شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
حقوق سباعي عثمان
لا أستبعد أن يكون المعنيون بعلم النفس، أو علماؤه، قد اكتشفوا العلة، في عجز الكاتب أو الشاعر، عن إبداع كلمة النثر، أو قصيدة الشعر، رثاء لمن يفقد من الأعزاء... والذين جرّبوا مثل هذا الموقف، - وأرجح أنهم كثيرون - قد يستطيعون، أن يقولوا شيئاً، إن لم يكن للتعليل فللمشاركة في الحسرة والأسف والإحساس بما يشبه (الذنب).
وقع لي هذا، لأول مرة يوم فقدت أعزّ رجل أحببته، بل بلغ من حبي له، أني يوم تلقيت خبر رحيله، كدت أقذف بنفسي في البحر، في بيروت، وهو زوج أمي الذي ربّاني منذ كنت في الخامسة من العمر، إلى أن شببت عن الطوق، تربية عالية مرفّهة. وأنا مدين بالكثير من سلوكياتي لتربيته وتوجيهه ورعايته وحنانه... هو (ضياء الدين بك أحمد) رئيس الصيادلة تغمّده الله برحمته... كنت أكتب وأنشر في الصحف، ولكني عجزت عن أن أكتب كلمة واحدة أرثيه... ونفس الحالة وقعت لي عندما فقدت والدتي... التي لحقت بربها في القاهرة بعد أجراء عملية لاستصال ورم في البنكرياس، فشلت في الإنقاذ، وأراد الله، أن تدفن قبل أن أصل القاهرة بساعات فقط... ليالي بطولها... تمزّقت نفسي حسرة عليها، وأي حسرة أشد وقعاً من فقد الأم، مع الفشل في أن أحضر تشييعها إلى مقرها الأخير... لم أكتب راثياً كلمة واحدة، حتى اليوم... ثم نفس الحالة وقعت لي، وأكاد لا أعرف كيف أعللها عندما توفّي أخي (شاكر ضياء الدين) منذ سنوات... لم أستطع أن أكتب أي شيء... مع أن دموعي كانت تنذرف كلّما وضعت رأسي على الوسادة عند النوم.
واليوم، وقد قرأت مقال الأستاذ رضا لاري، عن موقف التأمينات الاجتماعية من حقوق تترتب للمرحوم الأستاذ سباعي عثمان... عدت إلى نفسي أسائلها: أي حس بليد هذا؟؟؟ كيف لم تكتب أي كلمة ترثي بها هذا الكاتب الإنسان، وأنت تتذكّر تماماً تلك الليلة التي جلست فيها إلى جواره على مائدة العشاء في الحفل الذي أقامه الأستاذ محمد أحمد الشدّي، في أحد الفنادق بجدة... كان يتمتع بأوفر صحة، وعلى محياه تلك الابتسامة التي يخيّل إليك أنها لم تبرح ثغره منذ ولد... وما كاد ينتهي من العشاء، حتى استأذن، للانصراف، لأن عملاً في مكتبه ينتظره، ولا بد أن يذهب، قبل موعد الطبعة الثانية كما أذكر.
وظللت بعد ذلك أتتبع متفجّعاً حزيناً أخبار تلك الغيبوبة التي لازمته إلى أن رحل رحمه الله... في الواقع، كنت أشعر - بعد أن طالت - إنه لن يصحو منها - فحوادثها المماثلة كثيرة في العالم... وبرحيله رحمه الله، لم أملك إلا أن أتأمّل علاقتي به، إذ كان ودوداً يغمرني بمشاعر تقدير، كنت أؤكد له أني لا أستحقها، وكنت صادقاً، إذ الواقع أنه كان يبالغ، أو أنه كان ينظر إليّ من زاوية لم أكتشفها في نفسي بعد.
والذي يملأ نفسي أسى وحسرة (وندماً) أيضاً، إنه أعطاني مسودّة أول مجموعتيه القصصية، لأقرأها، وأكتب مقدمتها... وحدث أن أخذتها معي في رحلة لندن ثم القاهرة وقرأتها، ووقفت عند بعض ما استوقفني، من جمال هنا، وما أسترعى انتباهي من عثرة هناك، وكان من السهل أن أكتب المقدمة... ولكني لم أفعل... لا أدري ما الذي صرفني عن ذلك... رغم أنه قد أعطاني أضعاف ما كنت أطمع فيه من وقت... ولا أذكر اليوم كيف أعدْتُ المسوّدة إليه وكيف غطَّيتُ حُجمَ كسوفي لخيبة أمله في شخصي...
وخليقة الود فيه، كانت أكبر من أن ينالها، موقفي السخيف من تلك المجموعة، فقد كان هو هو... وداً وألفة، وابتسامة تملأ محياه وكأنها، لم تغادره منذ ولد، عند كل لقاء ومنه ذلك اللقاء الذي كان الأخير... والذي يتحدث عنه الأستاذ رضا لاري وعن موقف التأمينات الاجتماعية من حقوقه... وبين يدي الآن مجموعته القصصية الثانية، التي أهداني إياها في 10/4/1404... وعبارة الإهداء تزيدني إحساساً بالكسوف والأسف، وتضعني أمام سؤالي وهو: أي حس بليد هذا؟؟؟ وكيف يتحجر إحساسك نحو رجل يكن لك كل هذا الود فلا تكتب عنه كلمة راثية... وأنت لا تتوقف عن الكتابة والنشر.
إنها حالة... قلت، وأكرر أنها مما قد تجد تعليلها عند علماء النفس... أعجب ما فيها، أنها تتناسب حجماً، مع حجم الإحساس بالحزن والأسى... كلما كبر هذا الإحساس في مشاعري، ازداد أو تأكد عجزي عن الكتابة والتعبير.
أما موقف التأمينات الاجتماعية، الذي لا أدري حتى الآن إلى ماذا قد انتهى، فهو النظام، الذي أخذ في اعتباره الحرفيين، كالسباكين، والحدادين والفعلة في البناء أما الكاتب والشاعر، والأديب، والصحفي، فإن النظام لا يعرف له حقوقاً، لأن حقوقه أكبر وأعظم مئات المرات ويفترض أن تقدرها الدولة، وهي مصدر النظم والقوانين.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1678  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 137 من 207
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج