شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الشيخ محمَّد الطيب الأنصاري
ـ الشيخ محمد الطيب الأنصاري والمعروف عند كثيرين. (الطيب التنبكتي) نسبة إلى المدينة الزاهرة بالعلماء على نهر النيجر الذي يسمونه (الميز) هو أنصاري غربت بأجداده تغريب الأقربين.. حتى إذا عاد إلى المدينة كانت له القربى عند الخاصة، فقد كان يرحمه الله لا يسترخص قيمته يتسول عواطف العامة.. كما كان يفعل بعض الذين خاصموه.. وعجيب أمر هذا الشيخ الجليل.. كان من أواخر الذين سكنوا المدينة تنتظم به السلسلة الفضية من هؤلاء العلماء الذين عمروا المسجد النبوي من أوائل العشرينات إلى أوائل الأربعينات.. ولئن قدم المدينة أخيراً فقد أصبح أحد الأوائل فيها.. وليس من معرفتي أن أذكر نسبه سألزم بذلك ابنيه ابن التربية أستاذنا عبد القدوس الأنصاري وابن الصلب الدكتور عبد الرحمن الأنصاري، فأنا لا أطالب نفسي أترجم نسبه لأني لم أعرف.. وإنما ألزم نفسي بأن أشيد بحسبه.. وسببه. فالحب نظيف والسبب شريف. ولم يبطئ به نسبه وإنما أسرع به حسبه.. كان ملء السمع والبصر لدى عارفيه، ولدى الذين خاصموه.. فلو لم يكن ذا قيمة وعلى القيمة لما أتعبوا أنفسهم يستجدون عواطف العامة ضده.. ذلك أنه أتعبهم إذ لم ينالوا منه.. ولم يرحهم حينما استحوذ على الخاصة يعلمهم.. دروس في المسجد.. وأستاذ في دار العلوم الشرعية.. وأستاذ كلف أخيراً بتدريس عقيدة التوحيد على مذهب السلف في المدرسة السعودية.
سمعت عنه أول الأمر ولم أسمع منه.. سمعت ما كرهت أن يقال عنه.. ذلك أني لا أطيق أن يسب عالم أمامي.. مهما ذكروا عنه مما عابوه عليه.. لم أتعلق بجفوة نحوه وصحيح أن كل ذلك أبعدني عنه لا أكون من بين الخاصة الذين يتعلمون منه. لقد أنعم الله علي أن أحترم هذه الوصية التي أوصى بها زياد بن أبيه.. فقبل أن أسمعها و أقرأها كنت أعيش في نعماء.. قال زياد - وهو أمير - (أوصيكم بثلاثة.. بالعالم والشريف والشيخ - فإن جاؤني بشاب حقر شيخاً، أو وضيع أهان شريفاً، أو جاهل أهان عالماً لأسرعت بالعقوبة فأسرفت..).
من هذا كان إجلالي للشيخ الطيب الأنصاري.. لقد كان إماماً في النحو.. وفقيهاً في الفقه.. ولم يكن يتفنج. يتحلى بالتواضع.. يلبس الزهادة.. كأنه قد انفلت من عصر الزهاد إلى عصر قل فيه الزاهد.. فالزهادة علمته أن يصون لسانه.. فحين تعرفت عليه وعاشرته في زورة بعد أخرى لم أسمع منه معابة لأحد خصومه.. والزهادة أعطته ألا يرخص قيمة مع العامة فأعطته الاعتلاء حين احتفى به كل الخاصة - أصدقاء وتلامذة - فمن نعمة الله عليه أن كان له أصدقاء لم يعلنوا حمايته، وإنما عرفها الذين يخافون الأقوياء..
شيخ كريم هو إبراهيم البري له عمق العراقة في المدينة المنورة.. لم يتصد لجفوة الشيخ الطيب.. بل كان ابنه عمر البري أحد الذين جلسوا إلى الشيخ يتعلمون منه..
ومن تلامذته - وهم الخاصة - بقية الناس.. السيد عبيد مدني - وأستاذنا رئيس رابطة العالم الإسلامي الشيخ محمد بن علي الحركان، والأستاذ الذي علمته ((ألف باء))، ثم تعلمت منه (ألم) أبو حمزة ضياء الدين رجب، ومن أهله - أعني الشيخ - أستاذنا عبد القدوس الأنصاري، ومحمد عبد الله - طيب الذكر يرحمه الله. والذي أبلغني وأنا في حوار معه، أنه قد ألف كتاباً سماه (الباز المنقض على من قال بكروية الأرض) فجرى حوار بيني وبينه لم أقتنع ولم يقتنع.. ومن تلامذة حلقة الأستاذ حمزة أضلني وغيرهم كثير..
وكان الشيخ الطيب ثالث ثلاثة تزينت بهم مدرسة العلوم الشرعية التي أسسها الشيخ أحمد الفيض أبادي.. لقد كان هؤلاء الثلاثة كباراً في علمهم وتعاملهم وحنانهم على التلاميذ.. والغريب أن كلهم أفارقة.. مغربيان هما الشيخ محمد الأمين الليبي الزاهد التقي. الواسع المعرفة.. كأنه قد أنتزع من ذلك العصر. عصر الموسوعيين.. هو الأستاذ الذي أهدانا الصديق محمد عمر توفيق.. والثاني هو الشيخ محمد عبد القادر الكيلاني الخفي عن الكثير.. والبين كل الإبانة لدى من اختصه.. لقد كان تونسياً صديقاً لعبد العزيز الثعالبي، ومصرياً تلميذاً لمحمد عبده.. وتركياً قاضياً في أزمير.. ويونانياً رئيساً للمجلس الإسلامي الأعلى في كريت.. ومدنياً أستاذاً في دار العلوم الشرعية.. أما الثالث فهو الشيخ الطيب الأنصاري وكان أكثر من هذين تلامذة وتأثيراً.
لا أريد أن أذكر من خاصموه. ولا من لح في ذلك الحاجة على مدرسة العلوم الشرعية.. لقد أسقطت هذا اللجاج، فإذا أنا لمدرسة العلوم الشرعية صديق وحامد..
وكيف عرفت الشيخ محمد الطيب الأنصاري، ذلك حين زار المدرسة السعودية، وكنت أحد الأساتذة بها، الشيخ رئيس القضاة، عبد الله بن حسن آل الشيخ.. فإذا هو يجد أن دروس التوحيد في متن السنوسية والجوهرة للباقلاني.. فحزم أمره حين أقصى الشيخ عبد القادر الشلبي عن العمادة في المدرسة بعد جدل في موضوع يخالف ما عليه الشيخ عبد الله بن حسن، فأصر قاضي القضاة على أن تكون دروس التوحيد في المدرسة كلها بقسميها التحضيري والابتدائي.. فلا يدرس إلا كتابا شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب - كتاب الثلاثة الأصول والعقيدة الواسطية - وكلف الشيخ محمد الطيب الأنصاري أن يقوم بكل ذلك..
وجاء الشيخ الطيب ينفذ التكليف فرحب به المدير والأساتذة ترحيب المجاملة، وتركوا له أن يلقي الدروس في العقيدة على ثلاثة عشر فصلاً فأحرجوه.. إن ذلك يعطله عن دروسه في دار العلوم الشرعية.. وحتى عن حلقاته في المسجد.. وحين رأيت الحرج على الشيخ - وكنت حاضراً - أنعم الله علي بأن أكون معه لا يكلف بهذا التكليف.. فقلت دون أن أستأذن المدير والزملاء وأكثرهم أساتذتي.. ارفعوا عني دروس المحفوظات والتاريخ في القسم التحضيري.. فإني أستأذن الشيخ أن يلقنني كتاب الثلاثة الأصول أقوم بتدريسها في الفصول التي قررت فيها.. وهو يقوم بتدريس العقيدة الواسطية، وانفرجت أسارير الشيخ، وازورت بعض الوجوه.. وأعانني الله على ذلك.. من يومها عرفني الشيخ فحباني بعطفه.. فكنت أزوره لأسأله.. أو أسلم عليه.
ومرة وجد ابن الصديق الدكتور عبد الرحمن الأنصاري في القماط وهو بجانبه وقد كان وعكاً مصاباً ببعض الحساسية. فقلت للشيخ لعلّها الوراثة.. فقال الشيخ: (لا أؤمن بالوراثة) قلت: بل تؤمن بها (تخيروا لنطفكم فإن العرق دساس) ولعلّه عرق انتزعه فقال بكل السماحة والرجاحة: أهذه هي الوراثة؟ قلت: نعم.. قال: آمنت بالوراثة..
وفي عصر يوم قبيل المغرب وفي المسجد النبوي - مر فوقف يسألني عن كتاب في يدي. قلت إنه كتاب في الجغرافيا.. قال: وما الجغرافيا؟ قلت: اسأل ياقوت الحموي وتقويم البلدان.. قال: هات.. فأخذه مني وبعد أيام رده إلي فقال: كل ما فيه طيب.. الجبال والأنهار والقارات والجزر.. لكني لا أؤمن بكروية الأرض..
ورحلت من المدينة وتوفاه الله وأنا بعيد عنها في مكة.
ونعود إلى قواعدنا سالمين. بعد أن حبسنا حابس الفيل لا نخوض القال والقيل.. ولم يكن ذلك الحابس عن تعجيز الكرب النفسية. أو ما إلى ذلك.. من كسل الفصل.. وتطلع العقل إلى ما يحمد.. نعود إلى قواعدنا نكتب عن الأشياخ.. فحين كنا في المجاعة تحيط بنا الأمية والجهل، وجدنا الغوث عند هؤلاء الأشياخ، سواء كانوا من شيوخ الكتاتيب، أو من مشيخة الأساتذة المدرسين في المدرسة، أو من شيوخنا العلماء في المسجد النبوي.. فبعضهم كنا به ومعه وله، وكان بكل ما لديه لنا أباً ومعلماً، وبعضهم لم نكن به، وكان لزاماً أن نكون له، فطالب العلم ينبغي أن يحترم أستاذ العلم، ومن هؤلاء الأشياخ الذين سأكتب عنهم، والذين عمروا المسجد النبوي، فلعلّي قبل أن أبدأ باليسير من سيرة الشيخ محمد الطيب الأنصاري المعروف عند العامة (بالتنبكتي).
قبل أن أبدأ الكتابة عنه أسرد أسماء الذين عرفناهم أصحاب حلقات في المسجد، أحرض الذين تخرجوا من المسجد وشغلتهم شواغل أخرى، أن تكون لهم حلقات..
إن المسجد النبوي قد عمر بالعلماء وبكثرة وافرة، فمن أوائل العشرينات الهجرية إلى أواسط الثلاثينات كثر العلماء من كل الأقطار المسلمة.. سواء الذين أحبوا الإقامة في المدينة أو الذين هربوا من ظلم الاستعمار في المغرب العربي وفي الهند.
إن هؤلاء الذين كثر وجودهم في المسجد من العلماء منهم من الذين ولدوا ومن أعراق قديمة فيها كالسيد أحمد البرزنجي وابنه السيد زكي البرزنجي، والشيخ إبراهيم البري وابنه عمر البري.. والشيخ عمر كردي الكوراني حفيد صاحب السند العالي إبراهيم الكردي الكوراني الذي اتصل به شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب أيام وجوده في المدينة المنورة.. وقبل هؤلاء كان العلامة الجليل عبد الجليل براده وصديقه وصفيه إبراهيم الأسكوبي.. أما الذين أصبحوا من أهل المدينة حقاً فأقاموا فيها يعمرون المسجد فأكثرهم من المغاربة - تونسيون وجزائريون ومراكشيون - أمثال شيخ الشيوخ حمدان بن الونيس الذي أخذ عنه الأمير شكيب أرسلان الكثير وأعجب به، ومن ذلك الحديث (يوشك أن تتداعى عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة على القصعة) قالوا أمن قلة يا رسول الله؟ قال: بل غثاء كغثاء السيل.. إن ما يدرككم الوهن، قالوا وما الوهن؟ قال: حب الدنيا وكراهية الآخرة.. وفي رواية حب الحياة وكراهية الموت.. أو كما قال عليه الصلاة والسلام.. ذكر ذلك أبو غالب بن ماء السماء الأمير شكيب أرسلان في تعليقاته على الكتاب (حاضر العالم الإسلامي) ترجمه إلى العربية الكاتب العربي الدرزي عجاج نويهض، وقد امتلأ بتعليقات الأمير فإذا الكتاب يصبح مرجعاً.
ومن هؤلاء العلماء المغاربة عبد الحميد بن باديس، والبشير الإبراهيمي، والطيب العقبي، والعزيز بن الوزير شيخ شيخي السيد محمد صقر.. والشيخ الحبيب، وحميده، والبيضاوي، والشيخ محمد العمري.
ومن شنقيط الخضر بن مايا الجنكي والد صديقنا محمد الأمين سفير الأردن سابقاً.. ومن أفريقيا السمراء (الألفا هاشم) ومحمد الطيب الأنصاري ومن لبنان وطرابلس الشيخ عبد القادر الشلبي.. ومن الهند الشيخ عبد الباقي الأنصاري والشيخ خليل أحمد (بذل المجهود) شرحاً على أبي داوود. والشيخ السيد حسين أحمد وهما من جامعة بيوباند وكانوا أهل حديث ينتصرون لمذهب أبي حنيفة على طريقة محمد بن الحسن والطحاوي.. فالسيد حسين أحمد هو الرجل الثاني من هؤلاء العلماء الذين أعجب بهم الأمير شكيب أرسلان، فالأمير ينبغي ألا يفوتنا أنه جاء ثالث ثلاثة.. عبد العزيز جاويش أحد أعلام الحزب الوطني - حزب مصطفى كامل.. وعبد القادر المغربي علامة دمشق، والأمير شكيب.. جاؤوا لتأسيس الكلية الإسلامية التي أقاموا قواعدها غرب التكية المصرية وشرق محطة القطار.. فعاجلتهم الحرب ولم تؤسس الكلية.. ولا أنسى الشيخين محمد العلي التركي وصالح الزغيبي من أعيان القصيم وأكابر مدينة عنيزة.. كل هؤلاء العلماء قد استنارت وجوههم في المسجد النبوي.
إن عبد الحميد بن باديس زعيم الثورة في الجزائر ومربي أجيالها عاد مسرعاً إلى الجزائر يحمد للسيد حسين أحمد (عم السيد حبيب) أنه قد نصحه حين قال له: لماذا هجرت الجزائر تقيم في المدينة؟ أتحسب أن هذا تصنع به استقلال الجزائر وتحارب به استعمار فرنسا؟ عد إلى الجزائر فالجهاد هناك.. سمعها بن باديس وعاد.. فكأنما السيد حسين أحمد قد نظم الخطة لجهاد الجزائر في المسجد النبوي..
هذه المقدمة وجدت لزاماً علي أن أذكرها كأنما أفهرس بها الأسماء التي سأكتب عنها بقدر ما أعرف أو بالقدر الذي أتعلمه من غيري إن وافاني أحدهم بما يفيد..
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1392  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 812 من 1092
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج