شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
القراءة المركّزة
لقد كان حساب الخسائر والأرباح في حياتي الثقافية - وهي تمتد لفترة تزيد على نصف قرن - خادعاً، وغير دقيق بالمرة، وبالطبع ليس هناك من مسؤول عن هذه النتيجة المؤسفة حقاً، سواي.. وقد يطيب للقارئ أن أكشف له وجه الحقيقة فيما يقتنصه كاعتراف له أهميته في تقديره وربما في تقدير الكثيرين من المعنيين بتقليب صفحات حياة أصحاب العكاكيز، ممّن هؤلاء الذين يسرفون في إكبارهم والإعجاب بما يسمَّى عطاؤهم.
على سبيل المثال، في هذا الحساب، الذي اكتشف خداعه وعدم اتصافه بالدقة يوماً بعد يوم.. في الأدب الفرنسي، كما في الأدب الإنجليزي، والروسي، عمالقة تركوا بصماتهم على مسيرة الفكر الإنساني.. عكفت على قراءة الكثير من أعمال بعضهم في الإنجليزية، أو ما إليها من اللغات التي لا أعرفها، وقد كنت أتوهّم أن رصيدي الثقافي يعتبر مقنعاً إن لم يكن مرضياً.. ولكن ما أكثر ما أفاجأ، بأن هذا الرصيد مقنع كمًّا، ولكنه هزيل كيفاً بمعنى أن ما قرأته، لم يكن هو الذي يجب أن يقرأ أو هو الذي أحتاجه لاستكمال تركيز مضامين معيّنة في حركة الفكر.
آخر ما وقعت عليه، هو أني قرأت للشاعر الفرنسي (ألفونس دي لامرتين) قصيدته المشهورة بين الكثير من أعماله وهي (البحيرة).. ولم أقرأ القصيدة في الإنجليزية، وإنما في اللغة العربية، إذ نقلها شعراً رائعاً الشاعر الذي نتناساه في غمرة الثورة الشرسة على الرومانسية والرومانسيين.. وأعني (علي محمود طه المهندس).. وكانت البحيرة من أوائل ما نشر للمهندس من الشعر، وإذ لم تخني الذاكرة، فقد نشرتها جريدة السياسة الأسبوعية التي كان يصدرها الدكتور محمد حسين هيكل رحمه الله.. وما زلت أذكر المطلع الذي يقول:
ليت شعري أهكذا نحن نمضي
في عباب إلى شواطئ غمض
ثم قرأت ربما في أوائل الخمسينيات، قصّة للامرتين أيضاً، نقلها إلى العربية الأستاذ أحمد حسن الزيّات لعلّها (آلام فرتر).. ولم أتطلّع إلى قراءة أعمال أخرى منقولة إلى اللغة الإنجليزية كما كان دأبي مع أعمال ديستوفسكي وتولوستوي وتشيكوف وجوجول وغيرهم من أعلام الأدب الروسي.
واليوم.. أكتشف أني لم أهمل قراءة بقية أعمال لامرتين فقط، وإنما أعمال أخرى كثيرة لأعلام الأدب الفرنسي في القرن التاسع عشر وأخذت أتساءل عن السبب، لأجد الحقيقة في أني أقرأ ببطء شديد، أو هذا ما يبدو أنه التعليل الصحيح.. ومع هذا الاكتشاف، تذكرت ما قيل لي إنه طريقة أمريكية جديدة في القراءة يسمّونها (القراءة المركّزة السريعة) التي تتيح لمن يتقنها، أن يقرأ ألوف الصفحات، من عدة كتب، في أقل من يومين أو ثلاثة أيام.. وقد زعموا أن الرئيس كينيدي الراحل كان يجيدها، وقد قرأ أكثر من عشرين كتاباً في يومين قبل قيامه بمواجهة أزمة الصواريخ الروسية في كوبا.
إذا سمحت لي الظروف، فإني أفكر في السفر إلى أمريكا، لأدخل المعهد الذي يعلّم هذه الطريقة.. وقد قيل إن التدريب عليها لا يستغرق أكثر من ثلاثة شهور.. وليس الغرض أن أقرأ ما لم أقرأه حتى اليوم من أعمال عدد كبير من أعلام الأدب في اللغتين الفرنسية والإنجليزية وإنما لأقرأ الكثير جداً الذي لم أقرأه بعد من التراث العربي.
بقي أن أتساءل: متى وكيف يمكن أن تسمح الظروف؟
 
طباعة

تعليق

 القراءات :583  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 56 من 207
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج