شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
دفاع عن المستشفيات الخاصة
خفوت، أو حتى انعدام صوت (الرأي الآخر) ظاهرة شائعة في أكثر المجتمعات المتخلّفة أو النامية، أو ما درجت ديبلوماسية المجتمع الدولي على تسميته: (العالم الثالث. وهي - هذه الظاهرة - المخاض الطبيعي والتقليدي لعدم التوازن بين كتلة تتاح لها القدرة على (الغرض) وكتلة مسلوبة القدرة على (الرفض). وانعدام هذا النوع من التوازن بين الكتلتين في أي مجتمع هو المسؤول الأول عن بطء أو جمود حركة تطورها، وما يستتبعه ذلك - في الكثير منها وفي المدى الطويل - من اضطراب وتخلخل حالة الاستقرار.
وكان ما كتبته عن المستشفيات الخاصة في جدة نموذجاً من ارتفاع صوت (الرأي الآخر) في وضع طال السكوت عنه، كما كانت استجابة وزارة الصحة نموذجاً طيباً لاضطلاع هذه الوزارة بسمؤولياتها المفروضة عن العمل لخير المصلحة العامة. ويسرّني اليوم أن يرتفع صوت (الرأي الآخر) دفاعاً عن هذه المستشفيات الخاصة. كما يسرّني أن أتلقّى من القراء آراءهم فيما يقدمه لهم هذا الحوار، إذ بهذا الأسلوب تتبلور الحقائق فيما يطرح من قضايا تستهدف خدمة المصلحة العامة ليس غير.
والذي يدافع عن المستشفيات الخاصة هو السيد (محمد سعود الغامدي) بجدة في رسالة محتدمة لا بأس بأن أنشر نصّها فيما يلي:
(تحية طيبة.. قرأت بمزيد الأسف ما كتبت عن المستشفيات الخاصة. تلك المستشفيات التي أصبحنا نفتخر أن في بلدنا مثلها. وأنا أحد المراجعين لهذه المستشفيات ولا تربطني أي صلة أو صداقة بأي من أصحابها، ولكن إحقاقاً للحق أشعر بالتقدير والامتنان والفضل لأحد هذه المستشفيات التي ساهمت مساهمة فعّالة وحاسمة، في إنقاذ أحد أطفالي الذي كاد أن يذهب ضحية الإهمال في أحد مستشفيات الحكومة.
(لقد شعرت بالأسف والأسى أن يسخّر كاتب مثلكم قلمه لتحطيم هذه المستشفيات واستعداء المسؤولين عليها، واتهام أصحابها بالجشع والاستغلال. لماذا يا سيدي لا تبحث مشكلة هذه المستشفيات، التي ضحّى أصحابها برؤوس أموالهم وباعوا الغالي والرخيص وتحمّلوا الديون الباهظة والعمولات البنكية التي لا ترحم، ليساهموا في إنشاء هذه الصروح الطبية التي نحن في أمس الحاجة إليها.
(يحز في نفسي، أن يكون بعض كتّابنا من رواد الصحافة والأدب بهذا المستوى الهدّام.. فإما أن تكون على علم ودراية فيما عاناه ويعانيه أصحاب هذه المستشفيات من صعوبات وعقبات، وإما أن تكون قد اندفعت تحت تأثير الشفقة والانفعال، وبذلك ينطبق عليك قول الشاعر: (إن كنت لا تدري فتلك مصيبة وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم).
ويختم السيد محمد سعود الغامدي رسالته بقوله: (إننا نعلم ماضيك جيداً.. فهلاّ عملت خيراً لحاضرك وآخرتك.. والسلام على من اتّبع الهدى).
وأفضّل أن أؤجل مناقشة الكاتب أو تفنيد عناصر دفاعه عن المستشفيات وهجومه عليّ شخصياً إلى أن أتلقّى أنا، أو تتلقى هذه الجريدة نتيجة التحقيق الذي تقوم به وزارة الصحة في الموضوع. وقد يحسن بي، أن ألتمس له العذر فيما بدا من احتدامه واستيائه لحساب المستشفيات الخاصة إذ يندفع من إحساس عميق بالامتنان والفضل للمستشفى الذي ساهم - كما يقول - مساهمة فعّالة وحاسمة في إنقاذ أحد أطفاله الذي كاد أن يذهب ضحية الإهمال في أحد مستشفيات الحكومة. ولعلّي لو جرّبت أو عانيت تجربة كتجربته، فكاد يذهب أحد أطفالي ضحية الإهمال، ثم أنقذه أحد هذه المستشفيات، لما ترددت في الدفاع عن المستشفيات الخاصة، حتى ولو دفعت كل ما أملك مهما بلغ.
وآمل مع ذلك، أن يتذكّر السيد محمد سعود الغامدي، أني فخرت مثله بالمستوى الرفيع الذي نجده في هذه المستشفيات، وأظن أني قلت إنّه لا يقل عن مستوى أرقى المستشفيات في أي بلد متقدم، ولذلك فإن أصحاب هذه المستشفيات يستحقون كل تشجيع ودعم سخي يسارع إليه كل (قادر). ولكن هذا لا يعطي هذه المستشفيات حق المغالاة البشعة في أجور الخدمات التي تقدمها بغرض تغطية التكاليف والنفقات أو الديون، وليس مما يبرر هذه المغالاة أن هذا المستوى الرفيع قد أعد في الأصل للقادرين على الدفع من أصحاب الدخول الكبيرة، إلاّ إذا أعلنت الجهات المختصة حرمان غير القادرين من اللجوء إليها، وهو ما لا يتفق مع حرص الدولة الدائم على تحقيق الرخاء - ومنه العلاج - لكل مواطن دون أن أي تفريق بين القادر والعاجز بطبيعة الحال.
وعلى أية حال، فالكرة الآن - كما قلت في مقال سابق - لدى معالي الدكتور حسين الجزائري الذي بعثت إليه الوثائق وأفلام الأشعة وجميع ما طلبه من معلومات بخطاب مسجل برقم 78 وبتاريخ 1/4/1400هـ. فعسى أن يكشف التحقيق حقائق تدعم رأي المدافعين عن هذه المستشفيات.
* * *
الدكتور عبد الله الخريجي، أستاذ علم الاجتماع المساعد بجامعة الملك عبد العزيز، شخصية إن كان طلاب علمه في الجامعة، قد عرفوه ونهلوا من ينابيعه الثرة، فإن مما تؤاخذ عليه الصحافة وفرسان حلبتها من المحررين والمخبرين أنها لم تكتشفه ولم تحاول أن تضعه في دائرة الضوء، التي يراه معها القراء ليشعروا بما شعرت به من الزهو والفخر بأن يكون بين أبنائنا من حملة درجة الدكتوراه من يبشّرون بأن أروقة العلم، وآفاق الفكر في هذا البلد ستأنس بمن يملأونها، ومن يقتحمون جدار الصمت الطويل فيها، بأصوات جهيرة يتدفّق معها وينبجس من مصادرها إشعاع العلم ووميض الفكر وشعل التطلّع إلى ملء ما أعتبره الفراغ الأعظم في حياتنا الزاخرة بألوان من التفتح والإشراق والازدهار، وأعني فراغ الحياة الفكرية التي ظلت وحدها تتثاءب كسلاً واسترخاء وخواء، بينما كل شيء حولها يغور نشاطاً ويتوقّد همّة ويتوفّز حركة وطموحاً.
وليست لدي فكرة عن الرسالة التي تقدم بها لنيل درجة الدكتوراه، ولكن بين يدي كتابه الذي فرغ من طبعه - وعلى حسابه شخصياً - منذ أسابيع، وهو كما يقول في إهدائه باكورة عمله، والثمرة الأولى من جهد لا شك في أنه شاقٍ وطويل، ومن علم تشعر وأنت تمر ببحوثه أنّه عميق وغزير. ومع أني لا أجد في الكتاب ثبتاً بالمراجع، كما درج كل من تصدّى لمثل موضوعه، فإني أكاد لا أحصي هذه المراجع التي ذيّل بها كل صفحة تقريباً من هذا الكتاب الضخم الذي زاد عدد صفحاته على خمسمائة صفحة من القطع المتوسط.
وفي عنوان الكتاب إطلاق جريء لا أشك في أن اختياره دليل على أن الدكتور عبد الله الخريجي قد أبحر في ما يشبه المحيط من الموضوع الذي عالجه.. إذ يصعب أن تتصور مفهوماً ضيقاً لكتاب يحمل عنوان (علم الاجتماع المعاصر).. فليس الكتاب إذن موضوعاً بذاته من مواضيع علم الاجتماع، كالعلاقة بين الأطراف والتقاليد في المجتمع، أو النظام العائلي، أو النظام الاقتصادي في مجتمع بذاته وإنما هو (علم الاجتماع) ككل، وفي هذا العصر على الأخص. ولذلك فإن طبيعة عنوان كهذا تحمل القارئ على أن يعد نفسه لاستيعاب علم الاجتماع كاملاً، في هذا العصر. وهذا كثير وكبير.
وأنا أقول إنه إطلاق جريء لأني على جانب محدود من العلم، ليس فقط بضخامة الغابة التي تلتف فيها وتتشابك وتتكاثف آراء العلماء، وإنما أيضاً بصعوبة الإحاطة والاستيعاب ووعورة المسالك إلى التقنين والتحديد في علم لا يزال رغم كل من تصدى لمعالجة البحث فيه، واحداً من العلوم التي تشبه الرمال المتحركة، يتعذّر أن تطمئن إليها كمعالم ثابتة تسترشد بها إلى الغاية من الترحال الطويل.
ومن هنا، أتهيّب كثيراً أن أبدي رأياً في الكتاب وقد شمخ العنوان به شموخاً يحتمّ أن تلتمس الكثير من شحنات الطاقة، والأكثر من فائض الوقت، لتفرغ له فتمارس الإيغال في دروبه ومسالكه والتصعيد في أجوائه وآفاقه، وهذا ما أعترف آسفاً بالعجز عنه مع ما يتناوشني من مشاغل في هذه الأيام.
ولكن عجزي كقارئ لا ينبغي أن يتذرّع به أبناؤنا طلاّب علم الاجتماع في جامعة الملك عبد العزيز، فتصرفهم ضخامة الكتاب وشموخ العنوان عن التفرغ لاستيعابه والاستغراق في كل فصل من فصوله وكل مبحث من هذه المباحث التي بذل الدكتور عبد الله الخريجي جهداً طائلاً في تنسيق العلاقة بينها وبين الفصول الأربعة التي يتكوّن منها الكتاب.
وبعد، فإني لسعيد كل السعادة، بأن أصافح في الكاتب العالم الدكتور الخريجي عبارة عربية سليمة من أخطاء اللغة والنحو، وأن أستمتع بالأسلوب الناصع، الذي يتوخّى إلى جانب البساطة واليسر، إشراقاً في الأداء يغري القارئ بالإمعان في تتبع الموضوع، وهو ما لا بد أن يعين الطالب على استيعاب المادة التي لا أشك في أنها ستفتح أمامه الكثير من أبواب هذا العلم، الذي لا يزال يتسع للإضافة والابتكار.
وإن كان لي ما أقوله لجامعة الملك عبد العزيز، فهو تهنئتها بأن يكون الدكتور عبد الله الخريجي من أساتذتها، وتهنئة طلاب علم الاجتماع بأن يكون الدكتور أستاذهم ورائدهم في مسيرتهم نحو مستقبلهم الذي نتمنى أن يحفل بهم علماء يملأون أروقة العلم وآفاق الفكر.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :668  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 80 من 207
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج