شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
بين الأمس واليوم (1)
وفي هذه المرة وافتنا رسالة ثانية من فضيلة صديقنا الأستاذ الكبير عبد الحق نقشبندي وفي طيها مقال كتبه الأستاذ الكبير عبد الوهاب آشي، جواباً على الاستفتاء الذي كان بعث به إليه إذ ذاك.. وفي هذه الإجابة تجلية وإيضاح لما كان يجيش في ضمائر ناشئة أدباء يومذاك.. الذين هم شيوخ أدب اليوم..
الفاضل المحترم الأستاذ عبد الحق نقشبندي حفظه الله..
بعد السلام عليكم ورحمة الله وبركاته فقد تلقيت سؤالك الجليل بالتكريم وإنه لسؤال كل وطني غيور يرجو لوطنه الرقي والصلاح ويأمل لأمته السعادة والفلاح. غير أن لكم الفضل في سبقكم بطرحه على منصة البحث وعرضه على مسامع أدبائنا الحديثين. فلكم منهم واجب الشكر والتقدير. ثم نزولاً على سامي طلبكم أخط لكم ما جال بالضمير حول موضوعكم الخطير، بمقدار ما يسمح لي به الوقت الذي قضى الله بأن يكون علينا أضيق من حجر الضب. مع الشكر العظيم على حسن ظنكم بي وأنا العاجز الخامل. وطلب المعذرة في التقصير. وغض النظر عن القصور.
ينحصر جوابي في سؤالكم في ثلاث نواح:
أولاً ـ الناحية الخلقية: وإنها لأهم ما يجب علينا النظر فيه. اضرب بنظرك في طول البلاد وعرضها فلن تجد إلا سقوطاً في العادات، وضعفاً في الإرادات، وتجهماً في الصفات سببت انحلال عروة اتحادنا، وغدونا نهباً للمصائب، وغرضاً لسهام الكوارث. وإني أرى أنجع دواء لزوال هذه العلل مراقبة الحكومة الوطنية لمنابع الفساد وسدها. ورجال السوء ومعاقبتهم. وتخصيص أفراد عرفوا بالعلم والنزاهة لإلقاء دروس وخطابات في المحاضر العامة تندد بالعادات السيئة والصفات الخبيثة، وتنفث في الأمة روح الجد والعزم والنشاط، وتدعوهم، بل تحثهم على التجمل بأحاسن الأخلاق، بالإخلاص والصدق والأمانة والتحاب والتعاون في طلب الخير وكبح النفس عن الشهوات والشجاعة، والصبر على السعي والجهاد، لا على الخمول والظلم والاستبداد. وتفهمهم بوجوب تلقين المرأة وتعليمها الواجبات العائلية والدينية والمنزلية لتعرف كيف تراقب نشوء أبنائها وتربيهم على قواعد المناضلة في هذه الحياة. وتهذب ما شذ من أخلاقهم وطباعهم. وتنمي الملكات السامية في نفوسهم، وتغرس حب الوطن والدين في قلوبهم. وهي الأم كما تكون يكون أبناؤها وعليها المعول في تكوين أخلاق الأمة. ((وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت)).
ثانياً ـ الناحية العلمية: نحن في بدء نهضة نحتاج فيه إلى التشبع من روح العلم القديم والحديث. العلم لمباراة الأمم الحية ومناهضة دخائل الاستعمار ومقارعة ما ينزل بنا من الأخطار، وإحراز سعادتنا الدنيوية وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (القصص77). وذلك يحتاج إلى عناية الحكومة بمعاهد العلم، وتوجيه النظر التام إلى إصلاح شأن المدارس، ومراقبة حركات التعليم بها. نحن فقراء في العلم، فقراً مزرياً، فيجب على حكومتنا ومتمولينا تعميم المعارف بين طبقات الأمة بإنشاء مدارس تحضيرية وابتدائية جمة وإجبار الأمة على إدخال أبنائها بها. وتأسيس مدارس ثانوية وعالية لتكميل التحصيل الأول لمن أراده من نبهاء التلامذة ونجباء الأبناء، ثم تنشيطهم وتعضيدهم عليه. ثم بعد ذلك تكون بعثة علمية مختارة من خريجي تلك المدارس وترسل إلى الخارج لتتميم ما نقص عليهم من أبواب العلوم والفنون، وتلقف ما تحتاج إليه مواطنهم من مرافق المدنية والحضارة النافعة. فيأتون إلى بلادهم بالخير الجزيل والنفع العميم.
ثالثاً ـ الناحية الاقتصادية: وقبل أن أتكلم على طرقها لا بد لي من التنبيه على خلق فينا كاد يكون طبعاً خاصاً، وهو الإسراف والتبذير في مواطن لا تعود على الأمة بغير الوبال كنصب الولائم الكبيرة والزينات الفاخرة لكل قادم وصادر، وفي الزواج والأعياد، تلك المواطن التي لا يجني منها صانعوها غير الفخر الكاذب والرياء الممقوت وتكليف ما لا يستطاع.. وأدهى من ذلك أنه إذا ما دعاهم داعي الإصلاح ورجا منهم المكاتفة والمساعدة اشمأزوا وكلحت وجوههم وأدعى كل منهم الفقر والعدم. لست بضارب الأمثال في ذلك حذراً من أن أرمى بالتشيع أو غرض ذاتي مما أنا براء منه. ولكن سوف تجزى كل نفس بما كسبت والله لا يضيع أجر المحسنين.
ولنعد إلى غرضنا الأساسي، وهو الاقتصاد. وهو لدينا من طريقين اثنين ليس إلا:
(( الأولى التجارة )): فيلزم على من بيدهم زمامها من الأغنياء أن يتركوا العمل الفردي ويلتفتوا إلى تأليف الشركات والتضافر في جلب المنافع لقطرهم وسد حاجياته وضرورياته على أساس الإخلاص والأمانة. ففي الاشتراك قوة لا يصل إليها الفرد مهم أوتي من غنى. وفي التعاون نجاح لا يصل إليه الإنسان بمفرده مهما جمع من حيلة. ثم ذلك يجب أن لا يكون محصوراً في جهة أو مقيداً بنوع. بل يلزم أن تتوزع الجهود على مقادير الحاجيات والضروريات. فمثلاً بعض الشركات يكون لها العمل في صنف الحبوب. وبعضها في وسائط النقل. وبعضها في وسائل العمران. وهكذا وإلا كان النطاق ضيقاً وذهب العمل هباء.
(( والثانية الزراعة )): فلدينا أراضٍ لو اعتني بها واستنبتت على أصول الزراعة الحديثة لكنا في غنى عن الخارج من جهة المؤونة، ولأصبحنا في نعمة وافية وعيشة راضية. وهي متوقفة أيضاً على تضافر الرجال القادرين لاستثمارها ومساعدة الحكومة لهم بتأليف هيئة زراعية جل همها تعيين تلك الأراضي، وفحص تربتها وصلاحيتها لأي أنواع المزروعات. ثم توزيعها بطرق منظمة تكفل حياطتها على مريدي إحيائها. والنظر في أحسن الوسائل وأقربها لإصلاحها. وإرشاد اصحابها إلى كيفية استثمارها ومراقبة أعمالهم فيها. وإحضار المعدات على حساب أولئك العاملين - أقساطاً - لحرثها وبذرها على أحدث الطرق وأجد الطراز.
وليس في تحقيق كل ما ذكرته صعوبة توجب الإحجام وإطالة التفكير والنظر. وما على الأمة والحكومة إلا أن تصغي إليها وتقدم على تنفيذها تدريجياً حتى تصل إلى المطلوب بعد مدة وجيزة. والإصلاح، والترقي كغيرهما من الأعمال لا يمكن أن يكونا دفعة واحدة (فإن الطفرة محال) كما يقولون.
فهذه هي النواحي التي يجب الالتفات إليها لإنقاذ بلادنا وأمتنا من هوة جهلها وفقرها وانحطاطها. وبغير إصلاح هذه النواحي الثلاث - فهي آخذة برقاب بعضها - بما ذكرته من الطرق أو غيرها، لا فلاح لأمتنا، ولا رقي لبلادنا. والسلام عليك.
تحريراً في 4/6/1346هـ: 28 - 12 - 27م
من المخلص
عبد الوهاب إبراهيم آشي
بمدرسة الفلاح - بمكة
ملحوظة: البحث يحتاج إلى مجال أطول، وكل ناحية من النواحي التي ذكرتها تتحمل إفاضة تامة في موضوعها وبالأخص الناحية الأولى والثانية، عسى أن يوفقنا الله إلى تمحيصها وإيفائها حقها، ويوسع في أوقاتنا حتى نقضي واجباتنا كما ينبغي، ودمت..
 
طباعة

تعليق

 القراءات :889  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 128 من 143
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

عبدالعزيز الرفاعي - صور ومواقف

[الجزء الأول: من المهد إلى اللحد: 1996]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج