شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
لماذا يَسْرقُ المبْدعُ ويَسْطُو الباحِثُ؟؟
لقد سُئِلَ الراوية والناقد عمرو بن العلاء: أرأيتَ الشاعرين يتَّفقان في المْعنى ويتواردان في اللَّفظ، لم يَلْقَ منهما صاحبَهُ ولم يَسْمع شِعْرَهُ؟ قال: تلك عقُول رجالٍ توافَتْ عَلَى ألْسنتها. وسُئِلَ أَبُو الطَّيب عَنْ مثل ذلك فَقَالَ: الشِّعْرُ جادَّةٌ ورُبَّما وَقَعَ الحافر على مَوْضع الحافر.
توضِّح مثل هذه الأقوال مدى اهتمام النَّقد العربي بالموضوع الذي اتَّخذ مُسمَّى (السِرقات الأدبية). وفي العَصْر الحديث تصدَّى الناقدون لدراسة هذه الظَّاهرة فكتب الدكتور بدوي طبانة - رحمه الله - كتابَهُ المعروف (السَّرقاتُ الأدبيةُ) ((مكتبة نهضة مصر،(1376هـ - 1956م)، وتوسَّع المرحوم الدكتور محمد مصطفى هدَّازة في هذا الموضوع فأخرج دراسته العلمية الموسَّعة ((مشكلةُ السِرقات في النَّقد العربي)) - دراسةٌ تحليليةٌ مقارنة، وصورتْ في طبعات عِدَّة منها الطبعة التي خرجت عن المكتب الإسلامي(1401هـ - 1981م). وإذا كان موضوع السِّرقات الأدبية انحصر في الماضي في موضوع الإبداع الأول عند العرب وهو الشِّعْر، إلاَّ أنَّ اتِّساع المفاهيم الثقافية في العَصْر الحديث أدَّى إلى اتِّساع الدَّائرة فيما يُسمَّى بالسِرقات الأدبية. فإذا كانت السِرقات الأدبية في الماضي اقتصرتْ عَلَى أدبية مُعيَّنة فإنَّها - اليوم - شاملة عامَّة تتخطَّى الأَدَبَ لتحيط بميادين الحياة المختلفة مع التقدم العِلْمي والتكنولوجي الرَّاهن، ولاهتمامنا - الآن - بالناحبة الشَّعْرية، فإننا نلاحظ هذه المسألة قد اتَّخَذَتْ لها بُعْداً جديداً مع غزارة التَّرجمة عن اللُّغات الأُخْرى، وانتشار ما يُسمَّى بقصيدة ((النَّثْر))، أوْ الشِّعْر الحر الذي هو تَقْليدٌ أعْمَى لهذه الترجمات مِمَّا يٌسَهِّل عَلَى كَثِيرٍ مِنْ المترجمين انتحال كثير مِنْ القصائد المترجمة، خصوصاً إذا كانت اللغة المترجمة منها قليلة الانتشار في بلد المُترجم، وكمْ مِنْ شاعرٍ كبير في أيامنا هذه ثبتتْ سرقاتُه المُتْرجمة عن الأسبانية أو الإنجليزية، أو الفرنسية أو السريانية مثلاً كما ((انظر: علي يوسف نور الدِّين، السِرقات الأدبية هي مُحرَّمة أم أنها تفاعَلٌ حضاريٌ لا بُدَّ منه؟ صحيفة الحياة، الأحد، 7 ((يوليو)) 1991م، 25 ذو الحجَّة 1141هـ، العدد: 10379)).
ولعلَّه يُقْصَد مِنْ وراء العبارة السابقة (وكمْ مِنْ شاعرٍ كبير؟) الكتاب الهام الذي خَرَج في الوقت نفسه الذي كُتِبَتْ فيه الدّراسة السابقة في صحيفة الحياة، وهو عَامُ 1991م، هذا الكتاب الذي حاول البعض التَّعتيم عليه لأسباب شُللية هو ((أدونيس منتحلاً)) للكاتب كاظم جهاد..، أفريقيا الشَّرْق، 1991م، ويذكر الكاتب حيثيات وضْع هذه الدِّراسة قائلاً ((ولم يخطر على بالنا وضع كتاب فيه إلاَّ بَعْدَما تراكمت حوال انتحالاته أي أدونيس وثائق وشواهد جعلت كُلَّ سلوك يَبْدُو معادياً للمساهمة في جريمة سَطْو عَلى التُراث الإنساني لا يمكن تبريرها بأي من الدوافع الإبداعية وغير الإبداعية)) ((انظر، أدونيس منتحلاً، توطئة، ص 10)).
ويختم كاظم دراسته هذه والتي جاءت في حوالى 180 صفحة بنتيجة يشيرُ فيها إلى أنَّ القِسْم الخاص بالانتحال يستحق خاتمةً نقولُ فيها، بلا ادِّعاء بأخلاقية أوْ مُثُليّة هذه الكلمات لم تعد تحرك ساكنَ أحدٌ منذ فقدتْ الناس، كم لاحظ ((أندريه بريتون)) حِسُّ الفضيحة مدى الشَّطط الذي يبلغهُ ((أدونيس)) عبر ممارسته الانتحالَ على هذا النَّحو المُحْزن، شطط بإزاء اللغة، بإزاء العالم، وبإزاء نَفْسه، بإزاء الإنسان القابع في نَفْسه، ولَقد لاحظنا كيف يتدرَّج في انتحالاته هذه، من الانتحال الموجز ((جملة أو بعض جُمْلَة، إلى الانتحال الشَّامل قصيدة أو بعضها، مقالة أو بعض مقالة)). كما يتّهمه كاظم بأنَّ انتحاله مِنْ النِّفري وبرنار ديسياني هو انتحالٌ سَافِرٌ لا إسنادَ فيه ولا إشارة.
ولقد سَطَا بعض الأكاديميين في دراساتِهم عن المرأة في العالم العربي على كتابات ((مَيْ غَصُوب)) النَّاشرةُ اللبنانيةُ المعروفة والمقيمة في لندن والمسؤولة عن أشهر مكتبة عربية فيها ((السَّاقي)) ولكن معرفتي بـ ((مَيْ)) غَصُوبٌ منذ بداية الثمانينات الميلادية كأديبة وكاتبة مهتمة بقضايا المرأة بغضِّ النظر عن الإتفاق أو الاختلاف معها - يقُودني إلى القَوْل أنَّ حَيَاءَ ((غَصُوب)) منعها مِنْ الإدلاء برأيها في موضوع ذلك السَّطْو السَّاخر والذي قُدِّم على شَكْل دراسة نقدية موضوعية نُشِرَتْ في ثقافة ((عكاظ)) قبل أعْوام. وقد طلب الزميل الدكتور مرزوق بن تُنباك مَمَّن أُتِّهم بالسَّطو المتعمد للدَّفاع عن نَفْسه - أمام هذا الاتهام - فَرَفَضَ، كما سَطَى البعض على أفكار الناقد عابد خزندار في النَّقْدِ الثَّقافي الذي كان له فضل الرِّيادة في الكتابة عن هذا النوع مِنْ النَّقد قبل ما يقرب مِنْ قرنين، وهذا النَّقد - أي الثقافي - عٌرِفَ في أوروبا منذ القرن التاسع عشر الميلادي، بينما ارتفعت أصوات البعض لتزعم ريادة هذا الضَرْب من الدِّراسة النَّقدية ليس في جزيرة العرب - وحدها - ولكن في العالم العربي بأكْملِهِ، واليوم تفتح صحيفةُ الندوة في ملحقها الذي شهد قفزة نوعية بعد تولِّي الأستاذ والباحث الأدبي المعروف ((حسين الغُريبي)) مسؤوليةَ الإشراف عليه - نعم لقد فَتَحَت هذه الصحيفة قضية سرقة بين أكاديمي إماراتي وآخر سعودي، مما يُبْطل مفهوم الرِّيادة التي نسبها البعض - لنفسه - في مشروع النَّقْد الثَّقافي، ولعلَّ مرد وقوع بعض الأسْماء الكبيرة في قضايا سطو واضح مردُّه إلى النَّرجسية التي يعيشها بعض الأكاديميين ((العرب))، فمجرَّد ذيوع اسْمه داخلياً أو خارجياً يبيح لنفسه تحت مظلَّة هذه الشهرة ما لا يبيحه للآخرين، إضافةً إلى أنَّ بعض الأكاديميين تقتحم ميادين معرفية لا تمتُّ إلى تخصُّصهِ الأصلي بصلة، ويمكن إدراجها في ميادين اهتماماته الثانوية - مع إصراره غير الحقيقي أنَّ هذا هو جَوْهرُ دراسته في الجامعات الغربية - والاهتمام مَيْدَانٌ آخر غير التخصّص - وربما لم يتسنَّ لهذا الأكاديمي امتلاك الحدِّ الأَدْنى من أدوات المعرفة ما يؤهِّله لاقتحام تلك الميادين البعيدة كُلَّ البُعْد عَنْ تخصُّصه؛ فيضطر إلى التّسلل إلى كتاباتِ الآخرين والاعتداء والسَّطْو عليها. ولو أنه أشار إلى اقتبساته منها لكان الأمْر أهْوَن بكثير مِنْ التعدّي غير المَشْروع أو المبرّر، ثم الرفض تكبّراًَ وتعالياً على الاعتراف بالحقيقة ثم التَّواري عن الأَنْظارِ حَيَاءً.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :576  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 289 من 482
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور سعيد عبد الله حارب

الذي رفد المكتبة العربية بستة عشر مؤلفاً في الفكر، والثقافة، والتربية، قادماً خصيصاً للاثنينية من دولة الإمارات العربية المتحدة.