحاً وسخفاً مما كنت أعتقد)).
إن المقالة التي كتبها كوفمان تكشف أن سياسياً بريطانياً يهودياً أصبح على درجة كبيرة من الاعتدال إزاء الصراع العربي - الإسرائيلي مقارنة بما يبدو عليه توني بلير من تعصب شديد ومنحاز لسياسة حكومة نتنياهو، مما جعل حزب العمال يبدو صهيونياً أكثر من الصهاينة.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :570  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 454 من 482
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

سعادة الدكتور واسيني الأعرج

الروائي الجزائري الفرنسي المعروف الذي يعمل حالياً أستاذ كرسي في جامعة الجزائر المركزية وجامعة السوربون في باريس، له 21 رواية، قادماً خصيصاً من باريس للاثنينية.