شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
أحمد محمد جمال بين العلم والأدب محاورته لخالد محمد خالد
الحديث عن العالم الفاضل أحمد محمد جمال - رحمه الله - حديث متعدد الجوانب، تعدّدت تلك المواهب التي منّ الله بها على فقيد الإسلام، والبلد الحرام، وأرض الطُّهر والإيمان، ذلك الرجل الذي امتدت معرفتي به لأكثر من ربع قرن من الزمان كان يبهرك بذلك الخلق الإسلامي الرَّفيع، ولمَّا عرفته عن قرب كان بإمكاني أن أردَّ تلك السِّمات الكريمة إلى منابعها الأولى، فهو خرِّيج الجامعة الكبرى ((المسجد الحرام)) أساتذته فيه، محمد العربي التِّباني، والسَّيد علوي بن عباس المالكي والسيد محمد بن أمين كتبي - رحمهم الله جميعاً - وهؤلاء قوم جمع الله لهم بين التمكن في العلم والرِّفعة في الخلق، والقرب من قلوب من يجالسونهم من طلاب العلم والمعرفة. ولقد ورث فقيدنا من هذه الصفوة الزهد في متاع الدنيا، والتعلق بعالم الخلود ومتاعه، بل إن نفسه كانت تمتح من ذلك العالم أسرار الطهر والصَّفاء الذي كان يتبدَّى في أسارير وجهه المضيء، ونقاء داخله الذي كان يدفع ما استطاع - بالعبادة والصَّبر - كل ما يمكن أن يدخل في دائرة الظُّهور الدنيوي الذي لا يليق بأهل العلم والفضل من أمثاله.
وفي الحرم نشأ ((أحمد محمد جمال)) يقرأ القرآن ويحفظه ويتدبره فكان هذا الارتباط بكتاب الله طريقاً لدخوله إلى عالم الكتابة الإسلامية، فأصدر سلسلة (القرآن كتابٌ أحكمت آياته) و(مأدبة الله في الأرض)، ولقد ناقش في الكتاب الأول بعض آراء المفسرين ولكن بأسلوب العالم الذي لا يبخس الآخرين حقوقهم ولا ينتقص من أقدارهم. وليتنا نتعلم من هؤلاء القوم كيف يتقبلون الرأي الآخر، ولا يضيقون بمبدأ الاختلاف لأنهم يعلمون أنه دليل على ثراء علوم الشريعة واتساع آفاقها وقدرتها على الوفاء باحتياجات المكان والزَّمان ومن هنا كان الإسلام هو الدين الخاتم والدَّعوة الشاملة المتمثلة في خطاب الله - عزَّ وجلَّ لنبيه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ (الأنبياء:107) ، ولقد قادت مفاهيم القرآن الواسعة فقيدنا إلى أن يطرق أبواباً أخرى للتأليف العلمي في مجال الكتابة الإسلامية مثل ((التربية الإسلامية وقضايا المرأة)) وكان كتابه المعروف (مكانك تحمدي) صرخة تحذير للمرأة المسلمة من أن تنساق خلف الدَّعوات الكاذبة باسم الحرية التي انقلبت بسببها طبيعة المرأة في الغرب، واليوم تتعالى الصيحات في تلك المجتمعات بعودة المرأة إلى فطرتها ومكانها الطبيعي ولكن الزِّمام أفلت والضوابط تحللت، ولم يبق للمرأة هناك إلاَّ دموعها وحسرتها، ولم يكن الأستاذ - جمال - رحمه الله - بتحذيره للمرأة يسعى لسلبها حقوقها التي وهبها الله إياها من تعليم ورعاية واحترام، وكنت قد ذكرت في ندوة علمية بنادي مكة الثقافي، ((أنَّ العالم أحمد جمال لم يكن عدواً للمرأة، فالمرأة في بيته أختٌ وزوجةٌ وبنتٌ متعلمة مثقفة))؛ ولكن ما كتبه عنها كان من باب الشفقة عليها والحرص من أن تستغل عاطفتها فيما تكون نتائجه سيئة وآثاره مخيفة. ولقد حدَّثني - رحمه الله - قائلاً ذات يوم: ((يسألونني هل أشاهد المصارعة في التلفاز؟)) نعم أشاهدها وأشاهد بعض المسلسلات التلفزيونية المناسبة وكما تشاهد فالتلفزيون في غرفة جلوسي. وقد لا أبيح سرًّا إذا ما قلت: إنَّ ((أحمد جمال)) لم يكن متشدداً - قط - فهو يستمتع بالفنون ما دامت ترتقي بالمشاعر وتسمو بالأحاسيس فلقد ذكر لي أنه كان يحب سماع قصيدتي ((نهج البردة)) و ((حديث الروح)) وذلك ليس بغريب على عالم مثله، تفتَّحت مداركه على قول الشعر وسماعه، وإنني أجزم قائلاً بأنه لو استمر أحمد جمال في قول الشعر لكان من روّاده القلائل في بلادنا، ولعلَّ الزميل الدكتور جميل مغربي يخرج لنا بحثه عن شاعرية الأستاذ - جمال - فتزداد معرفة بهذه الموهبة الفنية التي كانت تنطوي عليها شخصية فقيدنا، وما أكثر المواهب التي أنعم الله بها على هذا الرجل الذي يؤلف لطلبة العلم ليلاً، ويعلمهم نهاراً في رحاب جامعتي أم القرى والملك عبد العزيز، ثم يلتفت إلى واجب آخر استنفد منه الكثير من الجهد والطاقة، وهو واجب الكتابة الصحافية التي كان مبرزاً فيها، فعموده في (حراء) أولاً وفي (الندوة) ثانية ثم في (المدينة) و(الشرق الأوسط)، كان مقروءاً من جميع الناس على مختلف طبقاتهم ومشاربهم وكان - رحمه الله - يقول في سطور ما يعجز الآخرون عن قوله في صفحات، وكان في كتاباته الصحافية صاحب أسلوب مشرق ومؤثر في الوقت نفسه، كما كان في مناظراته مع الآخرين يلتزم بآداب الحوار العلمي وأتذكر أن حواراً دار بينه وبين الأستاذ المرحوم ((أحمد قنديل)) على صفحات جريدة ((عكاظ)) حول كتاب ((الأغاني)) وكان الأستاذ جمال يرى أنَّ كتاب الأغاني أساء للتراث الإسلامي والعربي لأنَّ أبا الفرج كتبه بعقلية الأديب والفنان الذي كثيراً ما يجنح به الخيال ويشتط به القول، ولهذا كان اعتماد بعض الأدباء عليه في العصر الحديث من حيث النواحي التاريخية أمراً غير محمود، لعدم تثبته من الرِّواية التاريخية إضافة إلى الشك الذي يحيط بشخصية أبي الفرج نفسه، واحتياط العلماء بسبب ذلك عند اعتماد روايته عن العصور السابقة. ورأي الأستاذ جمال - رحمه الله - يتفق مع رأي الدكتور زكي مبارك الذي كتبه في مجلة (المقتطف) وضمنه الدكتور ((جبرائيل جبور)) كتابه المعروف (كيف أفهم النقد) الصادر عن دار الآفاق ببيروت، 1403 - 1983، ص 67 - 76، والذي ختمه بنتيجة هامة يقول فيها: ((هذا، ولو أمضينا نحصي ما في روايات الأغاني من التلفيق لطال بنا القوْل، فلنكتف بهذا، ولنسجل مرة ثانية أنَّ الأصبهاني أراد أن يكون كتابه معرضاً لما تجمع بين أيدي معاصريه من طريف الأقاصيص، فليعتبره القارئ إذاً كتاب أدب لا كتاب تاريخ. وكان المرحوم الأستاذ القنديل يرى أنَّ كتاب (الأغاني) إضافةٌ هامة في التراث العربي، وأنَّ ما ورد من رواياتٍ غير صحيحة لا يمنعنا من الإفادة منه في جوانب أخرى.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :638  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 325 من 482
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

صاحبة السمو الملكي الأميرة لولوة الفيصل بن عبد العزيز

نائبة رئيس مجلس مؤسسي ومجلس أمناء جامعة عفت، متحدثة رئيسية عن الجامعة، كما يشرف الحفل صاحب السمو الملكي الأمير عمرو الفيصل