شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
عناقيد الحقد (10)
لم تجد ضحى أمامها سوى أن تهرع فتستدعي الأخريات من الدور الأرضي... قضت وقتاً طويلاً في محاولة العثور عليهن... أم الأطفال حملت الطفل الصغير على خاصرتها وأسرعت معه تصعد السلم الخشبي وهي تنتهر الطفلين اللذين أخذا يلحقان بها... والتفتت إلى ضحى تقول:
ـ خلّي رقية تيجي... خلّيها تيجي قوام.
ولكن أين رقيّة هذه؟؟؟... لم يطل انتظارها وانتهت حيرتها وهي ترى رقيّة قادمة وقد خرجت من باب كانت تقف هي أمامه... وقالت:
ـ إيش تبغي؟؟؟ إيش بها تجري على فوق؟؟؟
ـ ألست الكبيرة... مش عارفة... عايزاك قوام
ـ لكن الدوا... الدوا حقها... فين الدوا؟؟؟
أدركت ضحى أن حالة العجوز، ليست جديدة... لها علاقة بالدواء، الذي لا تدري أين تجده... لم تجب بشيء وهي ترى رقيّة تستلم السلّم الخشبي... مشت وأخذت تصعد درجات السلم خلفها لترى أم الأطفال، تهبط والطفل على خاصرتها وهي تقول في لهجة بالغة الانفعال:
ـ الدوا... الدوا فين؟؟؟
أجابتها رقيّة بقلق:
ـ فوق الرف، اللي بتجلس جنبه في الديوان...
* * *
أفاقت العجوز من إغمائها، وأخذت تدير حملاقيها فيمن حولها... كانت رقيّة تمسح وتجفف وجهها بفوطة صغيرة من الماء الذي ظلّت ترشّه إلى أن أفاقت، كان الطفلان هناك في أحد أركان الغرفة وقد جلسا صامتين... استقر عليهما نظر العجوز... جعلت تتأملهما فترة ولم تلبث أن قالت:
ـ تعالو... تعالو هنا...
أسرعا إليها، فاحتضنتهما، واغرورقت عيناها بالدموع... ثم التفتت إلى رقية وهي تقول:
ـ هوّه طاهر لسّه ما جا؟؟؟
أجابتها ضحى وقد أدركت أن العجوز، تمر بأزمة قلق ورعب شديدين... بدا لها أن تطمئنها فقالت:
ـ زمانه جي...
تدخلت ضرتها أم الأطفال وقالت:
ـ طاهر ما جا... والمقاضي كمان ماني شايفة أحد جابها وقالت رقيّة:
ـ ومين في حال مقاضي اليوم؟؟؟ ناكل الموجود
ـ الموجود؟؟؟ يعني تبغي البزورة يتغدّوا عيش وجبنة؟؟؟
ـ ياكلو زي ما ياكل البيت كلّه...
ونهضت أم الأطفال، والطفل على خاصرتها وهي تقول:
ـ يعني ماني شايفة عمّهم اليوم...
ـ يمكن يكون في الحميدية معاهم.
وما كادت أم الأطفال تخرج من الغرفة، حتى التفتت رقيّة إلى العجوز وهي تقول:
ـ حالها زاد بالمرة...
ولم تجب العجوز بشيء... وأخذت تربّت رأس الطفل الأصغر بيدها، ثم قالت:
ـ هيّا قومو معايا ننزل تحت...
وعندما أخذت تنهض أسرعت إليها ضحى ورقية تساعدانها على الحركة... واستطاعت أن تقف وأن تبدأ مشيتها المرتعشة والعكاز في يدها... وقبل أن تخرج من الغرفة التفتت إلى ضحى وهي تقول:
ـ تعالي معانا يا بنتي... لا تقعدي لحالك...
* * *
بعد الغروب من ذلك اليوم كانت ضحى مع الأخريات حيث يجلسن في الديوان... وكان طاهر والأخ الكبير، الذي رأته يستقبل زوجها في جدة، يجلسان هما أيضاً في أحد جوانب المكان... وكل ما تجمّع من أخبار زوجها أنهما لا يعرفان عنه شيئاً، أكثر من أنه (محبوس) في (كراكون) الصفا... ولا تعرف ضحى شيئاً عن كراكون الصفا هذا، ولكن كلمة (كراكون) لم تكن غريبة على سمعها... قدّرت أنه مركز من مراكز البوليس... وأنه يقع في منطقة اسمها (الصفا) قال الأخ الكبير بعد أن ظل يلتزم الصمت وقتاً طويلاً:
ـ ما دام في كراكون الصفا، تبقى المسألة بسيطة... لو كان في (الفرن)... وقاطعته رقية تقول في ذعر...
ـ في الفرن؟؟؟ وهو فيه ناس بيدخلوهم الفرن؟؟؟
فرقع طاهر ضحكة صاخبة وهو يقول:
ـ أيوه... يعجنوهم، وبعدين يخبزوهم
والتفت إليه الأخ الكبير وهو يضحك ويقول:
ـ أيوه، أصلك أنت مجرّب... بس يظهر عجنوك ونسيو يخبزوك...
وأرسلها - طاهر ضحكة صاخبة أخرى تكاد لا تتوقف أو تنتهي... ثم قال:
ـ لا أنت الصادق... عجنوني وخبزوني... وبعدين أرسلوني للحج حسين...
والتفتت العجوز تقول:
ـ يعني ما تعرفوا تهرجو غير هادا الهرج... يعني مبسوطين؟؟؟
وكان طاهر لا يزال يضحك... وكان واضحاً أنه يضحك دون سبب... ليس هناك ما يضحك أحداً... وقال:
ـ وعند الحج حسين يا أمي... ما فضل على ضيوفه إلاّ ياكلوني ويمرمشوا عضامي وضحك أخوه الكبير... وهو يقول:
ـ طيب هيّا كفاية تضحك... قل لي... أنت شفته في الكراكون؟؟؟
ـ أيوه شفتوه... بس من بعيد... الظابط... قال تقدر تشوفو من بعيد لكن أصحى تقرّب منّه أو تكلّمه...
وقالت العجوز: - يعني أنت ما رحت تشوفو في الكراكون يا عبد السميع؟؟؟
ـ جيت أدخل الكراكون عشان أشوفه... العسكري النوبتجي... منعني... مع أني قلت لهم إني أخوه...
واجتمع الجميع حول ما سمّوه (الصفرة)... وهي قطعة مستديرة واسعة من نسيج سعف النخل... وضعوا في الوسط منها، قصعة كبيرة، ممتلئة بالفول، مغمور بالسمن الذي كانت رائحته تؤكد أنه السمن البلدي الحر... وحول القصعة أرغفة الخبز... ووعاء آخر ممتلىء إلى حافّته بسائل بني اللون، سمعتهم ضحى يقولون إنه (الصالونة)... وبدأ الجميع يغمسون الكسرة من الخبز، في طبق الفول... ولقمة أخرى في (الصالونة)... لم تر أحداً منهم يستعمل ملعقة أو شوكة أو سكيناً... جميع الأيدي تغرف بأصابعها... لاحظت بعضهم يلحس أصابعه، بعد أن يلتهم اللقمة... تحرّجت ضحى أن تطلب ملعقة أو شوكة... ترددت قليلاً... ثم... لم تر بدّاً من أن تأكل بالطريقة التي يأكلون بها... كانت جائعة... بل كانت قد أحست كأن الجوع يمزّق أمعاءها...
بعد أن فرغوا من الأكل... نهضت أم الأطفال (ضرتها)... ترفع (الصفرة) والأوعية وبقايا الأرغفة... ولكن قبل أن تحمل شيئاً... التفتت إلى ضحى تقول:
ـ يعني ما تبغي تتحركي؟؟؟ يعني تبغينا نخدمك إنتي كمان؟؟؟
 
طباعة

تعليق

 القراءات :582  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 18 من 27
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

محمد سعيد عبد المقصود خوجه

[صفحة في تاريخ الوطن: 2006]

الأعمال الكاملة للأديب الأستاذ عزيز ضياء

[الجزء الثاني - النثر - حصاد الأيام: 2005]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج