شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
قراءة نقدية في بيان حمزة شحاتة الشعري (12)
(الأستاذ حمزة) يجعل من نفسه وسيطاً بين القارىء وبين الإبداع الشعري الذي ضمنه الأستاذ عبد السلام الساسي - رحمه الله - كتابه، وهو بهذا يتطلع لأن يرتقي القارىء بثقافته الشعرية والأدبية حتى يستطيع أن يصدر أحكامه على شعراء هذه المجموعة المتباينة في شعرها قوة وضعفاً، كما يبدو من عبارات الناقد (شحاتة) أنه - بحكم مقاييس ذلك الزمن الماضي - إضافة إلى ضيق العقلية القريبة بعملية النقد وعدم قدرتها على تقبله بشيء من التسامح الحضاري، يبدو أن (شحاتة) لم يشأ أن يدخل في خصومة مع أحد. ولا أعلم إذا ما كان الأستاذ (شحاتة) قد كتب هذه المقدمة قبل هجرته إلى ((مصر)) بزمنٍ قليل وإيثاره العزلة الأدبية، بعد أن شغل الناس هو ومحمد حسن عواد الوسط الأدبي بذلك النتاج الشعري الذي بلغ من الحدَّة ما يجعل نشره صعباً إن لم يكن مستحيلاً حتى بعد مرور فترة طويلة على تلك المعركة التي نشبت بين الشاعرين وتورط فيها عدد من أصدقاء الشاعرين... ربما هذا العامل هو الذي دفع بالأستاذ (شحاتة) أن يزعم أنه في موقع الحكم فقط أو الوسيط النزيه الذي لا يحب أن يوصم بالتحيُّز مع أو ضد أحد من معاصريه من الشعراء، أو الأجيال الأخرى التي توالت بعد جيل الرواد، وعباراته الآتية توضح ما ذهبنا إليه من الدور الذي حدَّدهُ (شحاتة) لنفسه عند تقديم هذه المجموعة إلى القراء إذ يقول شاعرنا: ((أما أنا فقد نصبت الميزان، وأقمت المقاييس، ومهدت الجادة بما وسعني من جهد ودفعت التهمة عن فطنتي بما حسب القارىء به وكفى، وأديت للوساطة حرمتها أو حقها من الأمانة ولم يعد للقارىء إلا أن يزن ويذرع ويحدد الفروق والمراتب والدرجات فما يتسع طوقي لأكثر من هذا، ولو اتسع لكنت خليقاً بألا أتجاوزه اتقاء لما تجرُّه إليه الجرأة على حرمات الشعراء من نصيب الدفاع، وأوصاب الذياد في هذا الزمن المُدبر الذي تضخم فيه كل شيء حتى الشعر والشعراء)) (1) .
تجنُّبُ (شحاتة) الإشارة الواضحة إلى من صَعَدَ شِعْرُهُ أو هوى، وما قوى من قدرات المجموعة وما ضعف لم يمنعه من اتخاذ أسلوب التّهكم والسُّخرية سبيلاً إلى الإشارة إلى أن الإبداع الشعري الذي ضمنه الأستاذ ((السَّاسي)) هذه المجموعة - يزخر بعضه بكثير من المساوىء أو العيوب - والتي ترك ناقدنا للقراء اكتشافها - بأنفسهم - طبيعة لأذواقهم أو ملكاتهم النقدية إن كان - بعضهم يمتلك هذه الحاسة النقدية الهامة - وهو في نظري عبء كبير تخلص منه (شحاتة) ووضعه في عنق القارىء وكان المنتظر أن يدل عليه أو يشير إليه ولو في اقتضاب أو إيجاز حتى تكتسي هذه المقدمة أهمية أكبر، وإن كان هذا الهروب النقدي - لا يقلل من قيمتها واعتبارها بياناً شعرياً لم نعطه - حقه - من العناية والاهتمام -.
تطبيقاً حرفياً للمثل المعروف ((زامر الحي لا يطرب)) مكتفين بأن نكتب عن روادنا ومفكرينا بعد أن يغادروا هذه الحياة الدنيا، ومما يؤسف له أن البعض - منا - تبلغ به الوقاحة للنيل من هذه الرموز - ظلماً وجحوداً - لأسباب شخصية بحتة وتنتفي عنها أسباب الموضوعية المطلوبة في العملية النقدية.
لقد اكتفى (شحاتة) - اتقاء للشرور المترتبة على توضيح العيوب الفنية المتمثلة في بعض هذا الإبداع الشعري - بأن يأخذ دور ((الواعظ)) الذي يكتفي بأسلوب التعميم - وفي هذا إشارة إلى أن (شحاتة) كان يسعى لمخاطبة الناس بما يعرفون ويألفون من أساليب النقد التقليدية. وإن كان يبدو من طرح الأسئلة بينه وبين القارىء والإجابة عنها يشير إلى أنه أخذ هذا الدور كراهية لا طوعاً واضطراراً لا اختياراً... يقول (شحاتة) إزاء هذا الموضوع: وهذا حق نفْسي في التماس السلامة، والتقية و الاحتراس أو بقبول تهمة العجز عن اضطلاعي بأعباء الملاحاة المتوقعة من نيف وعشرين شاعراً، وذوي عصبياتهم الأدبية وأشياعها فإن الأمر - على ما يرى القارىء - جدير بأن يُروِّع القَلْبَ أو يَخْلَعهُ، والإنسان مطالب باتقاء التهلكة فإن قال القارىء - متخابثاً - وهو مطالب - أيضاً - بألا يجهر بالسوء قلت إن تعميم الرمز والتضمين والإشارة، وإطلاق الدلالة بالقواعد التي يكتشف بها النقص، أو تفرق المعابث في الشعر والشعراء مثلاً ليس من باب الجهر بالسوء أو الهمس به، أفلا يقول الواعظ لوجوه الناس وعليتهم في المسجد وبملء صوته: أيها الناس لقد فسدت أعمالكم وزاد إمعانكم في الضلال وركوب الموبقات والأوزار والسوء وكيت وكيت من الرذائل؟ فلا يكون لأحد من سامعيه أن يأخذ بتلابيبه إلى حيث يقاضيه (2) .
 
طباعة

تعليق

 القراءات :570  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 276 من 482
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

سوانح وآراء

[في الأدب والأدباء: 1995]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج