شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
سيرة إنسان... وبلد الإيمان د. أحمد عيسى فلاتة
هكذا وبدون مقدمات وبصحبة الأستاذين محمد صادق دياب وعبد الرحمن مغربي يلتفت إلى ابن المدينة الطيبة الأستاذ عبادي عبده فلاتة - أبوه من المفاليح - وكان صديقاً في الحارة للمعلم طيفور، نعمك يلتفت الأخ الكريم ليسألني هل تعرف (كشلة)؟ وهو لقب الحارة للزميل الدكتور أحمد عيسى عمر فلاتة، وأجيبه (بنعم)، ليخبرني بعدها أن (كشلة) مرض مرضاً عابراً ليموت - بعد ذلك - بعيداً عن الأرض التي أحب ونائياً عن أحباب عرفوه في حصوة المسجد، وبرحة الحارة، ومقهى المعلم (بكر) ومدرج طيبة الثانوية.
وعادت بي الذاكرة إلى أكثر من ثلاثة عقود من الزمن عندما كان ذلك الشاب الأسمر، الدائم الابتسامة ينكب على قراءة كتب الدراسة وغيرها في جد لا يدانيه فيه أحد، وأعطى الحرف نور عينيه، فأعطاه هذا أو غيره البروز الذي عرف به بين مجايليه، فلا يذكر أنداده الصرح العريق لطيبة الثانوية إلا وكان صديقنا (أحمد) أحد المعالم البارزة له في أواخر الثمانينات الهجرية ولعل الزملاء الكرام بدر حجار وأحمد عيسى ووليد أبو الفرج، ومحمد علي إبراهيم،ويوسف ميمني، وصالح كريم، وعلي الأخضر يتذكرون أكثر مما أتذكر، وإن كان الصديقان الكريمان (الحجار) و(الميمني) ينكران أن أكون قد درست معهما في كتاب الشيخ محمد علي الحلبي - رحمه الله - والذي كان ملحقاً بمسجد سيدنا ملك بن سنان - والد الصحابي المعروف أبي سعيد الخدري - رضي الله عنهما - ويعد الصحابي (مالك) أحد شهداء أحد، حيث توفي في داره - على أثر جروح - نالت من جسده الطاهر في تلك الموقعة التي كان فيها سيد الشهداء - حمزة بن عبد المطلب - رضي الله عنه - مثل الجمل الأورق، وتمر السنون ويبقى أبو عمارة بطلاً شارك في صنع ملحمة تاريخ وحضارة الإسلام.
صديقي (أحمد) الذي ولد في مكة، وجاور في المدينة مع والده الذي كان واحداً من طلاب العلم في المسجد النبوي الشريف، وما زلت أتذكر تنقل والده بين الحرم وباب (التمار) في أدب وخشوع عرفت بها تلك الجموع النازحة من قبائل الفلان وغيرهم من الأخوة المجاورين، وفلان هم من أبناء عقبة بن نافع الفهري، وقد غلب عليهم اسم (فلانة) وللشيخ المجاهد محمد بن أحمد الشهير بألفا هاشم الفواتي رسالة تاريخية هامة في هذا الباب وهي كتاب (تعريف العشائر والخلان بشعوب وقبائل الفلان).
ولم ينل أحد من العلماء المجاورين بالمدينة المنورة من السمعة الطيبة والعلم الواسع مثل ما ناله الشيخ ألفا هاشم - رحمه الله - وقد أشاد به وأثنى على علمه الواسع الأستاذ الراوية محمد حسين زيدان - رحمه الله - في كتابه الهام (العصور الثلاثة)، وأذكر أنني مع الزميل الدكتور راكان حبيب أشرفنا على محاضرة للأستاذ الزيدان في مدرج جامعة الملك عبد العزيز وتحدث فيها عن دور حلقات العلم في المسجد النبوي الشريف، فخص الشيخين ألفا هاشم ومحمد علي التركي - رحمهما الله - بكثير من الإشادة والتقدير وكان (الزيدان) لا يفعل ذلك إلا مع القلة من العلماء الذين أدركهم في المسجدين الشريفين، كما كان كثير الإعجاب بالعالم اللغوي الشهير فضيلة شيخنا السيد محمد أمين الكتبي - رحمه الله وأسكنه فسيح جناته - وأعود لصديقي - أحمد - والذي كان يصفه أستاذ اللغة الإنجليزية القدير بطيبة الثانوية في التسعينات الهجرية والذين يدعونه (اغتاب) يصفه بأفلاطون، فلقد كان زميلنا يلبس لباساً متواضعاً، وإذا مررت عليه في الحصوة، وهو يساعد زملاءه على الشيء مما يحتاجونه من التحصيل العلمي وجدته وقد أمسك بمرسام من الخشب، وإذا أنكب في الدراسة ووضعه تحت أذنه اليمنى وكأنه صاحب صنعة، ولقد كان ماهراً في أشياء كثيرة يأتي تحصيل العلم في أولها، إلا أنه لعب (الكرة) فأجاد فيها، ومن هنا جاءه لقب (كشلة) والذي يعني أصلاً في اللغة الفلانية كما أخبرني الأخ عبادي من يملك ألف رأس من الغنم أو البقر وربما اكتسب بعد ذلك معنى مجازياً وهي صفة البطولة، وتعلم (أحمد) مثل بقية أبناء حارته فن القشاع، وهو أقرب ما يكون إلى فن (الكاراتيه) الذي يدافع فيه الإنسان عن نفسه واستطاع أن يتقن هذا الفن ببراعة، وإن كنت لا أعرف في شباب الأمس من أتقن طرق وأساليب هذه اللعبة البطولية مثل الإنسان النبيل والمهذب (صديق باناجة) ولكن القصور وفقدان الحظوة جعلا من صديق غير ما يستحق.
صديقي (كشلة) أترى بأن (عيال) الرباط قد فرقتهم صروف الدهر، وأن نخيل (الصيران) قد تساقط جناه وذبل نسغه، وأن البئر قد جف ماؤه ونضب، وخبز القمح والشعير لم تعد اليد تخبزه ولا الجمر ينضج جوانبه.
وتسألني (يا صديقي) عن حلقة اللعب حيث كنت في شبابك تسري، فأجيبك من وراء حجاب كثيف، والدمع من العين ينسكب بأن الناس ضلوا الطريق إليها في زحمة هذه الحياة وضجيجها.
رحمك الله (يا أحمد) وبلل مثواك بفيض من عفوه ورحمته ورضوانه كلما هبت ريح، وهطل غيث، وارتفع من جوار القبة الخضراء نداء للإيمان يهتف، وصوت للحق يدعو، وحمام في حمى المقام يشدو ويحدو.
آخر الكلام:
من أروع ما قيل شعراً في فن الرثاء قصيدة الشاعر الكبير أحمد قنديل، يرثي بها صديق عمره ذلكم المبدع الكبير - أيضاً - حمزة شحاتة - رحمهما الله - ورحم كذلك الصديق الذي رثيته في السطور السابقة.
أخي... يا رفيق الدرب، والعمر والمنى
ودنيا فنون الشعر والفكر والحب
أتسمعني... طبعاً... فأنت بجانبي
حياة بها عشنا الحياة على الدرب
غريبين في الدنيا... تباعد أهلها
تباعاً... ولما ينأ جنبك عن جنبي
نطوف بأكوان العوالم حسرة
ونأوي لركن ساحر الشد والجذب
نقضي سواد الليل للصبح يجتلي
أمانينا موصولة البعد والقرب
على الرمل... كم نصغي لسقراط والأولى
أقاموا صروح الفكر... بالشرق... بالغرب
على الصخر... كم نبني من الشعر جنة
نفتت بعض الصخر بالألسن الذرب
على البحر كم نمشي مع الموج ساكناً
وفي الصدر موج هادر النبض والوثب
نريد لأهلينا الحياة طليقة
فيسخر أهلونا... ونأسف للجدب
* * *
أخي... يا رفيق الدرب والعمر والمنى
ودنيا فنون الشعر والفكر والحب
هناك ملقانا لدى السفح قمة
بها الروح لانت في حمى البيت والرب
هناك ملقانا الجديد متى انتهى
مع العمر مشوار الحياة على الدرب
 
طباعة

تعليق

 القراءات :766  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 389 من 482
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاثنينية - إصدار خاص بمناسبة مرور 25 عاماً على تأسيسها

[الجزء الثاني - مقالات الأدباء والكتاب في الصحافة المحلية والعربية (2): 2007]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج