شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
من جهنم البركان... إلى ظلال الحنان
أما البركان وجحيمه، قصفاً مدمّراً لا يبقي ولا يذر، طوالَ خمسة عشر عاماً عاشها لبنان ولا شغل لإنسانه، إلاّ دفن قتلاه، أطفالاً، وصبايا، ونساءً حبالى، وشيوخاً يبكيهم الأحفادُ وقد فقدوا بغيابهم حكاياهم في ليالي الرعب، وأحضانهم في لحظات رعدِ القصفِ الوحشي، وانهيار الأسقف والجدران تنقض عليها قذائف الصواريخ.
وأما ظلال الحنان، فهي التي لم يكن يخطر على بال ذلك الإنسان، طوال سنين هدير البركان، أنّه يمكن أن يلوذ بها في يومٍ من الأيام... لو قلت إن هذه الظلال من الحنان لم تستطع قط أن تجد لها مجردَ ثغرةٍ، تتسلّل منها، إلى حلمٍ تعصف به أعاصير الكوابيس، وقد ظلّت وحدها القادرة على أن تمارس رقصها المتواصل على ساحة الدماء والأشلاء، والضحايا والشهداء.
كان كلُّ يوم يمر على هذا الإنسان، أينما يكون من أقطار الدنيا التي قذفت به إليها حمم البركان، تزيده يقيناً، بأن العثور على ملاذٍ فيه نبضٌ لبشرى حلمٍ بالخلاص من كماشة كوابيس الرعب والموت، كان معجزةً لا سبيلَ إلى تحقيقها، في ظروف هربتْ من حولها حتى المعجزات.
ولكن المعجزةَ تحققت، وظلالُ الحنان امتدتْ وارفةً حنونة، تحت غمامة مشت من الجزائر والمغرب، لتستقرَّ في الطائف من المملكة العربية السعودية... غمامةٍ رقيقة سطع من خلالها قلبُ خادم الحرمين الشريفين، عاهلِ المملكة، فهد بن عبد العزيز، بكل المعهود فيه من مشاعر الحب ونفحات السلام، فإذا بإنسان لبنان ممثلاً في أعضاء نواب برلمانه، يجد في رحاب هذا القلب الكبير، ملاذَه الآمن، وحُلمَه المرجو، وأمله الضائع... ويظل هذا القلب، يخفق بالإيمان الذي أكده حفظه الله بأن إنسان لبنان، رغم كل ما واجهه من صعاب، وما عانى من يأس، وما طوّق مسيرتَه من معوقات، هو إنسان الحضارة الذي عرفه العالم، عملاقاً قادراً على أن يتعاملَ مع السلام، وأن يعي رسالة الحب، حين تُرسلها قلوب من المشرق والمغرب، في الساحة العربية كلها... قادراً على أن يستوعب ضرورة الخروج من جحيم البركان أداءً لواجب إنقاذ الإنسان، واجبه نحو الإنسان، واستجابة لنداء أولئك الذين أرتوت الأرض من دمائهم من الأطفال، والنساء... الأطفال اليتامى والنساء الأرامل، وكلهم أبرياء لا ذنب لهم، إلاّ أنهم (إنسان لبنان).
تحققت المعجزة، في الطائف من المملكة العربية السعودية، فكانت الحدث التاريخي الذي لن ينساه إنسان لبنان... بل لن تنساه الإنسانية كلّها، التي شهدت النموذج الفريد لما يستطيع أن يصنعه ويحققه، ملك، عربي، لإنقاذ بلدٍ من طاحونة حرب واقتتال وتخريب ودمار... بما بذل من جهد، وما سهر عليه من هموم بلد، أكد في حديثه إلى البرلمانيين أنه لم يفعل أكثر من واجب، والواجب في منطقه يستغني، عن الشكر والثناء، رغم كل ما لهجت به ألسنة الحضور من اعتراف بالفضل، وتقدير للجهد، مع وعد وعهد بأن يبذلوا كل ما يسعهم من الجهد، لتحقيق الاتفاق التاريخي الكبير.
تحققت المعجزة التي لم يكن يحلم بتحقيقها، حتى الذين كانوا يتابعون الأحداث بل حتى الذين، كانوا، في أجواء الطائف من الصحفيين وقادة الرأي من لبنانيين وأجانب.
وتلك منّة من الله بها على هذه الأرض... فالحمد لله.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :733  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 18 من 113
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور سعد عبد العزيز مصلوح

أحد علماء الأسلوب الإحصائي اللغوي ، وأحد أعلام الدراسات اللسانية، وأحد أعمدة الترجمة في المنطقة العربية، وأحد الأكاديميين، الذين زاوجوا بين الشعر، والبحث، واللغة، له أكثر من 30 مؤلفا في اللسانيات والترجمة، والنقد الأدبي، واللغة، قادم خصيصا من الكويت الشقيق.