شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الإسلام
وبرز الإسلام للكفر كله
ـ وليس غريباً أو بدعاً أو عجيباً، أن يحتضن البلد القمة. القادة القمة. ليشن حرباً على العدوان القمة، كأنما مكة القبلة الكعبة، مشرق النور، دعت بنيها أن يحكموا أمرهم في مؤتمر كأنهم في صلاة جامعة، فالمؤتمر في مكة بعيد عن المؤامرة والمقامرة، فالإيمان شجاعة في الوجدان، يحارب الخوف، ويقتل المؤامرة والمقامرة، وكأنما مكة حين تحتضن بنيها تدعوهم إلى ما كانت تدعو إليه وما زالت تدعو إليه سرمدياً قائماً ما دام هذا القرآن، تدعوهم قائلة: ليست الكارثة أن تتداعى عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة على القصعة، وإنما الكارثة أن تدعو إلى الجهاد فلا تجيبوا، وأن ترسل المآذن النداء تدعوكم إلى التضامن فلا تتضامنوا، ولا أريد أن أقولها من عندي وإنما قالها سيدنا محمد صلَّى الله عليه وسلم.. سأله أصحابه (أمن قلة يا رسول الله؟) فأجاب كأسلوبه في جوامع الكلم: إنما يدرككم الوهن.. وفسر الوهن بالخوف. حب الدنيا وكراهية الآخرة.
إن مكة تستقبل بنيها ليس فيهم كبير ولا صغير أمام دعوتها، وإنما كلهم سواء ألبستهم مكة بإيمانها الكبرياء، فالقادة والشعوب أمام مكة في المسجد الحرام إخوة في أمة واحدة يصغر الكبير حين يستكبر، ويكبر الصغير حين يستقبل ولا يستدبر.
وهكذا برز الإسلام كله للكفر كله، فالصليبية كفر، والشيوعية كفر، واليهودية كفر تصنع كل يوم كفراً، تلك قوى امتد سلاحها من كل نوع على الأرض المسلمة، والعقيدة المسلمة، والتراث المسلم. إنها بكل ما تملك من قوة إذا ما انتزعنا الخوف من أفئدتنا فإنها تستحيل حتماً قوتهم إلى قوة لدينا فلن نُغْلَبَ إذا كنا كلمة واحدة وجهاداً واحداً وسلاماً واحداً، ولكنا غلبنا حينما أصبح بأسنا بيننا، ليس هذا كلامي وإنما هو كلام رسول الله محمد صلَّى الله عليه وسلم.
وبرز الإسلام كله فهل تصدق النيات وتنفذ القرارات ليكون المؤتمر الإسلامي تتحقق فيه هذه الكلمة (برز الإسلام كله للكفر كله)؟
إنكم اليوم في وضع كالوضع الذي جرت وقعة الخندق، (الأحزاب) تحزبت الأحزاب تريد أن تهدم البيضة، تقضي على الإسلام، تنتصر على محمد، فإذا النبي في سفح سلع، وإذا الخندق - يحجز الأحزاب، وإذا المسلمون ضاقت عليهم الأرض بما رحبت، فلجأوا إلى الإيمان وقتلوا الخوف.. هكذا وصفهم الجواهري:
قلوب ننشد اليوم مثلها
أبى دينها أن يجمع اللَّه والرعبا
كان الله معهم لأنهم كانوا له فلا خوف ولا رعب.
وبرز فارس يقفز على الخندق من ثغرة ضاقت، كان أحد فرسان العرب جميعاً، عدوه أحد أقران عنترة، فارس قريش اسمه عمرو بن وُدّ العامري، حتى إذا استقام على حصانه يسل سيفه، ويطلب البراز.. عجيبة كيف تركه رسول الله يصول ويجول في الميدان يطلب البراز؟ لماذا لا يكتنفه رجال من الصحابة يقتلونه حتى لا يعود إليها آخرون من المشركين، ولكن استمطر بعض الخبر، لو فعل النبي لربما كان قتله بالجمع يصنع حماسة في المشركين يتقاذفون على الخندق، فأحب النبي ألا يكون ذلك.
وصال وجال بن ود، فإذا النبي القائد العظيم (وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى) يلتفت إلى أصحابه - أنصار أو مهاجرين - يقول لهم: من يبرز إليه؟ يريدها فارساً لفارس، فقال الشاب كريم الوجه، أبو الحسن، أبو ثراب، حيدرة، علي بن أبي طالب: أنا أبرز إليه، فقال النبي - وكأنما يسبر غور علي أو يعلمه ألا يكون فيه شيء إلا للإيمان - قال عليه الصلاة والسلام (إنه عمرو…) وقال الفتى علي: وإن يكن عمراً. وأعادها النبي، ولباها على ثلاث مرات.
وبرز النبي يقول: الله أكبر.. برز الإسلام كله للكفر كله كأنما تلك اللحظة حين انتصر علي بنصر الله له، كان النصر للإسلام كله، إلى يومنا هذا.. فارس واحد يمثل الإسلام كله، وفارس واحد يمثل الكفر كله.. ذلك حتم الظروف جاء بعده حتم الزمان على كل الظروف.
وقال عمرو: ابن أبي طالب؟ لا يسخر منه وإنما حنين ابن العم.. ابن أبي طالب.. لا أريد أن أقتله.. فقال علي: ولكني أريد أن أقتلك.. انصفني.. فقد كان عمرو على فرس، وكان علي راجلاً، فإذا الشموخ في الفارس يلبي الدعوة يترجل، رجل لرجل، لا يمتطي كل منهما حصانه.. وتقعقعت السيوف.. فإذا اليد المؤمنة بالسيف ذي الفقار تقتل فارس المشركين، فكانت بوادر الهزيمة صدت كل فارس ألا يتصدى الخندق..
فارس واحد تمثل به الإسلام كله، وأنتم اليوم جمع واحد.. نسأل الله وأنتم أمام الكعبة أن يتمثل بكم الإسلام يسألكم أن تنصروه في مثالية الأخلاق، وامتثال الدعوة إلى الجهاد، والرغبة في استشهاد، تقتلون (الأنا) لتحيا أمتكم بالكلمة (نحن).
صورة:
ومعذرة إلى قارئي أرجوه أن يغفر لي عزمي على اعتزال الكتابة، أستجم من بعض الأوضار، وأستجم للراحة بعض الوقت، أريد أن أرفع القلم ولما يجف المداد، لا عن العجز وإنما مطاوعة لبعض الحُجُز÷، ولست بهذا أقترف نذالة الإخلال بما يجب علي وإنما لأستريح من الذين يختزنون التوجيهات كأنها علم الأسرار فلا يتبرعون بإعطاء الكاتب لديهم هذه التوجيهات.. فالحكومة لم تفرض سلطانها على القلم، وإنما جاءت الحكمة بالتوجيه بينما بعض حملة التوجيهات يبخلون على كاتب أن يعرفها.. أعترف ولا أقترف فقد سئمت هذا القرف.
ولقد أرعفت الكلمة كثيراً فأخشى أن يصاب بفقر الدم.
اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ
ـ وسطع على الكون نور.. وأخمدت في مكانه النار.. اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ (النور: 35) فالرسالة من نور الله.. والنبوة من نور الله يهدي الله لنوره من يشاء.
سطع النورعلى حراء برسالة النور لهذه الدنيا.. أنار الله به قلب رسوله ونبيه خاتم الرسل سيدنا محمد بن عبد الله.
أشرق النور يوم ولد في كل الكون.. عرف أثره في الجماد ولم يتعرف على أثره الإنسان بعد.. حتى إذا أشرق النور في حراء بالنبوة على الجبل وحتى إذا سلط على الإنسان في الصحف على الجبل عرف الإنسان المبتدئ معنى التوحيد أشرق في وجدانه نور القرآن.. فالقرآن نور على الأرض.. ومحمد رسول الله من نور الله في كل إنسان الأرض.. فهو إنسان الإنسان.. أرسله الله معلماً وهادياً.
ولي الصفا وحين سمع قساة القلوب الفارغة عقولهم قوة النذارة أظلمت أفئدتهم عن رؤية النور في البشارة.. فحين تكلم البشير النذير أشرقت وجوه مؤمنة وأظلمت أفئدة مشركة.
لكن الظلام لا يستطيع أن يخفي النور حتى ظلام الليل جاءت قوة النور تجلوه من نور الله فيما أودع هذا الكون من الكواكب والقمر.. كأنما الشمس - وهي من نور الله أبت أن يظلم ليل قوة أن تعطي نوراً إلى القمر.
والنور - نور الله على الأرض - بهذا الدين الإسلام.. الإسلام توحيد.. صلاة توبة.. في كل من هذه الثلاث أمسك الإنسان بالعزة لا يخضع إلى الوثن. يتقدم بالطاعة إلى الله.. لا يجعل بينه وبين الله وسيطاً يستعبده.
والنار شعبذة. وثن على صورة لا تحرق إلا نفسها حين تشتمل.. ويحترق بها الذين عبدوها من دون الله الخالق الباري.. أخمدها الله حين ولد النور.. وأزاحها الله حين أرسل النور نفسه يفتح الأرضين لتكون تربتها المسجد لا تبقى على ترابها أوثان ولو على صورة النار.
والإنسان كان في حجاب عن النور من عذاب الحيرة والشك فالفطرة فيه مسلمة وموحدة وتوابة.
والعوامل التي يسوقها سدنة الصنم ورجال الكهنوت هم الذين قتلوا الفطرة في الإنسان فبعث الله محمداً النبي الذي اختار الفطرة ليجلو الظلام عن الفطرة.. فأول ما انجلى الظلام كان عن خديجة.. عن أبي بكر. عن زيد. عن علي.. عن خالد بن سعيد.. وعن وعن. حتى عن بلال الذي سواده سواد السؤدد.. سؤدد الفطرة في هذا العبد السيد.
الله أكبر.. أبو بكر سيدنا واعتق سيدنا.. قالها عمر يغبط أبا بكر حين علم أن أبا بكر قد اشترى بلالاً من العذاب ليعتقه.. وَمَا لِأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَى.. إِلَّا ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى.. وَلَسَوْفَ يَرْضَى (الليل: 19 - 21) ذلكم أبو بكر.. وكلمة الرسول لأبي بكر أعز وأغلى من كلمة عمر.. ((الشركة يا أبا بكر)) قالها النبي حين علم بما صنع أبو بكر.. تلك قيمة النور في بلال.. في أبي بكر.. في عمر.. نور الله في كلمة الرسول. فقد كان النبي لا يصدر إلا عن نور الله كان خلقه القرآن وصفت عائشة رسول الله بهذا. صلَّى الله على النبي ورضي الله عن الصحابة جميعاً.
إن النار والصنم والكواكب كلها كانت في اندفاع النفس نحو الفطرة جبروت الكاسبين.. فما أكثر إحساسنا لأنفسنا إذا ذكرنا هذا الدين.. أن نذكر السيد العظيم رسول الله محمداً بالصلاة والسلام عليه. فحب النبي ما كان ولن يكون إلا على هذا النبي جاء يهدي الإنسان إلى نور الله بنور الله.
روح الإسلام أم روح.. اليابان؟
هل يكتب الكاتب بدون هدف؟!.
لا الكاتب الناجح المقروء ولو لقلة من الناس هو من يكتب لهدف حتى لو كتب فناً للفن لكان هذا هدفاً يغري القارئين بمشاركته إحساساً بما كتب بالفهم أولاً والتفهيم حتى تبلغ بهؤلاء الحماسة تقبلاً أو رفضاً أن يستخرجوا ما هو أكثر من المعاني التي لم يردها الكاتب.
ولم يكن هذا صنيعهم بالاختيار أو بالتلقائية ولكنه بالاطّراد سيراً مع الهدف في حالة التقبل وسيراً ضد الهدف في حالة الرفض.
مقدمة لا بد منها.. نشرح بها كلاماً سمعناه عن روح اليابان نجادل به عن روح الإسلام.
فالهدف عند هؤلاء نسير معه لا نتقبله دون حوار ولا نرفضه دون نقاش.
قالوا.. إن الولايات المتحدة استفاقت على حين وهلة بما شعرت به نحو اليابان، زهوة الانتصار والخوف من النكسة حملت الجنرال ((ماك أرثر)) أن يخطط لقهر اليابان.. الهدم لروحها والتدمير لصناعتها.. ولكن الإغفاءة بعد النصر بحذر الانتصار قد فاق منها رجال في الولايات المتحدة يضعون خطاً آخر يسيرون عليه على العكس من خط ((ماك أرثر)).
رأوا الشيوعية تستغوي وتتفوق.. فخافوا على اليابان إذا ما هدمت روحها ودمرت صناعتها أن تسقط في أيدي الشيوعية.. فنزعوا ماك أرثر ممثل سياسة الضغط وفسحوا لليابان المجال لتعيش قوية لروحها وصناعتها.
كلام جميل عرفنا منه قوة الروح في اليابان ببقاء هذه الروح في شعب ينتصرون به على الشيوعية ولو على طريق غير مباشر.
فلماذا يقف بعضنا في الموقف نفسه الذي تقف فيه الشيوعية ضد روح الإسلام؟!.
فأي ضمان في أيدي هؤلاء لصد الشيوعية أقوى من قوة الإسلام..؟!.
في كل بلد شرقي وغربي وجدت الشيوعية مجاليها وأسست فيها أحزابها وارتفعت رؤوس تعتنق الشيوعية النظرية وفيها كل الخطر لأنها لن تمارس التطبيق إلا بعد أن تنغمس في الدم.
في كل بلد وجدت الشيوعية مجالها إلا بلد المسجد.. إلا أرض الإسلام فمن سفوح الهملايا إلى حدود الظلمات ((الأطلنطي)) تجد الشعوب المسلمة الرافضة للشيوعية.. الطاردة بالعمل وبالفكر وبالتأبي لكل شيوعي.
ولم يكن هذا الطرد بقوة العون الأمريكي ولا بأسلحة الأحلاف ولا بتخطيط الساسة.. وإنما هي قوة الكلمة المسلمة من العقيدة في الشعب المسلم.. في الأمم المسلمة.. حتى إنها تعيش اليوم في أزمة ((القرف)) من هذا السرف في تطلب العدالة الاجتماعية بوسائل.. وعن مذاهب ليس لها رصيد في قلب وعقل هذه الشعوب.. فهي بالحتم وبالاحتياط وبالحذر قد رفضت كل ذلك.
ولكنها في حاجة إلى توحيد الخط للدفاع ضد هذه المذاهب. لقد نجت من الشيوعية حتى الآن.. وهي تجارب الحرب غير المكشوفة على طريقة انفرادية ما كانت لتنتصر لولا قوة دينها.. قوة تراثها.. محافظتها على تقاليدها.
هذه هي روح الإسلام قد حفظت بالقوة ما صانت. فلماذا نحمد لليابان على صورة من الحمد للولايات المتحدة بقاء الروح اليابانية قوة تصد بها الشيوعية؟!
ولا نحمد لإخواننا عودة هذه الروح.. روح الإسلام على صورة جماعية في وحدة تضامن.. في تضامن زاحف.. في زحف يصد ويرد ويكتسب.
كل ما صنعه فيصل بن عبد العزيز هو الدعوة لروح الإسلام تعود قوية في المجتمع المسلم.. ولم يكن في ذلك بالدخيل ولا بالعميل.. وإنما هو الأصيل.. جزاكم الله خيراً .. فقد أحسنتم إليه على صورتين:
أولاً: أشعرتموه بقوة الخطر منكم ومن الآخرين.. فسار بقوة وحذر حتى إنكم من حيث لا تشعرون قد جنبتموه مواطن الزلل. إن حملتكم هذه ليست الدليل على قوة تحمله.. وليس فيها الدليل على تحامله ولكنه سيأخذ منها البرهان يضعه أمامكم لتعرفوا أنه من غير المعقول أن يسير فيصل بهذه الدعوة العميل لأنه الأصيل أولاً ولأنه غير الدخيل الأمانات المقدسة في يديه تجعله بعيداً كل البعد على أن ينيلكم موقفاً تلجون من ثغراته لتعلنوا ما تجدون فيه مادة الوقود لمطامعكم.
والصورة الثانية وجزيتم خيراً من أجلها أكثر وأكبر، فقد أصبحتم الدعاة داخل شعوبكم للدعوة الإسلامية. ما كان يستطيع فيصل أن يصل إلى مشاعر شعوبكم بوسيلة أحسن من هذه الوسيلة التي هي أنتم دعاة ضدها، دعاة لها، فالسلب منكم إيجاب في حتمية التلقائية عند الشعوب المسلمة.
الحمد لروح اليابان عرض للتاريخ وعبرة للمؤرخين.. ولكن الدعوة لروح الإسلام تصنع وتعبر إلى ذرى عالية أفكار المؤرخين.
عجب أن نمجد في اليابان محافظتها على روحها والعجب الأكبر أن نحارب عودة الروح للمسلمين بالدعوة الإسلامية.
أهو ازدواج في السلوك أم هو الوصول إلى منطقة الإيمان كما يقول توفيق الحكيم؟.
إن توفيق الحكيم يقسم الإنسان إلى منطقتين: منطقة الانسراق.. ليسير صاحبها في الملذات.. وبما هو أكبر وأشر حتى إذا استفاق تكشفت له من داخله منطقة إيمانه لتجعله يتوب ويستغفر ولو بتمجيد روح اليابان. لعلّه بعد يستفيق أكثر ليمجد روح الإسلام.. روح بلده.. روح آماله.. روح مستقبله..
بين الميوعة والجفاف
يقف المسلم العربي، القابض على دينه قبضة كف على جمر. حائراً حيناً.. وغاضباً حيناً آخر. ونادماً في كلتا الحالين.
فلا الحيرة ترشده إلى حل.. ولا الغضب يسير به إلى غاية.. وإنما الندم هو حاجز الحيرة.. أن لا تدوم ويمنع الغضب أن يفعل.
فالندامة انفعال. هما أول الطريق لوقوع الفعل إذا صحت النوايا وكانت الندامة توبة خالصة ما قصرت فيه.. أو ما تقاصرت عنه إلى عمل الجديد ترجع فيه إلى حياة عاطفة لا جفاف فيها ولا ميوعة الحيرة والغضب من هذه الضيعة ترتفع فيها القلوب وترتعد منها الأفئدة.. أو هي ترتوي من القلوب.. كل فريق بما لديهم فرحون.
الضيعة ليست من الفرقة نفسها. وإنما هي أساسها وهي أيضاً ليست البحث عن الإيمان.. والكلام في فروعه.. كما كانت هي شعارات الفرق فيما تقدم هي الأنكى من ذلك لأنها انصرفت عن العقيدة وعن فروعها إلى ضياع المعتقد فضياع المعتقدين.
ما هو السبب؟ يقولون زحمة العصر.. الغزو بوسائل المدينة.. قراءة الاستشراق بأسلوب الاستغراق.. وكثير من هذه الأسباب.. لكنني لا أنكر هذه الأسباب وإنما ما جاءت. ما ترسخت. ما صنعت أفاعيلها. ما أضاعت إلا بعاملين تعاونا معاً.. الجفاف في العاطفة المسلمة الدينية. والميوعة في هذه العاطفة. أي إنها الإفراط والتفريط.
الإيمانٌ قلبٌ إنسانٌ عواطفهُ.. هذا أساسه ورفعة بنيانه بإعلانه. بالعمل به. هذا القلب المسلم أضاع عاطفته بالجفاف. لا يتعلم الحب للغواني في تاريخه.. يسرف بشيء من الجفاء صنع له هذا الوفاء.
التاريخ لا يدرس بعاطفة الحب، والسيرة لا تعلم في البيت. وحب رسول الله صلَّى الله عليه وسلم لا يتلقنه الطفل التلقين الصحيح. لا يعرَّف - بتشديد الراء المفتوحة - أن رسول الله محمداً بن عبد الله هو عبد الله ورسول الله.. أرسله رحمة للعالمين.. صنعه على عينه جل جلاله على خلق عظيم. العبودية لله أشرف مقرراته، والرسالة من الله خصه بها أكمل مقاماته. لو تعلم الطفل هذا الحب على أساس صحيح من عقيدة التوحيد لا جفاف فيها ولا ميوعة.. لأنشأنا جيلاً شاباً لا نبكي منه، لا نبكي عليه.
الجفاف في العاطفة الضيعة.. الجفاف سمة اليهودية أضاعت يهود بها كل عاطفة نحو موسى. نحو سليمان. حتى قتلت نبيها. أعدت الصليب للنبي الرسول عيسى بن مريم. والميوعة إفراط. إفراط جعل من الحب رقصات. ومن الإيمان طقوساً تؤدي لضريح.. فضاعت العاطفة من هؤلاء نحو القمة الرسول محمد وأصحابه بهذه الفوضى في توزيع العاطفة الحب على من هب ودب.
فالإجلال والاحترام والحب كلها لا تعيش مع الجفاف.. وتضيع مع الميوعة. ولن نعود إلى العقيدة للأمة الوسط. إلا بوسط من الأمر. لا يحترق في الجفاف ولا يدوم في الميوعة.
البيت. قبل كل شيء لكن من يعلم سيد البيت؟.
لئن فاتته المدرسة فالمسجد هو المدرسة. إن عمار المسجْْد بالمصلين حسن. لكنه يزداد حسناً إذا ما عمره العلماء الذين ينشرون الحب الرطب اللين. لا جفاف فيه ولا ميوعة لن تخسروا شبابكم حينما تجعلون من كل مسجد مدرسة.. من المسجدين الحرام والمحمدي النبوي جامعة.. فالمسجد هو حسنة هذا الإسلام.. بيت عبادة.. مدرسة علم.
المسجد اليوم لا يصنع لسيد البيت عاطفة يربي بها أولاده. يدخل للصلاة ثم يخرج ولا شيء قد ملأ فؤاده من معرفة ومن حب.
حينما كان المسجد جامعة.. كانت حضارة الإسلام هي المدد لكل الجامعات في الدنيا.. لا قيد فيه على داخل. لا شروط على متعلم. كل لا بروز للذين يثنون الركب على الحصير أمام الشيخ المعلم.
هذا البلد الأم لدعوة الإسلام. الأم للعرق العربي.. الأم لمدرسة الكوفة والبصرة.. الأم لعلم ابن عباس والعبادلة معه ومن المسيب وعطاء وعكرمة والنوري ومالك هذا البلد مطالب بأن يكون المسجد جامعة حتى إذا حرمت الأنظمة الحديثة شاباً من الجامعة وجد في المسجد الجامعة. ولقد وصلني هذا الكتاب أنشر فقرات منه عن اليلولة دون الانتساب للجامعة.
يقولون بعد المقدمة:
نحن مجموعة من الشباب الذين لديهم أعمال ووظائف ونحن برعاية أسرنا ولكن مع ذلك واصلنا تعليمنا ليلاً حتى حصلنا في عام 88 - 89 على شهادة الثانوية العامة - القسم الأدبي من مدرسة مكة الثانوية الليلية. ولما كانت ظروفنا المعيشية لا تسمح لنا بمواصلة دراستنا الجامعية كمنتظمين لجامعة الرياض، وكان الأمل يحدونا بأن الجامعة ستلبي طلبنا. ولكن جاء الجواب بعدم القبول بحجة العلامات المتحصلين عليها في استمارة التوجيهية لا تؤهلنا للانتساب.
وقد ضاع الأمل عن مواصلة الدراسة وذهبت سنة كاملة من عمرنا الدراسي. والحالة هذه تضع هذه المشكلة بين أيديكم.. علماً بأن وزارة المعارف الموقرة منعت الانتساب في الجامعات الخارجية لما يترتب عليه من أضرار.. الخ.
وقد وقعت الرسالة بأسماء مرسليها وهم: محسن سالم العمري. عبد الله إبراهيم عواد. محمود محمد تكروني. غنيم غانم الينبعاوي. محمد صالح باسلامة. يحيى مغربي سليمان العيوني. عوض مصلح.
من فرغانة.. إلى غانة!
هذه سجعة الحريري صاحب المقامات أوردها كأنه يحدد بها الأرض المسلمة. العالم الإسلامي وليست هي في نظري سجعة عارضة.. حكاية بيانية.. وإنما هي روح الإمام المسلم سواء كان الأديب الحريري أو الفقيه من كل جنس مسلم، أو الحدث أو الفيلسوف. فكل هؤلاء تأمرهم الروح المسلمة أن يفقهوا تاريخهم أرضهم إنسان هي روح الأمة الواحدة فهم يعرفون ويعتقدون ما تدعو إليه هذه الآية الكريمة.. إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ (الأنبياء: 92).
فصدر هذه الآية خير.. لكنه الأمر بأن نكون الأمة الواحدة.. فإن التأكيد للخير إعلام بما هو واقع.. وإعلان عنه كواجب لن يقع غيره ولن يكون إلا هو.. وتمام هذه الآية وأتأدب فلا أقول عجزها، تمام هذه الآية هو الأمر بعبادة الإله الواحد لأن هذا البيان الرفيع فيها في قوله تعالى وَأَنَا رَبُّكُمْ أثبت أنه الرب الخالق الذي يعرفون.. وأضاف إثباتاً بأمر آخر في قوله فَاعْبُدُونِ إثباتاً لإله واحد كأنها جمعت ثلاثة أوامر.. وحدة الأمة، والاعتراف بالرب توحيداً للربوبية، والعرفان لإله واحد توحيد الألوهية.
هذا التوحيد وهذه الوحدة هي التي دعت الحريري ومن إليه أن يحدد أرضه المسلمة بكل إنسانها أصخره وأسمره وأسوده وأبيضه.
فرغانة مكان وسط آسيا.. وغانة مكان جنوب الوسط كأنه الوسط في أفريقيا. وكأننا هنا لا نسعى إلا إلى هذا كله فعندنا البيت الحرام. القبلة المكان المركز في الكون. الوسط في الدنيا كلها يتجه إليها ساكن في فرغانة يتقابل في الاتجاه إليها مع ساكن غانة. كان الفرغاني والغاني قد استقبلا القبلة لا تحجز حب أحدهما للآخر وإنما هي الصلة الواصلة بالصلاة في هذا الاتجاه إلى هذه القبلة، فأي ضريبة ينبغي أن ندفعها نحن الذين شرفنا الله بالسكينة والسكنى حول هذه القبلة؟
الضريبة تشريف التكليف، وتكثيف التشريف نهض بهما عبد الله من أودع الله عنده أمانة الحفاظ على هذه القبلة الملك فيصل بن عبد العزيز.. فهو يدفع هذه الضريبة راضياً مختاراً في أحسن ما يسعى إليه.. وغير مخير في هذا الذي سعى إليه.. فذلك هو قدره منحه الله أن يقوم بأداء ما يجب.. وبالوفاء لما يستحق..
فحول فرغانة بعد شهور أقل من أربعة ينعقد في خراسان المؤتمر الإسلامي جامع شمل. موحد رأي في صدق ما ينهج.. وفي بر لما يعتزم عمله.
وفي القارة الإفريقية يسير بمسيرة الخير إلى الأرضين حول غانة يؤلف ويلتف ويعين ويبني.. يبني الخلق المسلم في إخاء المسلم لأخيه المسلم.
إن المؤتمر الإسلامي حول فرغانة سيقود التحرك البطيء في آسيا لكل المسلمين فيها حتى يجد نفسه في تضامن وتكافل ومحبة مع المسلم في أفريقيا.. وإن التحرك الحثيث وأحسبه الأسرع في أفريقيا لما هي عليه من وحدة المذهب يجمعه الفيصل بهذا التجمع ليكون سنداً يسعى إليه المؤتمر الإسلامي كأنما الملك - وقد قارب المؤتمر أن ينعقد - أراد أن يسرع لألفة أفريقيا داعياً لهذا المؤتمر.
كل البيانات المشتركة ما أدركت أن أقرأه بعد صدوره قبل أن أكتب.. وما سيصدر بعد.. لا تدل إلا على شيء واحد هي قوله للمسلمين بما تعنيه هذه الكلمة (تآلفوا ولا تخالفوا، تعانقوا ولا تفارقوا فنحن إخوانكم العرب نسلم للضيم في أرضنا وإنسانها ومقدساتها من طغيان يهود.. يحتلون القدس يذبحون أبناءنا ويستحيون كل كرامة فينا كأنهم حين احتلوا الأرض قد شبعوا من انتهاك العرض).
نحن في أيامنا هذه في حاجة إلى كل عاطفة أفريقية مسلمة وإلى كل عقل أفريقي يحترم أرضه. تحرك سريع من جلالته ضم به فرغانة إلى غانة ضمة عاملة فنصرة لا سجعة مترفة قالها أديب.
أم القرى
عبد الرحمن الكواكبي شيخ مسلم، عربي شامي، أحسبه قد نزع إلى عرق، إلى أصالة الأشياخ، كأنما هو قد وضع العز بن عبد السلام أمامه، وابن تيمية قدامه، وإمبراطورية أمية في حنينه، والشتات والفرقة والعجز الذي خيم كل منها على الإنسان المسلم والأرض المسلمة، ولا أقول الإسلام، فالإسلام أعز وأجل من أن يضام، ولو لم تبق له ومعه إلا الفئة التي حفظها الله به، وحفظ بها دينها وأرضها وإنسانها.
حين كان ذلك كذلك، أخذ الكواكبي يفكر لا بأحلام اليقظة ولا بالتمني وإنما دعاه إسلامه - وقد تلفت إلى كل بقعة في الأرض المسلمة - فلم يجد مجالاً لجواره يصوره في صورة من مؤتمر ينعقد في أم القرى (مكة).
فأحلام الكواكبي وجمال الدين الأفغاني وشكيب أرسلان ورشيد رضا، التي كانت دعوة على قرطاس، أصبحت عملاً في مؤتمر قمة مسلمة يعقد هذه الأيام في مكة المكرمة أم القرى حلم خطه الكواكبي على القرطاس، وحققه عملاً الملك خالد بن عبد العزيز كأنما هو - وبهذه الحفاوة تكريماً للمؤتمرين قد أعطى دعوة أخيه ولي عهده الأمير فهد بن عبد العزيز دعوة الجهاد.. القوة ينتظم لها وبها ومنها وعنها ميثاق، وتصدر توضيحاً للميثاق.. القرارات، فالمسألة في هذا المؤتمر هي أن يكون في وحدة ليست الإمبراطورية وإنما هي في التضامن وإسقاط الخلاف، والنظرة إلى المصير، يجتمعون دفاعاً عن المصير، للكل باتحاد الأجزاء، فحين يتخلف قطر عن التضامن والوحدة، لا يؤكل وحده وإنما تتآكل الأقطار بعده، فالفرقة قاتلة.
إن حلم الكواكبي وما دعا إليه جمال الدين ومحمد عبده في العروة الوثقى، وما انتصب له قلم شكيب أرسلان، ما هي إلا الكلمات المؤمنة، ما أحسن أن يبرز حقائقها في هذا المؤتمر.
وعجيب.. يدل على أصالة الشام أرضاً مباركة مسلمة عربية أن يكون الكواكبي شامياً، وأن يكون شكيب أرسلان شامياً، وأن يكون من الناحية الأخرى ساطع الحصري شامياً، والعجيبة الأخرى من أصالة الإسلام أن يكون جمال الدين أفغانياً مصرياً عثمانياً، وأن يكون محمد عبده مصرياً، فالشعوب المسلمة ما زالت بخير، وتمام الخير أن يكون الزعماء والقادة ساعين إلى الخير.
إن أحلام الكواكبي ومن إليه وبلا تهريج وتملق قد وضع الدعائم لها تبرز في هذا الكيان الكبير جزيرة العرب، تراث محمد.. الملك البطل. الإمام السلطان عبد العزيز بن عبد الرحمن.. وقد تتابع بنوه، ملوكاً وأمراء - ساروا على الطريق.
وحين ذكرت ساطع الحصري - وهو أكبر دعاة القومية العربية لم أقصد إلى المقارنة بينه وبين الكواكبي ومن إليه وإنما أردت أن أشهد له، فرغم تطرفه في القومية العربية لم يتطرف على الإسلام، بل ولم يتطرف ضده، وإنما التظرف والتطرف جاء من الذين لا يعرفون أن القومية العربية بلا إسلام لا شيء، وأن الإسلام بدون العرب ينقصه الشيء.
قصدت من ذكر الحصري الشامي الحلبي اليمني، العراقي المصري، كلمة قالها - وهو يؤرخ للقومية - فهو كعبد الرحمن الرافعي مؤرخ مصر وهو يمت إلى عرق شامي لبناني، والجبرتي مؤرخ مصر وكمحمد رفعت، كلهم قال هذه الكلمة التي أنقلها عن ساطع الحصري، فقد قال: واجتمع الجزار حاكم عكا، واليوسف حاكم دمشق، والشهبان بشير أمير لبنان، ليخططوا ثورة ضد الدولة العثمانية، وما كادوا يتدالون حتى جاؤهم الخبر بأن قبائل الجزيرة الوهابية قد وصلت إلى مشارف الشام، فارتاعوا وانفض جمعهم، فأنقذت هذه المسيرة النجدية الوهابية الدولة العثمانية.. يقول هذا بينما هو في كلمة أخرى كقول الذين ذكرنا من قبل، أن حرب محمد علي باسم الدولة العثمانية ضد دعوة شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب يرحمه الله وضد تحرك آل سعود معه، قد أخر القومية العربية فهو كمن سبقه الجبرتي والرافعي ورفعت، يحمل محمد على تأخر القومية العربية، بينما نظرة شكيب أرسلان ومن إليه أن هذه الدعوة بسلطان العقيدة وبالسيف المسلم في يد آل سعود كانت يقظة إسلامية نواة لجامعة إسلامية.
وقد كان شكيب أرسلان حرباً على ثورة العرب نقيضاً ضد القومية العربية، ولكنه كان عقلاً يساير العاطفة فإذا هو بعد سقوط الدولة العثمانية والذي كان من أهل الحفاظ عليها وبعد تسلط الاستعمار على مصر من قبل، وعلى العراق وأرض الشام كلها، وعلى فلسطين وبالذات، لم يجد مجالاً إلا أن يكون مع قومه العرب، صديقاً لفيصل بن الحسين الذي كان يخاصمه إبان الثورة، وصديقاً صدوقاً مع الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن ومع الإمام يحيى.. لم يكن ذلك تقلباً وإنما هو انقلاب الفكر لأن يكون مع الواقع وكله أمل في أن تستقل العروبة المستعمرة في بعض أقطارها فشكيب أرسلان لا يفرق بين العروبة والإسلام.. هداه عقله وهو درزي الأعراق من العروبة في القمة ينتهي نسبه إلى النعمان بن المنذر بن ماء السماء أصالة في العرق وأصالة في الفكر، فالإسلام والعروبة تزاوج لا ازدواجية.
ـ الأشياخ
وكثيراً ما تعلموا من العامة فقد يكون بعض أساتذتي سائق سيارة، وبالأمس كان أستاذي في الكلمة (جزار) هو أبو محمود اللبناني الجزار في بقالة القافلة بالبغدادية، وقفت أشتري لحماً فقال: أتعرف عز الدين القسام؟ قلت له: لقد عرفت هذا البطل حين قرأت ما كتبه عنه كامل القصاب الزعيم الشامي الدمشقي المسلم من قمة رأسه لأخمص قدمه.
فقال: طيب أنت ما تعرف يا أستاذ.. إن الذين يقودون الجهاد هم المشائخ العلماء فأين هم الآن؟.
قالها وأمسكت.. تدور الكلمة في رأسي فأخذت أجترها أسأل عن أبي الدرداء الشيخ في اليرموك، تحت قيادة الشيخ أبي عبيدة، وعن الشيخ القائد سعد بن أبي وقاص في القادسية وعن الشيخ صلاح الدين ومعه الشيخ القاضي فاضل في حطين، وسألت عن الشيخ سلطان العلماء العز بن عبد السلام، الذي حرك الكلمة في عين جالوت و (إسلاماه) على لسان العبد مرتين الملك مرتين صاحب هذه الكلمة، قائد النصر في عين جالوت تلميذ العز بن عبد السلام، الملك المظفر قطز.. وسألت عن الشيخ أحمد البدوي في حرب الصليبيين بقيادة لويس التاسع في المنصورة أسره الجيش الذي جيشه البدوي فحبسوه في دار ابن لقمان، أعني لويس التاسع إمبراطور فرنسا فالسيد البدوي عظيم في جهاده أرخص من قيمته هذا التعلق الطرقي أرادوا أن يعظموه فأنقصوه من قيمته، بينما هو في الجهاد صاحب قيمة، لا نبخسه حقه فأمرنا معه بلا تفريط وأمر الذين أرخصوا من عظمته إفراط.
وسألت عن الشيخ الإمام محمد بن واسع في جيش قتيبة بن مسلم يأخذ له بمجامع الطرق.. هكذا كان الأشياخ.. ولا أنسى الشيخ الإمام عطاء ابن أبي رباح شيخ العلماء في مكة كان يفضل الطواف على العمرة، يحب الإقامة بالمسجد، يصلي ويطوف ولكنه في كل عام يخرج مرابطاً في عسقلان فقد غلب حب الجهاد في وجدانه حب الإقامة في البلد الحرام.. ولا أنسى الشيخ الإمام ابن القاسم حامل علم مالك إلى الأمصار المغربية فقد سألوه بعد أن مات في رؤيا ماذا فعل الله بك؟
قال: لقد ذهب العلم والفقه ولم أنتفع إلا بركيعات ركعتها في الإسكندرية، ركيعات الرباط، فأين الأشياخ المرابطون؟.
أما الشيخ محمد بن عبد الوهاب فهذه آثاره تدل عليه.. في الإمكان أن تخرج مساجدنا وجامعاتنا الأشياخ فمكنوهم أن يكونوا أشياخاً بحق، وهذبوا الأمر بيننا وبينهم إلا أن يكون السبيل هو الحق ولا شيء غير الحق..
الحرب في دم العربي.. والسلام من مبادئه
ولأن الحرب في دم العربي.. ولأن السلام من مبادئه.. فقد أتخذ من هذين ركيزتين. ركيزة الاندفاع في تحطيم كل الأسوار التي تصد الإسلام وتطغى عليه. والأخرى إعداده واستعداده فارساً محارباً قبل الإسلام.. حتى إذا أشرقت شمس هذا النور.. اندفع يحارب الهداية فاندفعت تجره جراً إليها.. تنتصر عليه في كل معركة. وتجذبه إلى الخير في كل حركة.. فالحرب كتبت عليه يمارسها ويتدارس وسائلها مع سلاحها.
فهناك عاملان في أرض العربية ألزماه أن يتعلم الحرب، المكان والمكانة، فمكان العربي في ملتقى الطرق طرق القوافل، ومكانة العربي بهذه العزة الشامخة التي أرست وجدانه، حتمت عليه ألا تمس من الذين جاوروه في الإمبراطوريتين كسروية وقيصرية.
إن المكان والمكانة علمت العربي أن يحارب، وحتى حينما تمكنت الإمبراطوريتان من إقامة ركائز لها في الأرض العربية، الغساسنة في الشام والمناذرة في الحيرة، بقي العربي في الجزيرة يدفع أي نفوذ يتسلط عليه من هذين فلم يصبح الغساني أو المنذري قادراً على التوسع في الجزيرة، ويفي ذلك أنهما أصبحا حاجزين لهذا العربي في الجزيرة ألا يتخطى الحدود يحارب مصالح الإمبراطوريتين.
إن الغساسنة كقحطانيين قد أخذوا يتألفون القحطاني في شمال الجزيرة، سواء كانوا قضاعة (جهينة وبلى) أو (كلب) كانوا يتزاورون، ويفاخرون، حتى أصبحت هذه المودة حاجزة للعربي القحطاني أن ينفر من الغساسنة أو أن يغير على مصالحها، بهذا الأسلوب نفسه سار المناذرة في التواد مع شرق الجزيرة ووسطها يجاملون بكرا وتغلب وشيبان، يحاذرون من تميم، ويصاهرون غطفان، فالمتجردة بنت زهير تزوجها النعمان بن المنذر لعلّه حين استمال غطفان أن يتخذ منها ضاغطاً قوياً يشغل تميماً ويضم أسداً معه إلى الحلف الأعظم، ويكسر من شوكة بكر وتغلب ضد المناذرة.. لكن هذا التواد لم يترك العربي معه سلاحه احترافاً في أيام حروبهم القبلية، واعترافاً بحق السلاح يحمي أرضهم من توسع الإمبراطوريتين.. كل هذا التعامل مع السلاح أحسبه كما ذكرت من قبل إرهاصاً للنبوة.. واستعداداً للجهاد المسلم فحين سطع النور لم يجد برهان هذا النور نفسه في فراغ، بل وجد الفارس الممارس لشؤون الحرب، العاشق للسلاح، فهناك - وبتوفيق من الله قد انتصر الإسلام على العربي بناصع من البيان في هذا القرآن، وبالكلمة البيانية ينطق بها رسول الله صلَّى الله عليه وسلم، أتاه الله جوامع الكلم.
انتصر الإسلام على العربي بالبيان.. إن العربي كان صاحب بيان، وانتصر الإسلام بهؤلاء الذين تخرجوا من أيامهم المحاربة قبيلة تحارب قبيلة، سميت هذه الأيام. وهذه الحروب القبلية بالأكاديميات العسكرية لنتصور أنه من السهل على فرسان الإسلام وقادته أن ينتصروا على القبائل المرتدة، كأن الحرب بينهم هي من نوع الحروب القبلية من قبل، لكن انتصارهم في حرب جيوش على الإمبراطوريتين ذات الجيوش أمر يحتاج إلى معرفة تستوعب قيمة المكان والإمكان والتعامل مع جيوش الإمبراطوريتين، كما سأوضحه بعد.
1 - اليرموك: فقد جهز أبو بكر أربعة جيوش مسلحة بقيادة ثلاثة عدنانيين والرابع قحطاني، أبو عبيدة، عمرو بن العاص، يزيد أبي سفيان ثم شرحبيل بن حسنة.
كان التخطيط أولاً أن يذهب كل جيش إلى مقاطعة تفريقاً لجيش الروم ولكن الروم فطنوا إلى ذلك فاجتمعوا يحاربون بهذا التكتل الكبير، غيّر الروم خطهم فجاء الأمر من أبي بكر يحدد الاستراتيجية والتكتيك يقول: كونوا في مكان واسع المطرد، ضيق المهرب، فالطراد في المكان الواسع يبعثر الكثرة، والانسحاب من المكان الضيق يعطل التحرك السريع.. لكن ثغرة في هذه الخطة سببها أن القائد العام أبا بكر الصديق وكل أمر التنظيم للقواد الأربعة، فأصبح كل أمير على جيشه يقاتل مسانداً للجيوش الثلاثة، أي إنهم يقاتلون متساندين، متفرقي القيادة، حتى إذا وصل سيف الله خالد بن الوليد أنكر هذه الخطة فجعل الجيش واحداً وأقنع الأمراء بأن يتولى كل أمير منهم القيادة في يوم بعد يوم وطلب ابن الوليد أن يكون قائد المعركة في اليوم الأول.
إن هذا التكتيك في رسم الاستراتيجية أكسب العرب وحدة القيادة ووحدة الجيش، فكان النصر، وكيف تم النصر؟
تم النصر بلمحة خاطفة من خالد بن الوليد ميمون النقيبة، فحين رأى أن الميسرة توشك أن تحاصر الروم لم يفرح بهذه الحركة، بل قال: أفرجوا لهم.. أعطاهم الطريق ليفروا فسقطوا في الواقوصة لأنهم قد قيدوا أنفسهم بالسلاسل.
إن هذا التخطيط في تعيين المكان وتوحيد الإمكان، ولماحية القائد بهذا الذكاء لا يمكن أن نعده أمراً بدائياً بدوياً، بل هو لا يخرج عن أسلوب عصري يفاخر المعاصرون بأنهم الفاهمون له، والقادرون عليه، حتى قال قائد ألماني لقائد تركي: أخرج لهؤلاء الإنجليز الذين نحاصرهم الكرك، وقلّد في ذلك قائد الإسلام العظيم خالد بن الوليد.
2 - وفي القادسية: جيش عربي ومسلم في تجمع واحد يخوض المعركة فإذا نسميه اليوم التكنولوجيا من الإعداد الفارسي يستعمل الفيلة فأجفلت خيل العرب.. ورجحت كفة الفرس، لا تنتهي الحرب في يوم واحد كما انتهت في اليرموك، وإنما تطول إلى ثلاثة أيام، فلا يأتي اليوم الرابع إلا والتكنولوجيا العربية تحوز النصر الساحق، فما هي تلك التكنولوجيا؟ إنها من عمل القائد العظيم القعقاع بن عمرو، فلقد جاء القعقاع مدداً يترك جيش الشام - وقد كان أركان حرب خالد - فرأى أن الغلبة كادت تكون للفرس.
قصة الحج إلى بيت اللًه الحرام
قصة طويلة وعريضة.. استطالت على مدى التاريخ.. تاريخ هذا الإنسان على الأرض، وأمكن لها بعد أن تكون محور التاريخ في هذا البلد.. شعباً وحكومات.. أمناً ومخافات.. تقلباً من حال إلى حال على امتداد العلاقات وثبات التعلق.. الحسن فيها معروف مدوّن.. والمسيء لها معروف مدوّن..
ولم يكد ينقضي عهد الفتح.. عهد الوحدة بين العرب بانتقال الخلافة والملك إلى بلد آخر كمؤثرين في سير التاريخ المسلم وكمتأثرين بواقعهما في هذا البلد.. ثم في غيرنا ثانياً..
لم يكد ينقضي ذلك حتى جاء التأثير والتأثر بالحج والحاجين يؤثرون بما يصنعون ويتأثرون بما نصنع ليكون التأثير إيجاباً من ناحية الحسن فيهما، وسلباً من ناحية المسيء إليهما!
قصة طويلة:
بدأت بترك الجزيرة تأكل نفسها بالترف.. حيناً، وبالقرف حيناً آخر لتحيا بالشظف!.. الترف المقرف كان برانياً، والشظف المترف كان جوانياً في دم نقي، ولم يكن هذا الشظف إلا الحرب ضد الترف.. كان الترف حول المدنية الحاضرة كأنه لا وجود لآباء وأمهات في الجزيرة كلها إلا في مدن ثلاث: مكة - المدينة - الطائف.. أما البقية فتعيش إلى رجعة من بداوة وجاهلية.. لولا أنها أمة صلدة سواحة.. زاحفة تواقة.. ممدة وممتدة لما بقي منها أحد!
كل عوامل الإبادة تسلطت عليها، ولكن ذخر الحياة وشظف الأحياء أحيا الحياة فيهم!.. الحج أعان على لقمة العيش.. يأتي بعض حين يترف إلى المدينة.. يعيش أكلها - وأكثرهم نئوم الضحى، ساهر ليل - كما أنه بما أثر قد وسع الانفصال بين المدينة الحاضرة، والأرومة الوالدة في الآباء والأمهات.. حول هذه المدن.. كلهم سواء.. سواء في بادية الحجاز، أو في السراة كلها، أو في نجد بأسرها حتى بحرينها وكاظمتها.. فمن حدود البصرة - أدنى حدود العرب كما هو كتاب عمر لعتبة بن غزوان رضي الله عنهما - حتى نهاية وادي القرى.. بل إلى حافة الأردن، ومن ((حضن)) يرى نجداً من رآه.. إلى شماريخ اليمامة حتى البحرين كلها.. كما هو كتاب أبي بكر إلى إبان بن سعيد بن العاص.. كما هو كتاب العلاء بن الحضرمي.. والي الربع الخالي.. كان كل هذا متروكاً لبيت من الشعر.. من الوبر.. أو الحجيرة من المدر إلى نخيلات وشياه!.
لكن التفوق في العرق والنظافة في الدم سارت إلى رحلة تسوح - إن لم تفتح - بل هي فاتحة بنوع آخر.. تنشر اللغة ليستعرب اللسان بها عراقة العرب.. كأنما هو زحف الناقم لرد فعل جاء من إهمال الزحفين.. قد حف بالترف، والزحف بالشظف!
زحف الإهمال كاد يدمر.. وزحف العرق واللسان لم يسأل عن الترف.. بل كان عدته الشظف.. أنفي عوامل الحزم والعزم في انتشار الأصول لتنمو الفروع.. جعلت البحر الأحمر بحيرة عربية. والخليج العربي مضيقاً.. وجنوب البحر الأبيض كله مسبحاً عربياً، وسواحل بحر الظلمات أرض نور عربية!
ولا ينتهي الترف والقرف والشظف بالعربي إلا وهو قد تخطى المحيط الهندي. وجبال الصين حتى يصل إلى الجزر هناك. وإلى منشوريا.. يجعل من أهلها.. المسلمين.. فبالنقمة الترف كادت تهلك.
الترف جعل من الحجاز - مقر الحج - معهد موسيقى، وندوة ظرفاء.. بينما هو ما كان ولن يكون إلا نور نبوة، وبرهان يقين، وحلبة أبطال، ومنبع كلمة مليحة فصيحة شاعرة، ومحط رجال، ومناط آمال.. يستمد من روافده في عزومه ونجوده كل ما هو أصيل ليقاوم كل دخيل!..
والشظف أعان الثقة لتعود الثقة بجرعات الألم.. يحيا الأمل.. يطرد الهم بعزيمة الهمة.
خلاصة لا بد من تقديمها.. لتعرف مدى التأثر للحاج كما مدى تأثرهم.. حتى إذا علا صوت شوقي:
ضج الحجيج وضج الحل والحرم
تعالت أصوات تستنكر الخوف وتطلب الأمن!
لقد كانت الصورة من هذا البلد.. صورة مخيفة حتى الخوف من الجوع. والخوف من العطش. ثم أصبحنا الآن وقد زالت المخافة وأمن الحاج.. أخذنا نتجه إلى بذل كل مجهود يرضى عنه الحاج.. فكأنما حالنا أصبحت كرد فعل لحال سبقت، ولكن قد تحقق معها قول بعض العامة: (يا طخه.. يا كسر مخه!).
لقد أسرفت مئات السنين في المخافة وعدم العناية، فأصبحنا نسرف الآن في كثير من الرعاية تكلفنا باهظاً!
إن واجبنا أن نرعى وأن نؤمن وأن نريح.. ولكن ينبغي أن يكون ذلك على أساس من التعامل والفهم والوعي.. لا على أساس التكليف لنا وحدنا.. ومن الغريب من هذا البلد كدولة وحتى كشعب يبذل كل ما في الطاقة وأكثر من الطاقة لإراحة الحاج حتى إذا رأوا خطأ أو زلة من واحد لم يغفرها أحد.. بل إن بعضهم ليشنع بها علناً!. أمام هذا كله أريد أن أتبسط مع هؤلاء الحاجين.. أعرض صوراً من صورهم.. راجياً العدول عنها في المستقبل، ومؤملاً الاعتدال لها ومنا كذلك:
قبل أكثر من عشرين عاماً كنت أسرح بفكرة عامية.. أحمل فيها النقد على أنفسنا بما أشعر أنه غير مريح للحاج، وتحدثت في ذلك مع الشيخ (نوري السعداوي) يرحمه الله.. فقال: لعلّك لم تنتبه إلى مستوى الحجاج.. إن هؤلاء أكثرهم غير واع لا يكاد يعرف أين يذهب.. أين ينام؟.. ماذا تصنع الدولة لهؤلاء الذين يغتسلون في الشوارع. وينامون في الطرقات وحتى بعضهم يسكن المساجد.. أعني الحاج الواعي أمثال هؤلاء الذين يسكنون البيوت ويؤدون قيمة الخدمات.. أحمل معك على الدولة، ولا تنسَ أن بعض المباشرين لهؤلاء الحجاج يغضون الطرف عن إهمال الحجاج لأنفسهم!
وأخذت الكلمة من ((نوري بيك)) كوعي أسير به في كل ما ألاحظه على الحجاج.. حتى إذا سألني هذا العام أخي القادم من الدمام.. قال: كيف يذيع الأستاذ عبد الله عريف على رؤوس الأشهاد أنه لم يأته خبر عن شاة ملقاة في الطريق.. مع أني رأيت الكثير من ذلك؟! قلت له: إن عبد الله عريف - كأمين عاصمة - لا يمكنه أن يلقي.. كذبة بيضاء على المنبر.. فهو صادق حينما قال ذلك، ولكنه ماذا يصنع؟. هو وكل القوة التي لديه في هذا الكتيب من الحجاج أنفسهم.. لا تكاد الأوساخ من ناحية.. إلا وقد تراكمت في نواحٍ أخرى.. فكثير من الحجاج لعدم وعيهم.. لا ينظفون ما حولهم.. بل هم يزيدون الطين بلة.. إن القوة الخارجية من حدود الإنسان لا تستطيع أن تغير ما حواليه ما يستطيع هو التغيير!.
أكثر الحاجين لا يعنون بأنفسهم.. كأنهم لا يعرفون شيئاً.. قد يكونون كذلك، ونحن لا نستطيع في أيام محدودات أن نعلمهم.. فلماذا لا يزودهم الفاهمون من إخوانهم بزاد في المعرفة، وبنصح وإرشاد؟!.
إن هؤلاء الفاهمين أصبح من دأبهم التربص بالنقد لنا.. لا التخصص في إرشاد إخوانهم.. إن هذه الحال يمكن تحقيقها بالتفاهم على مستوى المسؤولية من رجال الفكر في الشعوب الإسلامية، أو حتى على مستوى الحكومات.
العرب
كثير من الاقتراحات قدمت إلينا، وطلباً للإرضاء، وعملاً بالإغضاء، وحباً في راحة الناس نفذت هذه الاقتراحات حتى إن بعضها - وقد أصبح نافذاً - قد أضر كثيراً بمصالحنا نحن القائمين بخدمات الحجاج.. بل إنه كلف الدولة الكثير الكثير!
بعض من الحجاج لا يبالي أن يصرف في رحلة سياحية الآلاف ولكن أن يصرف هنا بضعة ريالات لأجرة مسكن أو مقابل خدمة.. فلو وعى الحجاج ما ينبغي عليهم أن يعملوه لأراحوا أنفسهم.
إن الحاج يأتي بالطائرة ومعه القراقيش والجبنة والزيت وحتى قوارير الماء.. وحينما سألهم بعضهم: ماذا يصنعون بقوارير الماء.. قالوا: هكذا سمعنا.. أنه قد يحدث عطش. لا ماء عندكم!. كأنما الكلام القديم لم يقض عليه جهد بذل في أكثر من خمسة وأربعين عاماً.. لكنه بخل الحاج عن الدعوة الحسنة يدعون بها الذين لم يحجوا!
في البلد وفرة من الغذاء والماء، فلماذا يأتي الحاج من أقصى الشرق أو أقصى الشمال، أو أقاصي الغرب بحفنة من خبز أو بجرة من ماء؟ إنه معذور حريص على حياته.. قد حرم العلم..
هما الخطآن: خطأ منا في نقص الدعاية. وخطأ منهم.. أي من إخوانهم.. في عدم التوعية! هذه مشكلة المشاكل ينبغي أن نجد لها علاجاً!
ومشكلات لا تزال لدينا يمكن أن نضع لها الحلول.. لا أستعرضها ناقداً، ولا أريد أن أزيد بها ذا علم، وإنما أطرحها كاقتراحات.. ألقي عن كاهلي بعض ما يثقله من شعور كل ما فيه أن لا يضيع كل ما بذلناه من جهد أمام مشاكل يمكن حلها.
حين ألغى الرسوم عبد العزيز بن عبد الرحمن يرحمه الله تعلمت هذه الكلمة من الصديق إبراهيم إسلام.. قال: إن هذا الإلغاء سيكون سبباً في كثرة الحاجين من الفقراء.. كثرة ليس في طاقة هذا البلد استيعابها.. قد تضيق عليها بعض الأماكن وتكثر معها السيارات فتكون المشكلة!.. وحفظت هذه الكلمة لأجد مدى الصدق فيها.. فوجدتها الصحيحة.. لقد كثر الحجيج من الضعفاء والفقراء فأهلاً ومرحباً بهم. ولكن علينا أن نجهد في هدايتهم الطريق.. في التوعية لهم.
ولقد ضاق المكان - على الأقل في منى - وكثرت السيارات، فتعسر المرور، فما هو الحل!. الحل في نظري: بالنسبة للسيارات، وقد زاده كثرة إصلاح طريق الرياض وما وراءه هو في هذين الأمرين:
أولاً: لنجرب الطلوع إلى عرفات في ردين بدل رد واحد.. لنخفف عدد سيارات النقابة إلى النصف.
ثانياً: لنبذل النصح للآهلين الذين حجوا مراراً أن يؤجلوا حجهم حتى يتسع لدينا التطبيق للتجارب، فلا يحج من أهلنا إلا من وجبت عليه الفريضة.. فسحة لا نجبر عليها وإنما نتطوع بها لتفريج كرب عن القادمين من أرض بعيدة، ولتخفيف الضغط من كثرة السيارات، ولتتسع منى.
أما منى فالحل في اتباع الشريعة.. وهي أن تكون منى سوحاً للمسلمين.. إما أن نأخذ بقسم من الفتوى.. نهدم جزءاً منها ويبقى الآخر بناءً شامخاً؟.. لتهدم منى كلها لتكون كلها سوحاً.. نعطي هذا السوح فراغاً في الفضاء قد يكون ثلاثة أمتار أو أربعة أمتار.. ثم نبني فوق هذه السوح عمارات منسقة بتخطيط موحد.. لتكون سكناً للحاجين، وليستعمل السوح أماكن للسيارات.. دكاكين.. مجازر. مصحات.. منازل لبعض الفقراء.. ويؤجر هذا البناء بإيجار مخفض، وليكون هذا البناء وقفاً على المسجد الحرام، وعلى مرافق الحج.. تصلح به.. ولكي نهدم هذا البناء الموجود فإني أقترح أن تقوم قيمة البناء فقط، ولا تصرف لصاحبها.. بل تبقى القيمة أسهماً مؤقتة في شركة يقوم بها هذا البناء.. هذه الشركة التي أقترح أن تتكون من حصيلتين.. حصيلة بالمال الموجود لدى الأوقاف ليكون للأوقاف بهذا المال.. أو بما يضاف إليه أن نقص 51% من رأسمال هذه الشركة المؤقتة، ويكون للمساهمين من سكان هذا البلد لا غير 49%..
من بينها قيمة هذه العمارات التي ستهدم في منى.. كل ونصيبه، ويحدد لهذه الشركة أجل.. إذا ما استوفت فيه نصيبها مما بذلته الأوقاف ودفعه المساهمون.. لتعود منى كلها وقفاً خاصاً على المسجد الحرام ومشاعر الحج.
أحسب أن مشكلة منى يمكن أن تحل بهذه الطريقة، ولا أظنني أخالف الفتوى التي قررت هدم منى كلها لتكون سوحاً..
الوعي.. والتوسعة قبل كل شيء. وقبل ذلك حل مشكلة حجاج البر بإيقاف السيارات عند حدودنا، ولدينا سابقة.. اتفاقياتنا الأولى مع سيارات العراق.. يمكن العمل على مثالها ليكون بذلك تخفيف عدد السيارات، والحفاظ على مصالح شعبنا، وليكون عملنا بعد ذلك بارزاً لا لبس فيه!
أسبوع المسجد
وليس بدعاً ولا غريباً، أن يحتضن جلالة الملك خالد العناية بالمسجد فيسبغ الرعاية على وزارة الأوقاف والحج.. أقامت أسبوعاً للعناية بالمسجد، من ناحية النظافة، وما إلى ذلك.. كأنما كل من جند لذلك.. قالوا له: أنت ابن المسجد.. هو يبني روحانيتك كما بناها لآبائك وأجدادك.. وأنت حين تبني النظافة في المسجد.. إنما تعلن عن نفسك، أنك قد امتثلت الأمر ((خذوا زينتكم عند كل مسجد)).
فالحكومة بكل مؤسساتها، ورعاية جلالة الملك والأبناء والآباء ومن حركوا أنفسهم للعناية بالمسجد، قد اتخذوا زينتهم.. فالزينة للمسجد ليست في اللباس، ولا في المظهر فحسب.. وإنما هي.. هي في المخبر.. فالمسجد أب الدعوة للإسلام.. مكان ركوع وسجود.. منبر وعظ وإرشاد.. محراب إمام.. جامعة للعلم فالمسجد في كل أدواره.. كل المدرسة والجامعة.
من هنا.. أرجو ألا يقتصر الأمر على أسبوع واحد.. وعناية بأمر واحد فحبذا لو أبقينا على المسجد الحرام والمسجد النبوي..
فقد كانا جامعتين أخرجا للناس - كل الناس - الأئمة العلماء.. والعلماء الأئمة.. فالواحد منهم.. يمكن لأي دارس أن يمنح لقب ((الدكتوراه)) في ناحية واحدة من علم الإمام..
فلقد قلت يوم أن كرمنا الفوج الأول من خريجي مدرسة تحضير البعثات ((ليس الكثير منكم أن تنالوا شهادة الثانوية أو البكالوريوس أو ما يعادلها من شهادات عليا فإن بلدكم هذا من الساعة التي سطع فيها نور ((اقرأ)) على حراء.. نبغ فيه زمنه وبه ((الدكاترة)) ابن عباس.. ابن عمر.. ابن المسيب.. عطاء.. عكرمة.. مالك بن أنس.. الثوري.. الفضيل بن عياض.. مسلم بن الحجاج.. عروة بن أذينة.. ربيعة الرأي.. جعفر الصادق.. جابر بن حيان الشافعي.. وكثير كثير.. مع هؤلاء وبعد هؤلاء.. كالأئمة في العراق والشام ومصر والمغرب والأندلس وخراسان.. كلهم أبوهم المسجد..)).
فلماذا لا يكلف أنفسهم العلماء في جامعة أم القرى والجامعة الإسلامية.. إلقاء الدروس في المسجدين وحبذا لو لم يقتصروا على الدروس الدينية.. فالمسجد في عهده الأول قد اتسع للدروس الدينية والدنيوية.. يجغرف لهم التاريخ.. أو تؤرخ لهم الجغرافية.. وينتقي من الأدب أحسنه وأكمله.. وحتى الطب.. فهل هناك ما يمنع أن تلقى دروس في المسجد عن الطب الوقائي؟!
إن ذلك يحول دون انفصال الآباء عن الأبناء.. يعرف الآباء من دروس المسجد ما عند أبنائهم. حتى ليمكنهم أن يجروا الحوار فيما علموا.. يستزيد الأب من علم الابن.. يفرح الابن بعلم الأب..
وإذا بدا لبعض علمائنا ألا يكلفوا أنفسهم بذلك.. وإذا ما بدا للسلطان أن هذا أمر حسن.. فيكون التشريف للعلماء.. بالتكليف المأمور به لقاء مكافآت، ولعلّ المكافأة الأكبر.. الثواب من الله.. أكثر من ثواب المكافأة.. بل وأكثر منها شكر الآباء للعلماء..
أحسب أن بذل العلم في المسجد.. هو من الزينة التي يتزين بها المؤمن أمام المسجد وفي المسجد وللمسجد وإن من حسن المصادفة أن تكون المنحة من الله.. للشيخ صاحب الفضيلة والمعالي حسن بن عبد الله آل الشيخ فلعلّه الجدير بأن قاد هذا الأسبوع، وارث علم استحفظ على التراث وزيراً للتعليم العالي، ورئيساً لمجلس إدارة دارة الملك عبد العزيز.. فهو المطالب مني بأن يكون معي بكل ما اتصف به.. أن يحبذ ويزكي، اقتراحي بتكليف العلماء، أن يتخذوا من المسجدين جامعتين..
اسمها رابطة العالم الإسلامي
وكاتب الحرف الملتزم لا يجد نفسه ملزماً بأن يكتب عن موضوع يوائم الموقف الذي ألزم به، أو يكتب عن موقف يناقض موقفه الذي ألزم به، والإلزام يعني الالتزام ليس بطابع التسخير بقوة قاهرة أو تعليمات صادرة، وإنما هو مع المسيرة نحو ما التزم به شعبه من مبادئ الدولة التي هي واحد من الجماعة لا يشذ عنها، والخضوع لرأي الأكثرية لأن الأقلية - وإن كان لها رأي الأكثرية - فإن الديمقراطية تلزم برأي الأكثرية وتسقط رأي الأقلية.
وهذه المقدمة أكتبها تاريخاً لرابطة العالم الإسلامي وما تفرع عنها وهو المؤتمر الإسلامي، فقد نبغت نابغة هذه الأيام جرت إليها حوادث الأفغان، وهذه النابغة لا نسأل عنها ولو لم تكن من مصر، فمصر في قرار لإحدى لجان الحزب الديمقراطي الاشتراكي، طلبت تأسيس الجامعة الإسلامية فهل رابطة العالم الإسلامي لا تمثل الجامعة الإسلامية، مع أنها، بالأمس - وحين كانت مصر تتولى أمانة المؤتمر الإسلامي المتفرع من الرابطة - لم تقترح مثل هذا الاقتراح؟ لأنه في واقع الأمر كان في نظرها حينذاك، أن رابطة العالم الإسلامي تمثل الجامعة الإسلامية، وأن المؤتمر الإسلامي يمثل الحكومات الإسلامية في إطار الجامعة الإسلامية رابطة العالم الإسلامي التي يمثل فيها رجال من كل الأمة المسلمة.
إن هذا الاقتراح قد واكبه تفريع ما كان أشد إعجابي به، لو لم يكن في هذا الوقت بالذات. ومن عجيب أن الوقت كما قلنا من قبل، يضفي على كلمة دقة الصواب لها، أو فشل الصواب منها، فالوقت يعطي دلالة الكلمة كل ما تعنيه أو يسلبها كل ما شعبت به.
وهذا التفريع قاله أستاذ يملك ناصية موضوعية، فهو يرى أن المؤتمر الإسلامي يمثل الدول أو الحكومات، فلا بد من إنشاء الجامعة الإسلامية لتمثيل الشعوب، رأي يعجب، لو لم تكن رابطة العالم الإسلامي موجودة، أفليست هي الآن تمثل الشعوب الإسلامية؟ فهذا الرأي لو طرح من قبل أن تؤسس الرابطة لكان توقيته يعطي الصواب له، ولكن غزو الأفغان ووجود رابطة العالم الإسلامي قد سلبه هذا الصواب، ولكن كيف تتغير المواقف التي تحتمها المبادئ بحوادث جانبية ومواقف عرضية؟ فإن مصر العظيمة في إسلامها وعروبتها كانت العضو الثالث للمؤتمر الإسلامي، الملك سعود أي المملكة العربية السعودية -، غلام محمد أي دولة الباكستان، جمال عبد الناصر أي دولة مصر، وقد كان الأخ رئيس الحزب الوطني أنور السادات السكرتير للمؤتمر الإسلامي وحين طرأت مواقف تخلت مصر عن هذه العضوية، لا خروجاً على المبادئ، فمصر المسلمة لا يمكنها الخروج على المبادئ، وإن جانبتها في ظرف معين لغرض معين، وقد طرأ على هذا الخروج وضع البديل للمؤتمر الإسلامي، وهو تأسيس رابطة العالم الإسلامي جامعة إسلامية مثلت فيها كل الشعوب المسلمة وحتى مصر بالذات. فقد كان أحد الأعضاء المؤسسين مفتي مصر السابق الشيخ حسنين مخلوف أي إجراء يمنعه من عضوية رابطة العالم الإسلامي، كأنما الرئيس جمال عبد الناصر - يرحمه الله - قد رأى في تمثيل مصر في رابطة العالم الإسلامي خط الرجعة إليها.
إن الوضع في أفغانستان لا ينفع معه التشغيب ولا تفيد المماطلة، بل إن الجريمة - كل الجريمة - في التخريجات والتفريعات والمماطلة كأنما كل دولة قد انتظمت في المؤتمر الإسلامي ملزمة كل الإلزام بألا تخرج علينا بكلام يمليه الخوف من الاتحاد السوفيتي، أو تنتكس به بمبادئ العروبة والإسلام، ولكنها أوضاع، فلقد قالوا من قبل إن الرابطة والمؤتمر الإسلامي، والتضامن الإسلامي تبعية للولايات المتحدة، وقد رأينا من العالم الحر ومن الولايات المتحدة بالذات الحرب تشن على الإسلام الممثل في الرابطة والمؤتمر والتضامن، مما يثبت أن هذه المؤسسات الإسلامية لم تكن تابعة للاستعمار القديم، واليوم تقول ألسنة عربية أن الولايات المتحدة تسخر المؤتمر الإسلامي لأغراضها.
واليوم تشغب دولة مسلمة برأي خلفي تريد به نسف رابطة العالم الإسلامي والمؤتمر الإسلامي.. حيرة سببها الاستقطاب، وأكبر أسبابها الخوف، ولكنه عزيز ينتصر دائماً بشن الحرب عليه، وكما هو في الحديث الصحيح (إن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الكافر أو الرجل الفاجر) وكما قلت من قبل، فإن تخريج أبي السامي صاحب البيان المشرق أستاذنا مصطفى صادق الرافعي وهو ما أعتقده التخريج الصحيح لهذا الحديث، قرأته له في كتابه (تحت راية القرآن) في الرد على الدكتور طه حسين يقول الرافعي: إنه ليكفر الكافر، يحارب الإسلام، ويفجر الفاجر يحدث البدعة في هذا الإسلام، فتثور ثائرة المؤمنين تحارب الكافر، وتصد الفاجر لتنصر إيمانها، لينتصر إسلامها.
ليلة السبت.. جاعِلْمَنْ وراح!
أناشيد وأغان.. واعتزاز وفخار.. وحماسة تعتري وتنتحي.. وكلمات مجنحة.. وكلام سائر.. إلى غير ذلك مما يجري على الألسنة.. ألسنة قبل: ذهب القتال من عقيدة.. أو ألسنة ذهبت على غير عقيدة.. أو على البطر والأشر.. في كل مواقع القبيلتين تجيء هذه الكلمات حتى إذا انتهى كل قبيل إلى مصيره نصراً أو هزيمة.. جاءت هذه الكلمات التي جرت على ألسنتهم برهاناً على ما نالوا من نصر.. أو ما لحقتهم من هزيمة.
ذكرت هذا كله وأنا في مدينة الملك فيصل - الخميس - كنت أتفرس وجوه الرجال وأسمع ما توحي به نظراتها إلى ما أعد لهم.. إلى ما هم معدّون لـ.. فوجدتني أسير مع هذا المحصل من نظراتي إليهم.. إلى سرد فيه المقارنة بين هذه الكلمات الحماسية الغنائية التي قدمتها في مطلع هذه الكلمة.
هذا القبيل المسلم في بدر تحفظ لأكثر من واحد هي قانون المعركة المنتصرة.. وصارت هي في قوة القانون للذين يقدرون بها قولاً وعنها عملاً.
قبيل مشترك قال واحده كلمة كوّنت لدينا ضعف البصر وهزيمة الذين يقاتلون الفخر ولا يحوزون النصر.
الكلمة المسلمة التي قالها شهيدنا في بدر عمير بن الحمام هي: (بخ بخ وإنما بيني أن أدخل الجنة إلا أن يقتلني هؤلاء ثم قذف التمرات من يده الخ).. رازها في يده فتلقفها بوجدانه يقدم على القتال مجاهداً في سبيل إيمانه، دفاعاً عن قائده رسول الله صلَّى الله عليه وسلم.. فيرزق الشهادة ليكتب هو ومن استشهد معه وبالناجين من رفاقه النصر الأكبر.
الكلمة التي قالها واحد المشركين أبو جهل عمر بن هشام هي: (والله لن نبرح الأرض حتى ترقد النار وننحر الجزر ونشرب الخمر) فتسمع العرب ما تضيف به العزة لقريش.
الكلمة الصادقة جاء بعدها العمل الصادق كانت سبيل النصر.. والكلمة المنتفجة لسان كله البطر أنالت أبا جهل الهزيمة حتى جندلته لا يقتله إلا أضعف الرجال. شابان لو لقياه في طريق لارتعدا هيبة منه.. بركا عليه كأن قوة الصنديد قد استطاعت لحظة أن تبرهن على وجودها أمام ضعف العضل في هذين الشابين.. لكن عضل الصنديد قد خار أمام قوة القلب في الشابين.. ولم يجهزا عليه.. فجاء دقيق الساق، نحيف البدن، رويع القلم ابن أم عبد.. عبد الله بن مسعود، يركب الصنديد كأن قوة القلب في هذا الضعيف أرادت أن تنهك قوة العضل في الصنديد..
كلمتان فيهما البرهان على دواعي النصر وعلى دافع الهزيمة. المسلمة انتصرت لأنها يقين عن يقين.. والكافر انتحرت لأنها كاذبة عن كلب.
وتمضي السنون وحول بدر قريباً من الساحل في (مجز وجزان) يقوم قبيل عربي بقتال جيش فخري باشا ومن إليه فلا نسمع نشيدهم إلا هكذا (ليلة السبت جاعلمن وراح.. ركبت الخيل والسبع القبائل، والفرنجي على مشروبها) أي إنه يقول: إن الغاية هو هذا الفرنجي الجنيه أبو خيال.
وبعدها بشهر حول البئر.. البئر التي نسميها الآن (الفريش) أو بئر الماشي وآبار درويش.. كانت عرضة قال فيها رجل أعجب القوم المشاهدين والعرضين معه.
كان هذا الفارس العربي في أحد مشارف الحجاز وهو من قلب نبد قد عرض يغير على فرس كميت فحفظوا عنه قوله (نجم تهلهل من قرط السماء.. خيال الخيل وأناخو نوره) هو ناعس الذويبي يصف نفسه فاخراً بأنه النجم حل من قرط السماء لا ينكر هذا القول منه فخراً من فارس.. ولكن النكير أنها كلمة لا تنبئ عن يقين اليقين عن غاية واضحة.
سار هذا القبيل المحارب إلى قدره فانتهى إلى لا شيء.. وجاء بعد ذلك أهل ناهس وكل نجد يقرأون كلاماً آخر (هبت هبوب الجنة. وين أنت يابا غيها).
هذه الكلمة لا أحسبها إلا ترجمة لكلمة عمير بن الحمام. الكلمة الفاخرة من الفارس كانت ترجمة لما أراد أن يفخر به الصنديد.. وهنا الفرق بين الكلمتين كالفرق بين تلكما الكلمتين.. طالب الجنة أوصله يقين اليقين إلى النصر.. وطالب الفخر أوصله إلى هزيمة.
إن الكلمات ما هي إلا تعبير عن النفوس.. أو هي معبرة تخطو به النفوس إلى مصائرها. عرف ذلك جاهلي قالها في يوم من أيام داحس والغبراء هو حليفة بن بدر قال لأخيه حصن (إياك ومأثور الكلام).
واليوم نحن نعرف أن كثيراً مما قلناه من الكلام كان من أسباب تأليب العالم ضدنا. كلمة واحدة صادقة تقترن بعمل خير من الشدق بكلام فاخر ليس له أول وليس له آخر.. لا.. إن له آخراً هو ما يجري اليوم.
اليوم فتحت الجامعة أبوابها وذهب الكثير من حملة التوجيهية يؤدون امتحان المقابلة.. لكن بعضهم لم يأخذ استمارة النجاح من المدرس لأن نتيجة امتحان الدور الثاني لم تظهر.. هذا صعب وإن تلطفت الجامعة فقبلت الطلبات استناداً إلى جداول جاءتها من إدارة التعليم أفليس من الممكن كدواعي التنسيق، كإعطاء الفرصة لشبابنا أن يقول (الحمد لله) الإسراع بإعطاء النتيجة من التبكير بالامتحان في وقت يسع لإخراج الاستمارات؟. في العام الماضي استجابت كلية البترول مشكورة لهذه الملاحظة ولم تكن هذه مسؤوليتها وإنما مسؤولية التأخير من غيرها.
لست مجحفاً بأحد فأنا حفي بوزارة المعارف.. قائم بشكرها لما قدمت من خير لهذا البلد.. ولكن الملاحظة ما هي إلا تذكير ومن حق المسلم على المسلم أن يذكره بما هو خير.
العسل الذي شراه الأخ أحمد يوسف زينل من مدينة أبها وأهدانا منه مع الأسف لم يكن صائباً، كان مغشوشاً.. أتعرفون كيف يغشون العسل..؟ يأتون بالقرع الأصفر يغلونه على النار يغدقون عليه السكر.. يضعون هريسة من بذر البامية تعطيه عرقاً يقولون لك هذا هو العسل الأصفر. من غشنا ليس منا.
تحية لأفريقيا السؤدد!
وكثير هي النعم التي أتمها الله علينا في هذه الأيام.. فله الحمد سبحانه.. إنه ولي النصر واهب النعم.
ومن هذه النعم ذلك الانتصار تهديه لنا أفريقيا.. تقطع كل دولها علاقاتها مع إسرائيل.. اعترافاً بحق العرب.. وائتلافاً مع العرب.. وانطلاقاً من معرفة لما تنويه إسرائيل من سوء ظهر واضحاً ضد العرب واتضح للأفريقيين.
أقول.. كل أفريقيا.. فالكلية التي لا تستغرق الجميع.. إنما في هذا الجل الجلول، فالدول الكبيرة في أفريقيا، والشعوب الكبيرة كلها معنا.. حتى ليبريا.. حتى جوموكينياتا. وما علينا من جنوب أفريقيا أو روديسيا.. فإن موقفهما ما هو إلا تحريض لأفريقيا على محاربة الاستعمار والعنصرية..
أفريقيا السؤدد أخذت مكانها في دنيا الإنسان اليوم. فالدول والشعوب ترسخ مكانتها وترتفع قيمتها بمعرفة الحق.. والنضال لنصرة الحق. أما الدولة اللامعة.. الدولة العميلة.. فشيء لا يقام له وزن.. كل ينكر وزنه حتى أفراد من شعبه ينكرون ذلك.. فتسقط الهيبة.. وترجع المكانة تحت أوضاع التبعية..
إن أفريقيا عربية مسلمة في الشمل.. ومسلمة مسيحية فيما بقي من القارة عرفت لنا إيمانها وسلامة مقاصدها.. وصداقتنا لها.. فاستهواها كل ذلك لأن تكون المؤمنة معنا ولنا.. ولتكون الآمنة بنا..
فلئن كسرنا شوكة العنصرية في إسرائيل فإنا نعطي القدرة لإفريقيا أن تكسر العنصرية في الجنوب.. وأن هذا الشذوذ - وأعني به استعمار البرتغال - فإن البرتغال كإسرائيل حثالة لا يقام لها وزن لولا العون ممن سخروا أنفسهم طغاة يعينون الطغيان.
أفريقيا السؤدد أحسبني في غبطة من أمري حين أزعم لنفسي أني من سنوات مضت وأنا أدعو لحسن العلاقة بأفريقيا.. فإذا بي أجدني على صواب فيما دعوت إليه حينما أجد أفريقيا تكون معنا.. تكون لنا.. وتكون إلى غيرنا.
أفريقيا السؤدد أحسبها أرضاً مسلمة تحن إلى القبلة.. إلى بيت المقدس.. يجرها هذا الحنين لأن تكون لنا المعين. وقد سبق لي أن قلت الوحدة في العنصر.. والتوحد في الإيمان لن تكون إلا واحدة في اتجاه واحد.. وحدة المذهب فيها جعلتها لا تشذ عن مصادر مذهبها.. فالحجاز عنه أخذت مذهب مالك.. وحتى نصرانيهم يدين باتباع ذلك المولود في بيت لحم في فلسطين.. فليس عجيباً من أفريقيا أن تقدس أرض الأنبياء.. وتحمي أرض الأنبياء.. وإنما العجيب من هؤلاء الذين يدينون بدين المسيح ثم لا يحمون أرض المسيح عيسى بن مريم عليه السلام.. بل إنهم - وهم نصارى - أصبحوا عوناً لقتلة الأنبياء الذين يفخرون كذباً أنهم صلبوا المسيح وليس الغريب من كذب اليهود وإنما الأغرب من أن يصدق النصارى الصلب.. ثم يكونوا مع طغيان الصالبين.
أفريقي السؤدد أحسبنا لا نفي بحق شكرها علينا فإنها قد أوضحت للدنيا أن القارة التي يسمونها المظلمة قد أصبحت بيت النور.. فالحق الذي عرفت وناصرت ما هو إلا نور ينقشع به ظلام أسدل سجفه استعمار مقيت.. وإلا فما أشد نور الشمس في غابات أفريقيا.. إنها قارة صهرتها الشمس فهي ليست في ظلام من نور الشمس هبة من الله على هذه الأرض.. وإنما كان من الظلم.
تحية لأفريقيا فهي تستأهل كل تحية.. أجل تحية.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1158  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 816 من 1092
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور عبد الكريم محمود الخطيب

له أكثر من ثلاثين مؤلفاً، في التاريخ والأدب والقصة.