شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
رثاء الراحل الأستاذ عبد الستار بخاري (1)
رحلتك مع الحياة يا سيدي هي جزء من تاريخ البلد الطاهر الذي عشت فيه أستاذاً ومؤذناً ومثقفاً كنت تحفظ كتاب الله عن ظهر قلب تعلمه للأجيال الناشئة في مؤسسات المدينة التعليمية ويجلس طلاب العلم إليك في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم يتلقون على يديك علومه ويتقنون مخارجه وأصوله وما رحلتك مع الأذان في المسجد الكريم إلا امتداد لهذه المنقبة الجليلة المستمدة من كتاب الله لقد اعتليت منائر مسجد المصطفى صلى الله عليه وسلم ما يقرب من ستين عاماً كنت خلالها صوتاً عذباً يرتفع في آفاق البلد الطاهر لقد بدأت هذه الرحلة كما ذكرت لي يوماً وأنا أجلس إليك مجلس طالب العلم من أستاذه لقد هاجر أهل المدينة المنورة في الحرب العالمية الأولى يقصدون نواحي متعددة من العالم العربي أو أرض الحجاز ولم يعد في المسجد النبوي من مؤذنيه إلا القلة فأمر يومها الشريف على أن تكون أنت والشيخ حسين بخاري شفاه الله من مؤذني المسجد حتى إذا عاد أهل المدينة واستقرت الأمور لم يرض مؤذنو المسجد عن ذلك الصنيع لأسباب تتصل بما للأذان من شروط الوراثة لقد تسلسل هذا الأثر الكريم في عقب هاتين الأسرتين الكريمتين فلقد أصبح من يحمل الاسم ويرعى حقه ويؤدي واجبه لقد كنت يا أبا حسن أحد المثقفين في طيبة الطيبة تلقي علينا الأسئلة في علوم النحو والبلاغة وتطارحنا قول الشعر وتروي من أخبار الأدب فنوناً متعددة ولم نكن نقدر يومها أن نجاريك في ذلك كله كان يبهرنا ما في شخصيتك من حلو الحديث وجزالة التعبير والقدرة على إشاعة أجواء الفرح والسرور بين جلسائك فكان لا يطيب اجتماع إلا حيث تكون يستأنس الناس بتلك الأخلاق الكريمة التي تأصلت في نفسك وأتاحت لك أن تعيش حياتك مع أجيال متعددة كل واحد منها يرى أنك تنتمي إليه إنما كنت في الحقيقة تنتمي لمدرسة الحياة التي أمدتك بذلك الزخم الإنساني وزرعت لك تلك الثقة التي كان يغبطك عليها رفاقك ممن توقفت بهم مسيرة الحياة عند أمد معين فلم يكونوا بقادرين على تجاوز ذلك الحاجز الذي استطعت أن تتجاوزه بديمومة العطاء وقرب المأخذ وحسن التعامل وذلك سر الحياة توصلت إليه فصنع لك هذا الحب.. وما كلماتي القليلة التي اكتبها متيقناً أنها لا توفيك حقك إلا ثمرة من ثمرات ذلك الحب وأثراً من آثار عطائك الذي أمديت به القلوب والأسماع فهنيئاً لك بما خلفت من ذكرى يطيب لنا أن نرددها يوم انتقلت إلى دار الخلود سائلين لك من الله المغفرة والرضوان لجميع المسلمين.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :598  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 437 من 482
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

سعادة الدكتور واسيني الأعرج

الروائي الجزائري الفرنسي المعروف الذي يعمل حالياً أستاذ كرسي في جامعة الجزائر المركزية وجامعة السوربون في باريس، له 21 رواية، قادماً خصيصاً من باريس للاثنينية.