شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
أثر طفرة الثروة في حياة المجتمع
طبيعي جداً أن يكون لكلٍ من حالة الثراء، وحالة الفقر، تأثيره في حياة كل مجتمع إنساني وإذا كانت للفقر سلبياته وآثاره السيئة، التي عايشها المجتمع في المملكة قروناً طويلة وعانى منها صنوفاً من البؤس وشظف العيش، مما استتبع بطبيعته العجز عن ملاحقة أو مواكبة حركة التطور والتقدم في القرن العشرين، فإن حالة الثراء، أو طفرة الثراء، التي عايشناها فترة تكاد لا تزيد على خمس عشرة سنة، لها من المؤشرات السلبية أو السيئة في مجتمعنا، ما يمكن أن يعتبر أكثر كثيراً، من تلك التي عايشناها مع الفقر.. كان الفقر، من أهم حوافز النشاط والحركة والسعي لتأمين لقمة العيش.. كان الموظف على سبيل المثال يحرص على العمل، ويبذل كل ما يسعه من الجهد لإثبات استحقاقه للراتب الذي يتقاضاه، وهو قليل تافه بالنسبة للرواتب في هذه الأيام.. ومثل الموظف، العامل والفلاح، والحرفي.. كان كل منهم، يتواجد على رأس عمله، ربما قبيل شروق الشمس، وإذا استراح بعد صلاة الظهر ساعة، فإنّه لا يترك ساحة العمل إلا قبيل صلاة المغرب. وكما كان الفقر حافزاً للعمل والنشاط والحركة، فقد كان من أهم الحوافز، للإقبال على التعليم، عندما تتاح المدرسة.. ولعلّ ظاهرة الإقبال على التعليم التي نشهدها في هذه الأيام، هي عطاء ذلك الإحساس المرهف بذلك الحافز القديم.
من أهم وأخطر السلبيات أو الآثار السيئة التي أفرزتها طفرة الثراء، حالة الكسل والاسترخاء، مع التطلع والحرص على الدخل المرتفع، بحيث يصح أن يقال - دون مبالغة - إن ما يقدمه الموظف أو العامل السعودي من العمل والإنتاج لا يساوي أكثر من 30% من حجم الدخل الذي يحصل عليه ولا يرضى بأقل منه. أضف إلى ذلك ظاهرة التمسّك بمظاهر الترف ووسائل الترفيه، ليس فقط في منزله أو سيارته مثلاً، وإنما حتى في مكتبه، في الدائرة، أو في الشركة أو المؤسسة التي يعمل فيها.. يعتبرها إهانة بالغة أن يكون موظفاً، ولا تقدم له الدائرة التي يعمل فيها المكتب الفخم والكرسي الدّوار، والتليفون الخ.. مع أنه قد لا يعمل مع كل هذه (الفخفخة) أكثر من ساعتين، من ساعات الدوام.
ومن السلبيات التي يعاني منها المجتمع، بعد طفرة الثراء، ظاهرة الإسراف، وأسميه (التبديد).. حيث لا تجد الفتاة - على سبيل المثال - ما يمنع أن تدفع ألفي ريال في متر واحد من قماش، ولا يجد الشاب، ما يمنع أن يغيّر سيارته المترفة الفارهة، كل ستة شهور. وقد ينبغي أن لا ننسى ما أصبح أبناؤنا وعوائلنا مغرمين به، وهو قضاء عطلة الصيف أو الربيع في (الخارج).. والخارج، لم يعد بلداً قريباً كمصر، أو سوريا مثلاً، وإنما هو أمريكا وأوروبا وبالنسبة لفئة معينة من الشبان فخير ما يطيب لهم أن يشدّوا إليه الرحال هو (بانكوك).. ولو فكرنا في تقديرنا حجم المبالغ التي تنفق في هذه الرحلات، لوجدنا أنها (فلكية) أو (صاروخية)، وهي تنفق بهذا المستوى من البذخ على أتفه وأسخف وأحط أنواع اللهو، وأقذر مستويات المتعة والاستمتاع.
كل ذلك، أثر الطفرة في الثراء على المجتمع، أو على شرائح من مكوّناته. ولكن لا بد أن نقول إن هناك إيجابيات أفرزتها هذه الطفرة في الثراء، وهي اتساع المدارك،وتغيّر الكثير من المفاهيم، والتعامل مع المنجزات الحضارية التي أمّنتها الثروة في الوحدة السكنية الحديثة، وإحساس التطلع إلى الأفضل والأجمل والأنظف، والأبعاد عن احتمالات التلوث والفساد. فإذا لم ننس أن عدد الطلاب والطالبات في مراحل التعليم المختلفة، قد بلغ أو كاد يبلغ مليونين، فإن المردود المنتظر، لا يعني شيئاً أقل من وجود المجتمع القادر على التمييز الواعي بين النافع والضار، وبين المتفق مع العقيدة الإسلامية والمتنافر والمخالف للثوابت فيها. قد يستغرق الوصول إلى هذه المرحلة وقتاً، ربما لا يقل عن عشر سنوات، وهو وقت قصير نسبياً، لا بد أن لا نستكثره إذا ضمنًّا أن يتحقق معه هذا الهدف الكبير.
وأخيراً.. ورغم كل ما ذكرته وما لم أذكره من السلبيات، فإني أميل إلى الاعتقاد أن ما طرأ من السلبيات بأنواعها، كان نتيجة للطفرة، التي أخذت شكل (المفاجأة) العاصفة، وإن السياسة التي أخذت تنتهجها الدولة، بالنسبة للإنفاق اليوم بعد أن تكاملت أو كادت التجهيزات الأساسية، لا بد أن تنبّه إلى الأخطاء، وأن تعيد إلى بعض الأذهان ما فقدته من الصواب. ولا أستبعد أبداً، أن المجتمع سيعود إلى التماسك، والتعامل مع الثروة بمنطق بعيد عن تلك العشوائية التي سادت تصرف شرائح منه، آن لها أن ترى الجادّة إلى الأفضل.. والأفضل هو المطلب الذي يعيشه ويحرص عليه إنسان هذه الأرض، بحكم ميراثه الضخم من العقيدة الإسلامية، ومن التراث.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :502  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 93 من 207
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

سعادة الأستاذة صفية بن زقر

رائدة الفن التشكيلي في المملكة، أول من أسست داراُ للرسم والثقافة والتراث في جدة، شاركت في العديد من المعارض المحلية والإقليمية والدولية .