شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الإبداع الشعري بين الراوية والمنشد
كان الراوية في المجتمع الأدبي العربي في العصور الماضية يمثل جسراً هاماً بين المبدع والمتلقي وذلك عندما كانت الذاكرة قادرة على الحفظ وواعية بأهميته دون أن تفقدنا التقنية الحديثة هذه القدرة وغيرها من القدرات التي منحها البارىء للإنسان وإلى حد قريب - ربما نصف قرن من الزمن أو أقل - كان أدبنا ينتشر عن طريق هذه الأداة الفعالة، فالمعارك الأدبية بين شحاتة والعواد من جهة، وبين محمد سرور الصبان وشحاتة من جهة أخرى، حفظتها لنا ذاكرة المرحوم عبد السلام الساسي، وكان عمر عيوني - أمد الله في عمره وهو شخصية شعبية معروفة - يحفظ معظم شعر الشيخ والفقيه إبراهيم قطاني - رحمه الله - كما أدى المنشد سعيد أبو خشبة الدور نفسه عندما دمج روائع القطاني الغزلية ذات السمة الصادقة والعفيفة في إطار المقطوعات الموسيقية الجميلة، و(سعيد) هو الذي جعل من قصيدة الشاعر طاهر زمخشري - أنشودة روحانية يرددها المجتمع إلى اليوم، وفي نفس السياق يمكن إدراج قصيدة شحاتة الشهيرة ذات المطلع الرائع:
بعد صفو الهوى وطيب الوفاق
عز حتى السلام عند التلاقي
يا معافى من داء قلبي وحزني
وسليماً من حرقتي واشتياقي
هل تمثلت ثورة اليأس في وجـ...
هي وهول الشقاء في إطراقي
ومنها تلك الأبيات التي تبرهن على شاعرية (شحاتة) الكبيرة وقدرته على صياغة الأحاسيس الإنسانية في نسق شعري عجيب فهو يخاطب صديقه قائلاً:
وتهيأت للسلام ولو تفـ
عل، فأغريت فضول رفاقي
هبك أهملت واجبي
صلفا منك فما ذنب واجب الأخلاق
ويتدرج شاعرنا الكبير في الصعود إلى نسق شعري أكبر عندما يصور أدق مشاعر الإنسان ووجدانه وولعه، وخصوصاً عندما يتعرض لموقف سلبي من صديق أو عزيز وحبيب، فنجده قد ارتفع إلى الأفق الشعري السامق فاستطاع نقل معاناته الصادقة في صور أو لوحات شعرية رائعة، لذا نجده يتوجع قائلاً:
قد يطاق الصدود يوجبه الذنب
وصد الملال غير مطاق
وللشاعر الكبير حسن صيرفي إبداعاته العديدة باللغة الفصيحة والعامية ولكن قصيدته الموسومة (أمجاد المدينة) كان يمكن أن تظل حبيسة الديوان بالرغم من قيمتها الشعرية الكبيرة إلا أن ترديد المنشد المشهور السيد حسين هاشم رحمه الله لأبياتها في مجالس السيرة النبوية العطرة في المدينة وخارجها، جعل الناس يحفظون قصيدة الصيرفي والتي يفتتحها قائلاً:
وقف الناس ينظرون منادي
كيف شع الهدى على كل نجد
أنا دار الإيمان والمثل العليا
ورمز الخلود في كل مجد
أنا إن بدد الزمان شعاعي
لن ترى النور هذه الأرض بعدي
أنا خير البقاع كرمني الله
بخير الأنام في خير لحد
أنا قابلته بأرحب صدر
ثم أودعته حشاشة كبدي
ومنها الأبيات التي تصور تاريخ هذه البلدة المنورة الحضاري والعلمي وكأن الشاعر يحاول أن يقارن بين وضع الأمة العربية الحالي والمتردي منذ قرن من الزمن وتلك الصورة الحضارية والفكرية والعلمية التي كانت تعيشها الأمة في عصورها الزاهية.
ولقد أدركت في مطلع العمر الراوية الكبير - الحافظ لكتاب الله - وصاحب الصوت الشجي الأستاذ عبد الستار بخاري - رحمه الله - وسمعت منه كثيراً من إبداع الشعراء، البرادة، والأسكوبي ومحمد العمري، وعبيد مدني، ولقد كان عبد الستار يحفظ ويروي، وينشد، ولقد حفظ عبد الستار عن طريق الرواية شعر سعد الدين برادة وخصوصاً قصيدته التي قالها متشوقاً في المدينة المنورة عندما كان نازحاً بسبب ظروف الحرب العالمية الأولى والتي هجر فيها القائد العثماني - فخري باشا بالقوة سكان البلدة الطاهرة، ولاقى أهلها من العنت ما لاقوا. ومما نجده مدوناً وبأسلوب أدبي متميز في رائعة الأستاذ المرحوم عزيز ضياء، والموسومة في أجزائها الثلاثة (حياتي مع الجوع والحب والحرب)... يقول سعد الدين برادة - رحمه الله - في رائعته التي يصور فيها المدينة بفتاة رائعة الحسن والجمال، ويسبغ عليها من السمات الفاتنة عن طريق هذه المقاربة الشعرية مما يجعلك تتوهم أن الشاعر يجد في البحث عن غادة بحثاً يفقد معه لبه وصوابه:
يقول البرادة - رحمه الله - في مطلع قصيدته أو يتيمته:
عن درّ مبسمها عن دمع أجفاني
عن الشقيق كذا عن خدها القاني
عن المحيا، عن البدر المنير وعن
سود الغدائر عن ليلات أشجاني
ثم ينتقل بعد ذلك متشوقاً إلى مرابع صباه، وشبابه في ربوع المدينة فنجده يهتف بالشعر قائلاً:
يا للهوى لسويعات مضت بقباء
وللعوالي بقلبي وخزمُراني
قربان روحي أفديه لرؤيته
يا ليت شعري هل أبيتن بقرباني
وأحرَّ قلبي على وادي العقيق فكم
أجرته عيناي منظوماً بعقياني
لذلك السيح ساحت عبرتي وغدت
تسقي النقا، ولكم سالت ببطحان
يا حادي العيس قف هذا البقيع
وذا سلع فإن به روحي وريحاني
ثم يجسد أحزانه لبعده عن المكان الذي أحب وعشق، وقد علمت من المرحوم الشيخ جعفر فقيه - رحمه الله - أن الشاعر قد كف بصره في الشام حزناً:
أواه أواه من حر الفراق وما يبقي
من الوجد في أحشاء ولهانِ
ما كنت أحسب أن الدهر يصدعنا
بالبعد حتى سقانا كأس هجرانِ
عاث الزمان بنا رغما ففرقنا
يا للرجال لهذا العابث الجاني
 
طباعة

تعليق

 القراءات :671  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 343 من 482
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتورة مها بنت عبد الله المنيف

المدير التنفيذي لبرنامج الأمان الأسري الوطني للوقاية من العنف والإيذاء والمستشارة غير متفرغة في مجلس الشورى والمستشارة الإقليمية للجمعية الدولية للوقاية من إيذاء وإهمال الطفل الخبيرة الدولية في مجال الوقاية من العنف والإصابات لمنطقة الشرق الأوسط في منظمة الصحة العالمية، كرمها الرئيس أوباما مؤخراً بجائزة أشجع امرأة في العالم لعام 2014م.