شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
مسار الدراسات العربية في بريطانيا بين ماكدونالد ومصطفى بدوي
مع نهاية عام 1399هـ، وصلت إلى مطار هيثرو في لندن، وكان لساني يتحدث إنجليزية مهشمة - إن صح التعبير - وإنني إذ اعترف بهذا أعلم أن على الضفة الأخرى من يدعي أنه ذهب إلى الغرب وهو (يرطن) إنجليزي بطلاقة، وعاد من جامعات بريطانيا يحمل شهادة دكتوراه في البنيوية والتفكيكية والتشريحية، مستغلاً عدم معرفة الناس بأحوال تلك الجامعات وأنه ليس في جامعاتها وعلى وجه التحديد - أقسام الدراسات العربية أو الشرق أوسطية - ليس بها تخصص يحمل اسم هذه المصطلحات التي ظهرت ثم اندرست كالكلاسيكية والرومانسية والواقعية والبرناسية والسريالية وغيرها.
وحملتني طائرة أخرى إلى مدينة أدنبرة - العاصمة الاقتصادية لإقليم اسكتلندا، وكان في استقبالي الزميل الأستاذ الدكتور عدنان محمد الوزان - أستاذ الأدب المقارن المعروف - والذي عرفته عن طريق صهره الشيخ جميل خشيفاتي - أطال الله عمره - وكان الصديق الوزان قد سبقني للدراسة على يد المستشرق: مايكل ماكدونالد - اسكتلندي الأصل خلف المستشرق المشهور (بيير كاكيكيا) في الإشراف على الدراسات العربية بقسم الدراسات الإسلامية والشرق أوسطية بجامعة أدنبرة هوفي وبدأت دراسة اللغة الإنجليزية في كلية المعروفة - هناك - وكانت بداية فصل الشتاء، وكانت أياماً قاسية على الفتى الذي لم يتعود على العواصف التي تمنعك - إن صح التعبير - من دخول الفصل الدراسي، أو ترمي بك - أحياناً - في عرض الشارع، وتعمل على تحريك سرير النوم بعد أن تلقي بجسدك عليه هرباً من زمهرير البرد، ولتنفلت من أسر تلك الكآبة المتسللة إلى النفس من حياة بالغة القسوة والتصحر - معاً - وقدمني الأخ الوزان للإنسان البالغ التهذيب (ماكدونالد) سعياً للحصول على قبول في القسم بعد انتهاء فترة اللغة، وكنت في بعض الأحايين أسعى لذلك القسم الذي يقع في بناية أثرية - شيء غريب جداً فمنظر ذلك البناء - من الخارج - لا يوحي أن هناك حياة علمية قوية تسري في غرفه الصغيرة وجدرانه، طالبة تسأل، وآخر يقرأ، وأستاذ يحاضر وإنهم غير عابئين بما تخلفه الرياح الهوجاء في داخل المبنى من صوت وخارجه من ضرر - وذلك سر حياة الغرب العلمية، بل إنه جوهر الحضارة الغربية. ولكن بعض بني قومنا يحسبونها في حانات الليل وبين مقاعد مراقصه - وإنهم يا صديقي لواهمون.
لقد سبقني جيل من الأخوة السعوديين للدراسة - هناك - من أمثال الأخوة والزملاء الكرام: عبد الله العثيمين، عبد الرحمن حافظ، عبد الله الجربوع، طالع الحارثي - رحمه الله، مسفر الحارثي، حسين الزواد، فضل الدوسري، محمد الطاسبان، محمد الهدلق، ومرزوق بن تنباك وكان ابن تنباك الأقرب إلى النفس والأكثر رعاية لزملائه القادمين من أرض الوطن - مع زميليه عدنان الوزان وعبد الرزاق سلطان والذي درس بجدية وتفوق - الكيمياء الحيوية - وكان يهمس في أذني سوف نفقد جميعاً - هذا الهدوء وكان السلطان يسكن في (وليام ستريت) الذي كان منطلقاً لفكرة إنشاء نادي الطلاب السعوديين وكان للزميل الكريم عبد الرحمن المطرودي دور فاعل، إلا أن العمل في وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية أخذه - بعيداً - ويؤسفني القول بأنني لاحظت فرقاً كبيراً، بين (الوجيه) عندما كان طالباً وبين شخصيته في الوزارة، فكنت لا أحدثه في شيء في زمن الدراسة إلا وأخذه بجدية - وكثيراً ما قضى أموراً - كنت أنبهه إليها وكثيراً أولئك الزملاء الذين غيرتهم ظروف الحياة ومن هؤلاء الزميل السيد هاشم يماني، - ترى يا سيدنا - هل هي مشاغل الحياة فتعذر؟ أم ضرورة المنصب عندكم ونتعجب؟ وإذا ما ذكرت ابن تنباك والمطرودي في سياق صنع المعروف فإن التاريخ سوف ينظر إليّ بشيء من العتب الشديد إذا لم أذكر الزميل محمد الهدلق، والذي كان من أكثر الطلاب السعوديين قدرة على الصمود أمام عوائق الدرس الأكاديمي - هناك - فلقد تحمل من شدة وقسوة مشرفه الأول - بيير كاكيا ما تحمل بعد اعتزال هذا الأخير انتقل إلى الدراسة تحت إشراف (ماكدونالد)، ولقد كان الزميل (الهدلق) - كعادته - مثل الصديق ناصر بن عبد الله بن عثمان الصالح مشجعاً ومؤازراً، وعلى العكس من هؤلاء كان للأسف موقف محمد العروسي.
أعود للحديث عن (ماكدونالد) والذي كتب إليّ خطاباً رقيقاً - صورة منشورة منه مع المقال - بعد أن تعذر علي دخول جامعة أدنبرة والانتقال إلى جامعة (لانكستر) حيث وجدت ترحيباً كبيراً من رئيس القسم (وليد بن ناصر عرفات أو الذي سبق له أن رأس قسم الدراسات العربية بمعهد الدراسات العربية والإفريقية بجامعة لندن والمعروف بـ (سواس) وكانت سنتان من الدرس المتواصل مع (عرفات) كفيلة بانطلاقة جديدة وكثيراً ما كان (عرفات) يلقي أمامي بالدراسة التي أعدها ويطلب مني شيئاً آخر ويهمس في أذني أريدك أن تهيمن على اللغة الإنجليزية، ولا تحدثني بالعربية إذا ما دخلت القسم وكان (عرفات) مجيداً للاتينية والإنجليزية بعد دراسته للأدب الإنجليزي في جامعة أكستر، ثم نال درجة الدكتوراه في الأدب الجاهلي من جامعة لندن تحت إشراف المستشرق المعروف (جيوم) وقد أدرك جيوم ذكاء (عرفات) عند ترجمة (جيوم) للسيرة النبوية وأشاد به في تلك الترجمة، ويعد هذا الأخير مع آربري، وتوماس أرونلد: وإدموند بوزورث - محرر الموسوعة الإسلامية - الصادرة عن دار (بريل) وقام مع شافت بإعداد كتاب (تراث الإسلام) والذي صدر مترجماً في عدة أجزاء عن عالم المعرفة، وهي السلسلة التي يقوم بإخراجها المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، ويشرف عليها إن لم تخني الذاكرة الزميل سليمان العسكري الذي شاطرني الدراسة مع الزملاء جميل مغربي وسمير معبر، وسعد الحميدين، ومن قبلهم سليمان الغنام وصالح جمال بدوي حريري - تحت إشراف (بوزورث) قيم دراسات الشرق الأوسط بجامعة مانشستر (فكتوريا) وإذا ما ذكرت طلاب بوزورث من الزملاء السعوديين، فلقد درس الأساتذة الكرام، حسن باجودة، ومنصور الحازمي، وحسن شاذلي فرهود، على يد (وليد عرفات) في لندن، وكان لعرفات دور في تشجيع كل من (موريه) وسلمى الجيوسي على الاهتمام بالأدب العربي المعاصر، إلا أن الظروف ساعدت الدكتور مصطفى بدوي للاهتمام بالأدب الإنجليزي والعربي على حد سواء، فهو قد ترجم كتابي الناقد المعروف (ريتشارد) وهما (مبادىء النقد الأدبي) و(العلم والشعر) وكذلك كتاب (الحياة والشاعر) للشاعر الناقد (ستيفني سبندر) وكتاب (الفكر الأدبي المعاصر) لأستاذ الأدب الإنجليزي المعروف في كلية (سانت جون) بجامعة كمبردج (جورج واطسن) كما كتب دراسته النقدية عن الأدب العربي الحديث والتي دعاها فرصة مناسبة لأقدم الشكر لنادي جدة الأدبي - وفي المقدمة للأستاذ الأديب عبد الفتاح أبو مدين - على الجهد الذي بذل من صفوة الأكاديميين السعوديين في ترجمة الكتاب الذي حرره الدكتور: (بدوي) عن تاريخ الأدب العربي، وصدر ضمن سلسلة (كمبردج) لتاريخ الأدب المعاصر، إلا أنني دهشت كيف يضع الزملاء الكرام: عبد العزيز السبيل وبكر باقادر، ومحمد الشوكاني، أسماءهم على غلاف الصفحة الأولى من الكتاب على أنهم محررو الكتاب بينما - أن بدوي - هو الذي حرر الكتاب كما هو مثبت في الداخل، ويمكن القول إن الزملاء الكرام قد أشرفوا إشرافاً مباشراً على ترجمة الكتاب إلى اللغة العبرية، إضافة إلى مشاركتهم الفعلية في ترجمة بعض فصول الكتاب، وهو جهد مشكور ومقدر. قابلت ماكدونالد لأول مرة في نهاية عام 1979م وبداية عام 1980م وقابلته ثانية في عام 1985م وقد سأل زميلاً كريماً - برفقتي - من الأراضي العربية المحتلة عن سميح قاسم، وتوفيق زياد، وقال: (ألم ينته أصحاب الوجوه الشاذة من حكم إسرائيل) وكان (شامير) آنذاك يرأس الائتلاف، الحاكم. وشارك ماكدونالد في كثير من حلقات الدراسات الخاصة بشؤون الشرق الأوسط وكان مؤيداً للشعب الفلسطيني في نيل حقوقه وكان يكتب أوراقه بلغة عربية خالية من الأخطاء.
صديقي الدكتور ديفيدوينز - رئيس قسم الدراسات الدينية بجامعة لانكستر، أخبرني في مكالمة تليفونية عابرة أن (ماكدونالد) قد مات وسألته هل مرض فرد بسرعة (إنه موت مفاجىء) وتذكرت معاناته الأسرية ورددت المقولة المعروفة قاتل الله زوجة سقراط.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :757  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 349 من 482
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج