شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
ذكريات من باب العنبرية (2)
قد أتيت في المقالة السابقة من هذه الذكريات أو التداعيات على كُتّاب المعلمة مغربلية الكائن - في الماضي - بما يعرف بدكة الترجمان (نسبة لأسرة عريقة ببلد المصطفى صلى الله عليه وسلم) في ذلك الكُتَّاب قرأت أمهات اليوم بعضاً من المعارف والعلوم، وأشرت في شيء من الأسى والحسرة بأن تلك الصفحة المضيئة قد طويت، وأن عبارة الأستاذ المرحوم محمد حسين زيدان ((بأننا مجتمع دفان)) هي عبارة تنطبق إلى حد كبير على واقعنا الاجتماعي والثقافي كأفراد ومؤسسات فكرية وأدبية. إلا أن ذلك الأسى قد تبدد وتلك الحسرة قد انحسرت عندما هاتفني أستاذي وصديقي ناجي محمد حسن عبد القادر الأنصاري بأنه بصدد إخراج بحث عن كتاتيب تلك الحقبة الماضية، عفواً إنها جامعات حقيقية تعلمت الأجيال فيها الأدب قبل أن تحفظ الدرس وتتلقى السلوك الرفيع في حياة كان أدب النفس قوامها، وإنسانية السلوك هي ما تباهي به وتفاخر. خطوات محدودة تفصل بين دكة الترجمان وذلك البناء المتواضع المشرف على (السيح) مجرى سيل (أبي جيدة). في ذلك المكان تلقى الفتى دراسته الأولى إنه الكُتاب الذي كنا نقرأ القرآن فيه على الشيخ محمد صالح البيحاني. الذي كان من خير حفظة كتاب الله في البلد الطاهر. كان يؤم الناس في مسجد الغمامة أو المصلى مع الشيخ سيف بن سعيد - رحمه الله -. وكان الشيخ سيف رجلاً سمحاً متواضعاً وكان مسؤولاً لحقبة من الزمن عن هيئة الأمر بالمعروف وكان الرفق دأبه في معالجة أمور العباد بحكمة ودراية - ما أحوجنا اليوم إليها - ولقد كان الشيخ عثمان الصالح - أمد الله في عمره (والد صديقنا الدكتور ناصر الصالح مدير جامعة أم القرى المكلف) من هذا الطراز النادر من رجال العلم والمعرفة.
مع إطلالة كل يوم يحمل أبناء الحارة أطباقاً ويقصدون دكان العم محمد الفوال ثم يعرجون على فرن (حاجي بهاء) يشترون التميزة بأربعة قروش، ثم يعودون أدراجهم إلى الأحواش المنتشرة على طرفي شارع العنبرية يأكلون القليل من الزاد، ثم يقصدون المدرسة المنصورية أو المحمدية. طلاب الأمس - يا صديقي - لا يملكون سيارة توصلهم إلى باب المدرسة أو فنائها. كان الجد والتحصيل هما ما يشغل منهم العقول والقلوب.
لم يدرك الفتى فرن العم حجازي الذي كان في حي العنبرية. فلقد انتقل صاحبه إلى حارة الأغوات وهناك عاش بقية حياته وحيداً بعد أن فقد رفيقة حياته وهي في معية الصبا، كان الناس في الحي يتحدثون عن جمالها الفاتن، وكانت كما يقول التعبير المدني (ست بيت).
الرقة في مجتمع المدينة شيء متجذر من عهد النبوة. فلقد ذكرت أم المؤمنين السيدة عائشة - رضي الله عنها -: ((قدمنا المدينة وما فيها من بيت إلا وينشد فيه الشعر)) أو كما قالت - رضي الله عنها -. وكان ضرب الدف في حشمة ووقار هو سلوة الناس في زمن البراءة والطهر، وكان الإنشاد في مجالس القوم هو دواء القلوب الكليمة.
حسين بخاري وعبد الستار بخاري ومحمود نعمان والسيد عمر عينوسة، ومن بعدهم عقيل توفيق وإبراهيم وعيد صباغ، والسيد حسين ياسين، والسيد إدريس هاشم كانت هي الأصوات الخاشعة والمتبتلة في محراب الحب والصفاء والنقاء.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :730  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 128 من 482
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج