شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
أبناؤنا والمدرّس الخصوصي
قال صديق، لا يزال ابنه في السنة الثالثة أو الرابعة الابتدائية، إنه يبحث - ولم يجد - عن مدرس خصوصي، لابنه، الذي يدرس في مدرسة تعتبر متميّزة، ولكنها ليست من المدارس الخاصة. ثم أضاف: أنا لا أستطيع أن أجلس لتدريسه، ليس لأني من الذين يهجرون البيت أغلب أيام الأسبوع ليقضوا الوقت مع الأصدقاء، ولكن لأني لا أفهم لغة الكتب التي بين يدي ابني... كل كلمة تقريباً تحتاج إلى مراجعة المنجد أو أي كتاب من كتب اللغة... وولدي يقول إن كل المطلوب منه أن (يحفظ) الدَّرس... ويبدو أن الحفظ هنا يعني (عن ظهر قلب)... والصغير يحاول، ويظل يحاول إلى أن يغلبه النوم... وكثيراً ما أجد أمّه تذرف دموعها إشفاقاً عليه، لأن المسكين، لا يستطيع أن يحفظ عن ظهر قلب أو (بالغيب) كما يسمى هذا النوع من الحفظ، ولذلك ترجوني أن أجد له مدرّساً (يحفظه) - بتشديد الفاء المكسورة - ما دامت هي ولا أنا، نستطيع أن نقوم بهذه المهمة، نظراً لجهلنا بالمفردات اللغوية من جهة، فلا نعرف كيف تلفظ، ولأننا نستكثر أن يضيع جانب من الوقت في عمل نعلم سلفاً أننا لا نتقنه ولا نفهمه، ولن يستفيد منه الصغير من جهة أخرى.
وقال صديق آخر - حدث أنه كان معنا - ولكن ما الذي تفعله المدرسة، أو المدرّس إذا كان يتعذّر على التلميذ الصغير، أن يستوعب ما يلقى عليه أو يُلقَّنه، في المدرسة؟ فإذا بجليس آخر، يفرقع ضحكة عالية، وهو يقول: قبل أن تتساءل عن المدرسة والمدرّسين اذهب مرة لترى كم في الفصل الواحد من المدرسة، من التلاميذ الصغار أو الكبار... ثم أضاف: يا أستاذ لا يقل عدد تلاميذ الفصل الواحد عن أربعين إلى خمسين تلميذاً. فأين هو المدرّس العبقري الذي يستطيع أن يعلّم هذا العدد الكبير، في حصة واحدة، مدتها لا تتجاوز خمساً وأربعين دقيقة... بل أين هو التلميذ العبقري، الذي نطلب منه أن يستوعب وأن يفهم أو أن (يحفظ) درساً مكتوباً أصلاً بلغة تحتاج إلى خلفية لغوية واسعة، ربما يفتقر إليها، حتى التلميذ في السنة الأخيرة من المرحلة الثانوية... ولذلك فالحل الوحيد أمام هذا التلميذ المسكين هو أن يحفظ (بالغيب)... ليسمّع ما حفظ أو ليكتبه إذا استطاع في الامتحان الشهري، أو الأسبوعي، الذي تتقرر في ضوئه درجات النجاح أو الفشل.
من جانبي، استنكرت أمرين:
أولهما، أن تكون لغة الكتب المتواجدة في أيدي التلاميذ في هذه السن الغضة مكتوبة بالمفردات المتقعرة، أو البعيدة عن مستوى فهم التلاميذ في هذه السن بحيث يعجز عن فهمها الأب إلا بالرجوع إلى القاموس.
ثانيهما، أن يبلغ عدد التلاميذ في الفصل الواحد من 45 إلى 50 تلميذاً، في أي مدرسة من مدارس وزارة المعارف. وحين أقول (وزارة المعارف) فإني أعني معالي الوزير الدكتور عبد العزيز الخويطر، الذي نعلم أنه خريج جامعة كامبريدج في إنجلترا، مما يعني أنه شاهد خلال الفترة التي قضاها في إنجلترا، للحصول على مؤهل الدكتوراه... شاهد فصول التعليم الابتدائي على الأخص، التي لا يسمح نظام التعليم هناك بأن يزيد عدد تلاميذ الفصل على 20 إلى 22 تلميذاً... وهذا إلى جانب أن معاليه يعرف أكثر من غيره، من رجاله ومن مئات أو ألوف المدرّسين والتربويين، أن (الحفظ عن ظهر قلب) لم يعد مطلوباً أو مرغوباً فيه، باستثناء الجزء المحدود من سور القرآن الكريم.
ثم - ومع الاعتذار لمعالي الوزير - ما الذي يضطر وزارة المعارف - بالنسبة للذكور - والرياسة العامة لتعليم البنات، - بالنسبة للأناث - إلى حشد ما يزيد على أربعين تلميذاً أو تلميذة في فصل واحد؟؟؟ وهنا أجد نفسي أتساءل عن ميزانية التعليم في المراحل التأسيسية وهي (الابتدائي، والإعدادي، والثانوي - كم نسبتها إلى التعليم العالي من جهة، وهل بلغ من ضآلتها أن تتعثر أو تعجز عن تأمين فصول تتناسب مع العدد المعقول أو المقبول لكل فصل... كيف يمكن أن أتصور أنا أو غيري، أن هذا هو الواقع، في المملكة العربية السعودية، التي تعد واحدة من أكثر بلدان العالم ثراء، واستمتاعاً بمستوى من الرغد والرخاء يقل نظيره في العالم؟؟
أمّا لغة الكتب التي تتواجد بين أيدي التلاميذ والتلميذات، فإني لا أستطيع أن أتحدث عنها، لأني لا أجدها اليوم... ولكن سأحاول أن أجدها وأتأملها، والكتابة عنها في مقال قادم إنشاء الله.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :707  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 17 من 113
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور معراج نواب مرزا

المؤرخ والجغرافي والباحث التراثي المعروف.