شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
تيار الحداثة بين نقد عبد اللَّه عبد الجبار وتنظير فائز أبَّا (2)
تحدثت في الحلقة السابقة عن المأزق الذي وصلت إليه حركة الحداثة في بلادنا ففائز أبَّا ليس له وجود على الخارطة التي صممها ومحمد العلي ليس مبدعاً بسبب عاطفته الدينية والتي انعكست - أحياناً - وبطريقة غير مباشرة على شعره وذلك لأنه كان يرثي الأمة في وضعها الراهن مستهدياً في عملية الرثاء - هذه - بتلك الروح الوضاءة التي توفرها مناسبات دينية معينة.
لهذا وصنوه في هذا المنحى - محمد الفيتوري - يصعدان ويهبطان في ميزان عملية الربح والخسارة الحداثي وهو ميزان لم يجد من يقض عليه باتزان وحكمة ووعي وصدق، وتناولت أقلام الناشئة من الحركة رموزها الأولى فالدكتور عبد الله الغذامي - من وجهة نظرهم - مارق على الحركة لأنه نقد شعر أدونيس وتشعر أحياناً أنهم قد وصلوا إلى مرحلة بعيدة في رؤيتهم الإيديولوجية لأدونيس حتى إنه هو أنكرها على نفسه في مناسبات عدة.
إلا أن الناقد الغذامي لم يكن أول من انصب عليه عتب مريدي أدونيس، أو موقف بعض منظري الحداثة، كما هي الحال في الموقف الذي عبر عنه الدكتور الناقد معجب الزهراني إزاء رأي عبد الجبار في الحداثة والمتضمن كتابه الصغير في الحجم، الكبير في الفكرة والمضمون والموسوم (الغزو الفكري في العالم العربي).
يقول أستاذنا عبد الله عبد الجبار في نقد أدونيس وفكره بصورة موضوعية (وأدونيس يتصور اللغة مثل آنية مليئة بأشياء ماضية، ويقول أي أدونيس: ((أول ما أعمله أن أفرغ هذه اللغة من محتواها وأحاول أن أشحنها بدلالات جديدة تخرجها من معناها الأصلي.. ثانياً أبدل علاقتها بجارتها، ثالثاً أغير جذرياً النسق الموضوعة فيه)) وبهذه الأفعال الثلاثة يخيل إليه أنه يمكن أن يبتكر لغة جديدة.. وهو يشعر - أي أدونيس - بأن هذا هو ما يعوّق الاستجابة لشعره، وعلى ذلك فنحن بإزاء فعل واعٍ لإفراغ اللغة من مضمونها الأصلي وتغيير العلاقات بين مفرداتها - بل إن الغموض هدف مطلوب لهذه المدرسة)، ويرى عبد الله عبد الجبار أن رأي أدونيس في كون الغموض مطلباً بحد ذاته هو محل اختلاف ونظر.. وذلك تعليقاً على مقولة أدونيس قيمة القصيدة في المقياس الكلاسيكي العربي هي في وضوح المعنى واكتمال الشكل.. اما قيمة القصيدة بدءاً من النفري فهي على العكس - في كونها - توحي بأكثر من معنى وفي كونها لا تكتمل بل تظل مفتوحة.
ويعترف عبد الله عبد الجبار بعمق ثقافة أدونيس والتي تبدت من خلال إصداره لديوان الشعر العربي في عدة أجزاء، مؤكداً على القيمة الكامنة في هذا العمل من حيث توافر حاسة الذوق الرفيعة لأدونيس، وهذا - يذكرني بالمقولة المعروفة عن أبي تمام أنه في حماسته كان أكثر شاعرية مقارنة بما أبدعه من شعر.
ويعلق الأستاذ الكبير عبد الله عبد الجبار على قصيدة رائعة أبدعها أدونيس والتي كتبها بلغة جميلة دون تغيير في دلالاتها وعلاقاتها وهي قصيدة (الحسين بن علي) يعلّق عبد الجبار متسائلاً في موضوعية: عجباً كيف يقوم أدونيس بدعوة نفي التراث مع أن أجمل شعره مأخوذ من التراث وأنا لا أعارض الحرية في تطوير الشكل الفني، فالحكم في ذلك للزمن ولكنني أتساءل: كيف تشيد مجلة مواقف بالفدائيين وتدافع بحرارة عن المقاومة الفلسطينية، ثم تستطيع بدعوتها هذه وشعرها هذا الجديد، إن الجماهير لمعركة المصير، إن علينا أن نخاطب الجماهير بروحها وفهمها وهي روح عربية وفهم عربي فهل يمكن لهذا الشعر الجديد أن يصل إلى أعماقها.. والأستاذ عبد الجبار الذي جاهر بهذا الرأي في مطلع الستينيات الميلادية - الثمانينيات الهجرية يتفق مع الرأي المطروح في الساحة عن مساحة الهم الوطني في شعر الحداثيين وكان الأستاذ والإعلامي المعروف محمد سعيد طيب يتساءل باستمرار عن هذه القضية مع إبداء إعجابه بأدونيس ولا بد أن أنصف الأخ الكاتب أحمد عائل فقيه، فلقد كنت اتفق مع الأستاذ الطيب عن الوضوح الذي تتسم به مقالاته، ولقد وجدت أن الأستاذ سعد الحميدين وهو من الجيل الأول من شعراء الحداثة يتمتع برؤية شاملة وخصوصاً فيما يكتبه من تنظير نقدي ولا يزال ملحقه الثقافي في صحيفة الرياض يحتفي بالرأي الآخر. وتمثل كتابات معالي الأستاذ عبد العزيز السالم الفكرية والأدبية نموذجاً رائعاً لأخذ هذا الملحق بالتعددية المطلوبة كما أن احتفاء الملحق في سنوات خلت بكتابات جهاد فاضل والمرحوم حسن ظاظا ومتابعات الأستاذ الدكتور منصور الحازمي النقدية هي مما يجعلنا نشيد بموقف الحميدين، في وقت كانت فيه بعض الملاحق تغلق أبوابها وتوصد نوافذها أمام الرأي الآخر خوفاً منه أو حجراً عليه أو ردة فعل لسلوكيات بعض المنتسبين لتيار الأصالة أو المحافظة. وإذا كنا قد أشرنا إلى مساوئ الرؤية غير السوية والتي تطلب حتى من أنصار التيار ألا يخالفوه في شيء أو يتعرضوا لرموزه بالنقد، فإن المد وصل إلى شخصية الدكتور الحازمي نفسه والذي يمثل هرماً كبيراً تلتقي في رحابه كثير من التيارات المختلفة، فلقد كان للحداثة موقف من الناقد الحازمي - فقط - لأنه لا يؤمن بالتجريب ولموقفه المبدئي من قصيدة النثر. ولقي الحازمي من الجحود ما لقي، ويبقى الأشد على النفس ظلم أولئك الذين ترك لهم الرائد الحازمي الأبواب مشرعة في الوقت الذي كان هؤلاء في أمس الحاجة لنسمة هواء ولمسة صادقة من حنان الأبوة.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :625  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 285 من 482
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج