شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
توينبي وجارودي ودور الإسلام في حوار الحضارات (1)
يمثل روجيه جارودي Roger-Garaudy ظاهرة فريدة ومثيرة في آن في العصر الحديث، فلقد ولد (جارودي) في مارسيليا سنة 1918م درس في مدرسة مارسيليا، ثم انتقل إلى مدرسة هنري الرابع، ثم درس في كلية الآداب في أكس AIX ودرس أخيراً في كلية الآداب في ستراسبورغ Strasbourg وحصل جارودي على إجازة الفلسفة عام 1936هـ ورغم اعتناقه المسيحية البروتستانتية إلا أن ذلك لم يمنعه من الانضواء في صفوف الحزب الشيوعي دون التخلي عن ديانته النصرانية وفي هذا درس واقعي معاصر للزمرة الشيوعية العربية التي ترفض مفاهيم دينها الإسلامي وتشريعاته، بل إنها كانت إبان الحقبة السوفيتية المنصرمة تزايد على أسيادها في الكرملين بمباركة كل غزو سوفياتي، وفي الوقت الذي صمت فيه الشيوعيون العرب عن الغزو السوفياتي لأفغانستان في بداية الثمانينيات الميلادية، كانت الأحزاب الشيوعية والاشتراكية الغربية تنتقد بشدة ذلك الغزو الاستعماري وفي مقدمتها الحزب الشيوعي البريطاني، وحزب العمال على رغم أن هذا الأخير كان يسيطر عليه في تلك الحقبة جماعات يسارية تتراوح بين التطرف والاعتدال، وكان الزعيم العمالي البريطاني مايكل فووت: Micheal Foot ينتمي لليسار المعتدل وكان فووت يمثل زعيم المعارضة في المملكة المتحدة البريطانية.
رغم انتماء جارودي للأحزاب الشيوعية والاشتراكية إلا أنه ندد ضمن إطار الحزب الذي ينتمي إليه بالتدخل العسكري السوفياتي في براغ، وأضاف إلى مواقف المؤسسة التي كان ينتمي إليها، بأنه طرح للنقاش تلك الجذور السياسية للانحراف الفكري للاشتراكية ووجه صراحة أصابع الاتهام إلى القادة السوفيات.
(انظر جارودي: تأليف: سيرج بيرتينو، ترجمة: منى النجار، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، الطبعة الأولى 1981/م، ص: 12).
بعد الغزو السوفياتي لأفغانستان إخراج جارودي كتابه الذي اختار له مسمى (وعود الإسلام) ويقول: الشيخ محمد الأمين الذي كتب مقدمة هذا الكتاب في توضيح أهمية مؤلف (جارودي) في هذا العصر الذي بدأ ينتشر فيه عند العقلاء من السياسيين والمفكرين مصطلح حوار الحضارات، بعيداً عن ذلك المفهوم القاصر الذي طرحه بعض المفكرين الغربيين الحرفيين وهو (صدام الحضارات) يقول مقدم الكتاب في هذا الصدد موضحاً وجهة هذا الكتاب (وإذن فنحن في مجال الحديث عن كتاب المفكر الفرنسي (روجيه جارودي) (وعود الإسلام) بوصفه كتاباً يكشف حقيقة جديدة مفادها إن الإسلام ما زال مؤهلاً لصياغة حياة معتنقيه لصياغة فريدة ومتفوقة في معترك العقائد والإيدلوجيات التي يزدحم بها عالمنا المعاصر.
إن هذه الحقيقة جزء بل أساس في عقيدة المسلمين وهي عند المؤلف اكتشاف جديد أتاحته عناية المؤلف في موضوع حوار الحضارات بعد أن اكتشف تشوه ثقافة الغرب وافتقارها إلى عنصر الثقافة الإسلامية، وإن غارودي في كتابه (وعود الإسلام) يقدم الإسلام بوصفه أحد المتحاورين في مشروع حوار الحضارات، ولكنه في الوقت نفسه يكتشف في الإسلام ترابطاً وتماسكاً تظهر تجلياته في كل جوانب الحضارة الإسلامية) (انظر: وعود الإسلام، روجيه جارودي، ط1، 1404هـ - 1984م، الدار العالمية للطباعة والنشر، مقدمة الكتاب، ص: 7 - 8).
وإذا كان جارودي اكتشف تشوه ثقافة الغرب وافتقارها إلى عنصر الثقافة الإسلامية، فإنه يلتقي من خلال إدراكه ووعيه بهذه الحقيقة مع المفكر الغربي المعروف (ارنولد توينبي Arnold Tonbee) في محاضراته التي ألقاها بين عامي 1947 - 1952م أي قبل ما يزيد على نصف قرن من الزمن، والتي حملت في اسمها دلالات حضارية كبيرة، حيث أطلق عليها ذلك المفكر الغربي الكبير (الإسلام والغرب والمستقبل).
يقول توينبي: إلا أنه باستطاعتنا أن نميز بعض مبادئ الإسلام التي إذا طبقت في الحياة الاجتماعية للبروليتاريا العالمية الحديثة، يمكن أن تأتي بنتائج حسنة ومفيدة لهذا المجتمع الكبير في المستقبل القريب.
ويشير توينبي أيضاً إلى مصادر الخطر الداهم في الحضارة التي ينتمي إليها يقول هذا المفكر الواعي الذي استشرف انزلاقات الحضارة الغربية المادية المعاصرة (هناك مصدران ظاهران من مصادر الخطر: الأول: نفسي، والثاني: مادي، في العلاقات الحضارية بين البروليتاريا العالمية وبين الفئة الحاكمة في مجتمعنا الغربي، ومصدرا الخطر هذان هما التمييز العنصري والخمر) ويرى توينبي أن العلاج الناجع لهذا الضعف الذي يعتور بنية الحضارة الغربية، يكمن في تطبيق القيم الإسلامية الخالدة (وفي مجال الصراع ضد هذين الشرين نجد للفكر الإسلامي دوراً يؤديه ويبرهن فيه - إذا سمح له تأدية هذا الدور عن قيم اجتماعية وأخلاقية سامية.
انظر: الإسلام والغرب والمستقبل، أرنولد توينبي، تعريب الدكتور نبيل صبحي، ط1، 1389هـ/ 1969م، ص 62.
إن العبارة التي وضعها توينبي بين قوسين كجملة اعتراضية في النص السابق وهي إذا سمح له بتأدية هذا الدور، لتكشف أيضاً بأن توينبي أدرك أن المؤسسات السياسية والغربية لن تسمح بتسلل هذه المفاهيم الخلقية الإسلامية إلى حضارتها، ساعية ما وسعها الجهد إلى بقائها حضارة مادية صرفة وبالتالي تفرز هذه الحضارة مفاهيم أخرى ضارة بالبشرية جميعاً كاستخدام القوة في تطويع الآخر، واستخدام المفاهيم المادية تلتقي في كثير من جوانبها مع الفكر اليهودي الذي يجيز قتل الطفل الرضيع والشيخ وكل نفس حية بحسب السفر الدموي المعروف وهو (سفر الخروج).
 
طباعة

تعليق

 القراءات :696  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 440 من 482
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور عبد الكريم محمود الخطيب

له أكثر من ثلاثين مؤلفاً، في التاريخ والأدب والقصة.