شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الصهيونية وعدالة الغرب
وافقت الحكومة البريطانية في نهاية شهر مايو عام 1991م على قانون جرائم الحرب واعتباره جزءاً من القانون القضائي البريطاني. فما هذا القانون؟ وما البدايات التي انطلق منها والعوامل التي ساعدت على إبرازه إلى حيز الوجود بعد مداولات عديدة بين مجلس العموم واللوردات البريطانيين وما النتائج التي يترتب عليها تطبيق مثل هذا القانون؟
هذا القانون هو من مشاريع مركز سايمون روزنتاول اليهودي المعروف بصائد النازيين، وصاحب الكتاب المعروف (العدالة وليس الثأر) (Justic Not Vengeance) والذي قام منذ منتصف الثمانينات الميلادية بجولات عديدة في العالم الأوروبي بهدف تعقّب الشخصيات الأوروبية غير المتعاطفة مع الحركة الصهيونية ورميها بتهمة التعاون مع الحركة النازية، وكانت شخصية الرئيس النمساوي الدكتور ((كورت فالدهايم)) هدفاً من أهداف المركز ورئيسه الموغل في تعصبه لصهيونيته، وعلى الرغم من فشل المركز في إثبات التهمة على الرئيس المذكور إلا أنه تحقق عن طريقها عدد من النتائج التي ما زالت الحركة الصهيونية تكسب من ورائها تأييد عدد كبير من المؤسسات الغربية المختلفة. لقد انطلقت حركة ((روزنتال)) من النمسا إلى بريطانيا لتنال بافتراءاتها شخصية هامة من شخصيات المجتمع البريطاني وهي الأميرة ((مايكل)) أميرة كينت متهمة والدها الألماني الأصل والذي توفي منذ سنين عديدة بأنه قبل براءة نازية في حياته، وهي - أي الحركة - مع عدم توافر الأدلة القطعية لديها لإِثبات مثل هذه التهم إلا أن أبواقها في الصحافة والإِعلام البريطاني طالبت بأمور عديدة منها وجوب إنهاء الحياة الزوجية بين الأميرة الكاثوليكية، وزوجها الإِنجليكاني، وهو تصرف يدل على النزق الصهيوني وتطاوله، كما يثبت سيطرته على شؤون كثيرة متصلة بالمجتمعات الغربية وهي شؤون تصنف في دائرة الخصوصيات التي يفترض عدم منازعتها أية جهة أخرى. وبعد توقف الحملة التي تناولت شخصية من شخصيات الأسرة البريطانية المالكة، قدم المركز اليهودي إلى مقر رئاسة الوزارة البريطانية لائحة بأسماء سبعة عشر شخصاً زعم أنهم مجرمو حرب في بريطانيا ولقد سبق تقديم هذا الطلب قيام رئيسة الوزراء البريطانية - آنذاك - ((تاتشر)) بزيارة إلى الكيان الصهيوني وهي أول زيارة يجرؤ على التفكير فيها والقيام بها رئيس بريطاني منذ انتهاء مدة الانتداب البريطاني على أرض فلسطين وقيام الكيان الصهيوني فوق تلك الأرض المغتصبة. ولقد أعد لتلك الزيارة اللوبي اليهودي الذي كان يشكل قوة كبيرة ليس داخل الدائرة اليهودية الانتخابية للرئيسة تاتشر في شمال لندن فقط، بل في داخل مقر الحكومة البريطانية نفسها حيث كانت أهم الحقائب الوزارية بأيدي يهود يخفون صهيونيتهم أمام أفراد المجتمع الإنجليزي ولكنهم لا يترددون في مكاشفة الحكومة بمطالب الحركة الصهيونية ويرسمون طرق تنفيذ تلك المطالب، ويذكر عضو مجلس العموم البريطاني وأحد أعضاء مجلس التفاهم العربي - البريطاني ((سيريل تاونسند)) في جريدة الحياة عدد 29 مايو 1991م - أن رئيسة الوزراء أعطت وعوداً في أثناء زيارتها بإمكان محاكمة من تَزْعُم الحركة الصهيونية أنهم مجرمو حرب في الحرب العالمية الثانية، وبالتالي فقد حظي طلب المركز اليهودي بمباركة الحكومة البريطانية آنذاك.
وأعدت وزارة الداخلية البريطانية في عام 1989م بعد سلسلة من التحقيقات قراراً يتضمن الموافقة على إصدار تشريع يتم من خلاله محاكمة المتهمين، إلا أن مجلس اللوردات رفض هذا القرار الذي حظي بعد عرضه عام 1990م على مجلس العموم بتأييد ستين عضواً فقط، وبما أن مجلس اللوردات هو السلطة العليا التي يرجع إليها للنظر في القرارات التي يتخذها مجلس العموم، إلا أنه يملك حق الاعتراض ولا يملك حق التنفيذ؟ لذا فقد تجاوز رئيس الحكومة البريطانية آنذاك ((جون ميجور)) قرار مجلس اللوردات الذي رفض للمرة الثانية في هذا العام صدور مثل هذا التشريع الذي لم يصوّت لصالحه سوى أربعة وسبعين نائباً من أعضاء مجلس العموم في مقابل أكثر من مائتي صوت أبدوا اعتراضهم على القرار ومن بينهم شخصيات سياسية وفكرية هامة مثل رئيس الوزراء السابق ((إدوارد هيث)) ونائب رئيس الوزراء في حكومة تاتشر ((سير جيفري هاو)) ووزير الدفاع الأسبق ((سير إبان جليمور)) وكان تجاوز ((ميجور)) لصالح تنفيذ قانون البرلمان القاضي بمحاكمة عدد محدود من الشخصيات الطاعنة في السن وبعد مضي أكثر من نصف قرن وهي مدة زمنية يفترض بسبب طولها ضياع كثير من حيثيات القضايا التي تزعم حركة مركز ((روزنتال)) تورط المتهمين فيها، ويمكن تفسير هذا التجاوز من حكومة ((ميجور)) بأنه استمرار لوجود الكتلة التاتشرية داخل حزب المحافظين والمتعاطفة مع القضايا اليهودية، كما يمكن رده إلى ما يشاع حول الجذور اليهودية لرئيس الوزراء الحالي حيث ذكرت صحيفة ((الأوبزرفر)) البريطانية في أحد أعدادها أن الاسم الحقيقي لوالد رئيس الوزراء البريطاني هو ((إبراهام)) وقد اضطر إلى تغيير اسمه اليهودي إلى اسم مسيحي خلال الحقبة التي كانت تخشى فيها الجماعات اليهودية من إظهار هويتها الحقيقية.
وهنا لا بد أن ندقق النظر في مواقف الحكومات البريطانية من بعض القضايا التي تفوق ، في أهميتها وما يترتب عليها من نتائج ، قضية محاكمة مجرمي الحرب مثل قضية حلقة ((كيمبردج)) للتجسس والتي كان من أهم أعضائها الجاسوس المعروف ((انتوني بلنت)) والذي كان يشغل منصب المستشار الفني للقصر الملكي البريطاني، والذي أكدت رئيسة الوزراء البريطانية السابقة ((تاتشر)) خيانته لصالح الاتحاد السوفياتي وذلك في مجلس العموم 1979م، وتجريده من منحة التكريم الملكية التي سبق له الحصول عليها، وكذلك قضية الحركات الإِرهابية الصهيونية مثل ((الأرجون)) والتي تسببت في اغتيال بعض الشخصيات البريطانية المسؤولة، كما قامت بتفجير فندق الملك ((داود)) في عام 1946م، مما حدا بالحكومة البريطانية - وهي التي كانت تتولى آنذاك - الانتداب على الأراضي الفلسطينية - إلى إصدار قرارات رسمية تتضمن إدانة أفراد العصابة الصهيونية ومن بينهم ((مناحيم بيجين)) و ((إسحاق شامير)) وطلبهما للمحاكمة، وهو أمر موثق في الدوائر الأمنية البريطانية حتى الوقت الحاضر وكذلك قضية ((بلنت)) ودعوة رئيسة الوزراء ((تاتشر)) في بداية الثمانينات الميلادية إلى قفل ملف حلقة كيمبردج التجسسية مع خطورتها، وكذلك فيما يتصل بأعضاء الحركات اليهودية الإِرهابية الذين بدلاً من أن تأخذهم السلطات البريطانية إلى المحاكم لتحقيق العدالة فإنهم استقبلوا فوق الأراضي البريطانية استقبال الزعماء الفاتحين، وأفردت الصحف مساحات كبيرة لذكر تفاصيل حياتهم ومن بينها صفحات سوداء من سوابق الإجرام وإدانات القتل والتعذيب التي ارتكبوها علناً في الماضي والحاضر على حد سواء.
إذا دققنا النظر في هذه الجرائم والمواقف المنبثقة عنها لثبت لنا أن قانون جرائم الحرب الذي سوف يتم تطبيقه في بريطانيا على حفنة من الرجال المرضى والمسنين بذريعة التعاون مع الحركة النازية هو قانون انتقائي سارع إلى التصويت عليه أعضاء تعرّضوا لضغوط شديدة من حركة ((سايمون روزنتال)) الانتقالية، وتعجلت الحكومة في إقراره سيراً مع النزعة الغربية لتحقيق الرضا الصهيوني، فالغرب لا يطيق غضب اليهود، ويفقد عقلانيته أمام افتراءاتهم وأباطيلهم.
* * *
 
طباعة

تعليق

 القراءات :754  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 214 من 482
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

سوانح وآراء

[في الأدب والأدباء: 1995]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج